أنهيت مشاهدة ثلاثية Kizumonogatari
*وإعادة مشاهدتها, ثم إعادة مشاهدتها مجدداً...طوال اليوم مع إقفال هاتفي*
باختصار, إن لم ترغب بقراءة الرد, هذه الثلاثية تعتلي قائمة افلام الانمي المفضلة لدي.
لكن قبل أي شيء, وكي أعطي سياقاً لحديثي, أنا لا أحب سلسلة مونوغاتاري.
السلسلة تمتلك الكثير من الشخصيات المميزة والنصوص الذكية, هي سلسلة أحترمها لما هي عليه وأعلم بأنها جيدة, لكني ببساطة لا أستطيع دفع نفسي إلى محبتها, وإن حاولت.
هي حتماً سلسلة غريبة, وعلاقتي بها لا تقل غرابة عنها. أنا شاهدت معظم اعمالها (بعضها لأكثر من مرة), ضحكت على نكاتها, فهمت شخصياتها, وأبهرتني معالجة شافت لها. لكني ومع ذلك لا أحبها! لا أمتلك أية مشاعر تجاه السلسلة, لا أشعر بأي شيء تجاه شخصياتها. احداثها تفشل في إثارة حماستي أو جعلي أشعر بأهمية ما يحصل, الشخصيات تفشل في كسب تعاطفي أو جعلي أحبها أو أكرهها. هي فقط تلك السلسلة العابرة في حياتي التي لا تعني شيئاً.
أو هذا ما كانت عليه الأمور حتى شاهدت هذه الثلاثية.
الآن أستطيع قول هذا: أنا أحب شخصية kiss shot وأتعاطف معها بشدة, وهذا أعظم ما قامت به السلسلة بنظري.
*ملاحظة: قد يتم تفسير هذا الرد كسبويلر من قبل البعض.
هذا الرد غريب نوعاً ما, إذ أعلم حتى قبل كتابته بأني سأفشل في إيصال ما أشعر به ^__^
لكن مع ذلك, سأقوم بالكتابة!!
هذه قصة عن جِراح, لكن القصة كذلك هي جِراح
أنا أريد الموت, لكني أخاف الموت. أنا أكره الحياة ولا أريد البقاء حية, لكني أخاف نهايتها. أنا أنظر للإنسان كطعام مجرد, لكني وقعت في حب بشري. أنا أكره الإنسان, لكني أريد منه اللطف. قلبي يملؤه الكبرياء والفخر, لكني أتوق إلى الرحمة من الغير. أنا فقط أريد الموت, لكني لا أريد الموت.
هذه التناقضات تصنع طبقة واحدة فقط من البحر الذي هو وعي بطلتنا. وهذا العمل هو غرقك في هذا البحر المظلم, البحر الدموي.
قليلة للغاية هي الشخصيات التي تستطيع لمسي على هذا المستوى, لكن هذه الشخصية لم تقم فقط بلمسي, بل قامت بالتسبب بجراح لقلبي. هذه الشخصية جعلت الدموع تتساقط مع عيني. أتوقف عن المشاهدة للحظات كي أتأمل, فأقول لنفسي: "ما هذا العالم المظلم؟ ما هذا العالم البائس؟ العالم الذي تراه أعينها ويشعر به قلبها."
خمسمائة عام من الوحدة القاتلة, خمسمائة عام من الصراع المستمر للحفاظ على وجود لا ترغب حتى به, خمسمائة عام من الخوف, الملل, كراهية الذات, المعاناة الوجودية, واليأس.
"أنا فقط أريد الموت...أرجوك..اقتلني!"
من يقولها ليس بكائن وضيع خائف. ليس بأحمق لا يفهم اهمية الحياة. هو كائن عاش سنيناً وراء سنين يحمل في قلبه ثقل كون وجوده المجرد تجسيد للمعاناة. أن يكون وجودك هو بياد نوع تحبه في قرارة نفسك, اليس هذا مضحكاً؟ اليس هذا مضحكاً للغاية؟!
"لكن, إن لم أقم بتناول الطعام..أنا سأموت"
المظلم ليس الوجبة الأولى, أبداً. المرة الأولى التي تقتات فيها على كائن حي, تلك المعاناة الشديدة التي تمزقك وذلك اليأس الوجودي الذي يثقل قلبك لإدراكك بأن وجودك يقتضي التسبب بمعاناة كائن آخر, هذه المرة, وإن كان مؤلمة, هي ليست مظلمة بقدر ما تصبح عليه لاحقاً. عندما يصبح الكائن الآخر مجرد "طعام", عندما تتلاشى جميع المشاعر الوجودية التي عاقبتك في المرة الأولى, حينها تصبح أنت كائناً مختلفاً, هنالك تكمن الظلمة. إدراك البطلة لما هي عليه, والمعاناة التي يحملها قلبها نتيجة ذلك, هما أمران لايطيقهما واعٍ, ولا ينبغي أن يفعل.
"هم دائماً يريدون الموت, هم يستطيعون تمني الموت"
كم يحتاج الإنسان لأن يعيش حتى يسأم من الحياة؟
هم دائماً يتنازلون عن خلودهم قبل إتمام المئتي عام, هم يستطيعون فعل ذلك.
لا يهم من أحب, فهنالك دائماً تلك المعاناة التي تنتظرني في نهاية الطريق. لا أعني معاناة الفراق, وإنما معاناة عرضي الخلود عليه, ورفضه له, أي رفضه لي أنا ورفضه البقاء معي. هذا حصل من قبل, يحصل الآن, وسيحصل لاحقاً إن بقيت. وجودي يقتضي وحدتي. هم يستطيعون تمني الموت واختياره...أما أنا...فأخافه.
قدرة العمل على تجسيد الموت كأمنية, كجنة للحي; قدرته على نقل المشاعر التي تجعل المشاهد يفهم لم قد يُتمنى الموت, هذا أمر سأقول بأن لا نظير له في أي عمل آخر حاول معالجة قضية مشابهة.
فعلاً, هو جعلني أتساءل. ما الذي يعنيه وجودي الأبدي إن رفض من أحبهم مشاركتي إياه؟ في عالم يشكل "الملل" فيه ركيزة, في عالم يوجد فيه ما يسمى ب"الوحدة", ما الذي يعنيه وجودي الأبدي؟ وإلى أين قد ينتهي ذلك؟
أن يدفعني عمل إلى التفكير في معضلة وجودية بهذا الشكل, قصة الجراح هذه هي حقاً عمل فني خالص, وفق تعريفي للفن.
"حل يسعد الجميع؟ هل أنت أحمق؟ هنالك فقط حل (لا) يسعد الجميع, هو أقرب الحلول إلى العدالة"
أنا أريد الموت, الموت هو امنيتي. لكن موتي هو كابوسه, موتي قد يقوم بكسره.
بالمقابل, وجودي يقتضي موت من يحبهم هو. يعني غرقه في بحر الخطيئة الغير قابلة للتكفير.
أنا أريد الموت. هو لا يريد لي الموت. أنا أخاف الموت. هو يخاف وجودي وعواقبه. كيف يمكن حل هذه المعضلة؟
هذا العالم مليء بمعضلات مماثلة. سعادتنا تقتضي معاناة من هم غيرنا, هذه ركيزة أساسية يقوم عليها الوجود.
ثراؤك يعني فقر شخص آخر في هذا العالم, راحتك هي معاناة شخص في هذا العالم, شبعك هو جوع كائن في هذا العالم.
لذلك تنشأ الصراعات, والتي تقود لمزيد من الصراعات فمزيد...من دون توقف.
جميعنا نعلم عن هذه الحقيقة المظلمة, لكننا فقط نختار تجاهلها والعيش في فقاعاتنا الجميلة, هذا العمل قام بإخراجي من هذه الفقاعة في ذلك المشهد..الأمر فقط جعلني أتوقف لدقائق وأتأمل العالم من حولي..أرى هذه الألوان الجميلة تكشف عن ظلمتها..حينها قلت لنفسي:"اللطف هو فقط إغلاق اعينك عن تبعات وجودك", الإنسان الذي لم يتسبب وجوده بمعاناة كائن آخر, هو إنسان غير موجود.
العمل الذي يفتح أعيني على معضلات كنت أتجاهلها, هو عمل فني خالص, وفق تعريفي للفن.
أستطيع الكتابة أكثر وأكثر عنه..من دون توقف ربما...لكن في مرحلة معينة, ستتناثر الكلمات وتختلط بالدموع, ستفقد القدرة على كونها مفهومة..لذا سأكتفي بهذه:
هذا العمل هو Masterpiece
الخلاصة؟ أنا أحب هذا العمل. أحبه للغاية. أحبه للغاية للغاية للغاية. :emoji_sob:
ولمحبتي له, أنا فقط سأتجاهل كل ما لم ينل إعجابي به,قدرة العمل على جعلي اتجاهل مساوئه هي بحد ذاتها "فنية" فيه ^__^
صحيح, نسيت ذكر هذا, اللحن اعلاه هو لحني المفضل ل2017 : )