التأثر بالمدرسة الانطباعية لا ينتهي هنا، و لا يقتصر على الفنون البصرية فحسب. فهذه الحركات غالبا ما تشمل الأدب و العمارة و حتى الموسيقى. لكن أجزاء Zelda عموما لا تتقيد بالموسيقى المتأثرة بتوجهها الفني، فـWind Waker مثلا تقدم موسيقى بطابع البحر و الاستكشاف لتجعلك تغوص في فكرة اللعبة حول استكشاف المحيط الشاسع (The Great Sea و TitleTheme)، ـSkyward Sword تبعت منهجا مختلفا عن طريق تقديم أوركسترا حية لتصبغ الطابع الفخم للعبة و كذا لاحتفالية الخمس و عشرين سنة منذ بداية السلسلة (The Sky Theme و Legend of Skyloft). لكن هذه القاعدة كسرت مع Breath of the Wild فقد امتد التوجه الفني البصري ليطال الموسيقى وبذلك ضربوا عصفورين بحجر واحد، كيف هذا؟ في التوجه الانطباعي، الموسيقى غالبا ما تركز على الإيحاء (suggestion) أو الجو (atmosphere). هل يذكرنا هذا بشيء ما؟ إنه توجه Breath of the Wild الموسيقي الذي يمكن وصفه بأنه Atmospheric عن طريق ضربات على البيانو من حين لآخر.

الصمت كان أيضا من مميزات الموسيقى في Breath of the Wild، ففي كثير من الأحيان تجد الألحان تأخذ مقعدا جانبيا لتترك لأصوات الطبيعة أو حتى الصمت الفرصة ليطغى على المكان، مما يذكرنا بشكل ما بالمقطوعة الغريبة “33’4 المكونة من ثلاث وحدات في كل منها يقوم عازف البيانو بإغلاق غطاء المفاتيح (Fallboard) ثم الانتظار لبعض الوقت لتنتهي الوحدة، فالموسيقى الفعلية حسب مؤلفها John Cage هي الأصوات المحيطة و صوت الجمهور لأنه يؤمن أن “كل ما نفعله هو موسيقى”. لكن ربما الهدف من الصمت في Breath of the Wild أبعد من جعل أصوات الطبيعة موسيقى، هنا نتحدث عن “العصفور الثاني”. حسنا، في الأجزاء التي سبقت، لعبت الموسيقى دورا في عكس طبيعة اللعبة، سواء البطولة في Ocarina of Time و A Link to the Past، الفخامة في Skyward Sword، الغموض و السوداوية في Twilight Princess و Majora’s Mask و غيرها، و على غرارهم، الموسيقى في Breath of the Wild تعكس مملكة Hyrule بعد دمارها و لا أجد مثالا لشرح هذه الجزئية أفضل من معبد الزمن، فبالتأكيد تذكرون هذا المبنى الشاهق و المهيب من الأجزاء السابقة، و موسيقاه لا تقل روعة عن عمارته، إذ تجعل منه ذلك المكان المقدس لدى شعوب Hyrule. في Breath of the Wild الأمر مختلف، المبنى لم يعد كما كان في السابق و بات مجرد هيكل لروحه الفانية، مدمر و مهدم و تكسوه الطحالب و الأعشاب. كذلك هي موسيقاه، فإن أنصت و ركزت عليها، يمكنك أن تلاحظ أنه نفسه اللحن من الأجزاء الأخرى، لكنه هنا ذو إيقاع بطيء، فاقد للعديد من نوتاته و كأنه مجرد ذكرى لما كان عليه سابقا، مجرد بقايا و أطلال. هكذا هو الأمر في العديد من الأماكن من اللعبة، لكن الـtheme و الفكرة لا تطغى على الموسيقى بشكل عام في أي من أجزاء السلسلة، فدائما ما تجد العديد من المقاطع المختلفة منها الملحمية و الجذابة و الهادئة و غيرها. كذلك هو الأمر في Breath of the Wild التي حصلت على حصة جيدة من الموسيقى التي تمت تأديتها عن طريق أوركسترا حية كما جرت العادة مؤخرا، أذكر منها Divine Beast Vah Ruta battle و Hyrule Castle و Molduga Battle 2.

لكن بعيدا عن هذه التفاصيل، لماذا لا تتبع شركة Nintendo طريقا آمن عن طريق تقديم توجه فني أكثر شيوعا و ربما أكثر تقبلا من اللاعبين؟ ربما هناك شيء أكثر من مجرد تقديم لوحة فنية في شكل لعبة. نعود لعام 2002 حيث كان الجيل السادس في بداياته و الأجهزة المنزلية تقدم قوة أكثر من أي وقت مضى، خصوصا جهاز الـGameCube الذي اعتبر الأقوى بين منافسيه. كل هذا فتح الباب للمطورين للبحثعن تقديم أكثر الألعاب واقعية بالنسبة للتكنلوجيا المتاحة في ذلك الوقت، فنجد Morrowind و Vice City و Need For Speed و غيرها، حتى Nintendo بدت متأثرة بهذا التحول و عرضت قبل سنتين Demo لما ستبدو عليه Zelda بقوة جهازها الجديد، و الجماهير كانت متحمسة جدا. لكن وسط هذه الزوبعة من التحول للواقعية، أتت لعبة Wind Waker بشكل مختلف: الـCel-Shading الذي جلب عليهم الكثير من الانتقادات رغم أن اللعبة كانت ممتازة من كل النواحي. هذا دفعهم إلى تطوير الجزء الموالي برسوم واقعية. لكن الفرق بين Twilight Princess و Wind Waker هو أن الأولى سرعان ما ذبلت رسومها مقارنة مع ألعاب أخرى بنفس التوجه، فبعد دخول عصر الـHD صارت رسومها ضبابية و غير واضحة بالمقارنة، بينما الأخرى لا تزال قابلة للعب حتى يومنا هذا و لا تزال جذابة من الناحية الرسومية. و هذه القاعدة يمكن تطبيقها على العديد من الألعاب التي صدرت في تلك الفترة، أبرزها Okami.

ـThe Wind Waker صمدت أمام تحدي الزمن بشكل مبهر !

شارك هذا المقال