شهدت المملكة العربية السعودية في عامي 2024 و2025 تحولًا استراتيجيًا ملموسًا، لتترسخ مكانتها كمركز عالمي للألعاب والرياضات الإلكترونية. كان أبرز إنجازاتها في هذا المجال هو استضافتها لبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية في نسختيها الأولى والثانية. هذا الحدث العالمي، الذي جذب آلاف اللاعبين المحترفين وملايين المتابعين، يعكس رؤية المملكة الطموحة لتنويع اقتصادها.
استراتيجية وطنية متكاملة
يأتي هذا التطور مدعومًا بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية، التي تهدف إلى تحويل هذا القطاع إلى محرك أساسي للنمو الاقتصادي في المملكة وتحقيق رؤية 2030. الاستراتيجية تشمل 86 مبادرة متنوعة بالتعاون مع أكثر من 20 جهة حكومية والقطاع الخاص، وتتضمن:
- تأسيس حاضنات أعمال وأكاديميات تعليمية لتدريب الكفاءات الوطنية.
- استحداث فرص وظيفية جديدة تصل إلى أكثر من 39 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030.
- المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 50 مليار ريال.
دور صندوق الاستثمارات العامة ومجموعة “سافي”
يلعب صندوق الاستثمارات العامة دورًا جوهريًا في تحقيق هذه الأهداف من خلال استراتيجية استثمارية تركز على إطلاق شراكات استثمارية واعدة، بالإضافة إلى توطين المعرفة والخبرات. وفي هذا السياق، جاء إطلاق مجموعة “سافي” للألعاب الإلكترونية في عام 2021. تهدف “سافي” إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمي للألعاب والرياضات الإلكترونية عبر:
- الاستثمار الفعال في قطاع الألعاب، مثل استثمار مليار دولار في مجموعة “إمبريسر” و265 مليون دولار في “هيرو إيه سبورتس”.
- الاستحواذ على شركات رائدة عالميًا مثل “ESL” و”FACEIT”، ودمجهما تحت شركة “إي إف جي”، بالإضافة إلى الاستحواذ على شركة “سكوبلي” المتخصصة في ألعاب الهواتف الذكية، والتي قامت بدورها بالاستحواذ على قسم الألعاب في شركة “نيانتك”، مطورة لعبة “بوكيمون جو”.
- بناء القدرات المحلية من خلال إطلاق استوديوهات تطوير ألعاب مثل “ميراي” و”ستير ستدويوز”، بالإضافة إلى أكاديمية “سافي” التي تقدم برامج تدريبية متخصصة بالشراكة مع جامعات محلية وشركات عالمية مثل “إكس سولا”.
فعاليات عالمية وتأثير شامل
لم يقتصر دور المملكة على الاستثمار فحسب، بل امتد إلى تنظيم الفعاليات الكبرى. أطلقت “سافي” بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية التي شهدت نموًا هائلاً، حيث ارتفعت قيمة جوائزها من 60 مليون دولار في عام 2024 إلى 70 مليون دولار في عام 2025. كما تضاعفت أعداد اللاعبين المحترفين المشاركين من 1500 إلى 2000 لاعب. تعتمد استراتيجية المملكة في قطاع الألعاب على نظرة شاملة ترى القطاع كجزء لا يتجزأ من منظومة اقتصادية أوسع، بما في ذلك السياحة، والترفيه، والإعلام، والتقنية. هذا التكامل يسهم في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، المتمثلة في تنويع الاقتصاد وتحسين جودة الحياة، مما يعزز من مكانة السعودية كقوة عالمية مؤثرة في هذا القطاع الحيوي.
مع الاستراتيجيات التي تبنّاها صندوق الاستثمارات العامة والإنجازات التي جرى تحقيقها حتى الآن، يمكننا القول أن السعودية باتت رقمًا صعبًا في معادلة ألعاب الفيديو والرياضات الإلكترونية على صعيدِ عالمي، وما زالت الجهود قائمة لتوطين المعرفة والخبرات في القطاع لتشكيل فرص عمل جديدة للشباب السعودي وتحقيق آثار تنموية مستدامة. المستقبل يبدو مشرقًا.