لعل العلامة الأبرز في الجيل الحالي من ألعاب الفيديو هي الطفرة الكبيرة في إنتاج ألعاب التصويب بشكل عام و ذات المنظور الأول بشكل خاص, هذه الطفرة غذيت بعوامل كثيرة منها توجه كبريات فرق التطوير الغربية نحو أجهزة ألعاب الفيديو المنزلية ( وبالتالي توجه الكثير من لاعبي الكمبيوتر الشخصي إليها أيضا ) و التوجه العام من قبل اللاعبين نحو الألعاب التي تقدم تجارب على شبكة الإنترنت, و لا ننسى بالتأكيد رغبة الشركات في تطوير ألعاب يمكن الاستفادة منها على المدى الطويل عبر المحتويات القابلة للتنزيل DLC.

هذا العام شهد صدور العشرات من ألعاب التصويب, و لكن ما الذي قد يدفع اللاعب في التوجه نحو فار كراي 2 ؟ بعيدا عن أجواء المركبات الفضائية المشؤومة بمسارتها الضيقة و بعيدا عن فكرة فناء البشرية على أيدي المخلوقات المتحولة وبعيدا عن أجواء المستقبل وما يقدمه من أسلحة مزودة بتقنيات غير معهودة, تقدم فار كراي 2 تجربة أكثر واقعية, مجموعة من المرتزقة يلقى بهم في دولة أفريقية تعيش حالة حرب أهلية, مهمتك الرئيسية التي ستوكل إليك هي القضاء على تاجر الأسلحة المدعو ب The Jackal و الذي يغذي أطراف النزاع عبر تجارته, للوصول إليه يتوجب عليك تتبع تعاملاته عبر العمل بشكل مزدوج مع جانبي النزاع المتمثل في فرقتي UFLL و APR.

http://www.tg-media.net/upload/images/farcryimage1.jpg

إن الفكرة الواقعية التي تقدمها اللعبة لا تتمثل في القصة التي تقدمها فحسب بل في جوهر اللعبة و إعدادتها أيضا, في أفريقيا ستكون معرض بنسبة كبيرة للإصابة بمرض الملاريا و هذا ما سيحدث معك فعليا وستضطر للبحث عن العلاج بشكل مستمر, و في ساحات الحرب لا يمكنك الاعتماد على الأسلحة الصدئة الملقاة على الطرقات لذا سيتطلب منك شراء أسلحتك بنفسك بقيمة الألماس الذي ستحصل عليه إما في مقابل خدماتك التي تقدمها لأطراف النزاع أو ما يمكن أن تلتقفه يديك في عالم اللعبة المفتوح. التنقل بحرية أيضا ليس خيارا مفتوحا فهناك العديد من نقاط التفتيش والدوريات العشوائية الي سترصد تحركاتك ولن تتوارى عن مهاجمتك, والتنقل خلال هذه المساحات الشاسعة يتطلب وجود وسائل مواصلات وهذه الوسائل ستكون عرضة للأعطال إما بسبب الهجمات التي ستتعرض لها في طريقك أو من خلال قيادتك الرعناء. هذه الأفكار الواقعية ترسم خطا مميزا للعبة إلا أن تطبيقها كان يفتقد للمرونة في جوانب كثيرة ستظهر لاحقا.

http://www.tg-media.net/upload/images/farcryimage3.jpg

تقدم فار كراي 2 أسلوب لعب مفتوح, وليس المقصود هنا مساحات اللعبة الواسعة فحسب بل أيضا طريقة التقدم في اللعبة و اختيار المهمات وحتى في طريقة تنفيذها. تنقسم المهمات في اللعبة لفئتين, مهمات رئيسية تضمن تقدمك في اللعبة وقصتها و مهمات فرعية تحصل من خلالها على بعض الإضافات كأسلحة جديدة أو للحصول على ألماسات إضافية. و في بعض الأحيان ستلاحظ أن اللعبة ستقدم لك مهمة الاختيار من جديد ذلك و ذلك ضمن نطاق المهمات الرئيسية.في الواقع اعطاء الحرية للاعب قد يخلق نوعا من التشتيت لدى اللاعب الذي يفضل المباشرة و أساليب اللعبة الخطية و قد تعطي انطباعا واضحا بأن اللعبة تفتقر لمسار معين يجب على اللاعب الالتزام به, لكن محبي ألعاب الSandbox سينظروا إلى ذلك بمنظار أكثر إيجابية.

فار كراي 2 تحمل في طياتها الكثير من العناصر التي تصنع لعبة تصويب متميز كالتحكم المتقن والجرافيكس الرائع ونظام الترقية المتوازن و لا أنسى نظام فساد الأسلحة بعد فترة من استخدامها, وبينما تبدع فار كراي 2 في هذي الجوانب فهي أيضا تقدم اختيارات تصميمية صائبة كنظام الأصدقاء أو Buddies و فكرة إعطاء اللاعب الحرية في التقدم خلال اللعبة على النحو الذي يريده, إلا إن اللعبة في الجانب المقابل تسقط في جوانب أخرى.

http://www.tg-media.net/upload/images/farcryimage2.jpg

اللعبة تعاني من مشكلة حقيقية في نظام الذكاء الصناعي لدى الأعداء, هناك مزيج بين الغباء وعدم العدل لا محالة سيخلق حالة من التذمر و الإحباط لدى اللاعب, الأمر لا يتوقف فقط على عدم رؤية الأعداء لك عند مرورك الواضح أمامهم في كثير من الأحيان بل يتعدى ذلك ليصل إلى قدرتهم الخارقة و الغير متزنة في مهاجمتك, فهم لديهم القدرة على اكتشافك من مسافات بعيدة وأسلحتهم الصدئة لديها القدرة على اختراق جسدك من مسافات بعيدة و بكميات مهولة ( على الرغم بأن أدائها بين يديك في منتهى السوء و الضعف ), بل ستفاجأ في مواقف عديدة أن أسلحتك التي قمت بشرائها و ترقيتها تقف عاجزة في مواجهتهم إلا بعد أن تفرغ عتادك من الذخائر, هذه الملاحظات وهذا التفاوت و التباين يثير أكثر من علامة استفهام على كمية الجهد و الوقت المبذول من قبل فريق التطوير في هذا الجانب.

إحدى سقطات اللعبة أيضا هي المعارك العشوائية التي ستواجهها في طريقك أثناء التنقل, ليس من المبالغة في شيء أن نقول أن ثلث اللعبة أو ربما نصفها ستقضيه في هذه المعارك, عامل التكرار يصل لمستويات غير مقبولة و مثيرة للإحباط, ستلاحظ أنك تكرر نفس العمليات بمعدل ثابت, في كل مرة تصعد فيها على ظهر سيارة ستواجه فيها مجموعة من الأعداء وبعد مواجتهم ستكتشف أن أعيرتهم النارية أصابت سيارتك و أصبح لزاما عليك الترجل منها لإصلاحها أو البحث عن أخرى, هذه العملية ستكرر لعشرات بل مئات المرات في اللعبة خصوصا و أن اللعبة تقدم عالم مفتوح يستوجب عليك التنقل فيه لمسافات طويلة و بشكل مستمر, هذه التشكيلة بين الذكاء الصناعي المضمن بشكل سيء بجانب المعارك العشوائية و التنقل لمسافات طويلة هي مصدر الإحباط الحقيقي و الذي يلغي الكثير من الجماليات التي تقدمها اللعبة.

http://www.tg-media.net/upload/images/farcryimage4.jpg

إجمالا فار كراي 2 تلعب بشكل جيد جدا, هناك الكثير من الإيجابيات و التجربة في مجملها ممتعة رغم العيوب الظاهرة, مع وجود طور لاعب منفرد طويل يستمر لأكثر من 30 ساعة وغني و طور لعب جماعي مزود بخيار تصميم خرائط Map Editor ضخم و مليء بالخيارات, فاللعبة تقدم قيمة كبيرة, إلا إن نظام اللعبة المرتكز على ألعاب الSandbox و العيوب التي تحملها تمنع توصيتها لللاعبين الذين يفتقدون للصبر .

شارك هذا المقال
Far Cry 2
جرافيكس رائع و بيئة غنية بالتفاصيل و تجسيد متميز لأجواء أفريقيا و كل هذا مع أداء ثابت. نظام مرن للترقية والمكافئات, خيار تكوين الأصدقاء أو Buddies يغني التجربة على نحو إيجابي, فساد الأسلحة بعد فترة من استخدامها يضيف بعدا واقعيا للعبة, الحرية في اختيار المهمات تخرج اللعبة من النمطية المتواجدة في ألعاب التصويب, طور لاعب منفرد عميق وغني بالمحتويات و طور لعب جماعي مع مصمم خرائط ضخم و مثير للإعجاب.
نظام ذكاء صناعي سيء وغير عادل, المعارك العشوائية مثيرة للإحباط , هناك تكرار يظهر في كثير من جوانب اللعبة حتى عبر المهمات الرئيسية, رغم وجود نظام محدود للتنقل السريع عبر مواقف الحافلات إلا أنك سترغم على المشي أو التنقل بالسيارة لمسافات بعيدة تأخذ كثيرا من الوقت مما يعني كثيرا من الملل, هناك مشكلة تقنية في نسخة الإكس بوكس 360 خاصة بالظلال تظهر اللعبة بشكل غير محبب للأعين بالإضافة بعض المشاكل و الأخطاء البرمجية.
فار كراي 2 لعبة تحتوي على عيوب لا يمكن تجاهلها, اللعبة تحتاج لكثير من الصبر على الأخطاء التي وقعت فيها للإستمتاع بالجوانب الإيجابية التي تقدمها, و بوضع السلبيات في كفة و الإيجابيات في كفة أخرى فسنرجح كفة الإيجابيات , إذا كنت من محبي ألعاب التصويب فمن الصعب تجاهل لعبة بهذا الجمال البصري والعمق و القيمة الكبيرة و الأهم من ذلك, المتعة الي تقدمها.
تاريخ النشر: 2008-10-01
طورت بواسطة: Ubisoft Montreal
الناشر: Ubisoft