لُقمَان
True Gamer
إن الفنان المبدع من رسّب إبداعه وصاغ حرفته فكانت إنعكاسًا لأفكاره في لوحةٍ لا يُمَلُ من تأملها،
والكاتب الفذ هو الكاتب المتمكن من جذب إنتباه القارئ وتركيزه ومن ثم الإستمرار بالحفاظ على ذلك بصلابة كتابته،
والمخرج المتقن من إستطاع أن يغمس المشاهد في منتجه فكان متمكنًا من التأثير بعواطف المشاهد وفقًا لأفكاره المثيرة،
ونحن في وسط يجمع بين هذا كله في أقوى صورة ممكنة، ويضيف عليها مركزية وتفاعلية اللاعب مع الوسط الفني ولا ترى هذا إلا في هذا الوسط،
"لعبة فيديو"، هي تلك اللعبة التي تقدم لوحاتٍ فنية في رسومها، وراء قصة قوية ذات خلفية صلبة، وبإخراجٍ متقن يغمسك في طياتها،
ولا أرى لعبة تمثل هذا الوصف، ولا منتج أكثر تكاملًا منه في هذا الجانب، غير إعادة صناعة (الشرٌّ المُقَيم)، التي أكملت رُبعَ سَنةٍ فوق 20 عامًا هذا اليوم.
ذلك البُنيَانُ الشَاهِق، ذلك القَصرُ المُهيب، ذلك الإِيوَان المُرَوِّع، داخل ذلك القصر وسط غابة موحشة وكأنها لم يقربها أنسٌ أبدًا،
تفترق عن رفاقك مع رفيقيك قبله، وتفترق مع رفيقيك عند مدخله للبحث داخله، فتكون أنسًا وحيدًا، ظلمةٌ، غموض، وتوتر،
وكل ذلك يتشابك مع بعضه الأخر حينما ترى ذلك المخلوق الغريب الذي يفترس أنسًا أمامك، أيمكن للطين أن يزيد بلّة هكذا؟
هروبًا وجزعًا منه تعود لرفاقك لتكتشف أنهم قد أختفوا هم الأخرين، من دون وسيلة تواصل، أين المفّر؟ وإلى أين أذهب؟
لعل سلاح [ويسكر] أن يعينك قليلًا، وأن أطلت البحث ستجد أدواتٍ هنا وهناك قد تساعدك في مرغوبك، في النجاة، في الخلاص!
(قَصرُ سبنسر) يتجلى بأيقونيته البارزة في كل ممر، في كل زاوية وفي كل غرفة، كل مافي بالك عن قصر فاره لم يسكن لعقودٍ ستجده هنا،
شُّح الذخيرة، توشّحُ الظلام، ووحشية الأعداء، ضيق زوايا التصوير وزوايا التصويب، ستجعلك دومًا في توتر، "هل أقتل هذا العدو، أم أتجنبه وأدخر الذخيرة؟"
ستراودك هذه الأفكار دومًا، ومع تقدمك في اللعبة ستجد أفكارًا أكثر جراءة، أعداءًا أكثر شراسة، ووحوشٌ مُفزعَة!
إن قتلت موبوءًا وتركت جثته متسمرة بمكانها عليك الحذر، فمن المؤكد أنه سيفيق كـ"رأسٌ قرمزي"، فإن لم يكن سابقًا وحشًا فهو وحشٌ الأن!
عليك أن تحرق كل جثة، عليك أن تسد كل نافذة وكل سبيل، عليك أن تتأكد من معرفتك لأين تخطو، ولأين تتجه، ونحو ماذا تذهب؟
الفَرحة برؤية آلة الكتابة وتوافرِ حبرٍ معك، هاهنا يمكنك أن تستقر ويمكنك أن تسَمَر! هاهنا تجد فرصة لترتاح، من وحشية الوحوش، وألغازٌ تعجز أشدُ النفوس،
وقتلك لزعيمٍ أو أيجادك صحيح السبيل لقتله، هاهنا تجد نشوة لم تعهدها، نشوة النصر، وفرحة التغلب!
هذه اللعبة تعرف جيدًا من أين تؤكل الكتف، من أين يمكنها التأثير على مشاعرك وجلب أحاسيسك، صُوغٌ متقن الصَياغ.
لطالما كانت دورة اللعب في ألعاب (الشرٌّ المُقَيم) نموذجًا لما يمكن لألعاب الفيديو أن تقدمه، فهي تقدم العديد من العناصر المتشابكة،
المغامرة والإستكشاف، الحركية والقتالات، حل الألغاز، جَمَالُ المَظهِر، وتشابكُ القصص، كل هذا يكون نسيجٌ متكامل في طبقٍ يزهوه البهاء،
لذلك تجد دومًا من يشكي نقص عنصرٍ دون أخر في الأجزاء اللاحقة، وأنها ليست (الشرٌّ المُقَيم) التي أعتدناها!
إلا أنك قلّما أو ندر، من تجد من يصف الجزء الأول بهذا، لأنه صُممَ بأفضل مايمكن، وجوهر التصميم مراحلٌ لا يمكن أن تنسى، تحفر سبيلها في الذاكرة حفرًا،
وتعطيك مزيجًا من مناظر مختلفة لما يمكن رؤيته داخل القصر، تتبع سبيل (توسّع المجال) والذي لا أجد أحدًا أتقنه كما الموجود هنا!
ستبدأ مع بضع غرف مفتوحة، يُمنةَ القصر ويُسرَتهُ، وستجد غالب الأبواب مقفلة، لإحتياجها لمفتاحٍ معين، أو لكونها مغلقة من الجهة الأخرى،
فستكون مهمتك إيجاد السبيل وحل مايمكن من الألغاز المتواجدة في هذا النطاق، ستجد عند لغز معين مفتاحٌ مميز، هذا واحدٌ من عدة مفاتيح،
سيفتحون لك أجزاءًا من القصر لتستكشفه بنطاقٍ أكبر مع توسع الغرف الموجودة وإمكانية حل ألغاز لم تحل، توسّع نطاق بحثك ولعبك!
في الثلث الثاني من اللعبة تأخذك اللعبة لمستوى أخر، فسيبقى هناك أبوابٌ مغلقة من القصر، والمفتاح الأخير لم تجده، لتحل لغزًا يخرجك من القصر!
في فنائه الواسع بمختلف تضاريسه وبيت الضيوف الخارجي، وهما منطقتان منفصلتان عن القصر، وترتبطان معًا بشكل مدهش،
سيتسع هذا المجال حتى يضم القصر معه في ألغازه! هكذا تبني جوهرة في تصميم المراحل، بإتقان الإختصارات، أفكار تصميمها وتوزيع المراحل أفقيًا وعموديًا.
تنوّعُ الأعداء تتخذ اللعبة هذا شعارًا لها وستتيقن من حتميته أثناء لعبك، بين المَوْبوءون الأشارس، والكلاب المقيتة،
الرؤوس القرمزية المتكونة من جثث المَوْبوءين، والصيادون المفترسون، الأفاعي والعناكب، القروش المتوحشة،
أو الحشرات المفتيرسة، كل واحدٌ منهم له سبيلهُ، طريقته، ومواجهاته الخاصة، وألغاز مواجهاته، وأتعلم؟ سُبَع أثَمْانِ مواجهات اللعبة إختيارية!
على الرغم من توجّس مظاهرهم وشراسة أفعالهم، إلا أن المواجهات في اللعبة تتخذ "نهجًا لغزيًا" أن صح التعبير،
فغالب القتالات تعتمد على أن تركز على خلفية المرحلة، ومايمكنك أن تفعله لهزيمة العدو، فقد تجد لغزًا حله ينهي أجل العدو من دون مواجهة!
وكذلك كما أسلفنا ذكرًا، اللعبة دومًا تتخذ نهج "أن أردت فأفعل وإن لم ترد فالأمر لك"، لا مكسب من المواجهات في العادة إلا تقليل المخاطر،
فلذلك غالبية الأعداء الأمر متروكٌ لك بقتلهم من تركهم أحياءًا، وإن كان تركهم سيتسبب لك ببعض المتاعب مستقبلًا، إلا أن عدم قتالهم أوفر لخزائنك،
الأعداء المجبر عليك قتالهم بين الزعماء والأعداء المعتادين، لا أذكر سوى 3 أو 4! والبقية بالإمكان التخلي عن قتالاتهم تمامًا، وهذا أمرٌ جميل ورائع.
إذا أن تجنبت غالب القتالات، وعرفت الإختصارات وأين تكمن الطرق الميسرات، فمالذي ستتركز عليه دورة لعبك؟
أكثر جانبٌ أهتم فيه باللعبة، أبرز جوانبها، بل قد تكون كلها مبنية عليه، "حلُّ الألغاز"، هاهنا تبيّنُ لنا مقدار ذكائك ووسع إطلاعك!
الجميلُ في الألغاز، أنها ليست بالسهلة الميسرة، وليست بالصعبة التي لا تطاق، بل هي ألغازٌ جميلة تتطلب قدرًا من التركيز والحذاقة،
اللغة البصرية دومًا هي الحل، أن تدرك جيدً الأماكن المثيرة للشبهة في الغرفة، وأن ترى الأدوات المتوافرة لديك ولأي غرضٍ يستفاد منها،
إيجاد غرضٌ في غرفة بعد رحلة طويلة أنستك لغزًا، ستجعلك تفَيْقُ منذهلًا "نعم هكذا حل اللغز كذا أخيرًا!
كل لغزٌ يختلف عن أخيه إختلافًا واضحًا، منها من سيعتمد على السحب والدفع للطاولات وغيرها، ومنها من يعتمد على الأدوات ومزجها،
ومنها من يتطلب قتال عدوٍ أو عدوين لإيجاد غرض عندهم، كل منهم له سبيله، وكل منهم له نهجه في الحل،اللعبة لم تبخل بالألغاز أبدًا،
ولكن أعيب على الفريق لغز كان بمظهرٍ خادشٍ للحياء ولا يليق بلعبة راقية مثل هذه، بل تلك المنطقة جُلّها تحتمل صورًا مخزية.
وأما عن حكايتنا هذه، فكما أنها تشاهد وتسمع عن طريق الأحداث وسيرها والمشاهد، فأنها تقرأ وتروى رواية مدهشة،
عن هذا القصر، هؤلاء الأشخاص، نظام "الملفات" في اللعبة لسرد قصص جانبية، قصص لم يسلط عليها الضوء، أو تكوين خلفية العالم،
هو نظامٌ أشتهرت فيه السلسلة، وهو يزيد في عمق القصص ويخفف عنها بعض حملها من الغموض والأسألة التي لم تجاب.
اللعبة تتخذ نهج الشخصيتين، أو التختيمتين أيضا لكي تروي قصتها، فالقصة تحوي شطرين رئيسيين وشخصياتٌ تظهر في كل شطر،
وهذا الأمر يؤثر أيضا على جوانب اللعب واللعبة، والقصة الرئيسية وكيف ستمر لو كان البطل الشخص الأخر، مع مساعدة الأخر.
قدرات كريس ومواهبه تختلف عن جيل، كريس يمتلك قدّاحة منذ البداية تساعده في حرق الأعداء وإنارة المشاعل، و6 خانات للأدوات،
كذلك ستكون الذخائر أكثر والأعداء أكثر شراسة وسيتاح لك سلاح إضافي في منطقة معينة.
جيل في الجهة المقابلة تمتلك "حزمة مفكّات" تخول لها فتح بعض الأبواب المغلقة منذ البداية، وكذلك تمتلك 8 خانات للأدوات،
وستتمكن من حل ألغاز بنفسها دون مساعدة "كريس يحتاج فيها لمساعدة"، وتتركز على الإكتشاف أكثر.
فاللعبة تقدم لك خيارٌ أخر غير خيارات الصعوبة في إختيارك سبيلًا للعبك، الحركية والقتالات، أم الإستكشاف ؟
وأود أن أنصح فعلًا باللعب بكل الشخصيتين بتختميتين، لأن القصة ستتضح كافة معالمها بهذه الطريقة.
فـ"لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ"، وكما أن هذه اللعبة من أقرب تجارب الترفيه تكاملًا في كافة عناصرها،
فهي فنٌ أريب، بهيٌ متقن لا يشوبه شائبة، ممزوجًا بقصة محكمة، ونظام لعب أصلبَ من الصُلبِ ذاته،
إلا أنها حملت قيودًا أقل من أن تكون عيوبًا، وإن كان لها نسخٌ مستقبلية أو إعادات تصورٍ أتمنى أن تحل بالكليّة!
زوايا التصوير الثابتة
أنا أعلم بأني ألعب بالنارِ هنا، فلهذا النمط من التصوير مهووسون ولا يرون أن السلسلة أو ألعاب الرعب تكون ألعابًا إلا به!
هذا النمط يقدم رونقًا وتصورًا أكثر للخلفيات، ويعطي مساحة لإبراز التفوّق الفني مع زاوية تصوير ثابتة،
مما يجعل من كل زاوية لحظة أيقونية بحد ذاتها عن البقية، وتعلق في الذاكرة أكثر من كاميرا متحركة مع اللاعب...
ولكنها "إعاقة" لجوانب اللعب، التصويب مضطرب ومحدود على 3 جهات فقط، وإتقانه يتطلب دهرًا،فوضوية الزوايا سببٌ وجيه أيضا،
فمرة تكون الكاميرا خلفك وأنت متجه للأمام ثم تتلوها أخرى يسارك وأنت تتجه لليمين، مما يسبب لك إضطرابًا وتعود للطريق السابق،
كم قتال أثرت عليه الكاميرا ومحدوديتها؟ أكثر من أن أعد، تمنيت لو أن الزعماء كانوا بزاوية واحدة فقط كي يتسنى لي التركيز من دون تشتت!
أسلوب تصوير خلف الكتف مثل الثاني والثالث هو الأسلوب الذي يجب أن تتخذه السلسلة نهجًا، ويليه المنظور الأول،
أي عودة لأسلوب قيمٌ فنيًا ويحد من اللعب مستقبلًا سيكون تشويهًا ولا يناسب الألعاب الحديثة.
محدودية مخزون الأدوات
إن كان التصوير الثابت يحمل جانبًا إيجابيًا، فهذا الأمر لا يحوي أي جانب أيجابي إطلاقًا!
أن تحد اللاعب طوال مسيرته، مع طن الأغراض الموجودة في اللعبة على 6 خانات فقط أو 8 بأحسن الحالات هو إجحاف،
يزيد من منسوب التوتّر والخوف؟ صحيح، ولكنه يزيد أيضا من كثرة الـ "Backtracking/العودة للطريق"، وهي ليست بالسمعة الإيجابية في الصناعة.
على الأقل، أن يكون المخزون مكوّن من 6 أو 8 في البداية، ثم يتوسع خانتين إضافيتيين حتى يصل لـ14/15، مثل السابع والثاني ومايليهم، خيرًا مافعلوا.
رحلة [قصر سبنسر] خضتها مرارًا ولم أنهها بجانبيها إلا الأن بعد كل هذه السنوات، تحفة فنية وتستحق كل مديحٍ حصلت عليه طوال السنين،
إجادةٌ في كل العناصر الممكن، وتفوقٌ واضح في جوانب عديدة، هي من القلائل التي تستحق لقب "التحفة الفنيّة"، الأغرّة المستحقة لكل مديح.