ها نحن ننتقل من أعماق البحار إلى أعالي السماء، من رابتشر المظلمة إلى كولومبيا المشرقة التي تمخر عباب الغيوم في رحلتها كرمز لقوة و مجد الولايات المتحدة الأمريكية، و ها نحن ننتقل مع بطلنا “بوكر ديويت” إلى العام 1912 و إلى كولومبيا من أجل إنقاذ “إليزابيث” ذات القوى فوق الطبيعية. (اجلب الفتاة و امحِ الديون) هذه هي وظيفة بوكر ومهمته و أمله الأخير. بعد عدة سنوات من التطوير الشاق و بعد مسيرة مكللة بالمشاكل و خروج موظفين من الاستوديو فريق Irrational Games ينجح أخيراً في إتمام تصوره و تخيله لكولومبيا مدينة السماء و لعبة بيوشوك انفنت و ها هي تصل إلينا.

يشرف على تطوير هذه اللعبة فريق Irrational Games بقيادة المصمم الذي سطع نجمه هذا الجيل “كين ليفين”. في الحقيقة ولمن لا يعرف فكين ليفين حاصل على شهادة البكالوريوس في الدراما وهو مصمم مثقف للغاية و هذا يعلل قوة المواضيع و الآيديلوجيات التي تطرحها ألعابه، أراد كين ليفين في وقت من الأوقات أن يعمل في المجال السينمائي ولكن انتهى به المطاف ككاتب و مصمم لألعاب الفيديو ليعمل مع فريق Irrational Games على اللعبة الشهيرة “سيستم شوك 2″، إلا أن اللعبة التي فجرت شهرة كين ليفين فعلاً كانت بيوشوك الأولى التي صدرت عام 2007 لتحصل على أعلى درجات الثناء من النقاد و اللاعبين معاً على حد سواء، امتازت بيوشوك بقصتها ذات الخلفيات السياسية و الدينية المتعددة بالإضافة إلى الأجواء المريضة في مدينة رابتشر مع طريقة لعب مختلفة عن ألعاب الرماية الأخرى تعتمد على القدرات السحرية ( بلازميدز ) بجانب الأسلحة النارية، بعد ذلك بدأ المشروع الطموح للغاية مشروع بيوشوك انفنت.

في عام 2010 عُرض التريلر الأول لبيوشوك انفنت، الحقيقة بأن ذلك العرض أشعل الحماس بشكل جنوني للعبة وجعل الجموع الغفيرة تنتظر مشروعاً يمكنه أن يكون أفضل أو من أفضل ألعاب الجيل، النموذج الأولي للعبة كان يبدو عملاقاً جداً حيث كانت شخصية إليزابيث المرافقة لك تتصرف وفقاً للموقف و تقوم باستخدام قدراتها الخارقة وتسخيرها لمساعدتك على التصرف و هذا الأمر اختفى كلياً في اللعبة النهائية و من الواضح بأن الفريق لم يتمكن من تطبيق الأفكار العظيمة التي جلبها في البداية و لا أعرف إن كان السبب هو الحدود و العوائق التقنية لأجهزة الجيل الحالي أم أن تطبيق تلك الأفكار كان يفوق قدرات الفريق.

تدور قصة اللعبة في العام 1912 حيث يحصل بوكر ديويت على رسالة تطلب منه إنقاذ فتاة باسم إليزابيث وهي حبيسة برج في مدينة كولومبيا التي تحلق فوق الغيوم، و ينطلق بوكر لتنفيذ هذه المهمة من أجل التخلص من ديون أثقلت كاهله. لحظة وصولك إلى مدينة كولومبيا المفقودة ستجد بأن الأب كومستوك كان يتوقع وصول بوكر ديوت إلى المدينة و يدعوه بـ The False Shepherd مع توضيح العلامات التي تميزه حتى يتمكن السكان من التعرف عليه فوراً. مدينة كولومبيا نفسها هي مدينة بنتها الولايات المتحدة الأمريكية و زودت مبانيها بمحركات خاصة لتحلق فوق الغيوم في رحلة حول العالم كدلالة و نموذج على جبروت الدولة الصاعدة – آنذاك – أمريكا، إلا أن سكان المدينة بقيادة الأب كومستوك أعلنوا انشقاقهم و استقلالهم عن الولايات المتحدة وضاعت كولومبيا في السماء.

عندما تصل رابتشر في بيوشوك الأولى فإنك تجد المدينة في حالة الهلع و الدمار أما كولومبيا فهي حالة مختلفة تماماً مع تصوير و اتجاه فني مختلف كلياً فلحظة وصول بوكر ديوت إلى كولومبيا هي لحظة بداية الأحداث الحقيقية في بيوشوك انفنت، مما يمنحك الفرصة لمعايشة التغييرات في المدينة منذ بدايتها لحظة بلحظة و ثانية بثانية، كولومبيا مدينة مشرقة و نظيفة و مليئة بالألوان والبهجة و الحياة و في الوهلة الأولى تبدو النقيض التام لرابتشر الكئيبة على الرغم من حقيقة المواضيع التي تحاول اللعبة تجسيدها، فيما كانت المدينة البحرية أشبه بمحاولة لصنع يوتوبيا ( و التي تتحول إلى ديستوبيا بشكل مريع ) فإن كولومبيا تحاول أن تحاكي تفكير الإنسان البشري و تخيله للجنة على الأقل في بادىء الأمر، مع مرور الوقت ستشاهد الجانب المظلم من كولومبيا و ستتخذ اللعبة طابعاً أكثر سوداوية لكنها لا تحاول أبدا أن تحاكي جنون وغرابة رابتشر و في الحقيقة شخصياً أجد بأن رابتشر أكثر تألقاً و ذكاءً كمدينة تخيلية من كولومبيا، التي لا تخلو هي الأخرى من الأفكار السياسية و الدينية السائدة في ذلك العصر و التي يندر أن تجد لعبة تحاول تجسيدها بهذه الصورة، فهي تعكس الكثير من جوانب الحياة المظلمة في أمريكا في بدايات القرن العشرين فلدينا التجسيد الواقعي للعنصرية ضد السود وهناك إشارات مستمرة إلى مجزرة Wounded Knee التي وقعت عام 1890، حسناً الخلفية التاريخية الممزوجة بالخيال العلمي هي أحد السمات البارزة لسلسلة بيوشوك.

حسناً لننتقل إلى السؤال الأهم : كيف جاء مستوى القصة في بيوشوك وهل وصل إلى مستوى التطلعات و التوقعات ؟ أعتقد بأن الجواب المنطقي لهذا السؤال هو نعم و لا، لنبدأ بالإيجابيات حيث سترتبط جميع أحداث القصة و أحداثها في نهاية المطاف بطريقة ذكية للغاية و تحتوي على الكثير من الخيال، الحبكة متقنة و تسلسل الأحداث منطقي و مقنع و يُظهر قدرات كين ليفين كراوي قصصي ممتاز يفكّر خارج الصندوق كما يقال، على الصعيد الآخر تفشل القصة بشكل غريب في صنع رابط قوي بين اللاعب و بين شخصيتي بوكر و إليزابيث، شخصياً راودني شعور بأن طبيعة اللعبة كرماية من منظور الشخص الأول فرضت قيوداً متعددة على طبيعة الحوارات و البناء القصصي للشخصيتين، بوكر ديوت هو بطل الأكشن المعتاد الذي يصطنع الجاذبية و يسخر من حماقات وأفكار الجهات المتصارعة من حوله ( و هذه نقطة ضعف تقلل من رمادية القصة و مبادىء الجهات المتقاتلة في نظري )، اما إليزابيث فهي تخرج من البرج العاجي الذي ظلّت سجينة بداخله طوال حياتها بدون أي تفاعل حقيقي ملموس مع العالم الخارجي فهي لا تعلق على الظواهر الغريبة التي تراها من حولها و فقط تتحدث عن حلمها بالذهاب إلى باريس بطريقة مستهلكة، لا أعرف لماذا سار تقديم الشخصيتين في هذا الاتجاه إليزابيث في عرض اللعبة الشهير في معرض E3 2011 كانت تبدو أكثر تفاعلاً و حيوية حيث شاهدناها تعلّق على السبائك الذهبية و من ثم ترتدي أحد الأقنعة وكأنها فعلاً شخصية ترى العالم بعينين صافيتين و كل هذا اختفى من اللعبة النهائية. في النهاية أرى بأن القيود القصصية التي فرضها توجه ألعاب الرماية من منظور الشخص الأول على بيوشوك انفنت أضعفت كثيرا من آثار ملحمة الدراما الإنسانية التي كان يحاول كين ليفين أن يَخلِقَها، إلا أنها تبقى أفضل حالاً من معظم ألعاب الرماية الأخرى في هذا الجانب على أية حال.

لننتقل بالحديث إلى طريقة اللعب وهي العنصر الأهم في ألعاب الفيديو، من الواضح بأن بيوشوك انفنت تميل بشكل أكبر إلى ألعاب الرماية الحربية التقليدية وستشعر بذلك بعد فترة من تقدمك في اللعبة، يجب عليك أن تحضّر نفسك لتوقع الكثير من المعارك الطاحنة و مواجهة الكثير و الكثير من الأعداء، الحقيقة لم تنجح اللعبة في الوصول إلى مستوى عروضها الأولية حيث تم تغيير الكثير من الأفكار النهائية أو التخلي عن البعض الآخر، بيوشوك انفنت في حلّتها النهائية تبدو لعبة رماية مباشرة جدا مع بعض الميزات هنا و هناك.

لنبدأ الحديث عن منظومة إطلاق النار تحديداً، تمتلك اللعبة ترسانة لا بأس بها من الأسلحة قريبة المدى و بعيدة المدى إلا أنك لن تتمكن من حمل أكثر من سلاحين في وقت واحد على غرار هيلو و على عكس الجزء الأول الذي كان يمكنك من حمل عدة أسلحة في وقت واحد، هذه الخطوة لم تكن موفقة في نظري إذ أن اللعبة تتطلب استخدام أسلحة منوّعة على حسب الوضعية القتالية مما يجعلك مضطراً للركض حول ساحة المعركة للبحث عن الأسلحة التي تريدها و التي لن تجدها أحياناً، أو ببساطة أن تقوم بالتركيز على استخدام سلاحين أو ثلاثة و تطوّرهم عن طريق المتاجر الصغيرة مع إهمال تام لباقي أسلحة اللعبة، و حتى هذا قد لا يكون خياراً متاحاً دائماً عندما تنفذ ذخيرة هذه الأسلحة.

شارك هذا المقال
BioShock Infinite
الكثير من التفاصيل الفنية، الحبكة الرئيسة جريئة و متجددة و تجمع خيوط القصة جيداً في نهاية المطاف، اللعبة تشجع الاستكشاف عن طريق تطوير القدرات و المهمات الجانبية.
منظومة إطلاق النار ليست بالجودة الكافية، الذكاء الاصطناعي ضعيف، التكرار في المواجهات مع الأعداء مع رتم أقل تنوعاً و لعبة أقل إبداعاً من الجزء الأصلي.
إذا كنت من محبي جوانب الاستكشاف و إدارة الموارد في بيوشوك الأولى فلن ترضى تماماً عن هذه اللعبة، أما اذا كنت من محبي إطلاق النار المكثّف و لا تمانع الخيال في طرح القصة فستجد الكثير مما يسرّك في بيوشوك انفنت، بيوشوك انفنت ليست الثورة التي أردناها أو توقعناها لكنها لعبة ممتازة بُذل في خلقها الكثير من البحث و الجهد و الإعداد.
تاريخ النشر: 2013-03-26
طورت بواسطة: Irrational Games
الناشر: 2K Games