أعمال رياضية كثيرة تربعت على العرش على مدى تاريخ صناعة الأنمي وإذا استذكرنا بعضهم قليلا نجد لدينا العمل الكلاسيكي الذي يعود لفترة السبعينات Ashita no Joe “جو البطل” الذي يعود للكاتب السيد Ikki KAJIWARA، عمل آثر بشكل لا يعقل على جمهور المشاهدين وبالأخص أن اليابان وقتها التي كانت تواجه ثورة اجتماعية واقتصادية وتحولاً في ثقافتها، حيث مثل جو وقتها الشخصية البائسة المليئة بالآلام ومع تحديه في خوض هذه الرياضة وحزنه وعزيمته انعكس هذا كثيراً على كل مشاعر الطبقة التي كان يمثلها. ثم نقفز مباشرة لفترة التسعينات حيث نجد عملاً لا يقل شعبية، عمل لم يكتفي بضجة في اليابان بل وصل صداه إلى الوطن العربي أيضا وهو Slam Dunk الذي يعود للكاتب السيد Takehiko Inoue. وأخيرا نصل لبداية الألفية مع اقتباس الاستوديو العريق Madhouse للمانجا الكلاسيكية Hajime no Ippo التي تعود لأواخر الثمانينات ومن كتابة السيد George Morikawa، لينتج العمل ويعرضه على مدار 76 حلقة لنخرج بتحفة لا تقل عن العملين السابقين من ناحية الجودة والشعبية، عمل استطاع أن يرفع نسبة الأدرينالين إلى مستويات غير صحية، وذلك بحكم اعتماد المسلسل على بناء خلفية عاطفية سميكة لكل ملاكم، والاستوديو وفريق العمل لم يتهاونوا بكل ما أوتوا من عزيمة وصبر على أن يقدموا عمل يعتبر تحفة رياضية في عالم الأنمي. بعد انتهاء الجزء الأول بما يقارب بتسع سنوات يأتي الإعلان عن إنتاج جزء ثاني له تحت عنوان ” Hajime no Ippo: New Challenger ” بفريق عمل مختلف هذه المرة، ليفاجئوا الجميع بعمل جبار بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عمل أعتبره معظم من تابعوه أفضل ما تم تقديمه بهذه السلسلة وذروتها بشكل عام. وأخيرا نأتي لعام 2013 وعرض الجزء الثالث من السلسلة ” Hajime no Ippo Rising ” وهو ما سنتكلم عنه هنا ونرى ما قدمه والمستوى الذي ظهر به.

في البداية دعونا نستذكر خلطة السلسلة العامة وندخل من خلالها في فحوى ما قدمه الجزء الثالث. هي خلطة مجزئة لقسمين، أولهما الحياة اليومية خارج الحلبة، بحلوها ومرها وفرحها وحزنها. وتميز الكاتب في هذا الجانب بتقديم الشخصيات والتعمق فيها بإتقان شديد. فكان تصويره للحالة النفسية للشخصية وما يحدث معها قبل خوضها نزالها المرتقب بالغ التميز. ويأتي ماد هاوس المتميز بتقديمه للدراما الواقعية، ويصور ما قدمه الكاتب بإتقان شديد وبحرفية فتكتمل الخلطة. ويُدفع المشاهد دفعاً للتعلق بهذه الشخصيات، والتأثر بما يحدث معهم في حياتهم ونزالاتهم. وهنا نأتي للقسم الثاني من الخلطة التي تقدمها السلسلة وهي الحرب الطاحنة داخل الحلبة، فمن بعد اندماجك مع الشخصيات وتعلقك بهم وبحياتهم تأتي اللحظة التي سينفجر الأدرينالين لديك من شدة حماس النزال وضراوته! هذه كانت خلطة السلسلة والتي –للأسف- تخلى الجزء الثالث عن أحد أطرافها، وكان هذا وابلاً أزعج معظم معجبي السلسلة وبالأخص قراء المانجا، وهو “الحياة اليومية خارج الحلبة”. حيث أن فريق العمل قرر تخفيف هذا القسم من الخلطة وتم التركيز أكثر على القسم الآخر منها، وذلك من وجهة نظري ليتناسب مع أوضاع السوق الحالية فكان قراراً تجارياً بالأخص مع وضع ماد هاوس الحالي المتراجع، فحاول الفريق من خلال هذا الجزء ان يجعله حماسي أكثر من قبل، وبالأخص مع وجود منافس حقق شعبية كبيرة ونجاح تجاري كبير في السوق وهو ” Kuroko no Basket ” الذي بدوره ركز بشكل كبير على مبارياته و تغاضى عن الحياة اليومية لشخصياته، مما جعلها في بعض الأحيان تظهر بشكل سطحي بعض الشيء، حاول الفريق هنا تقديم نفس الخلطة ولكن للأسف قرارهم -كما ذكرت سابقا- أزعج الكثيرين من محبي العمل القدامى، فكان قراراً غير موفق حتى على الجانب النقدي! حيث أن الشخصيات الجديدة في السلسلة لم يحظوا بالوقت الكافي للسطوع كما جرت العادة بالموسمين السابقين، فاكتفوا بتقديم بعض اللمحات العامة من حياتهم وهذا ما لم يكن كافياً مقارنة بالذي تعودنا عليه من السلسلة التي كانت تتعمق بكل شخصية بشكل كبير، وتجعلنا نتعلق بهم من كل النواحي ونتعاطف مع بعضهم ونحقد على بعضهم. حتى الجانب الكوميدي التي تتميز به السلسلة ضعف كثيرا عما قبل، وإن كنت لا أنكر بأن هناك مباراة في هذا الجزء جعلت عيناي تدمع من كثرة الضحك، لكن هذه كانت نقطة الضعف الرئيسية في هذا الجزء بلا شك.

رغم ضعف العمل في جانب الحياة اليومية عما قبله، لكن ذلك لا يعني بأن الجانب الآخر من العمل عانى من نفس المشكلة، فالقسم الثاني من الخلطة وهو “الحرب الطاحنة داخل الحلبة” حرباً! وحين ذكرت كلمة “حرب” فأنا أعني ذلك تماما، فرغم تعلقنا شبه المعدوم بالشخصيات، إلا أن ما تم تقديمه من حماس وضراوة داخل الحلبة تم تصويره ببراعة تامة ويفجر الحماس لديك، ولعل أفضل تشبيه لنزالات هذا الجزء هو مباراة ملاكمة على التلفاز لا تعلم من المتنازلين فيها إلا أنه من شدة قوة ما تشاهده تُدفع تلقائياً إلى أن تتحمس وتندمج معها. إلا أن هذا الحماس في مباريات العمل لم يقدر على أن ينسينا نقطة ضعف العمل الرئيسية وهي عدم تعلقنا بالشخصيات، فنصفهم ستنساهم فعليا بعد انتهاءك من مشاهدة المباراة فوراً! وهذا ما لم يتواجد في الجزئيين السابقين، أما النصف الثاني من الشخصيات ستذكرهم فعلا لسبب ما حدث داخل النزال من جنون فقط لا غير.

مع أن قرار فريق العمل بتخفيف أحد اقسام الخلطة العامة لسلسلة، لكن ذلك لا يعني بأنه تهاون بتقديم باقي الأمور والجو العام بتقاعس، بالعكس ما قدموه متقن لأبعد الحدود، فريق العمل هو نفسه فريق عمل الجزء الثاني بكل افراده وعتادهم المجهز من كل النواحي، من ناحية الإخراج نجد لدينا السيد Jun Shishido لا يسعني القول غير بأن ما قدمه ظهر بشكل ممتاز فعلا، قدم نكهة السلسلة المعتادة بشكل رائع، فتقديمه للجو العام وتصويره للنزالات جعلنا ننسى في بعض الأحيان مسألة تعلقنا بالشخصيات لأنه فعليا ومن دون مبالغة خلق لنا مشاهد ستبقى في ذاكرتنا لمدة طويلة جدا…. في الجهة الأخرى ومن ناحية موسيقى العمل نجد لدنيا كل من السيد Tsuneo IMAHORI و السيد Yoshihisa HIRANO، وما قدماه في هذا الجزء من ألحان يعتبر من افضل ما تم تقديمه في عام 2013، ألحان متنوعة جدا من الهادئة للألحان التي تفجر حماسك، ومثال على ذلك الحن الرائع ” The Finisher ” أعلم تماما عندما يشتغل هذا الحن ستنفجر تلقائيا من الحماس ….. لا يسعني الحديث عن طاقم العمل من دون ما أذكر المبدع في عملية إخراج الصوتيات وهو السيد Masafumi MIMA فمع المخرج والمحلنين يأتي هذا الرجل ليكمل الخلطة السحرية، حيث العمل الذي قام به لا أستطيع أن أوصفه غير بالجبار.

لو أردنا الحديث قليلا عن القيمة الإنتاجية للعمل والميزانية الحاصل عليها، منتجين العمل لم يبخلوا بتمويله الحقيقة، وميزانيته تقديريا من الجيدة جدا للممتازة، في مشاهد ظهرت بمظهر رائع بكل المقاييس، من ناحية الإخراج والتحريك شغل متعوب كثيرا وينم عن مدى تكلفة المشهد العالية جدا، لكن مع ذلك احتوى العمل على مشاهد عديدة ضعيفة وبالأخص من ناحية الرسوم والتحريك، وتجلت المشاهد العالية رسوميا على المشاهد القوية من ناحية المضمون والتي فعلا ستبقى في ذاكرتك لمدة طويلة، وستعاود مشاهدتها كثيرا.

كما يعلم الجميع بأن العمل عبارة عن 25 حلقة، الجزء الثالث فعليا أنتهى بالحلقة 22 وآخر أربع حلقات عبارة عن حلقات خاصة وتتكلم عن ماضي المدرب المخضرم Kamogawa، حسنا قد يظنني البعض أبالغ أو أني خرجت من نطاق الحيادية، ولكن ما تم تقديمه في الحلقات الخاصة يعتبر أروع ما تم تقديمه في السلسلة بشكل عام، من ناحية القيمة الإنتاجية العالية جدا، أو من ناحية رتم الحلقات الممتاز، أو من ناحية ما قدمه المخرج والذي ممكن أن تعتبره افضل ما قدمه لحد الآن ” اذ ليس الأفضل ” … أو من النواحي الأخرى التي ظهرت بشكل ممتاز أيضا…. حلقات وصفتها قبلا بـ ” ملحمة درامية “، بإختصار حلقات لذكرى.

وأخيرا، الجزء الثالث هو مكمل لروعة السلسلة مع انه أحتوى على بعض الأمور والهفوات والتي ذكرناها بالموضوع كان خرجنا بالجزء الأفضل بالسلسلة، ولكن لا يوجود عمل كامل والكمال لله، فإذا كنت مِن مَن تابع الجزئين السابقين ولحد الآن لم تشاهد الجزء الثالث، فنصحية لا تتقاصع عن فعل ذلك وشاهده فورا، وأما الذين لم تسنح الفرصة أن يتابعوا السلسلة أو الذين يماطلوا به، فنصيحة أن تشاهد السلسلة كاملة مع أنها طويلة ولكن تستحق كل دقيقة من وقت فراغك لها ولن تندم على فعل ذلك.

شارك هذا المقال