hussien-11
Senior Content Specialist

عندما يأتي ذكر جهاز الننتندو 64 بالعادة أرى أن الكثيرين يصفونه بالجهاز الفاشل تجاريًا، وهناك آخرون يرون أنه كان ناجحًا، هناك نوع من الاختلاف في الرأي حول نجاح هذا الجهاز من عدمه. بالتفكير في الأمر، وبتقصي الحقائق التاريخية و تحليلها بموضوعية، أعتقد أن الوصف الأمثل للجهاز هو جهاز نصف ناجح، لكن الننتندو 64 لم يكن جهازًا فاشلًا ولم يفشل، وإنما دعنا نقل أن مستوى نجاحه كان أقل من مستوى التوقعات.
دعني أذكر على ماذا أستند عندما أقول أنه كان ناجحًا:
العامل الأول: الأداء المالي

حقيقة تاريخية قد تكون صادمة للكثيرين، مستوى ربحية ننتندو أو صافي الإيرادات في حقبة الننتندو 64 موازي لما حققته الشركة في حقبة السوبر ننتندو رغم الانخفاض الكبير في مبيعات الننتندو 64 مقارنة مع مبيعات السوبر ننتندو
الأداء المالي هو مقياس نجاح أي شركة، في عهد الننتندو 64 حققت شركة ننتندو أرباحًا هي من الأعلى في تاريخها في ذلك الوقت، و لا ينافسها فيه إلا حقبة السوبر ننتندو
بالطبع، هناك عوامل أخرى تدخل في تحقيق مثل هذه الأرباح منها الأجهزة المحمولة، الجيمبوي و الجيمبوي الملون، وانفجار بوكيمون
لكن الفكرة العامة أن تجارة الشركة كانت تحقق أرقامًا قياسية، حتى في حقبة الننتندو 64، مما يشير إلى أن الجهاز أدى دوره بنجاح في أداء الشركة المالي
من جهة أخرى في نفس الرسم البياني نستطيع أن نرى كيف كان أداء شركة Sega المالي بالمقارنة، لنعرف كيف يكون شكل شركة تعاني من منتجات فشلت تجاريًا بالكامل.
العامل الثاني: المبيعات
الننتندو 64 تمكن من بيع 33 مليون جهاز حول العالم. هذا الرقم هو السبب الأساسي في حكم البعض على الجهاز بالإخفاق بسبب مقارنته مع مبيعات البلايستيشن الأول التي تجاوزت 100 مليون جهاز، ولكن هذه المقارنة غير صحيحة
في البداية، لا يقاس مستوى نجاح جهاز فقط بمبيعات المنافس، وإلا سيكون الPSP فاشلًا مع أنه باع أكثر من 80 مليون جهاز، لأنه لم يقترب من مبيعات الDS الذي باع 155 مليون جهاز.
علينا أن نضع بالاعتبار عدة أمور:
- في السوق الأمريكي تمكن الننتندو 64 من بيع أكثر من 20 مليون جهاز، هذا رقم محترم جدًا خصوصًا في التسعينات، عندما كان حجم الصناعة أصغر بفارق كبير مما هي عليه اليوم
- هذا هو نفس مستوى مبيعات جهاز Sega MegaDrive الذي صنع إرث شركة سيجا في عالم الكونسول، والذي ينظر له على أنه حقق نجاحًا كبيرًا و كسر احتكار ننتندو لسوق الألعاب
- هناك سقف مبيعات لأي شركة، سقف نجاح ننتندو كان أقل من سقف النجاح الذي صنعته سوني، ننتندو في التسعينات لم يكن لها وجود قوي في أوروبا و لم يصبح لها وجود قوي هناك إلا مع النجاحات الأسطورية لأجهزة Wii/DS التي وصلت إلى نوعية جديدة من الزبائن، سقف نجاح ننتندو التاريخي آنذاك كان كمبيوتر العائلة بواقع 60 مليون جهاز. ننتندو كان تعتمد في المقام الأول على السوق الأمريكي و السوق الياباني.
- الننتندو 64 كان موجودًا في وعي الناس وإدراكهم، كان من ضمن (المحادثة)، لم يكن أحد يستطيع تجاهله عند الحديث عن عالم الألعاب في التسعينات، بالمقارنة مع جهاز فشل تجاريًا: الساتورن؟ حتى اللاعبين الذين لم يتابعوا المجلات أو مواقع الانترنت في بداياتها، لا يعرفون أن هناك جهاز اسمه الساتورن.
- صدق أو لا تصدق عزيزي القارىء، سوبر ماريو 64 كانت أكثر لعبة مبيعًا في الجيل الخامس بأكمله بواقع 12 مليون نسخة! وأكثر مبيعًا حتى من فاينل فانتسي7 على البلايستيشن الأول أو غران توريزمو.
العامل الثالث: الانتقال الناجح إلى البعد الثالث
علينا أن لا نتجاهل مستوى السوفتوير و نجاحاته و تأسيسه لمستقبل الشركة. مرة أخرى، عندما ننظر إلى Sega نرى كيف أخفقت الشركة في الاستثمار في العناوين التي حققت نجاحات ضخمة على الميجا درايف
التحدي في نقل الألعاب من الأبعاد الثنائية إلى الثلاثية أكبر بكثير مما يتخيل أي شخص لم يعايش تلك الحقبة الزمنية، عشرات السلاسل فشلت في تحقيق النقلة وإما فشلت و اندثرت أو جرى تحجيمها، منها عناوين مثل Megaman و Shinobi و Castlevania و Contra و Prince of Persia والكثير الكثير، كانت نقلة محورية بكل معنى الكلمة
بل الحقيقة أن الألعاب التي نجحت في تحقيق النقلة في ذلك الجيل تعد على الأصابع!
ننتندو، نجحت في النقلة نجاحًا مبهرًا جدًا جدًا، وهو ربما أعظم إنجاز في تاريخ شركة ننتندو.
الننتندو 64 أكثر جهاز ألعابه ألهمت المطورين في ذلك الجيل
على الرغم من النجاح الخارق للبلايستيشن الأول لكن تأثير ألعاب الننتندو 64 على المطورين كان أكبر بدون جدال، تصريح من روكستار نفسها يحسم أي نقاش في هذا الأمر. البلايستيشن الأول أقدم عمرًا، ولم يكن قادرًا تماما على تقديم أبعاد ثلاثية في لعبة كاملة، الكثير من الألعاب كانت تمزج الخلفيات الثنائية بمضلعات ثلاثية الأبعاد للشخصيات، أو تستخدم حيلا تقنية مثل سايلنت هيل (الضباب وجد بسبب عدم قدرة الجهاز على تجسيد المدينة) أو الكاميرا العلوية في متل جير سوليد 1. ألعاب الPS1 كان عندها عنصر الإبهار للمستهلك المتمثل في العروض السينمائية التي سمحت بها مساحة الأقراص التخزينية، و الجودة الأفضل في الصوتيات بسبب عدم ضغطها، لكن الجهاز نفسه لم يكن قادر على خدمة الألعاب ثلاثية الأبعاد مثل الننتندو 64، هذا يعني أن الألعاب نفسها كانت أقل طموحا في الgame design.
الننتندو 64 كان يقدم عوالم ضخمة مذهلة (بمقاييس الجيل الخامس) في ألعاب مثل أوكارينا الوقت و بانجو و غيرها وبالأبعاد الثلاثية بالكامل والألعاب كانت مبنية خصيصًا من أجل عصا الأنالوغ في أداة التحكم، أوكارينا الوقت كانت أول تجربة للاعبين يتجولون فيها على ظهر حصان في عالم مفتوح يتغير فيه الوقت من الليل إلى النهار في الزمن الحقيقي، الشعور كان غير مسبوق إطلاقا. ألعاب Rare مثل بانجو كانت ملهمة بدرجة مخيفة وهي بدون شك الملهم الأول لسلاسل مثل "جاك و داكستر"، "راتشيت و كلانك" وغيرها في ظل شعبية Rare الجارفة وتأثيرها المدهش على المطورين في العالم الغربي. هذا دون الحديث عن ألعاب مثل Golden Eye التي صدرت في 1997 وكانت المؤسس الحقيقي لألعاب الFPS على الأجهزة المنزلية واللعبة التي مهدت الطريق أمام Halo و Call of Duty. الكثيرون لا يعلمون أن جولدن آي هي ثالث أكثر لعبة 64 مبيعًا بواقع 8 مليون نسخة وهو رقم خارق في ذلك الوقت، كما كانت أول لعبة FPS تنجح في اللعب الجماعي على جهاز منزلي بجانب طور اللعب الفردي الذي كان مميزًا هو الآخر.
الجهاز لم يكن خارج معادلة السوق أو خارج معادلة عالم الألعاب كما كان الحال مع الساتورن أو حتى الجيمكيوب في أيامه الأخيرة.
طيب لماذا نصف ناجح وليس ناجحًا بالكامل؟
- نصف ناجح لأن الجهاز أخفق في السوق الياباني، الهام للغاية و المحوري، حصة ننتندو في السوق الياباني هبطت بصورة بشعة وقتها بعد اتجاه كل من سكوير سوفت و إينكس نحو البلايستيشن وخسارة عناوين مثل فاينل فانتسي ودراجون كويست ضربت حصة ننتندو السوقية في اليابان.
- نصف ناجح لأن الجهاز صدرت عليه 388 لعبة فقط طوال دورة حياته وهو رقم مخزي، هناك أجهزة باعت أقل من ال64 و لكن حصلت على ألعاب أكثر، أي أن الbusiness model الخاص بالجهاز لم يكن منطقيًا في نظر الشركات بسبب رسوم الترخيص العالية التي كانت تدفعها لننتندو حتى تشتري الأشرطة المرتفعة الثمن، بينما أقراص البلايستيشن كانت تكلفهم الملاليم بالمقارنة ومبيعات الجهاز كانت أكبر بفارق.
ننتندو أعطت الأولوية لنفسها بالكامل، الكارتردج يخدم ألعابها و يكفي لألعابها، والأهم أنه يحمي ألعاب الشركة من القرصنة ويحمي ربحيتها بالتالي وهذا ما حصل بالفعل، ولكن لا يمكن أن نقول أن التضحية بكل شركات الطرف الثالث هي ثمن مقبول.
تحية.