Avicenna
φιλόσοφος
*مقدمة*
----------------------
(ملاحظة-في غاية الأهمية! -: المقال هو نتيجة نقاش دار عن أصل الإدراك وفيه نكتب ما وجدناه في فلسفة القول وحسن مجازه. انصح بقراءة النقاش قبل المقال حتى تفهم أساس المشكلة وعنوان الطرح وعلته.)
----------------------
(ملاحظة-في غاية الأهمية! -: المقال هو نتيجة نقاش دار عن أصل الإدراك وفيه نكتب ما وجدناه في فلسفة القول وحسن مجازه. انصح بقراءة النقاش قبل المقال حتى تفهم أساس المشكلة وعنوان الطرح وعلته.)
نبدأ باسم الله العليم الحكيم والصلاة والسلام على نبيه ورسوله العربي محمد،
"إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر.. رجل الدين يقول لا تفكر، بل آمن. ورجل الاقتصاد يقول لا تفكر، بل ادفع. ورجل السياسة يقول لا تفكر، بل نفذ.. ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة، ولكني أعلمك كيف تتفلسف"
وبعدُ: فقد برع جنسنا في بناء التعابير واستنتاج المفردات صورياً ولغوياً حتى تحمل هدف ذلك التعبير. ومع أن الهدف من ذلك ليس بثابت، إلا أن التناقض في المفاهيم ومقصود المعنى أدى لمشكلة اسميها " انحسار المفهوم" هنا يبدأ المتكلم باستخدام المعنى اللغوي أو الصوري من دون أن يعرف الأصل التعبيري للأول أو الظاهري للثاني. في تلك الحال نرى ضياع المعنى وتشتت التعاريف، حتى تصبح حقيقة القول أقرب لشرب ماء ساخن في يوم من أيام الصيف. هذه التعابير والمفردات قد تكون أقرب للغة المتكلم في مختلف الشعوب وشتى الحضارات، وهذا لانعدام الأدب اللغوي في الكلام واستمرارية الشعوب في الابتعاد عن النقد اللغوي والفلسفة الكلامية (وما فيهما من تكلف). فترى الناس تستخدم كلام مثل "حب" و "كره" و "غباء" و "ذكاء" من دون أن يدرسوا معنى ذلك الكلام بدقة.
هنا قد يأتيك أي مفكر ويقول بان كل ما قد خفي معناه كانت النتيجة ضعف الأصل فيه. وهنا يحاول المفكر أن يمارس الفلسفة ويأتي بنقد أو أسناد لقول بمعنى التعبير حتى يصلح استخدامه أو يبطل الأصل في معناه عند المبلط فيه. لكن، وبعد حوالي ستة أشهر من البحث في معنى الكلام في اللغة، وصلت إلى نتيجة هي أصعب على مفكر النقد والإسناد من غيره من الفلاسفة. حيث إن بعض الكلام ليس مستوحد المعنى لقلة تمعن الناس فيه، بل لأنه تعبير مكتسب قام المتكلمون بتغيير معناه بناءً على استمرارية النظر فيه. والأكثر تعقيداً هو أن بعض هذه التعابير تشكل نفس النوع من انعدام المعنى في عدة لغات وليست محصورة على لغة بضعف المنتج الفكري كالعربية، أو لضعف البناء الأدبي كأغلب اللغات اللاتينية في الوقت الحالي. والنتيجة هي كلام غير واضح السياق، ومستمر تحديد معناه بصورة غير مبنية على النقد والإسناد، بل على الفلسفة الخالصة. هذا النوع من اصطلاح الكلام قد يسمى بالعائلة المكتسبة، لاكتسابها المعنى مما يضعه المفكر في الكلام وليس لها معناً أصيلا واضح السياق (ولا حتى بشكل نسبي). والمثال المطروح في هذا الموضوع هو الإدراك...
**********************
في بداية القول، لعلي اهدي القارئ مختصراً لأصل المشكلة في معنى الإدراك ومن أين ابتدأ النقاش فيه:
ببساطة، قمت باستخدام كلمة "إدراك" لوصف قدرة الكائن الحي الذهنية وإحاطته بعلم ما يجاوره من أسس للتعبير والتكيف. حيث استخدمت الكلمة لوصف قدرة الدلافين التي تقارن بالبشر احياناً عند النظر للمستوى الفكري (أتمنى أنك أحطت بما قلته في بداية الموضوع، لان دخول الدلافين في الفلسفة قد يكون مثيراً للسخرية من دون دراسة أساس النقاش). وهنا تم انتقاد فكرة استخدام الإدراك لترجمة معنى الذكاء المستخدم لوصف القدرة الفكرية في ذلك السياق. في البداية، نظرت الى الموضوع ببساطة على انه انعدام للمعنى كما هو الحال مع اغلب الكلام النسبي في أي لغة. ولكن بعد دراسة معنى الإدراك، صار من المستحيل أن يكون الضعف في المفهوم ناتجاً عن النسبية في المعنى. المشكلة ببساطة هي أن "الإدراك" فرد من أفراد العائلة المكتسبة في فلسفة الكلام فلا يتضح معناه إلا بوضع أصل استخدامه. وفي هذا الموضوع، لعلي أشير لكيفية تعريف الإدراك من قبل المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الحديثة (وبالأخص، أفكار الفيزيائي Roger Penrose). بعدها قد ارجع إلا النقاش عن الدلافين ونعطي ذلك النقاش ختامه ولماذا لم يكن استخدام كلمة الإدراك في محله اللغوي أو حتى الفلسفي آن ذاك. وبعد نهاية موضوع الإدراك, ننهي بخلاصة لمعنى الذكاء في الفلسفة وعلم النفس (هي فرصة حتى يمارس القارئ ما يذكر من فلسفة كلامية عن الإدراك ويدلي برئيه الخاص عن صلاحية استخدام التعبير).
اختيار المفردات:
هنا أشير الى بعض المصطلحات والدلالة من استخدامها (كوني اضطررت الى ابتداع ترجمتي الخاصة للكثير من المصطلحات).
-فلسفة الكلام: هنا لا نشير الى علم الكلام في الفلسفة الإسلامية. اقصد علم المتكلم وسيادة الاصطلاح. هذا القسم شائع في الفلسفة الغربية كفرع من فروع الفلسفة اللغوية.
-المعنى المكتسب: هذه بدعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وضعت هذه الكلمة حتى أعكس المفارقة بين الكلام النسبي وغيره من الكلام مضمحل الأصل.
الوعي: هذا تعريف غير تقيق لكلمة apperception وهذا لان المفارقة غير موجودة بأصلها الفلسفي بين الادراك الاستنباطي وال perception. لم أرد ابتداع الكثير من الكلام في اللغة فاستخدمت الوعي للمفارقة.
---------------------
ألمعنى النسبي والمعنى المكتسب
المعنى المكتسب والفرق بينه وبين النسبية في الكلام: قد يجرح كلامي كل من درس فلسفة اللغة وتصاوير الكلام، لكن الحقيقة هي أن القسم قد يكون من أضعف أقسام الفلسفة. المشكلة ليست من اللغويين أنفسهم، بل من التشابك في تاريخ الكلمات وتبادل الاصطلاح بين الشعوب. أضف الى هذا أن بعض الكلام لا يحمل نفس المعنى لجميع المتكلمين. هنا جاءت فكرة النسبية في الكلام; حيث يقوم الفلاسفة بوضع حدود مختلفة لمعنى الكلام حتى صار بعضهم يعد الحسن في المعنى نفس القبح فيما يقابله. فلا فرق بين الحرب والسلم، ولا فرق بين الحب والكره، ولا دليل أن الكذب بعيد عن أصل الصدق. لكن لعلنا نترك هذا لموضوع ثان ونسلم ببسيط القول وغالب الرأي في أن بعض الكلام نسبي عموماً. بالنسبة للمعنى المكتسب، فهو كل قول ليس بنسبي الأصل، ولكن اختلف المتكلمون فيما يعنيه حيث يكتسب معنى ما يشار به من قبل المتكلم.
الآن قد تسألني:
-لا أرى الفارق بين الكلام النسبي والمكتسب، فلو كان الاكتساب من غير الكلام فلم لا ندعوه بالنسبي كذلك وننهي المشكلة؟
الإجابة لهذا السؤال هي لانعدام أساس المعنى في الكلام المكتسب. فلو أتينا على كلمة "خير", هنا للكلمة روحاً ثابتة غير قابلة للتغير مهما حاولت، لكن تطبيق المعنى لهذه الكلمة نسبي. حيث قد يكون الخير لك شر لغيرك. أما بالنسبة للكلام المكتسب، فخذ كلمة "إحساس". ما الأصل في كلمة إحساس، هل هي طابع فيزيائي للجسم أم ثبات قويم للروح؟ ما حسن الإحساس وما الذي قد نسمي ما دون ذلك؟ كيف للإحساس أن يكون نسبياً؟ ومع ذلك، بعض الكلام (كالإدراك والذكاء) قد يكون أكثر تعقيداً، ولن ترى المعنى من المفارقة الى بعد ساعات من الجلوس تحت سماء الليل وشرب القليل من الشاي...
---------------------
علم النفس أم الفلسفة
ما هو علم النفس؟
في غالب الأمر، أنت لا تملك الإجابة على هذا السؤال. فتعريف علم النفس امر ليس بمتفق عليه في كتب علم النفس. لكن دعني أضع تعريف أل APA حتى ننتهي من الرسميات:
*علم النفس هو دراسة العقل والتصرفات. يشمل في عمومه كل تطبيق إنساني، من تركيب المخ حتى علاقة الشعوب فيما بينها. من دراسة الأجنة حتى البحث في شؤون كبار السن."
أصل الكلمة إغريقي: psyche ومعناه الحياة أو التنفس و logia ومعناه دراسة الشيء...
شئت أم أبيت، موضوع الأدراك قد يدخلك كباحث في علم النفس والاجتماع. ولعل من درس الطريقة العلمية وأساس نشر البحث يعلم مدى احتقار الفلسفة والعلوم الفيزيائية والحياتية لعلم النفس. مع أن علم النفس ولد وترعرع في أحضان الفلسفة وعلم الأحياء، إلا انه كبر ليكون ثغرة في طريقة البحث العلمي ونتيجةً سطحيةً للطريقة العلمية.
-لماذا يا ابن سينا؟ ما المشكلة في علم النفس والاجتماع؟
علم النفس مبني بشكل جذري على مبدئ علاقة الارتباط. حيث يقوم الباحث بدراسة ظاهرة عن طريق مقارنة متغيرين في الأصل (بثبات أحدهما) حتى نجد العلاقة الممكنة بين هذين المتغيرين. ما أن تجد العلاقة، تصبح النتيجة علماً يتم البحث فيه وتدريسه. ومع أن هذا ليس ببعيد عن الطريقة العلمية، إلا أن بناء فرع علمي مبني على هكذا أساس لهو امر مثير للسخرية. وهنا يأتي علماء النفس ليهشموا عظامك ببحوثهم الدقيقة ويفسرون نتيجتهم الحتمية بالعلاقة السرمدية عند النظر لما يأتون به من نتائج.
في الحقيقة هذه العلاقات الدقيقة هي لا شيء في صروح العلم، فمن السهل أن نجد علاقة بين اكل الموز وقيام الحروب، أو بين ركوب الدراجة واصطياد السمك قبل الظهيرة...
خذ هذا البحث كمثال:
علاقة 99 بالمئة بين اكل البرتقال ونسبة الطلاق في ولاية مين
-قتلتنا يا ابن سينا، هل نسمع لعلم النفس أم نتركه الآن؟
لاختصرت عليك الطريق لو كنت أدري، دعه يكون نقاشاً بين اللاعبين...
وفقاً لعدم ثبات موقف علم النفس، لعلي أركز على الجانب الفلسفي من الإدراك. (تعديل: علم النفس سيحظى بنصيب الأسد عند ذكر "الذكاء" ومقاييس الفكر في نهاية موضوع الإدراك.)
-يتبع…
التعديل الأخير: