XIIIXIIIXIII
Aëv stré Novrī
"أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل"
بعد 23 ساعة من اللعب, أنهيت المسار A من Nier Automata
بعد 23 ساعة من اللعب, أنهيت المسار A من Nier Automata
هنالك العاب أُمضي وقتي في لعبها, هنالك العاب أتسلى بلعبها, وهنالك تحف تجعلني أغرق في بحر افكاري الذي لا أخرج منه إلا كشخص مختلف, العمل الفني الذي سأتحدث عنه اليوم ينتمي للصنف الثالث.
هل ينبغي أن اكتب انطباعاتي؟ جال هذا السؤال في نفسي لساعات, فمامن كلمة أستطيع كتابتها تعبر عن كمية الأفكار والمشاعر التي أغرقتني فيها هذه اللعبة, لا يوجد وصف استطيع التعبير به يفيها حقها, لكن بالمقابل, يجب أن أكتب شيئاً عنها! هذه هي إحدى التجارب التي لا استطيع فقط المرور عليها ثم المضي من دون قول شيء, هي تعني لي الكثير, هي شيء مميز للغاية له مكانة خاصة في قلبي, هي شيء أفخر بكوني عشته, شيء أعشقه!
من أجل ذلك, قررت بأن أكتب عن تجربتي, وسأحاول بقدر ما استطيع إيصال الأفكار والمشاعر التي نقلتها لي هذه اللعبة والتي جعلتني أقع في حبها, أتمنى أن أوفق في هذا.
بعد تفكير, قررت أن أقسم انطباعي لقسمين: في الأول أتحدث عنها كلعبة وأناقش بعض خياراتها التصميمية وتفاصيلها, وفي الثاني, والذي سيكون "سبويلر", أتطرق لبعض الأفكار والثيمات التي خاضت فيها اللعبة وأعلق عليها.
القسم الأول:
هذه لعبة ذات رؤية
كل شيء في هذه اللعبة تم توظيفه لإيصال الرسائل التي تحاول اللعبة نقلها للاعب بأفضل صورة, ولو كان ذلك أحياناً على حساب بعض عناصر اللعب.
هل هذا خطأ في فلسفة التصميم؟ الإجابة تعود بشكل كبير إلى المقيّم, أولوياته, وتعريفه للألعاب بشكل عام.
فهل الألعاب هي أدوات ترفيهية محضة أم أنها أكثر من ذلك؟ وإن كانت أكثر من ذلك, فما الأهم في اللعبة, المعاني؟ مدى حسن سبل إيصالها؟ أم فقط مدى كونها مسلية؟
شخصياً, أرى بأن هنالك أوجهاً كثيرة للامتياز في عالم الألعاب, فقد تُصمم عناصر لعبة معينة بحيث تكون "الأكثر تسلية للّاعب" مثلاً من دون مراعاة للقيم التي تحاول اللعبة إيصالها (إن كانت هنالك أصلاً), هذا في كثير من الأحيان يجعلنا في النهاية نخرج ب"لعبة ممتازة" أو حتى "رائعة".
بالمقابل, قد تكون هنالك لعبة ذات رسالة واضحة تقوم بتسخير بعض, أو جميع عناصرها لإيصال رسالتها بأسمى شكل, فتكون بعض جزئياتها أقل تسلية للّاعب مقارنة بنظيراتها, ومع ذلك تكون الصورة الكاملة "ممتازة".
نير اوتوماتا باعتقادي هي من النوع الثاني, وهذا ببساطة هو المبدأ الذي ترتكز عليه نظرتي للعبة ويقوم عليه انطباعي.
العالم المفتوح:
عالم شبه فارغ, عالم كبير ميت, هذا هو أدق وصف ممكن لعالم نير أوتوماتا.
خلال الساعات التي ستقضيها في هذا العالم, لن تجد سوى عدد قليل للغاية من الأمور الجانبية التي تستطيع القيام بها, إذ ستقضي معظم وقتك تمشي في العالم الكئيب وتشاهد ما بعد الكارثة في أحد أعظم تجسيداتها, أو تقاتل الآلات التي تملأ المكان في حين تتسلل الكآبة إلى قلبك من مظاهر "عدم الحياة" المحيطة بك من كل ناحية.
العالم المفتوح الفارغ هو في كثير من الحالات "أمر سيء" وخيار تصميمي فاشل, إن لم تكن قادراً على خلق عالم مفتوح "ينبض بالحياة", فاجعل لعبتك خطية!
لكن في نير أوتوماتا, الأمر مختلف تماماً; العالم الفارغ يصور لك ثيم اللعبة بشكل لا مثيل له, المساحات الشاسعة التي ستقطعها هي جزء مهم, وإن كان مراً, من التجربة. كان سيكون من السهل لو تمت إضافة خيار السفر السريع من البداية, أو فقط جعل اللعبة خطية لتخفيف أو حتى إزالة مرارة قطع العالم الفارغ سيراً, لكن هل كان ذلك سيرسخ لدى اللاعب معنى "العالم الميت" أو مشاعر اليأس التي يحاول المسار بكامله نقشها في وعي اللاعب بالشكل ذاته؟
اللاعب لم يكن يمشي طوال هذه الساعات في مساحة فارغة, بل كان يسري في آثار مدن, مستعمرات, وغيرها من مخلفات الحضارة الإنسانية التي يعرفها جيداً, التأثير الناتج على قلبه من رؤيتها بهذه الهيئة لفترة مطولة يجعل وقع الأحداث والتغيرات التي تطرؤ في قلب اللاعب قبل الشخصية الرئيسية تجاه العالم أكبر بكثير.
في هذا الخيار بلا شك تضحية كبيرة ببعض العناصر, كون العالم مليئاً بالنشاطات الجانبية كان ليجعلها أكثر "تسلية" كلعبة, لكنه كان كذلك ليقتل الرؤية التي ترتكز في المقام الأول عليها.
خيار كهذا تؤكده تصاميم البيئات.
تصاميم البيئات:
سأُجازف وأقولها, تصاميم البيئات والمناطق في نير أوتوماتا رائعة!
فلعالم ما بعد الكارثة, مستوى التنوع في البيئات عظيم للغاية:
من الصحاري لحطام المدن فالغابات والمتنزهات للقلاع والمسطحات المائية, لم اشعر أبداً بأني قضيت وقتاً "طويلاً أكثر من اللازم" في بيئة واحدة أو أني سئمت من مكان معين في الساعات ال 23 التي قضيتها على المسار الأول.
وبالرغم من ذلك, جميع هذه المناطق توصل الصورة الواحدة التي تحاول اللعبة بكامل قوتها نقشها في قلب اللاعب: العالم البائس الميت, العالم الذي احتله الأعداء "الخارجيون" الذين لا نفهم أبسط تفاصيلهم, العالم الغامض الذي وراء كل شيء صغير فيه سر أو لغز; هذا التماسك المخيف للثيم بالرغم من تنوع البيئات هو أحد نقاط قوة اللعبة بنظري وأحد التفاصيل التصميمية الجميلة للغاية, نحن نستطيع أخذ إطار واحد وصنع عشرات الأشكال الجميلة منه من دون محو أصله أو تشويهه, هذا ما كان يقوله فريق العمل بثقة من خلال هذا العمل.
الأعداء, تنوعهم, وتصاميمهم:
لطفاء! هذا كان انطباعي المبدئي, وكم كنت مخطئة.
هم لا يمثلون اللطف, هم مخيفون للغاية, هم تمثيل لما لا نفهمه كبشر, تمثيل للتناقض الذي هو البراءة الوحشية.
عندما يأتيك تنين عملاق وينفث عليك من لهيبه فيقتلك, التأثير الذي سيحدثه بذلك لن يكون مماثلاً ل"ذلك الشيء اللطيف" الذي قام بافتراسك بوحشية غير متوقعة.
هم آلات صنعها جنس فضائي, ومن أجل ذلك, فإن كلاً من قيمهم, اخلاقهم, ومفاهيمهم تختلف بشكل كبير عن التي لدينا نحن أو عن التي لدى ما نصنعه. ومما رأيت, فإن اللعبة لم تتورع أبداً عن إظهار هذا الاختلاف والصدامات الناتجة عنه في أبشع صورها, يكفي عندما ترى الكائنات لطيفة المظهر تقوم بقتل بعضها البعض لأسباب لا تفهمها أبداً, المشاعر التي تنتابك حينها هي المشاعر ذاتها التي قام فريق العمل باختيار تصاميم الآليين من أجل إيصالها لك.
تصاميم الوحوش متشابهة, بعد ساعات من اللعب قد ينتابك شيء من الأمان الوهمي (افترض كونك تلعب على الصعوبة العالية؟) لرؤيتك للأعداء ذوي المستويات العالية تتشابه اشكالهم العامة مع تلك التي لمن هم في بداية اللعبة, وهنا تكون قد وقعت في الفخ, والذي ستموت بسببه لعشرات المرات حتى تدخل في دوامة الهلع وعدم الثقة بما تراه.
فهذه الكائنات مختلفة بشكل تام عن كل ما تعرفه, عدم تغير مظاهرها لا تربطه أي علاقة بمدى التهديد الذي يمكن أن تشكله حتى للاعبين المتمرسين, عندما ترى الآلي القادم صغير الحجم, يجب عليك أن تتساءل عن "التويست" الموجود فيه هذه المرة والذي سيوظفه في قتله لك بأبشع طريقة.
الأمور تزداد تعقيداً عندما تصل لمراحل متقدمة من اللعبة, إذ حينها تبدأ بتكوين مشاعر مختلطة تجاه الآلات التي بدأت تحب أو تتعلق ببعضها, وفي الآن ذاته تخاف من الأخريات وتمقتها.
التنوع في أشكال الأعداء كان ليجعل اللعبة أكثر "تجدداً", لكن هل كان ذلك لينقل مشاعر عدم الثقة والخوف ذاتها التي حاول الفريق إيصالها؟
المهام الجانبية:
بعضها هي مجرد fetch quest تهدف لإطالة عمر اللعبة, أخريات هن لا أكثر من "تنظيم" للنشاطات الجانبية في اللعبة, وهو خيار تصميمي قابل للجدل عموماً.
لكن الكثير من المهام كانت ممتازة للغاية كتابياً وزادت تعلقي بالعالم وفهمي له بشكل مهول.
فلن تفهم الشخصيات التي تلعب بها ولن تفهم عالم اللعبة بتفاصيله حقاً إلا لو قمت بإنهاء عدد من المهام الجانبية, لاسيما القصصية منها.
حتى مهام ال fetch (القليلة بالمناسبة), هي ليست مجرد "اذهب لذلك المكان" أو "اجلب ذلك الشيء" لتحصل على المكافأة, بل وراء كل منها قصة تخبرك عن شيء لم تكن تعلمه عن شخصيات العالم أو تفاصيله عموماً أو حتى عن تاريخه.
فمثلاً, إحدى المهمات ال"عادية للغاية" في اللعبة كانت عن قتلك لبعض الحيوانات البرية وجلبك للحومها, لتنتهي بسؤال فلسفي عميق للغاية متعلق بالعالم يتم إلقاءه بشكل عرضي, سؤال جعلني "حرفياً" أوقف اللعبة وأتأمله لنصف ساعة.
أنت لست الوحيد الذي يتأثر بهذا البناء في العالم, بل ستلاحظ كذلك انعكاساته على الشخصيتين الرئيسيتين من خلال تعليقاتهم على مختلف الأحداث, والتي يبين منها التغير في شخصياتهم ونظراتهم مع مرور احداث اللعبة.
فريق اللعبة قام بتوظيف المهمات الجانبية خير توظيف لرسم ملامح العالم وبناءه بشكل محكم, هذه نقطة قوة كبيرة في العمل.
القصة:
إن كان هنالك سبب يمكن أن يدفعك للعب نير أوتوماتا, فهو القصة.
القصة بسيطة ظاهرياً, لكنها كبئر يوهمك من الأعلى بأنك تستطيع رؤية قاعه, وهو يمتد لمئات الأميال للأسفل.
توقعت الكثير من الأمور في القصة واعتقدت, بل وجزمت, بأني أعرف ما ستؤول إليه الأحداث, لأني ظننت جاهلة بأني "أعرف يوكو تارو وأساليبه", سأقول فقط بأني كنت ساذجة, للغاية.
القصة لم تسدل ستارها بعد, لكن البناء الحالي يمكن تلخيص ما سيؤول إليه بثلاث كلمات: عميق, مظلم, وكارثي!
استطيع الشعور من الآن بأن هنالك ثمة أمر يحاك من وراء الستار, أمر أعجز عن معرفته أو توقعه, فهذه في النهاية هي لعبة ليوكو تارو!
هذا عمل خارق قصصياً.
تصاميم الشخصيات:
هل تعرف 2b؟ ليس هنالك ما استطيع زيادته على هذا السؤال حقيقةً &
الألحان:
قلت سابقاً بأن السبب الذي قد يدفعك للعب نير أوتوماتا هو القصة, حسناً, كنت أكذب &
هذه اللعبة تمتلك أفضل البوم موسيقي سمعته في حياتي, نقطة.
(في نهاية الموضوع هنالك الاستوديو, تستطيع سماع الألحان التي أعجبتني هناك &)
هذه ليست لعبة هاك & سلاش بعناصر آر بي جي, هذه اكشن آر بي جي بنكهة بلاتينيوم!
نظام القتال:
نظام القتال هو سريع, سلس, ممتع, يجعلك تشعر بثقل الشخصية وضرباتها, والأهم من ذلك, يقدّر التباين في المهارات.
التحكم الافتراضي هو ممتاز بمعايير اليوم, ليس استثنائياً, كان يمكن أن يكون أكثر بدهية, لكنه ممتاز ويؤدي الغرض.
إن كانت هنالك جملة تلخص رأيي في نظام القتال, فستكون الآتية: نظام قتال نير أوتوماتا هو النقطة التي يلتقي فيها نظام السولز مع نظام بلاتينيوم.
لكنه ومع ذلك ليس مشتقاً بشكل مطلق من السولز أو من بلاتينيوم, بل هو مستقل وله هويته الخاصة وأساساته المنفصلة التي يقوم عليها.
في البداية, يجب أن أعترف بأنه ليس النظام الأكثر تماسكاً الذي قدمته الصناعة, هويته المتقلبة بين صنفين تجعله غير قادر على مقارعة ملوك اصنافهم, وهذا ما لاحظته في الساعات الأولى من لعبي, لكن ذلك لم يكن أبداً بالأمر السلبي, لاسيما للعبة لاتتخذ من "اسلوب القتال المثالي" غاية لها وإنما وسيلة لإيصال القصة.
سيزعم البعض بأن غياب الكومبوس من العاب بلاتينيوم يضر بنظام القتال, أو أن غياب السحر "الجوهري في ال RPG" يجعل اللعبة تترنح, لكن بنظري, اللعبة ببساطة تخلت عما "لا تحتاجه بشكل أساسي" وقامت بصب تركيزها على أساس بسيط يبلور هويتها الخاصة ومن ثم إضفاء لمسات جانبية تقوي تلك الهوية وتعمق النظام.
كي لا أُفهم بشكل خاطئ, وجود نظام كومبوس عميق كان ربما ليجعل نظام اللعب أمتع وأكثر عمقاً, لكن وجوده كذلك كان ليكلف فريق العمل الكثير من ناحية وزن اللعبة لكون "اساساتها ليست اساسات لعبة بلاتينيوم" (ثقل الشخصية والتحريك, العالم المفتوح, كون الآربيجي جزء اساسي منها) ويجعلها أقرب بكثير لناحية بلاتينيوم مفقداً إياها لهويتها.
الأمر كذلك مع السحر, اللعبة بكاملها كانت تقوم بالتضحية بمختلف العناصر للحفاظ على الصورة التي تريد إيصالها, ثم تقوم بضرب كل ذلك بعرض الحائط ووضع "اندرويدز يستخدمون السحر" لإرضاء الفانز؟ بعض المطورين قد يفعلون ذلك, يوكو تارو ليس أحدهم.
هنالك نقوصات في نظام القتال بلا شك, كان يمكن أن يكون موزوناً بشكل أفضل, كان يمكن جعله اكثر عمقاً, لكن قرار صرف بقية موارد اللعبة على جوانب اخرى اهم منه هو قرار شجاع احترمه للغاية في النهاية.
نظام التخصيص:
نظام الرقاقات, المستلهم من زينوبليد كرونيكلز بشكل كبير, هو أحد فواكه اللعبة!
نظام القتال في "اساسه" بسيط؟ اجعله اكثر عمقاً بمراحل من خلال إضفاء نظام آخر ملاصق له, نظام يتيح لك تخصيص اسلوب لعبك ونقاط قوتك وضعفك بشكل يعطي اللعبة مرونة مهولة ويمكنك من اللعب بعشرات الأساليب المختلفة.
الرقاقة التي تقوم بتبطيء الزمن, الرقاقة التي تزيد مدى التفادي, الرقاقة التي تقويك وتقوي خصمك, والقائمة تطول بالخيارات الممتعة للغاية التي جعلتني أقضي الساعات في قائمة الخيارات أقوم بدمج الرقاقات المختلفة ومبادلة السيئة منها بأخرى ومن ثم إنشاء مجموعات خاصة للهجوم أو الدفاع أو غيرها اعتماداً على نوع الخصم, هذا النظام ببساطة عبقري.
الأمر الجميل هنا هو توافقه التام مع "ثيم اللعبة" وكون بطلة اللعبة هي اندرويد يمكن التعديل عليها, بل الأجمل حتى من ذلك هو كون كل خاصية في اللعبة (التوجيه, عداد الطاقة, كل شيء تتخيل) هو رقاقة موجودة داخل الشخصية, هنالك حتى رقاقة نظام التشغيل التي تموت إن أزلتها, هذه مرونة خارقة!
في عدم المثالية
في عالم الألعاب بشكل خاص, وفي واقعنا عموماً, المثالية المطلقة غير موجودة.
فلكل لعبة, لو تم إنفاق مبالغ إضافية عليها لكانت أفضل, ولو تم قضاء xx ساعة إضافية على تلك النقطة فيها لكان ذلك أفضل.
للأسف, وسط تطوير الألعاب هو ليس وسط فني حر, مطوروا الألعاب محكومون بميزانيات "شحيحة" وبمواعيد تسليم "قريبة", عدا ذلك, يصعب للغاية أن يتم الحفاظ على الثيم العام أوالرسالة أو حتى الجودة للعمل الفني عندما يتم توزيع العمل على قرابة ال 100 شخص, هنالك بالطبع هيئات ومؤسسات خاصة موجودة لضمان ذلك (شاهد الكريديت), لكن حتى وجودهم وآلية عملهم هما محكومان بعراقيل كثيرة وهنالك بلا شك شكل من أشكال التباين بين رؤاهم أو رؤية من قام بتوظيفهم وبين رؤية المطور الأساسي للعبة.
هذا الأمر يغدو أكثر تعقيداً عندما يكون المطور, وفريق العمل, والناشر يتبنون ليس فقط فلسفات تطوير أو إخراج أو إنتاج مختلفة, بل وحتى ثقافات عمل مختلفة بشكل كبير, خروج عمل متماسك من بيئة كتلك هو أمر جدير بالثناء, فكيف إن كان ذلك العمل هو ذو رؤية واضحة للغاية ومبلورة بشكل جميل؟
هنالك الكثير من الخيارات التصميمية التي أختلف فيها مع فريق التطوير ومخرج اللعبة, لكن اختلاف تفاصيل كتلك عن الصورة المرادة لم يجعل العمل يفقد جوهره أو يغيره, فاللعبة مليئة بالاختصارات التصميمية العبقرية والملهمة, كل ركن فيها يظهر قراراً شجاعاً وحاسماً, كل نقص فيها كان موجوداً ليكتمل جزء آخر أكثر أهمية من اللعبة, وهذا بنظري ما يجعل هذه اللعبة شيئاً خاصاً للغاية بالنسبة لي.
لم تنه المسار A من اللعبة؟ تستطيع التوقف عن القراءة الآن.
القسم الثاني:
نير أوتوماتا ليست فقط لعبة استمتعت بلعبها, بل هي لعبة غيرت شيئاً في داخلي. هي عمل فني قادني للتأمل, عمل فلسفي دفعني للتفكير, هو عمل تعلمت منه الكثير واستلهمت منه ما هو حتى أكثر, هنا سأكتب عن بعض النقاط التي استوقفتني في العمل والأفكار التي غرقت فيها تبعاً لذلك.
حديثاً عن الإنسان
في الموت:
الآلات لا تفهم الموت, عدم فهمها له هو ليس فقط ما يجعلها خطرة, بل هو أحد الأساسات التي يقوم عليها النزاع بينها وبين الاندرويدز.
في أحد مشاهد اللعبة, تساءل آدم عن معنى الحياة إن لم يكن الموت موجوداً, إن كان الأوتوماتون سيظل دائماً قابلاً لإعادة التشغيل أو الإصلاح, إن كان جوهر الموت الذي هو غياب القابلية للعكس غير موجوداً, فماذا يعني أن يكون الميت ميتاً؟ فضول آدم قاده للرغبة في تجربة الموت من دون أي خوف, لأنه في النهاية آلة غير قادرة على الربط بين عدم الرغبة أو الخوف من جهة وبين العدم متمثلاً بالموت من جهة أخرى.
الأمر كان مختلفاً مع 2B التي كانت خائفة من فكرة موت 9S, التي جعلت تنظر لآدم باشمئزاز مشوب بغضب, احدهما نتج عن عدم قدرتها على فهم الآخر والثاني هو تجسيد لكراهيتها الموروثة للموت.
هل عدم خوف آدم من الموت آتاه القدرة على رؤية جمال لا نفهمه فيه؟ لازلت لا أعلم, لكن, وكما قالت 2B , جميعنا سنفهم الموت يوماً ما عندما نجربه.
في الوعي, النفس, والتجسيد:
عند نهاية اللعبة, أحد المشاهد التي صدمتني كانت انتقال وعي 9s للآلة الملقاة بجانبه. لكن ما صدمني أكثر حينها كانت تعليق 2b إذ قالت:"ما الذي يجعلنا مختلفين عن الآلات؟"
نعم, هل الأندرويدز, أو حتى البشر, مختلفون عن الآلات في اللعبة اختلافاً أساسياً أم أن التباين بينهم هو فقط في الهوامش؟ هذا السؤال أعاد لي مجموعة من اللمحات من تاريخنا البشري, أجزاء نظرنا فيها لبعضنا فيها كآلهة مختلفة عنا, وأجزاء أخرى أكثر ظلمة عاملنا بعضنا فيها ك"غير بشر" فقط لاختلاف الوانهم عنا مثلاً.
ما هي مجموعة الخصائص التي تجعل الإنسان إنساناً؟ أعني الخصائص التي لو نزعنا أحدها فسنفقد حقيقة كوننا بشراً.
9s كان قد بقي أندرويد بالرغم من خسارته لكامل جسده, هذا جعلني أفكر للحظات, لو بقي وعيي مخزناً في مكان ما وخسرت جسدي, هل سأبقى إنساناً؟ إن بقيت إنساناً لكن خسرت إحدى خصائص التمييز لدي, هل سأبقى إنساناً؟ لاحظت في النهاية أن الأمر سيقودني فقط لمعضلة السفينة, المعضلة التي تتردد في كل مكان, لذا قلت الآتي لنفسي:" المشكلة مع هذه التساؤلات ليست في عدم وجود إجابة, وإنما في كونها تقوم على نموذج للواقع أفترض دقته بالرغم من كونه لا يعكس بالضرورة حقائق الوسط الحاوي لي." وتوقفت مؤقتاً عن التفكير.
في التغير في الأُطر:
أسمعت يوماً عن قوم قاموا بقتل أنفسهم إرضاءاً لإلههم الوثني؟ أرأيت أشكال التمييز التي حصلت, الحروب التي أقيمت, والمجازر التي اُرتكبت لأسباب مقترنة باعتقادات مجموعات من الأفراد؟ هل تستطيع تفهمها؟
عندما أفتح أحد كتب التاريخ وأرى تاريخنا الحافل بأشكال الوحشية والدموية, أقول لنفسي:"ما هذا الجنون؟ هل يمكن أن ينحدر الإنسان لهذا المستوى؟", ثم أرى اشخاصاً أعرف عنهم العقل يقومون بأمور جنونية لاتختلف عن تلك إلا في مدى دمويتها مع ترديدهم لجملهم الحكيمة التي اعتدتها منهم, فأدرك بأن الأمر هو أكثر من "أسود وأبيض".
أجلس مع أحد اصحابي, فيتساءل أمامي عن كيف يستطيع الأشخاص من البيئة الفلانية التأقلم مع حيواتهم القاسية أو كيف يصدق أصحاب المعتقد الفلاني التخاريف الموجودة في كتبهم, ينهي هذه التساؤلات بشكره لبيئته وللنتاج الثقافي الذي خلّفه, ثم يمضي.
" الأشخاص المنتمين للعرق XX هم جميعاً حثالات لا يفهمون معنى الحضارة", قالها لي سائق أقلّني يوماً لمكتبي جرّاء تعطل سيارتي.
"نحن لا نريد تدمير الدولة الفلانية, لكن تلك الدولة لا تريد السلام", "نحن على حق وهم على باطل, يجب علينا اتخاذ جميع السبل لردع الخطائين ونشر كلمة الحق", "مجنون هو من لا يكترث لموت الإنسان ويتباكى على موت الحيوان, حديثاً عن الموت, من حق الدولة الفلانية إعدام المنتمين للتيار الفلاني, فهم مجرمون يبحثون عن الفوضى." , والقائمة تطول بالأمثلة على النظر وفقاً لأطر معينة.
بشكل عام, تصعب على الإنسان رؤية الأمور من الأعلى, يصعب عليه فهم الأمور من كافة جوانبها, إذ لا يرى الأمور في كثير من الأحيان إلا من جانبه الخاص, وهذا بنظري هو الأساس الذي تقوم عليه جميع النزاعات وهو الأصل لجميع المشاكل التي يكون الواعي هو طرف فيها, ونير اوتوماتا تناقش هذه القضية في لحظات كثيرة فيها.
تحدثت في الأعلى عن هوس آدم بالموت, وعن عدم فهم 2b لذلك الاهتمام, الأمر الذي يقودها للنظر له باشمئزاز مشوب بكراهية أو غضب, إذ أنها كأندرويد تعجز عن فهم آلية تفكيره أو طبيعة مشاعره "الغريبة عليها".
المفارقة هنا هي في تعاملها المختلف مع إيف, إذ, وبالرغم من كراهيتها كذلك له, إلا أنها لم تنظر له بالاشمئزاز ذاته وإنما فهمت بأنها تكرهه للأذى الي سببه لها ولمن هم من حولها, وهو كرهها لما فعلته لأخيه, مشاعر تفهمها وتستطيع الشعور بها.
حدث آخر يمثل هذه النظرة المحكومة بالوسط هو في مهمة الآلي مربي الحيوانات, إذ يقول 9s بعد نهاية المهمة الآتي:"غريب هو أمر الآلات, لا يكترثون بموت بني نوعهم ويتأثرون بالحيوانات المختلفة عنهم."
هذه الموازاة هي لمحة ذكية من اللعبة, فما قاله 9s هنا هو ما يقوله البعض منا كثيراً عن المتعاطفين مع الحيوانات والمدافعين عنها, للأسف اللعبة لا تتعمق في قضية الأولويات التي تنبثق من هذا السؤالا, لكن طرحها المجرد لهذا التساؤل في هذا السياق الذكي قادني للتفكير (أو إعادة التفكير) لساعات في التبعات الأخلاقية للانتقائية في الاكتراث.
في الجزئية الأخيرة من نير أوتوماتا, عندما تتم دعوة 2b و باسكال للمصنع لنشاهد "أشكال الجنون الحاصل هناك", نكون مشغولين بمحاولة الهروب بيأس فنغلق أعيننا عن أسباب هذا الحدث وعن المنطلق الأخلاقي أو الفكري الذان يقوم عليهما.
لكن بعد خروجنا, وبدلاً من إبداء الخوف أو الكراهية, باسكال تبدي فقط الرغبة بفهم الأسباب التي قادت الآلات لفعل ذلك, فضول واهتمام لا تفهمهما 2b أبداً فترفضهما, التباين في الاهتمام بالحدث بين الاثنتين هو أحد أكثر النقاط التي تجسد تركيز أوتوماتا على "فلسفة الاختلاف" في بناءها لشخصايتها والتفاعلات التي تدور بينها.
باسكال هي آلية, وبالرغم من عدم فهمي للآليين جيداً في هذه المرحلة, من الجلي أنها ترى بقية الآليين بشكل مختلف عن الذي تراهم به 2b.
هل كانت محاولة فهمها لهم هي نتيجة لمشاركتها لهم النوع, أم فقط لكون شخصيتها مختلفة عن 2b ؟ لو كان 9s موجوداً حينها, هل كان ليهتم بمعرفة أسباب الذي حصل؟ هل كان منطلق اهتمامه ومداه ليكونا مشابهين للذين هما وراء ما ابدته باسكال؟ أسئلة كهذه هي التي جالت في ذهني في تلك اللحظة وقادتني للتأمل في نفسي وبيئتي.
هل أنا متعاطفة مع المنتمين لفكري؟ هل أنا ميالة لتفهم بني جلدتي واختلافاتهم أكثر مما أنا ميالة لفعل المثل مع المنتمين لأعراق أخرى؟ هل هذا مرتبط ببحثي عن أعذار للزلات التي يقع بها من أحبه أو أتبنى افكاره بالرغم من تعاملي الجاف والأناني مع أخطاء من لا أعرفهم؟ والأهم من كل ذلك, هل اعتقاداتي مبنية على أساسات صحيحة تمثل الواقع أم أنها نتاج محض لمشاعري ؟ العمل الذي جعلني أتساءل عن هذه الأمور لساعات, إن لم يكن لأيام, هو بلا شك عمل عظيم.
أوتوماتا
اللغز الذي هو الحياة:
ونعود لمعضلة السفينة, أحد أكثر الأسئلة التي ترددت في نير أوتوماتا هو السؤال عن حقيقة الحياة, وعن المعنى الكامن وراءها.
هل الأندرويدز هم أحياء؟ ماذا عن الآلات؟ متى يكون الكائن حياً وما الذي إن فقده يفقد كونه حياً؟
لو نظرنا للأمر من الأعلى, الحياة لاتختلف عن نمط في الأوتوماتا الخلوية أو عن سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تُحدث كل واحدة منها الأخرى, لتكون المنظومة الشبه تجريدية الأكبر التي هي الخلية الحية.
إن كانت جميع أجزاء الإنسان هي في أدنى مستوياتها غير حية, ففي أي مستوى إذاً يكون حياً؟ للأسف, هذا السؤال يقودنا مجدداً لمعضلة السفينة التي أفسرها كعطل في نمذجتنا للواقع, لكن تبقى ملايين الأسئلة المتعلقة بالحياة قابعة في وعيي, تنتظر عملاً كنير أوتوماتا ليأتي ويسلط عليها الضوء لتخرج للواجهة من جديد.
نمذجة المشاعر:
هذه نقطة استوقفتني في اللعبة لم أجد إجابة لها حتى الآن, إن كانت المشاعر ممنوعة على أعضاء يورها, فلم تم خلقها فيهم من الأساس؟
بل السؤال الأهم هو, اليس من الهدر أن تضيع هذه الأوتوماتا المعجزة هندسياً على معركة تستطيع فيها استخدام أسلحة أقل هدراً للموارد والوقت فيها وأكثر فعالية؟
ثم, تذكر نقطة سلط سورا الضوء عليها, اليس الفخر هو شكل من أشكال المشاعر؟ ما هو المعيار الذي يحدد الفارق بين المشاعر الممنوعة والمسموحة؟
حتى الآن, لا زلت لم أجد إجابة على هذه التساؤلات, ولا زال رأيي هو الآتي: هذا خطأ تصميمي كارثي إن لم يكن وراءه سبب وجيه.
الإسقاط الذي هو الآلات:
هنالك كائن مصمم بطريقة عبقرية, كائن لديه قابلية عالية للتطور, كائن يعلم بأن الاختلافات بينه وبين موجده جوهرية, كائن ترى منه التعقل (باسكال) والجنون (أحداث النهاية), الا يشبه هذا الكائن كائناً آخر نعرفه جيداً؟
أظن بأن استخدام الآلات لإيصال بعض اللمحات المتعلقة بالبشر هو أحد أذكى نقاط اللعبة. فنحن عموماً نكون أقل دفاعية ضد الأفكار التي لا تحاول نمذجة أنماط تفكيرنا أو تحليل أفعالنا, وعندما نرخي دفاعاتنا الفكرية, نكون عرضة للنظر بوسطية وموضوعية للأفكار والأحداث, وهذا بالتحديد ما حصل لي مع نير أوتوماتا.
فلو كانت قصة عن الإنسان, لو كنا نحن جانباً حقيقياً من الصراع, لكنت قد أعميت ولما وصلت لبعض النقاط التي وصلت لها عندما تفكرت في الأحداث التي عشتها في اللعبة وفي نتائجها.
اللعبة تستخدم الآلات في كثير من المواضع لجعلهم "يحاكون سلوكاً إنسانياً" نشعر بالامتعاض أو بالسعادة جراء رؤيته وقد بدى على "الغرباء", وهذا بدوره يعطينا نظرة أوضح عن ذلك السلوك بشكل مجرد منفصل عن هوياتنا.
لنتحدث قليلاً عن الجنون, في أحداث النهاية, تتم دعوة 2b وباسكال للمصنع حيث توجد هنالك مجموعة تحررت من شبكة الآليين.
هم قاموا بتأليه أحدهم لأسباب بدت "تافهة وغير منطقية" بنظري, وهنالك كان الانقسام الكبير من المؤمنون بعماء, وبين الخائفين, وبين المتعقلين, منهم, ثم هنالك باسكال التي تنتمي لصنفهم ومع ذلك, لأنها أتت من بيئة مختلفة, لا تفهم لم يعتقدون ذلك.
اليس هذا هو محاكاة لما يحصل كثيراً في واقعنا؟ على امتداد تاريخنا, كانت هنالك الكثير من المعتقدات التي دفعت معتقديها (الذين آمنوا بها بعماء) لارتكاب الكثير من الأمور الشنيعة, في حين آثر بعضهم تفسير تلك المعتقدات بشكل لطيف, وهنالك الآتين من بيئات أخرى وعدم فهمهم للمعتقدات تلك أو رفضها.
بغض النظر عما تحاول أوتوماتا إيصاله من خلال توظيف هذا الإسقاط, تلك اللحظة التي أدركت فيها المعنى وراء جنون الآلات كانت هي اللحظة التي جعلت أفكر فيها في الحرية وتبعاتها, في ذلك "الشر" الذي يأتي لا محالة مع حرية الاختيار, الشر الذي إن أتى مصاحباً لعدم الفهم وللإنغلاق, يقومون معاً بهندسة الأحداث الأكثر كارثية.
الأستديو & الألحان
اللعبة, كما قلت بالأعلى, تمتلك أفضل البوم موسيقي سمعته في حياتي, هنا ببساطة أشارككم بعضاً من الألحان المنتقاة, وبالرغم من كون معظم الحان اللعبة نالت إعجابي, آثرت اختيار القلة التي أثرت فيني على مستوى شخصي وهزت نفسي.
اسمع نهايته @@
لأننا نستحق تعريفاً للملحمية بلغة الموسيقى ^__^
لحني المفضل في اللعبة, لا, بل في السلسلة, وربما في الصناعة &
الأغنية الأهم, والأجمل في اللعبة &
خاتمة
هذه بنظري ليست فقط لعبة رائعة أتسلى بها, هذه هي مدرسة أتعلم منها, هذه تحفة فنية تلهمني وتدفعني للتأمل في كل ما يحيط بي, أنا بعد إنهاء المسار A منها كائن مختلف (ولو قليلاً) عن الذي لم يعشها, كائن عاش في عالم لا إنسان فيه, كائن رأى ما يخلفه الصراع المستمر بين الموجودات, كائن لديه الرغبة في تفهم الغير, ولديه القابلية على تقبل ما هو مختلف عنه بشكل أكبر, أنا أشكر يوكو تارو على هذه التحفة من كل قلبي.
التعديل الأخير: