أهلاً
كما يبدو على مظهري، أنا معجب كثيراً بفيلم جوكر. لم أنم ليلة الأمس بسببه ..
لا .. لست عاشقاً .. كل ما أعشقه في حياتي هي مخدّتي، محبوبتي الأولى والوحيدة. معاناة الأمس كانت بسبب هذا الفيلم، وبسبب هذا الفيلم خضت في الكثير من النقاشات، والأفكار، والقرائات، التي بدأت ولن تنتهي، بين مفاهيم إتقان قصّة، وبين جنود الفضيلة.
عندما أقول "جنود الفضيلة"، أنا لا أتهكم، بل أسمّي .. وأصف فقط. ما أعنيه بجنود الفضيلة هم الإعلام، النقّاد، الذين رمو بشتّى الإنتقادات اللاذعة لفيلم الجوكر، بوصفه على أنّه قدّس جنون الجوكر، خروجه، وإنقلابه على المجتمع.
بين هذا وذاك فلسفتين، وجهتين مختلفة. بين التفهّم والوعي الذاتي الفنّي للمتابع، الذي حضر لأجل أن يشاهد دراسة شخصية قصصية إنسانية بحتة، لوحش بإسم الجوكر -مدركاً بأنّه سيظل .. بعد هذا كلّه، شيطاناً، عدوّاً .. في نهاية الأمر-، وبين تصوّر ملائكي، حضر ليشاهد رسالةً سامية، ليشاهد جانباً خيّراً، مضيئاً، بين ظلمات مدينة قوثام.
المُدرك، عرف القضية، والشخصية، فأدرك معانيها وإتقانها العدمي المكتوب، متعاطفاً مع ماضيه .. غير مُعترف، أو مقتنع، بوسائل جوكر الإجرامية، مؤمناً بمقولة: الغاية لاتبرر الوسيلة. بينما جنود الفضيلة نظرو للفيلم كالآباء، كالأمّهات الناصحات. وجدو الجانب الشرّير للشخصية، فبحثو عن النصيحة .. عن مقولة "لاتفعل الخطأ"، لكنّهم لم يجدوها.
بين هذا وذاك .. صراعٌ وجودي، فالأول، يرى الفيلم من منظور فنّي بحت، معجباً بإتقان كاتب صنع أسباباً ودوافعاً لعدوّ أخذ حقّه الكامل من التأسيس الفنّي، غير مبالي لمثاليته المفقودة، فهو يتابع قصّة، لم يتابع محاضرة .. بينما الآخرين يقولون، التقديس الخاطئ جزئية ستنفض الشارع، ستخرّب الأفكار، يجب أن نكون جنوداً .. أن ندافع عن ماتبقّى من مثاليّات الدنيا والناس، بواسطة قصص ترجو إلى رفعة المجتمع.
إذاً .. جوهر النقاش هو .. هل من المفترض من القصة أنها تكون معلّمة؟ وناصحة؟ أم دور القصص نقل التجارب الحيّة .. بغض النظر عن الوصول إلى رفعة المجتمع؟