Anaxïmandrøs
True Gamer
غريب هو شاب في مقتبل العمر، تخرج لتوه من معهد التكنولوجيا والتطوير .. فبدأ بعمل دورات تدريبية للخرجين الجدد .. الشاب مثابر، حالم، ويملك هدفا نصب عينيه.. فصبر و جاهد في نفسه..دعمته أسرته بأموالهم إدخروها سنوات ليحقق مبتغاه و حلمه الذي راوده منذ أن لمس أول يد تحكم العاب عندما كان طفلا في الرابعة من عمره .. كيف تتحرك هذه الشخصيات التي تشبهنا و في نفس الوقت مختلفة عنا!! .. كيف دبت فيها الحياة؟! كيف تتحرك بسلاسة و واقعية هكذا ؟!! الوان جميلة .. تصاميم خلابة .. شخصيات مرحة و أخرى بطولية مثالية .. كيف تم صنعها ؟ كيف و كيف و كيف ؟؟؟
أسئلة طفولية بريئة إنطلق من خلالها حلم صغير.. حلم بدأ ينمو مع نمو الطفل حتى أصبح شابا مشتد العود.. مسلحا بمخزون علمي و معرفي تطبيقي حول هوايته التي تحولت أخيرا الى حرفة بين يديه.. مستعدا بأن يجود بعرق جبينه في سبيل إرضاء القليل من النرجسية "البريئة" لذلك الطفل الذي لازال للآن بداخله.. بمكان ما..
الطفل صار شابا، ناضجا مقبلا على الحياة..
يقول لها : أرني ما لديكي؟ فأنا مستعد لك أيما إستعداد.
تمر أيام و سنوات قليلة بعد ذلك.. والشاب يصدم بواقع مغاير تماما عن الواقع الذي كان بمخياله! .. الواقع الذي لطالما حلم به لم يكن له وجود الا بداخل جمجمة ذلك الطفل البريئ الذي إختفى بين ظلال ما مضى من سنوات.. و دفن بداخل البومات الصور ..
الطفل صار رجل شابا متخرجا كغيره من شباب جيله .. والرجال لهم مسؤوليات .. هو أساسا موجود في هذا العالم حتى يعيل الجيل القادم.. المحظوظون منهم سيعمل بمهنة الأحلام (كما يعتقد) وآخرون سيعملون أي شيئ ليستمر النسل و تستمر معه أحلام الأطفال بأشكال وألوان مختلفة بإختلاف العصور والأزمنة .
إشتغل صديقنا "غريب" بالمهنة التي لطالما حلم بها و عشقها .. ألعاب الڤيديو هي اول قصة حب رومانسية عاشها في حياته .. حلم تحقق بعد جهد عظيم ..
يا إلهي.. انها المهنة الحلم!!
لكن هل هي كذلك فعلا؟
العالم هو مكان قاس .. العلاقات الإنسانية معقدة التركيب .. غير متوقعة و لا توجد فيها ضمانات .. كذلك المهن على إختلافها .. تنافسية غير طبيعية .. نسيج إجتماعي داخل المنظومة المهنية معقدة التركيب ، و لا توجد بها ضمانات.
هذا كان مدخلي للموضوع..
في العالم ؟ هناك ثلاث حتميات..
- الحتمية الجينية (ما ورثته من جينات أسلافك)
- الحتمية البيولوجية (أجهزتك الحيوية بداخلك)
- الحتمية الثقافية (الأشياء التي نشأت عليها و تم تلقينك إياها بسنواتك الأولى)
ما علاقة هذا بالموضوع طيب ؟
أن تعيش بمهنة ك "العبد" ليست من ضمن هذه الحتميات .. هذه ليست حتمية! .. أنت إنسان كامل الأهلية و بإرادة حرة.. بمعنى أنك (كإنسان) تستحق أن تعمل في ظروف آدمية طبيعية .. لكن في عصرنا الحالي؟ العبودية إتخذت أشكالا مختلفة (تبدو جميلة من الخارج) ..
أحد المراحل الهامة بتطوير الألعاب تسمى بال crunch Time .. غالبا هذه المرحلة يتم "تفعيلها" مع إقتراب موعد خروج المشروع (اللعبة) للسوق .. تصل ساعات العمل بهذه المرحلة لمئات الساعات بالأسبوع الواحد .. هناك قصص عن نساء (مطورات) حوامل تعرضوا للإجهاض بسببه! .. هناك أشخاص مرضوا و آخرين تسبب لهم بأرق مزمن رافقهم لسنوات طويلة لاحقا..
هناك شركات حيتان عمالقة (عتاولة) بالصناعة حولت هذا النظام بالعمل (ال Crunch Time) من عادة تتزامن و قرب وصول موعد الإصدار.. لعبادة!!
لقد تحول الأمر من عادة الى عبادة (عبادة الدولار!)
"Rockstar أحد أشهر هذه الشركات"
معلومات خرجت مباشرة من داخل دهاليز روكستار، عبر مصادر عديدة.. حتى أكون محددا؟ من مطورين بعينهم إشتغلوا و عملموا لساعات إعتقدوا أنها ستصبح لا نهاية لها !! .. المطورين تأكدوا بأنهم لن يخرجوا سالمين معافين من عملية تطوير لعبة Red Dead Redemption 2 .. الأمر كان حرفيا (على لسانهم) أشبه بالجحيم .. الشركة بأكملها (Rockstar) كانت تغلي .. كانت أشبه بقطعة من الجحيم سقطت على الأرض!!
1.600 مطور إشتغلوا لمدة سنوات (يقال بأنها وصلت تقريبا ل8 سنوات بالتخطيط وبكل شيئ)
85 بالمائة من المطورين إشتغلوا بفترات طويلة ولم يتبقى لهم الا هامش زمني قدره 4 ساعات للنوم! .. أربع ساعات للنوم يوميا بعد ساعات عمل مستمرة!! توقفوا قليلا وتخيلوها أعزائي القراء؟؟؟
هناك أيضا إعترافات على انها وصلت ل24 ساعة من العمل المتواصل يا إلهي!!!!!!!!
الأمر لم يعد Crunch Time ؟!!
تعريف الكرنش تايم هو محاولة إنهاء طبقات متجمعة من العمل (التطوير، التصميم، البرمجة الخ..) تحت كمية ضغط هائل وبتكثيف العمل عليها لإنهائها بموعد مقرر سلفا.. غالبا يحدث بفترة متأخرة من عملية التطوير (أو بأحد المراحل)
الأمر تعدى هذا المفهوم مع الرائدة روكستار ؟!
نظام العمل المتواصل (الكرنش تايم) بدأ منذ أن كان مشروعهم على الورق، الى أن إستوى و وصل لمرحلة الطبع و النشر!!! (بمعنى طوال مدة التطوير!!!) .. الأمر ذكرني ببناء الأهرامات بزمن الفراعنة قبل 7000 سنة!! .. الفرق هو أنه بذلك الزمن كان البشر أقل إنسانية بحكم قلة تطور الوعي البشري مقارنة بالوقت الحالي.. لكن لا .. إختلف الزمن والزمن بريئ منهم، لكن البشر هم البشر..
حاولت النقابات التدخل لتغيير هذا الواقع او التخفيف منه على الأقل.. لم يصلوا لحلول صالحة و فعالة ترضي الطرف المتضرر أو توازن بين مصالح الأطراف جميعا.. والردود كانت مجرد وعود في الهواء وبعض الكلام اللطيف والدبلوماسي (الذي يحمل في حقيقته وجها قميئا) ..
تداخل المستثمرين ومنهم سياسيين نافذين.. و تمازج المال القذر بعرق مطورين كان أغلبهم أطفالا حالمين بالدخول لصناعة الألعاب.. فقط بسبب تلك الأشكال والشخصيات الجميلة الملونة بقدرات ال8 بت ..
مطورين دخلوا لهذا المجال مدفوعين فقط بأحلام الطفولة، بتطلعات كبيرة تهدف لتغيير حياتهم نحو الأفضل و لتحسين جودة حياة الأطفال والكبار على حد سواء .. لكن عذرا أيها الحالم.. فأنت في حضرة الواقع .. وحتى ان عملت بحب تحت وطأة هذا الذل.. فلن يبادلك العمل الشاق هذا الحب.. الشركات وظفت أشخاص دخلوا بدوافع عاطفية لهذه الصناعة.. بدافع الشغف، للأسف الشركات إستغلت ذلك بأبشع الصور.
المطورين يتم شفطهم روحا وجسدا (تعبير مجازي يصف الحالة) من طرف حيتان الصناعة و مستثمريهم.. يتم إرهاقهم و إستعبادهم .. وعندما يمرض المطور او يصبح عاجزا؟ ينتهي و يتم التخلص منه.. فيتم جلب البديل للمحرقة .. وتبقى هذه الدوامة تدور و تدور الى أن يأتي يوم نتمنى فيه بأن تحيى ضمائر هؤلاء وينظرون لمن حلهم بنظرة مغايرة عن كون البشر مجرد قيم قابلة للإستنزاف.
الأبداع هو قيمة أدبية تخرج من رحم الشغف بالشيئ.. ولكي يخرج بالشكل المطلوب؟ يجب خلق بيئة ملائمة له .. لكن تحت ظل أنظمة التطوير الحالية؟ فالموظف مطالب بالإبداع تحت ظروف قاهرة !! .. حتى وإن كان متفانيا نشيطا و مميزا بعمله.. فهو مفروض عليه فعل أمر "خلاق" من العدم والا مصيره خارج أسوار الشركة.. وطابور بدلائه أطول من شارع يونغ ستريت بتورنتو كندا!!!
مع ظهور مطورين "هنود" و "صينيين" (لا املك شيىا ضدهم بالمناسبة) .. أصبح الأمر أسوء .. التكلفة قليلة و الموارد البشرية متوفرة بكثرة بشكل مجنون!! .. عمليات الأوت سورسينغ تبدو لك جيدة و مفيدة لتسريع عملية تطوير لعبتك المفضلة عزيزي اللاعب الشغوف الجالس على أريكتك مرتاحا..
اليس كذلك؟
لعلمك عزيزي اللاعب ؟ نظام الأوت سورسينغ شرد عائلات (عائلات لمطوري العاب يعتاشون من شركات طردتهم بسبب رخص المواد البشرية بمناطق أخرى من العالم) .. الخوف من آراء اللاعبين وشعورهم (طبعا من اجل اموالهم وليس من أجل سواد عيونهم)، هذا جعل الشركات أكثر قسوة على الموظفين مما هم عليه سلفا ..
في أحد الليالي الملاح يأتي جيف كيلي متعاطفا مع كوجيما أثناء وبعد محنته مع كونامي.. و يعد خطبة عاطفية عصماء في حقه دغدغت المشاعر و أثارت دموعه هو شخصيا و دموع كل الحاضرين.. الكل متعاطف و متضامن.. الكل على قلب رجل واحد.. لاعبين و مطورين .. لأن كوجيما هو كوجيما.. المشهور الفذ كوجيما (أو ميكامي او غيره من المشاهير) لكن من منا او منهم ذكر هؤلاء المطورين المساكين (جنود الصفوف الأمامية المجهولين) ، وحالاتهم أسوء بمراحل متراصة فوق بعض على حالة كوجيما! .. بل تعتبر مشكلة كوجيما كأنها عطلة إستجمام بجزر الباهاماس مقارنة بمآسي هؤلاء المطورين المغمورين.
بالمناسبة.. عند نجاح هذه الألعاب تحت ظل هذه الظروف؟ يتم توظيف مدراء تنفيذيين جدد أكثر (بعيدين كل البعد عن المجال الإبداعي)، هم في الحقيقة مجرد رجال أعمال.. لايرون الألعاب كما تراها انت عزيزي القارئ.. كأعمال "فنية" أقصد و وووو..
هم يرونها مجرد خط آخر في جدول بيانات الإيرادات بنهاية السنة المالية..
هذا النظام الجشع يفرخ لنا العاب ليست بنفس مستوى الألعاب السابقة (التي أعجبنا بها) .. بل يتضخم الجشع لينتج بعدها إما ألعابا غير مكتملة أو العابا مبتور محتواها.. أو العاب من سلاسل كانت تنتمي لنوع معين فصارت نوعا آخر بقدرة قادر!!!!
القرارات التي يتم إتخادها تكون بناء على خطط مالية بحتة -و أدري انها ليست مؤسسات خيرية- لكن الجملة هذه من اكثر الجمل المستفزة التي "سلكت" (بتشديد اللام) للجشع بأن يتوغل بالصناعة أكثر وأكثر .. هذه أحد التقنيات التي تهدف لتمرير شعور العار لنفسك حتى يتم التلاعب بك كمستهلك.. تقنيات العار التي يمارسها عليك مدراء هذه الشركات الهدف منها جعل ممارساتهم الدنيئة شرعية (سواء تجاهنا أو تجاه المصممين المسحوقين).
بصورة عامة وكما ذكرت سابقا بموضوع "المافيا و صناعة الألعاب" ، الصناعة ليست وردية كما يعتقد معظمنا.. يجب إعادة النظر في العديد من الأمور (منها طريقة تعاطينا مع هذه الشركات) .. صحيح سوبر ماريو كيوت و جميل وقفزاته مبهرة.. و صحيح ان ريد ديد ريدمبشن 2 محت الخط الفاصل بين السينما والألعاب.. و أيضا أتفق أن سلسلة رزدنت ايفل قد عادت الى رونقها المعهود..
لكن أثناء لعبنا هذه الألعاب؟ على الأقل إذا لم نفعل شيئ بشكل عملي تجاه هؤلاء المطورين المسحوقين؟ خلينا فقط نتذكر ان هذه الألعاب قد تم تطويرها بالعرق والدموع وبالدماء في بعض الأحيان .. و نقدم لها بعض الإحترام بسبب الجهد الذي بذلوه.. و تبا لمدرائهم الجشعين.
تحياتي.
أسئلة طفولية بريئة إنطلق من خلالها حلم صغير.. حلم بدأ ينمو مع نمو الطفل حتى أصبح شابا مشتد العود.. مسلحا بمخزون علمي و معرفي تطبيقي حول هوايته التي تحولت أخيرا الى حرفة بين يديه.. مستعدا بأن يجود بعرق جبينه في سبيل إرضاء القليل من النرجسية "البريئة" لذلك الطفل الذي لازال للآن بداخله.. بمكان ما..
الطفل صار شابا، ناضجا مقبلا على الحياة..
يقول لها : أرني ما لديكي؟ فأنا مستعد لك أيما إستعداد.
تمر أيام و سنوات قليلة بعد ذلك.. والشاب يصدم بواقع مغاير تماما عن الواقع الذي كان بمخياله! .. الواقع الذي لطالما حلم به لم يكن له وجود الا بداخل جمجمة ذلك الطفل البريئ الذي إختفى بين ظلال ما مضى من سنوات.. و دفن بداخل البومات الصور ..
الطفل صار رجل شابا متخرجا كغيره من شباب جيله .. والرجال لهم مسؤوليات .. هو أساسا موجود في هذا العالم حتى يعيل الجيل القادم.. المحظوظون منهم سيعمل بمهنة الأحلام (كما يعتقد) وآخرون سيعملون أي شيئ ليستمر النسل و تستمر معه أحلام الأطفال بأشكال وألوان مختلفة بإختلاف العصور والأزمنة .
إشتغل صديقنا "غريب" بالمهنة التي لطالما حلم بها و عشقها .. ألعاب الڤيديو هي اول قصة حب رومانسية عاشها في حياته .. حلم تحقق بعد جهد عظيم ..
يا إلهي.. انها المهنة الحلم!!
لكن هل هي كذلك فعلا؟
العالم هو مكان قاس .. العلاقات الإنسانية معقدة التركيب .. غير متوقعة و لا توجد فيها ضمانات .. كذلك المهن على إختلافها .. تنافسية غير طبيعية .. نسيج إجتماعي داخل المنظومة المهنية معقدة التركيب ، و لا توجد بها ضمانات.
هذا كان مدخلي للموضوع..
في العالم ؟ هناك ثلاث حتميات..
- الحتمية الجينية (ما ورثته من جينات أسلافك)
- الحتمية البيولوجية (أجهزتك الحيوية بداخلك)
- الحتمية الثقافية (الأشياء التي نشأت عليها و تم تلقينك إياها بسنواتك الأولى)
ما علاقة هذا بالموضوع طيب ؟
أن تعيش بمهنة ك "العبد" ليست من ضمن هذه الحتميات .. هذه ليست حتمية! .. أنت إنسان كامل الأهلية و بإرادة حرة.. بمعنى أنك (كإنسان) تستحق أن تعمل في ظروف آدمية طبيعية .. لكن في عصرنا الحالي؟ العبودية إتخذت أشكالا مختلفة (تبدو جميلة من الخارج) ..
أحد المراحل الهامة بتطوير الألعاب تسمى بال crunch Time .. غالبا هذه المرحلة يتم "تفعيلها" مع إقتراب موعد خروج المشروع (اللعبة) للسوق .. تصل ساعات العمل بهذه المرحلة لمئات الساعات بالأسبوع الواحد .. هناك قصص عن نساء (مطورات) حوامل تعرضوا للإجهاض بسببه! .. هناك أشخاص مرضوا و آخرين تسبب لهم بأرق مزمن رافقهم لسنوات طويلة لاحقا..
هناك شركات حيتان عمالقة (عتاولة) بالصناعة حولت هذا النظام بالعمل (ال Crunch Time) من عادة تتزامن و قرب وصول موعد الإصدار.. لعبادة!!
لقد تحول الأمر من عادة الى عبادة (عبادة الدولار!)
"Rockstar أحد أشهر هذه الشركات"
معلومات خرجت مباشرة من داخل دهاليز روكستار، عبر مصادر عديدة.. حتى أكون محددا؟ من مطورين بعينهم إشتغلوا و عملموا لساعات إعتقدوا أنها ستصبح لا نهاية لها !! .. المطورين تأكدوا بأنهم لن يخرجوا سالمين معافين من عملية تطوير لعبة Red Dead Redemption 2 .. الأمر كان حرفيا (على لسانهم) أشبه بالجحيم .. الشركة بأكملها (Rockstar) كانت تغلي .. كانت أشبه بقطعة من الجحيم سقطت على الأرض!!
1.600 مطور إشتغلوا لمدة سنوات (يقال بأنها وصلت تقريبا ل8 سنوات بالتخطيط وبكل شيئ)
85 بالمائة من المطورين إشتغلوا بفترات طويلة ولم يتبقى لهم الا هامش زمني قدره 4 ساعات للنوم! .. أربع ساعات للنوم يوميا بعد ساعات عمل مستمرة!! توقفوا قليلا وتخيلوها أعزائي القراء؟؟؟
هناك أيضا إعترافات على انها وصلت ل24 ساعة من العمل المتواصل يا إلهي!!!!!!!!
الأمر لم يعد Crunch Time ؟!!
تعريف الكرنش تايم هو محاولة إنهاء طبقات متجمعة من العمل (التطوير، التصميم، البرمجة الخ..) تحت كمية ضغط هائل وبتكثيف العمل عليها لإنهائها بموعد مقرر سلفا.. غالبا يحدث بفترة متأخرة من عملية التطوير (أو بأحد المراحل)
الأمر تعدى هذا المفهوم مع الرائدة روكستار ؟!
نظام العمل المتواصل (الكرنش تايم) بدأ منذ أن كان مشروعهم على الورق، الى أن إستوى و وصل لمرحلة الطبع و النشر!!! (بمعنى طوال مدة التطوير!!!) .. الأمر ذكرني ببناء الأهرامات بزمن الفراعنة قبل 7000 سنة!! .. الفرق هو أنه بذلك الزمن كان البشر أقل إنسانية بحكم قلة تطور الوعي البشري مقارنة بالوقت الحالي.. لكن لا .. إختلف الزمن والزمن بريئ منهم، لكن البشر هم البشر..
حاولت النقابات التدخل لتغيير هذا الواقع او التخفيف منه على الأقل.. لم يصلوا لحلول صالحة و فعالة ترضي الطرف المتضرر أو توازن بين مصالح الأطراف جميعا.. والردود كانت مجرد وعود في الهواء وبعض الكلام اللطيف والدبلوماسي (الذي يحمل في حقيقته وجها قميئا) ..
تداخل المستثمرين ومنهم سياسيين نافذين.. و تمازج المال القذر بعرق مطورين كان أغلبهم أطفالا حالمين بالدخول لصناعة الألعاب.. فقط بسبب تلك الأشكال والشخصيات الجميلة الملونة بقدرات ال8 بت ..
مطورين دخلوا لهذا المجال مدفوعين فقط بأحلام الطفولة، بتطلعات كبيرة تهدف لتغيير حياتهم نحو الأفضل و لتحسين جودة حياة الأطفال والكبار على حد سواء .. لكن عذرا أيها الحالم.. فأنت في حضرة الواقع .. وحتى ان عملت بحب تحت وطأة هذا الذل.. فلن يبادلك العمل الشاق هذا الحب.. الشركات وظفت أشخاص دخلوا بدوافع عاطفية لهذه الصناعة.. بدافع الشغف، للأسف الشركات إستغلت ذلك بأبشع الصور.
المطورين يتم شفطهم روحا وجسدا (تعبير مجازي يصف الحالة) من طرف حيتان الصناعة و مستثمريهم.. يتم إرهاقهم و إستعبادهم .. وعندما يمرض المطور او يصبح عاجزا؟ ينتهي و يتم التخلص منه.. فيتم جلب البديل للمحرقة .. وتبقى هذه الدوامة تدور و تدور الى أن يأتي يوم نتمنى فيه بأن تحيى ضمائر هؤلاء وينظرون لمن حلهم بنظرة مغايرة عن كون البشر مجرد قيم قابلة للإستنزاف.
الأبداع هو قيمة أدبية تخرج من رحم الشغف بالشيئ.. ولكي يخرج بالشكل المطلوب؟ يجب خلق بيئة ملائمة له .. لكن تحت ظل أنظمة التطوير الحالية؟ فالموظف مطالب بالإبداع تحت ظروف قاهرة !! .. حتى وإن كان متفانيا نشيطا و مميزا بعمله.. فهو مفروض عليه فعل أمر "خلاق" من العدم والا مصيره خارج أسوار الشركة.. وطابور بدلائه أطول من شارع يونغ ستريت بتورنتو كندا!!!
مع ظهور مطورين "هنود" و "صينيين" (لا املك شيىا ضدهم بالمناسبة) .. أصبح الأمر أسوء .. التكلفة قليلة و الموارد البشرية متوفرة بكثرة بشكل مجنون!! .. عمليات الأوت سورسينغ تبدو لك جيدة و مفيدة لتسريع عملية تطوير لعبتك المفضلة عزيزي اللاعب الشغوف الجالس على أريكتك مرتاحا..
اليس كذلك؟
لعلمك عزيزي اللاعب ؟ نظام الأوت سورسينغ شرد عائلات (عائلات لمطوري العاب يعتاشون من شركات طردتهم بسبب رخص المواد البشرية بمناطق أخرى من العالم) .. الخوف من آراء اللاعبين وشعورهم (طبعا من اجل اموالهم وليس من أجل سواد عيونهم)، هذا جعل الشركات أكثر قسوة على الموظفين مما هم عليه سلفا ..
في أحد الليالي الملاح يأتي جيف كيلي متعاطفا مع كوجيما أثناء وبعد محنته مع كونامي.. و يعد خطبة عاطفية عصماء في حقه دغدغت المشاعر و أثارت دموعه هو شخصيا و دموع كل الحاضرين.. الكل متعاطف و متضامن.. الكل على قلب رجل واحد.. لاعبين و مطورين .. لأن كوجيما هو كوجيما.. المشهور الفذ كوجيما (أو ميكامي او غيره من المشاهير) لكن من منا او منهم ذكر هؤلاء المطورين المساكين (جنود الصفوف الأمامية المجهولين) ، وحالاتهم أسوء بمراحل متراصة فوق بعض على حالة كوجيما! .. بل تعتبر مشكلة كوجيما كأنها عطلة إستجمام بجزر الباهاماس مقارنة بمآسي هؤلاء المطورين المغمورين.
بالمناسبة.. عند نجاح هذه الألعاب تحت ظل هذه الظروف؟ يتم توظيف مدراء تنفيذيين جدد أكثر (بعيدين كل البعد عن المجال الإبداعي)، هم في الحقيقة مجرد رجال أعمال.. لايرون الألعاب كما تراها انت عزيزي القارئ.. كأعمال "فنية" أقصد و وووو..
هم يرونها مجرد خط آخر في جدول بيانات الإيرادات بنهاية السنة المالية..
هذا النظام الجشع يفرخ لنا العاب ليست بنفس مستوى الألعاب السابقة (التي أعجبنا بها) .. بل يتضخم الجشع لينتج بعدها إما ألعابا غير مكتملة أو العابا مبتور محتواها.. أو العاب من سلاسل كانت تنتمي لنوع معين فصارت نوعا آخر بقدرة قادر!!!!
القرارات التي يتم إتخادها تكون بناء على خطط مالية بحتة -و أدري انها ليست مؤسسات خيرية- لكن الجملة هذه من اكثر الجمل المستفزة التي "سلكت" (بتشديد اللام) للجشع بأن يتوغل بالصناعة أكثر وأكثر .. هذه أحد التقنيات التي تهدف لتمرير شعور العار لنفسك حتى يتم التلاعب بك كمستهلك.. تقنيات العار التي يمارسها عليك مدراء هذه الشركات الهدف منها جعل ممارساتهم الدنيئة شرعية (سواء تجاهنا أو تجاه المصممين المسحوقين).
بصورة عامة وكما ذكرت سابقا بموضوع "المافيا و صناعة الألعاب" ، الصناعة ليست وردية كما يعتقد معظمنا.. يجب إعادة النظر في العديد من الأمور (منها طريقة تعاطينا مع هذه الشركات) .. صحيح سوبر ماريو كيوت و جميل وقفزاته مبهرة.. و صحيح ان ريد ديد ريدمبشن 2 محت الخط الفاصل بين السينما والألعاب.. و أيضا أتفق أن سلسلة رزدنت ايفل قد عادت الى رونقها المعهود..
لكن أثناء لعبنا هذه الألعاب؟ على الأقل إذا لم نفعل شيئ بشكل عملي تجاه هؤلاء المطورين المسحوقين؟ خلينا فقط نتذكر ان هذه الألعاب قد تم تطويرها بالعرق والدموع وبالدماء في بعض الأحيان .. و نقدم لها بعض الإحترام بسبب الجهد الذي بذلوه.. و تبا لمدرائهم الجشعين.
تحياتي.
التعديل الأخير: