الفيلم عبارة عن متعة بصرية بحق و قد أبدع كل من مصممين الخلفيات و منسقة الألوان بشكل واضح و كبير و هنا سأدرج بعض الصور التي توضح ذلك و طبعا هذه مجرد عينة من ابداعهما خصووصا منسقة الألوان السيدة " Yasuda Michiyo " التي نجحت في جعل الألوان متناسقة تماما مع أجواء القصة و مريحة للعين و من يتابع الفيلم سيصعب عليه تصديق أن سنة انتاجه كانت عام 1988 !!! غير هذا فمصمم الشخصيات و المسؤول عن الموسيقى لم يكن مستواهم أقل من رفاقهما في العمل.
- عينة من الابداع في تنسيق الألوان لمنسقة الألوان السيدة " Yasuda Michiyo " :
- عينة من الابداع في تصميم الخلفيات :
تصميم الشخصيات كان متناسب تماما مع نوعية الشخصيات و القصة و للأمانة أنا لا أعلم ان كانت مثل هذه التفاصيل ( الصور بالأسفل ) تكون تحت اشراف مصمم الشخصيات لكن مثل هذه التفاصيل الدقيقة جعلتني كمتابع أشعر بالمعاناة التي كان سيتا و سيتسكو يمران بها خصوصا الأخيرة كونها ما زالت طفلة و قدرة تحملها أضعف بكثير من قدرة تحمل شقيقها
عندما أرى سيتسكو خاصة و هي في هذه الحال و أرى كيف كانت سابقا تحطم قلبي و أظن أن الكل هكذا
الموسيقى مستواها كان ممتاز و تناسقها مع نوعية القصة كان رائع !! بحيث أنها تساهم في جعل الحدث أكثر تأثير على نفسية المتابع و توقيت استعمالها كان نوعا ما جيد لأن هناك أحداث برأيي كان من المفترض استعمال الموسيقى لزيادة تأثير المشاهد على المتابع مثل المشهد الذي وجد فيه سيتا أمه مصابة اصابات خطيرة و ستموت في النهاية بسببها !! و في المشهد الذي أقرت فيه سيتسكو بأنها تعلم أن أمها قد ماتت و استرجع سيتا ذكريات أمه و هي ترمى مع كومة من الموتى ليحرقوهم و بدأ بالبكاء... مثل هذه المشاهد مؤثرة جدا و لزيادة مدى الشعور بالحزن لدى المشاهد من المفترض استعمال موسيقى تصويرية لذلك و ليس الاعتماد فقط على كاتب السيناريو و تعابير وجه الشخصيات...
القصة و باختصار تتمحور حول " سيتا " و " سيتسكو " اللذان يعانيان الويلات بسبب الحرب بين اليابان و أمريكا في الحرب العالمية الثانية و كيف سيكون مصيرهما بعد ما حصل لأمهم
، هذه هي القصة باختصار شديد و هي اعتيادية لكن طريقة سردها كانت أكثر ما ميزها فبداية الفيلم لوحدها كانت كفيلة بشد انتباهي كمتابع لمعرفة : ماذا حصل ؟ كيف وصل الأمر لهذه الحال ؟ ماذا سيكون مصير الشقيقين ؟ لذلك البداية تعتبر ممتازة برأيي و رتم الأحداث كان ممتاز و طريقة تسلسلها مريح و سلس.
أكثر شيء شد انتباهي و ترك أثر في نفسيتي هي تركيبة الشخصيات القصصية و التي كانت برأيي الشخصي أقوى ركن في هذا الفيلم !!! الواقعية في تصرفات الشخصيات كانت من الطراز الرفيع في فن كتابة الشخصيات القصصية و أظن أن هذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتني أندمج أكثر مع القصة و الأحداث
، مثلا شخصية " سيتا " هو ابن لضابط في البحرية و من المفترض أن يكون ذو شخصية قوية - حازمة - ذو كبرياء عالي !! و أظن أن هذا ما كان عليه كل الشعب الياباني في تلك الفترة ( أو أغلبهم ) فلو عدنا لتلك الحقبة فلم تستسلم اليابان لأمريكا حتى بعدما قامت بقصفها بقنبلة نووية في أكثر المدن حيوية في الدولة ألا و هي هيروشيما !! المشكلة أن هذا الكبرياء كان سبب في خسارة فادحة للدولة وقتها و اذا عدنا للفيلم فقرار سيتا بأن يترك بيت عمته و يذهب للعيش لوحده هو و شقيقته في ملجئ لوحدهما كان نابع من الكبرياء العالي الذي يتمتع به سيتا حتى أن " سيتسكو " و التي تعتبر طفلة عمرها لا يتجاوز 4 سنوات قالت له لما لا نعيش وحدنا في هذا الملجئ ؟ و هنا سأمر لنقطة أخرى تزيد من واقعية الشخصيات ألا و هي سذاجة هذا القرار طبعا كلام " سيتسكو " سيراه الأكثرية بمن فيهم أنا شخصيا ساذج نوعا ما و حتى أن قرار سيتا ساذج كونه أكبر من أخته !!! من المفترض أنه يعلم أنهما سيعيشان حياة كارثية و سيعود عليه هذا القرار بسلبية و هذا ما حصل فعلا للاسف لكن اذا عدنا لعمر سيتا فهو بعمر ال 14 أي أنه ما زال مراهق و كلنا نعلم أن هذه الفترة العمرية تعتبر أكثر فترة في عمرنا نقرر فيها قرارات طائشة تتسبب في مشاكل أخرى فيما بعد و هنا يأتي دور الوالدين في تقديم النصيحة و مع ذلك فهناك البعض يتجاهل تلك النصائح و يتصرف بسجيته و يندم فيما بعد على تلك القرارات
، المشكلة أن سيتا فقد أمه و والده على ما أظن وقتها كان ميت كذلك و هنا فقد سيتا كل وجهة تساعده في معرفة ما يجب عليه فعله و هنا سأمر مباشرة للتكلم عن شخصية اذا كانت الحقارة في هيئة شخصية فستكون عمتهما !!! البعض سيقول أنني أبالغ نوعا ما بهذا الوصف لكن هذا ما رأيته شخصيا و لا يوجد لدي أي منظور اخر يجعلني أفكر في أن لديها ذرة طيبة واحدة داخل قلبها
، في أول مرة أتى فيها سيتا و سيتسكو للمنزل و أخبرها سيتا بما حصل لهم رحبت بهما و تصرفت معهما بلطف هل برأيكم تصرفت كذلك فقط لأنها طيبة أو حنونة ؟ لا بل لأن والدهما يعتبر جندي في البحرية أي أنه و حسب ما كانت تظنه سيرسل لهم الطعام و العديد من الأشياء ريتما يعود ففي النهاية الجنود يتم معاملتهم معاملة مميزة بما أنهم يضحون بحياتهم لحماية الوطن و بعد أن علمت أن والدة سيتا ماتت نصحته بأن يراسل والده و بعدها أصبحت حقيقتها تظهر ببطئ و هذا مشهد بسيط يوضح ذلك حتى أن نظراتها تجاههم تغيرت تماما :
و سابقا كيف كانت تنظر لهم ؟ هكذا :
عموما بعد ذلك بدأت ببيع ملابس والدته مقابل بعض الأرز أو المال طبعا فعلت هذا بعد موافقة سيتا لكن بدون موافقة سيتسكو و جلبت لهم كيس أرز كامل و هنا حقيقتها ظهرت كاملة ففجأة بعدما سمعت أنه قد مر أسابيع و لم يرد والد سيتا على الرسالة بعد تغيرت معاملتها لهما 180 درجة و ذلك لأنها علمت في قرارة نفسها أن والده قد مات و هما يتيمين و قد أصبحا مجرد مشكلة بالنسبة لهم
، و أصبحت تفرض عليهم أكل الأرز الذي حصلا عليه من بيع ملابس والدتهما و تستغل ذلك الرز لصنع أكلات مختلفة لزوجها و ابنتها أما هما فتطبخ لهما الرز فقط و تقول لهما أنهما لا يستحقان أكثر من ذلك !!! هل هناك حقا برأيكم أحقر من هذه النوعية من الشخصيات ؟؟ يعني لو فرضت أكل الرز على سيتا فقط و قالت له لن تحصل على شيء آخر الا بعدما تبدأ في العمل لكان أهون لكننا نحن هنا نرى أنها تفرض هذا الشيء حتى على
طفلة صغيرة عمرها 4 سنوات فقط !!
و من هنا بدأت الكارثة و قرر سيتا بعدما قالت له هذا الكلام ( بالأسفل ) أن يترك المنزل و يعيش لوحده هو و أخته :
كما قلت سابقا سيتا ذو كبرياء عالي و هذا الكبرياء كان السبب في موت أخته و موته هو الآخر في النهاية فلو كان شخص راشد سيعلم أنه لا يوجد أي حل غير أنه يعود ليعتذر لعمته ليس من أجله بل فقط من أجل أخته !!! فما الفائدة من هذا الكبرياء اذا كانت سيتسكو التي تبلغ من العمر 4 سنوات فقط ستموت بطريقة كارثية ؟ لمن تابع الفيلم و لم يتذكر هناك مزارع كلمه سيتا سابقا و طلب منه الطعام مقابل المال لكنه رفض هذا لوحده قصة كذلك و لن أتطرق لمنظوري الشخصي تجاهه لأن الموضوع سيطول أكثر xD
، هو نصحه بأن يعود لعمته و يعتذر لها لكن بما أنك ترى فتاة صغيرة بجانبه تموت ببطئ بسبب سوء التغذية ما المانع من تقاسم القليل فقط من الطعام ؟ أو على الأقل مساعدتهما بطريقة ما للحصول على طعام ؟ كمثال عمل يعمله سيتا !!! طبعا هذا الشيء كان من المفترض من زوج عمته أن يفعله لكن بما أن عمتهم لم تحن عليهم فما بالك بمن ليس له أي رابط عائلي بينهم ؟ حتى أنه لم يبحث عنهما عندما قررا الذهاب و الخروج من المنزل :/ و لحدود الساعة أتسائل سؤال واحد كيف لم يجد سيتا وحده عمل له ؟ ألأنه ما زال مراهق ؟ أو لأن الدولة في حالة حرب ؟
لا أريد الإطالة أكثر لكن هناك شخصيات ظهرت في الفيلم تجعلك تتيقن 100% أن الانسانية تتجرد من قلوب بعض الأشخاص أثناء الحرب و كل شخص لا يفكر الا في نفسه و لا يهتم بما يحصل للآخرين حوله حتى لو كانوا أطفال أبرياء !!
، فمثلا هذا الطبيب يرى كيف تعاني سيتسكو و تموت ببطئ بسبب سوء التغذية لكنه يقول بكل برود ذلك لسيتا و كأن الأخير لا يعلم أنها تعاني من ذلك و لم يقدم له و لا أي ذرة مساعدة -_- .
و في الأخير نصل للنهاية و التي تعتبر أحد أقوى أركان الفيلم كتابيا و تسبب لمن تابع الفيلم كآبة و حزن تعصر القلب لدرجة البكاء لا اراديا أنا شخصيا عندما رأيت هذا المشهد
امتلأت عيوني بالدموع لا إراديا و وجدت نفسي أبكي تزامنا مع سيتا الذي رأى أخته تحتضر أمام عيونه و لم أتوقف عن ذلك الا بعدما انتهى الفيلم فالمشهد الأخير حرفيا كان مأساوي لدرجة مستحيل تصورها ففي نفس المشهد : 1- علم سيتا أن اليابان خسرت الحرب و استسلمت , 2- علم أن والده قد مات , 3- أخته ماتت بسبب سوء التغذية أمام عينيه , 4- استعمال فلاش باك تظهر فيه و هي بكامل طاقتها تلعب و تضحك

, 5- حمل سيتا لأخته لقمة الجبل لكي يحرقها بنفسه و يبقى بجانبها حتى تحترق بالكامل
و هذه هي نهاية الفيلم بكل اختصار و في النهاية مات هو الآخر و اخر كلمة ذكرها هي " سيتسكو "

سبق و تابعت العديد من الانميات و الأفلام ( الأمريكية أو افلام الانمي ) التي تتميز بالطابع المأساوي لكن لم أشعر بالحزن الشديد أو أن قلبي يعتصر من شدة القهر و الحزن بعدما أنهي العمل فعادة عندما أسترجع في ذاكرتي أحداث العمل المأساوية أجد أن تأثيرها على نفسيتي تقل مع مرور الوقت و عادة بعد مرور يوم أو يومين أنسى ذلك الشعور حتى لو تذكرت ما حصل لكن هذا العمل الوحيد الذي كلما تذكرت أحداثه يعتصر قلبي من شدة الحزن و تأثير تلك الأحداث على نفسيتي لم يقل أبدا... و ذلك ببساطة لأن هذا الفيلم كما قلت سابقا يحمل في طياته رسائل انسانية عديدة و أكثر رسالة انسانية مؤثرة هي ما ذكرت سابقا فالمشكلة أن أصحاب النفوذ و السلطة لا يفكرون الا في مصالحهم الشخصية و جمع ثروات هائلة
، نتيجة لهذه الأنانية التي تصيبني بالاشمئزاز تبدأ الحروب و العديد من الأطفال الأبرياء يذهبون ضحية لهذه الأنانية و
حتى يومنا هذا ما زال هناك أكثر من 3 مليون طفل يموت بسبب سوء التغذية في شتى بقاع العالم سنويا !!! ركزوا بالله في سنويا أكثر من طفل ينتظره نفس مصير ( سيتسكو ) في العالم !!!... و هنا يزداد الاحباط داخل قلب أي شخص يرى مثل هذا الواقع البشع و الكارثي الذي نعيشه في عالمنا هذا و الفيلم ليس سوى رسالة تذكرنا بهذا الواقع و التي يحاول السيد " Isao Takahata " الراحل ايصالها لنا
عادة عندما أنهي فيلم يعجبني جدا و يكون من الأفلام المفضلة أعيد متابعته مرة أخرى لكن هذا الفيلم يعتبر حالة خاصة لأني بصراحة لا أستطيع أبدا أعيد متابعته ( على الأقل حاليا ) بسبب النهاية المأساوية... فكلما أرى سيتسكو قلبي يعتصر من القهر و الحزن
تقييمي للفلم بشكل عام 10/10 و أحد أفضل الأعمال التي تابعتها في حياتي <3
و سأختتم هذه المراجعة بكلام ذكره الأخ المترجم عمر في نهاية الفيلم و قد أعجبني جدا : إلى الشفاه الذابلة و الأجسام الذاوية... التي قضت عذابا تحت سطوة الحرب و الفقر و اليُتم نرفع الصلاة لأرواحكم الطاهرة و نكفكفُ دموع مآسيكم الغائرة فيمن بقي منكم بيننا... تحننوا على فقرائكم و ارحموا أيتامكم مدوا لهم اليد الحانية و القلوب النابضة بالحب ... قبل أن يُلبسهم الفقر كفن الأجل و ثوب الموت... وردة حب و حنان لكل ( سيتا ) و ( سيتسكو ) في العالم .
- ملاحظة : هذه أول مراجعة أكتبها لعمل معين و ذلك لأنني كنت بحاجة شديدة للتكلم عنه فأرجو أن تنال اعجابكم ❤