Punished Noctis
A Silver Bullet
خمس سنوات مرت منذ تم الإعلان عن مشروع Final Fantasy VII Remake فيما تمت تسميته اصطلاحاً مؤتمر الاحلام، الذي لم نعرف وقتها بأننا سننتظر سنوات طويلة حتى نبدأ في قطف ثماره. صدر الجزء الأول من المشروع مؤخراً ليلاقى باحتفاء نقدي وجماهيري مستحق. لحظات جميلة هي عندما تتم مكافأة الانتظار الطويل بمنتج يشعرك أنه استحق كل لحظة. المشكلة في حالة Final Fantasy VII Remake هي أن، اعتماداً على منظورك، ربما كان الانتظار أطول بكثير من خمس سنوات.
الرغبة بصدور Remake للجزء السابع من السلسلة الشهيرة تعود لقرابة الخمسة عشر عام، عندما كشفت شركة Sony عن عرض تقني أنتجته Square Enix يعيد تخيل الدقائق الأولى من اللعبة الأصلية مستخدماً قدرات الـ PlayStation 3 التقنية. العرض أصبح أحد أكثر العروض التقنية شهرة، والفكرة التي خطرت لجميع من شاهده وقتها كانت: ألن يكون من الرائع إن اعادوا صنع Final Fantasy VII كاملة بهذا المستوى التقني؟
هكذا بدأت القصة، وأصبح السؤال عن Remake محتمل لـ Final Fantasy VII، سؤالاً كلاسيكياً متوقعاً بمقابلات مطوري Square Enix. لعل المرة الأشهر كانت عندما أجاب Yoshinori Kitase، مخرج اللعبة الأصلية، قائلاً إنهم إن ارادوا تطوير Remake للجزء السابع بمستوى الجزء الثالث عشر الرسومي، سيحتاج الأمر لعشر سنين من التطوير على الأقل. نية الإجابة كانت واضحة، وهي توضيح أن الأمر مستحيل أو ليس لديهم رغبة به، لكن المطالبات لم تتوقف. Final Fantasy VII Remake أخذت مكانها في الوعي الجماهيري بجانب Half Life 3 وShenmue 3 وغيرهم، كواحدة من تلك الأساطير المستحيلة، التي لن تحدث بالغالب، لكننا مازلنا نريدها.
النقطة من كل هذا، هي أن Final Fantasy VII Remake لعبة تم تطويرها تحت الطلب. لعبة أراد منها الناس أن تحدث، ولهذا حدثت. السؤال الذي يطرح نفسه هنا واضح: هل هذا هو الدافع السليم لصنع عمل فني؟
قد يبدو السؤال سخيفاً للوهلة الأولى، ففي النهاية، Final Fantasy VII Remake هي منتج صنعته شركة تساهمية لتبيعه للناس. بالطبع ستكون شيئاً اراده الناس، وإلا لم يكن ليصنع من الأساس. هذا ينطبق على كل لعبة. هذا كله صحيح، والسؤال ليس حكراً على Final Fantasy VII Remake لوحدها وإن كانت حالة أوضح من غيرها، والعلاقة بين الفن والرأسمالية، وكيف يمكن للعمل الفني أن يكون منتجاً في نفس الوقت، هي مواضيع يتم دراستها ومناقشتها بالحلقات الأكاديمية والنقدية ليومنا هذا. لذا تفاجأت للغاية، عندما اكتشفت أن لـ Final Fantasy VII Remake رأياً بالمسألة، ونقطة تريد أن توصلها بشأنها!
بدءاً من الفقرة التالية، سأبدأ الحديث بالتفصيل عن أحداث متفرقة من قصة اللعبة، متضمناً فصلها الأخير ونهايتها. إن كنت لم تنهي اللعبة بنفسك بعد، أنصح بشدة أن تفعل قبل استكمال قراءة المقال. اللعبة جيدة حقاً، وتستحق أن تختبرها بنفسك للمرة الأولى.
الفروقات والإضافات في الـ Remake مقارنة باللعبة الأصلية كثيرة. ما بين فصول قصة كاملة جديدة تبني الشخصيات الجانبية بشكل أفضل، وأطنان من الحوارات الجديدة التي تجعل من الشخصيات الرئيسية أكثر بشرية من أي وقت مضى، إلا أن الإضافة الأوضح والأكثر بروزاً في هذه النسخة من Final Fantasy VII، هي بلا شك تلك الأشباح التي تطارد كلاود ورفاقه. الـ Arbiters of Fate، أو حكام القدر. يظهرون بمواضع عشوائية من القصة ويساعدون الأبطال تارة ويواجهونهم تارة أخرى، ولا يُكشف عن ماهيتها او دوافعها حتى النهاية. إلا أن ما انتبهت له عندما انتصفت بالقصة، هو شيء لا يمكن لشخصيات اللعبة أن ينتبهوا له. انتبهت أن مواضع ظهور تلك الأشباح ودوافعها، ليست حقاً بالعشوائية التي قد تبدو عليها في الوهلة الأولى.
الظهور الرئيسي الأول لحكام القدر يحدث في الفصل الرابع من القصة. في اللعبة الأصلية، يذهب كلاود مع افالانش لمهمة تفجير المفاعل الخامس مباشرة، لكن في الـ Remake الأمر لا يحدث بهذه السهولة. باريت لا يحب كلاود ويرفض انضمامه للمهمة، ثم يُجبر على توظيفه عندما تتم إصابة جيسي من قِبل حكام القدر. الظهور التالي يحدث في الفصل الثامن، حيث يساعد الحكام كلاود وإيريث في الهروب من الكنيسة، بل وينقذون حياة إيريث عندما تكاد تسقط لموتها بإحدى الجزئيات، وكذلك ينقذون رينو عندما يحاول كلاود قتله.
ما يحدث هنا يصبح في غاية الوضوح بعد نقطة معينة: حكام القدر يحاولون إجبار الـ Remake على إتباع القصة الأصلية!
بكل مرة يكاد الـ Remake أن يختلف، تكاد الشخصيات ان تتخذ قراراً مختلفاً، سواء كان في صالحهم أو لا، أو كان قد يقود لسيناريوهات أكثر إثارة أو مللاً، لا يهم. إن كان ما يحدث سيُخرِج الـ Remake عن النص الأصلي، حكام القدر سيوقفونه. بنهايات اللعبة، يتم الكشف من قبل إيريث أن هذه المخلوقات هي انعكاس للقدر ذاته، وأنها تحاول إجبار الأحداث أن يحدث كما ينبغي لها. القدر ثابت، ولا يمكن للشخصيات تغييره مهما فعلوا طالما بقيت هذه الأشباح موجودة. القدر الثابت هو، طبعاً، أحداث اللعبة الأصلية.
وهنا تحدث لحظة الانشقاق، حيث تقرر الشخصيات أنها لا تحب فكرة كون تاريخها قد كتب سلفاً، وتواجه حكام القدر من أجل نيل حريتها. خلال المواجهة ترى الشخصيات لمحات من أحداث مستقبلية من اللعبة الأصلية، ويعلق ريد 13 قائلاً أن هذا هو الغد إن فشلنا اليوم. بعد قتال طويل، تتمكن الشخصيات فعلاً من هزيمة القدر وقتل أسياده، محطمين القيود التي سلسلت مصيرهم، ومبشرين بقصة لم تعد ملزمة باللعبة الأصلية. أي شيء بإمكانه أن يحدث الآن. تستعرض اللعبة هذا بإخبار اللاعب أن بيجز قد نجى من أحداث القطاع السابع، ولم يمت كما حدث باللعبة الأصلية، وبالتلميح لمصير مختلف لشخصية زاك فير. تنتهي اللعبة بسطر سنعود له لإيريث، ورسالة بكون "الرحلة المجهولة ستستمر"، معلنةً أن هذا ليس Remake من الآن فصاعداً.
السؤال هنا واضح: لماذا؟ إن كانت خطتهم من الأساس هي قصة بديلة لـ Final Fantasy VII وليس Remake مباشر لها، لماذا لم يسوقونها كذلك؟ هل أرادوا التذاكي على اللاعبين وخلق لحظة مفاجأة وهمية؟ هذه قراءة لا بأس بها، لكن حتى إن صحت، لماذا لم تحدث التغيرات مباشرة؟ لماذا هذه القصة الغريبة عن حكام القدر والربط باللعبة الأصلية؟ ما الذي يحدث هنا وما معناه؟
أظن أن الإجابة لكل هذا تكمن حيث قررت أن ابدأ هذا المقال، في كون Final Fantasy VII Remake لعبة طُورت تحت الطلب، وفي الإرث الثقافي الذي تركته Final Fantasy VII الأصلية، في سؤال العمل الفني والمنتج الرأسمالي، وفي معضلة استحقاقية الـ Remake عموماً للوجود، وماذا يعني للأصل. في اعتقادي، Final Fantasy VII Remake هي قصة عن تحرر Final Fantasy VII من إرثها.
من السهل قراءة حكام القدر كمحبي اللعبة الأصلية الذين أرادوا هذا الـ Remake، ويرفضون منه أن يكون أي شيء آخر إلا Remake. في كل لحظة يكاد فيها الـ Remake أن يتحرر من الأصل ويصبح شيئاً مختلفاً، يظهرون ليتأكدوا أن هذا لن يحدث. لكني أعتقد أن الأمر أكبر حتى من هذا. حكام القدر هم الأربعة وعشرون عاماً. هم الإرث الذي تركته Final Fantasy VII، الحب الكامن لها في الوعي الاجتماعي، هم المعاملة المستمرة لها كجوهرة لا يصح أن تمس، والرغبة في حفظها، وهم، بطبيعة الحال، الشوق لـ Remake أمين يعيد سردها كما حكيت في المرة الأولى بالضبط. لماذا هم الأعداء في هذه القصة إذن؟ ببساطة، Final Fantasy VII Remake لا تعتقد بأن Remake لـ Final Fantasy VII هو شيء يستحق الوجود!
هذه النظرة المتطرفة للـ Remakes متغلغلة في DNA اللعبة، إلا أنها تبرز بشدة للمرة الأولى في مشهد في الفصل التاسع، تحدث فيه إيريث كلاود عن سماء ميدجار المعدنية. تخبره أن غياب السماء الحقيقية هي غياب للحرية، لكنها تقر في نفس الوقت بحبها لهذه السماء المعدنية، لأن الحرية بطبيعتها مخيفة مهيبة، وهي تجد راحة فيما يخبرها بأن الاحتمالات ليست لا نهائية، أنها تعرف، بشكل عام، إلى أين تتجه رحلتها. تربط اللعبة هذه المحادثة بالكشف عن كون إيريث على تواصل مع حكام القدر، ولديها فكرة عام عن الأحداث المستقبلية وما سيحدث، وأن هذا وإن اعطاها راحة معرفة أين هي ذاهبة، إلا انه يقيدها كالسلاسل. تعود الفكرة بمحادثة أخرى لإيريث مع ويدج في الفصل الثاني عشر، حيث يتحدثان عن كيف أنه حتى إن عرفنا ماذا سيحدث، هذا لا يجب عليه أن يمنعنا من محاولة التغيير، وفعل ما بوسعنا لمنعه من الحدوث إن أردنا مهما بدى الأمر مستحيلاً. هنا تشتعل شرارة التمرد داخل إيريث، التي تستمر حتى النهاية حين يهزم الأبطال حكام القدر ويحطمون السلاسل.
هنا تسأل Final Fantasy VII Remake بكل صراحة ووضوح: ما النقطة من الحياة إن كنت تعرف إلى أين أنت ذاهب؟ ما النقطة من سرد قصة أنت تعرف كل ما سيحدث فيها حتى النهاية؟ هل تلك حياة وهل هذه قصة؟ وبشكل أوضح، ما النقطة من إعادة صنع لعبة لعبناها بالفعل؟ Final Fantasy VII Remake لا ترى القيمة في هذا. هي تستعرض، بشكل مكثف، عن طريق اعادة خلق عشرات المشاهد الأيقونية من اللعبة الأصلية، أنها عملية ممكنة، وأن هناك سحراً لا شك به فيها، لكنه سحر مريح. هو كالعودة للبيت واحتساء كوب من الشوكولاتة الساخنة. هو لا يتحداك ولا يجعلك تفكر ولا يضيف لك شيئاً جديداً، وFinal Fantasy VII Remake ترفض أن تكون هذا "فقط". ترفض أن تكون منتجاً تم تطويره تحت الطلب، وتريد منك، عن طريق سردها لقصة حكام القدر، أن تتفق معها بأن بإمكانها أن تكون شيئاً أكبر.
Final Fantasy VII Remake سألت: "هل يمكن لـ Remake، عمل غرضه الوحيد إرضاء محبي العمل الأصلي دون رسالة جديدة أن يكون عملاً فنياً؟" وقررت أن الإجابة لا. وهي ترفض ألا تكون عملاً فنياً وفقاً لتعريفها.
لذا يأتي المشهد الختامي مع خروجهم من ميدجار ورؤيتهم للسماء الحقيقية، ليقول عدة أشياء على ثلاث طبقات مختلفة. يتحدث عن الحرية الفيزيائية التي أتت بخروجهم من المدينة المغلقة للعالم الحقيقي في الطبقة الأولى، ويتحدث عن حرية المصير الحقيقية التي استحقتها الشخصيات عن طريق هزيمتهم لحكام القدر في الثانية، ويتحدث عن الحرية الميتا التي اكتسبها مشروع سلسلة Final Fantasy VII Remake عندما تحرر أخيراً من Final Fantasy VII الأصلية وإرثها في الثالثة. الحرية. تلك كانت رسالة المشهد، ورسالة اللعبة، ولهذا تفاجأت عندما لم يكن سطرها الأخير احتفالياً بالكامل، بل وابدى درجة مفاجئة من التعاطف والحنين.
"افتقدها، تلك السماء المعدنية"، قالت بائعة الزهور بينما شعرت بقطرات المطر تهطل عليها. وكيف لن تفعل؟ هناك راحة فيما تعرفه. هناك دفئ حقيقي في العودة للبيت. الحرية مخيفة، مهيبة، لكنها مرحلة على الجميع أن يمروا بها يوماً ما إن أرادوا حياة يفخرون بها. هي تفهم هذا، وتتعاطف معنا لأنها تشعر بما نشعر به، لكنها ترجو منا أن نفهمه أيضاً. ودعت بائعة الزهور ميدجار لمرة قد تكون الأخيرة، ثم وجهت نظرها نحو عالم جديد، فمن الممكن لأي شيء أن يحدث الآن.
التعديل الأخير: