Just Human
True Gamer
أنا أقترح عليك تجربة صغيرة يا صديقي :
اذهب الآن وألق نظرة على رفوف أحد متاجر ألعاب الفيديو، واقرأ الغلاف الخلفي للعناوين المميزة والأكثر شهرة، واحسب معي عدد الجمل التي تشير ل : "استكشف مساحات لا حدود لها"، و"اكتشف عالما مفتوحا ضخما مذهلا". "السفر عبر عوالم غنية وواسعة "أو حتى " أضخم لعبة فيديو! ". على فكرة لقد أجريت هذا الاختبار بنفسي.. (ليس بشكل مقصود طبعا)، لكن عن طريق تفحص الألعاب الخاصة بي وأحصيت أكثر من عشرة أمثلة متشابهة، بل و تتشابه لحد التطابق. إن مسمى العالم المفتوح، أصبح بطريقة ما حجة تسويقية من طرف شركات الألعاب، و أحيانا يتم إستخدامه بشكل مكذوب، أضحى الآن تسمية لعبتك (لعبة الشركة) ب "لعبة العالم المفتوح" مسمى يكاد يكون شرطا أساسيا لأغلب إنتاجات ألعاب الفيديو الكبرى (العناوين الشهيرة "AAA"). وتأتي معها الوعود بساعات لا حصر لها من اللعب، وعالم بلا حدود (على الأقل في مظهرها و في ظاهرها) حيث لديك الحرية في الذهاب إلى أي مكان تريد، والاستكشاف كما تريد، وقضاء العشرات من المهام الممتدة بأرجاء ذلك العالم الساحر.
هذا وعد عظيم صحيح. ولكن بأي ثمن يأتي؟
أصول ألعاب العالم المفتوح بشكل موجز :
ما هو متعارف عليه في الأصل بأنه عالم مفتوح هو أن تكون هناك لعبة يكون فيها اللاعب قادرا على التحرك بحرية، واستكشاف العالم دون حدود واضحة، و دون أن يكون أسيرا لقيود مرحة ما أو سردية معينة - على عكس الهياكل التصميمية ذات النموذج التصميمي الخطي في مراحلها، حيث تتطلب منك اللعبة المضي قدما من النقطة A إلى النقطة B باتباع إطار محدد جيدا بشكل سكربتد من المصمم بمسار عمودي مستمر. إذا كان هناك مسعى رئيسي بالألعاب الخطية يجب عليك اتباعه بشكل مفروض عليك، و هذا المسعى بنيته السردية خطية بالفعل، فإن العالم المفتوح يقدم خطوطا جانبية متنوعة من الممكن إنجازها أو حتى عدم إنجازها (الأمر يعود الى اللاعب)
على هذا النحو، يمكننا القول أن سلسلة مثل Shenmue، هي من الأمثلة المبكرة للعوالم المفتوحة بتاريخ ألعاب الفيديو التي يتم تعريفها على هذا النحو من خلال إمكانية استكشاف العالم بشكل كامل وحر، و بتصميم مطرز طرز فاخر جدا من ناحية تصميم مراحله. يمكنك الذهاب إلى مقهى محلي صغير والدردشة مع النادل (على سبيل المثال)، والذهاب للتسوق بالصيدلية المحلية، أو حتى التقدم لوظيفة بهدف توفير بعض المال، وما إلى ذلك من التجارب التفاعلية الممتعة. يخدم العالم المفتوح الانغماس في التجربة وسرد القصص بشكل كامل، حيث تعطيك اللعبة انطباعا بأنك تسكن بذلك العالم، وبأنك حر في القدوم منه والذهاب إلى هناك كل ما رأيت الوقت ملائما لذلك، والتحدث مع من تشاء، والقيام بالأنشطة اليومية الحياتية خارج ضغوطات الحياة الواقعية (الحقيقية). إنها رؤية صلبة نجدها شيئا مشابها لها أيضا في سلسلة Fable، حيث لا يقتصر الأمر على القيام بوظائف غريبة فحسب، بل أيضا تستطيع تكوين أسرة، وشراء منزل.
من المفترض ان يقدم العالم المفتوح حياة افتراضية بديلة للعالم الحقيقي بشكل ممتع. عالم كامل ينفتح أمام اللاعب ليخوض تجربة أخرى مختلفة تماما.
العاب روكستار (تحديدا ريد ديد) و يوبي سوفت (و فار كراي) .. هنا، يصبح العالم المفتوح، أكثر من مجرد عالم يتم سرد الأحداث من خلاله، ليتحول لساحة لعب عملاقة بها عشرات أو حتى مئات المهام التي يتعين عليك إنجازها. يشتمل العالم بشكل عام على عدة نقاط مثيرة للاهتمام يتم من خلالها الكشف عن جزء من الخريطة. هناك مهام رئيسية ومهام جانبية، وهي مهام أكثر ثانوية من المهام الجانبية، ومهام جانبية، في الواقع و ببعض الأحيان تكون المهام الجانبية أكثر حتى من المهام الرئيسية. مثل المهام الأطول (والأكثر إحباطا و مللا) من سلسلة Assassin's Creed. الطريقة التي يتم بها تطوير هذه الألعاب بشكل عام مصطنعة بالغالب و مكررة للغاية، بمعنى أنه يمكننا بسهولة رؤية الحيل الكامنة وراء تصميمها : يخطط المطورون لأربعة أو خمسة أنواع من المهام، ويقسمونها إلى عدة تكرارات (تكرار نفس المهمة بشخصيات جديدة و بمناطق جديدة)، يتم بعد ذلك توزيعها على أماكن مختلفة في نهاية المطاف، نشعر هنا بمجرد انطباع على ان عالم اللعبة غني جدا، بينما في الحقيقة نحن نتناوب في النهاية لعشرات الساعات بين هذه الأنواع الأربعة أو الخمسة من المهام التي تتكرر في أشكال و تصورات مختلفة فقط. مع ذلك، نجحت هذه الصيغة نجاحا باهرا و أيما نجاح، بل في الحقيقة ان هذا النوع من العالم المفتوح هو الذي أصبح أكثر شعبية خلال العقد الماضي، طبعا بدرجات متفاوتة من الخبرات التصميمية و من الحرفية الكامنة خلفها، حتى العناوين مثل Horizon Zero Dawn (سأذكرها لأنني جربت الأولى فقط)، فهي تكرر هذه الصيغة تقريبا بإستمرار طوال اللعبة. حتى أن العناوين الأخرى (Minecraft، No Man's Sky) تستخدم الخوارزميات لإنشاء عالم مفتوح لا نهائي، والذي يتجدد باستمرار، لخلق ساعات لا حصر لها من اللعب. في الواقع؟ التطور الذي أخذته جنرا العالم المفتوح، في خلال عشر سنوات (او أكثر بقليل)، قاد إلى سباق من أجل الحصول على المزيد من أوقات اللعب، بخرائط أكبر من أي وقت مضى، وعمر أطول من أي وقت مضى.
ألعاب العالم المفتوح كوسيلة لزيادة المبيعات :
إذا كنت تشعر بأنني شديد الإنتقاد للعالم المفتوح، فذلك لأن المطورين والناشرين على وجه التحديد، في رأيي، قد أساءوا استخدامه كثيرا في السنوات الأخيرة. أصبح العالم المفتوح بمثابة نقاط بيع. و مسمى "العالم المفتوح" أصبح طريقة لتبرير مبلغ 70 دولار التي تبيع بها الشركات العابها حاليا.. والتي ينفقها اللاعب على الإنتاجات الكبيرة بعبارة "على الأقل، سيكون عليك قضاء مائة ساعة من اللعب في عالم ضخم". المشكلة هي أنه في كثير من الأحيان و غالبها، يتناغم مصطلح "العالم المفتوح" مع الحشو المكرر السقيم. بمعنى آخر، المهمة الرئيسية هي قلب اللعبة، ونحن نخلق حولها عالما واسعا (و هذا طبيعي لحد الآن كلعبة عالم مفتوح)، ولكن استكشافه غير مثير للاهتمام بالمرة، بل ونكرر نفس الامر باستمرار، وكإضافة لطيفة يقدمون لنا بداخل هذا العالم مهاما جانبية متكررة.
هل لدينا حقا الكثير من الوقت لتخصيصه للألعاب (العالم المفتوح بشكله الحالي) ؟
تكمن هناك مشكلة أخرى في خضم هذه المنافسة الشديدة وهذا السباق المحموم الذي لا يبدو له منتهى، و تطاحن الشركات على صنع أكبر عالم مفتوح وأطول ساعات لعبةأصبح سمة رئيسية بالجيل الأخير والحالي، و المشكلة الرئيسية هنا هي أن الألعاب تتطلب المزيد والمزيد من الاستثمار من ناحية الوقت، مع الإحباط الذي ينطوي عليه ذلك بالنسبة للاعب لعدم توفر الوقت للعب ألعاب أخرى أو مشاهدة الأفلام الصادرة او المسلسلات مثلاج، بذلك يشتري اللعبة ويضعها على الرف الى إشعار آخر. هل دائما لدينا حقا الوقت الكافي او اللازم للعب لعبة فيديو لمدة مائة ساعة و إهمال العاب اخرى قد تكون أهم و أفضل كتجارب؟ أنا أعتقد ان الكثير من العاب العالم المفتوح الحالية قد تستهلك منك وقتا قد يكفيك للعب سبعة الى عشرة العاب خطية ممتازة جدا (او أكثر حتى)
بل يوجد هناك من يتخلى عن فكرة الشراء من الأساس، فقط لأنه لا يملك الوقت الكافي لها.
لا ينبغي أن يكون العالم المفتوح مجرد حجة للحصول على مبيعات أكثر، و لا تسمية فقط من اجل تسويق منتج فارغ في حقيقته او مكرر في محتواه او ممل في سواده الأعظم. يجب أن تكون لعبة العالم المفتوح هذه مبررة من حيث كيف تسرد أحداثها، تفاصيلها، عالمها، و تصميم مراحلها. وإلا فهي مسألة حشو فقط لزيادة العمر وإرضاء نوعية اللاعبين المستلبي الذهن من الذن قد ينفقون أموالهم بما لم ينزل به الله من سلطان، و شراء أي شيء مهما كانت قيمته الحقيقية متدنية في سبيل إرضاء النزعة الإستهلاكية بداخل البعض للأسف.
تعد العاب العالم المفتوح فعالة للغاية و مجدية للشركات إذا تطرقنا للأمر من وجهة نظر تجارية و براغماتية، لأنه من السهل إضافة محتوى مدفوع إضافي من خلالها (والذي يمكن إدراجه في أي مكان من ذلك العالم المصنوع)، بشكل أكبر مما هو عليه واقع الحال في لعبة خطية. يبدو ان العالم المفتوح يميل الى نموذج بزنس فعال لأصحابه أكثر من أي نموذج بزنس آخر بالألعاب. ولكن السؤال : إلى متى ستنجح هذه الصيغة التي بدأنا نتحسس بداية تصدعاتها بالآونة الأخيرة ؟ الكلمة لكم أعزائي
لكن جوابي الشخصي و بشكل سطحي سيكون : يؤسفني فقط أن أقول بأن صيغة العالم المفتوح لم تتطور كثيرا في نهاية المطاف على مدى السنوات العشر الماضية.
في الجانب المشرق، ما عليك سوى إلقاء نظرة على الأمثلة الراقية التي تمثل هذه الجنرا :
Skyrim أو Grand Theft Auto 5 أو The Witcher 3 التي تمكنت بجدارة من التوفيق بين جوانب السرد القصصي الرائع، ومن خلال أيضا تقديم مهام جانبية محكمة البناء واكثر تكاملا في اللعبة بشكل عام. العالم والحبكة الأساسية، والتي لم يقتصر اهتمامها المطورين خلفها على التركيز بين الانتقال من النقطة A إلى النقطة B بداخل عالم مفتوع ضخم فقط.
في النهاية: انا لا ارفض الفكرة التصميمية للعالم المفتوح من حيث المبدأ، أبدا، أنا من عشاق هذا النوع، كنت هناك عندما بزغ فجره، و ترعرعت معه، وأنا معه بوقت زخمه وانا في طريقي نحو اللحد. لكن يجب ان يكون عالما مفتوحا مصمما بشكل محبوك و فيه ذكاء تصميمي من درجة رفيعة. لكي يكون العالم المفتوح مرضيا، يتطلب الأمر أيضا وقتا واستثمارا و ليس مجرد عملية سلق بيض (الكلام عليك يا يوبيسوفت). يتعلق الأمر أساسا بإيجاد التوازن الصحيح بين السرد القصصي وأسلوب اللعب و ما يدور حولهم من المهام و العناصر التي تشكل الأحجار التي تكون الأحجية الكاملة او الحل للPuzzel الذي يأخذه تصميم العالم بجميع عناصره في العالم المفتوح. لكن لدي طلب هنا لو سمحتم، أيها الناشرون والمطورون، لا تشعروا بأنكم ملزمون بإنشاء عوالم مفتوحة من اجل العوالم المفتوحة فقط، أو من أجل التسويق وإلا فإن الأمر سينتهي بشكل سيء و بشكل أسرع. سيكون هناك تشبع من الألعاب ذات العوالم المفتوحة "السيئة" التي ستغرق السوق بالكامل إذا استمر الحال على ما هو عليه او بالوتيرة الحالية، ولأن الخير يخص و الشر يعم كما جرت المقولة ؟ فأنا أقترح أنه بدل الوقت الذي تضيعونه بتطوير أكثر من لعبة عالم مفتوح من طرف الشركة الواحدة، فبدلا من ذلك ما رأيكم بان تركزوا جميع الموارد و تستثمروا الوقت لتطوير لعبة واحدة لتعيش مدة طويلة مع اللاعب بسبب قيمتها و ثراء محتواها وليس لسبب آخر.
شكرا.