عندما أتذكر هوسي قبل بضع سنوات بعالم Oblivion الفارغ و عديم الروح، أو حماسي الكبير في ترقب مشاريع الأر بي جيز اليابانية المخيبة للآمال، لا يمكنني سوى أن أستغرب من نفسي! هل هو تطور طبيعي للذوق الشخصي؟ أم أن هنالك خللا أصاب عملية النمو في هذا الصنف الفريد من الألعاب؟ بسؤال رواد الأر بي جيز الغربية عن قمة هذا النوع، ستجد الجواب لا يخرج عن Baldur’s Gate 2 أو لعبة من تسعينات القرن الماضي. بينما عندما تفتح موضوعا في منتدى عن إشاعة إعادة تصنيع Final Fantasy 7 أو لعبة قديمة من سلاسل Square-Enix، فغالبا ستجد تجاوبا أكبر من ما تتلقاه أخبار و صور Final Fantasy 13.

بين الاتجاهين الشرقي و الغربي الفرق الجوهري يكمن في تقديم القصة. كلتا الطريقتين تقدمان قصة خطية واضحة المعالم، لكن الاختلاف يكون في كيفية الوصول للنهاية. الطريقة اليابانية تلقن اللاعب القصة تلقينا مباشرا، في قالب ياباني مقتبس من مسلسلات الأنمي، فتكاد تكون اللعبة أشبه بأنمي تفاعلي، و غالبا لا تتخطى هذه الألعاب تصنيف T للمراهقين. انحسار السوق الياباني في السنوات الأخيرة جعل مطوري هذه الألعاب يتجهون لاتجاهين جديدين: الأول يتمثل في ترك هذه الصناعة و التوجه نحو ألعاب أضمن ربحية، و الاتجاه الثاني تمحور حول عولمة الأر بي جيز اليابانية بطرق جديدة؛ كاستخدام محركات الألعاب الغربية في محاولة للتوسع إلى العالمية.


كثير من ألعاب الRPG اليابانية لا زالت تظهر بشكل أنمي تفاعلي خجلة من أي تغييرات جذرية على نهجها المعروف

المطور الأوروبي و الأمريكي يضع سقف تخيلاته عاليا قبل عملية التطوير، و أحيانا أعلى من ما يحلم بالوصول إليه، و يهتم كثيرا بالكتابة، فتكون النتيجة عالما مثيرا للاستكشاف، لكن مع القليل من التوازن في أسلوب اللعب، و الكثير من الشعور بالضياع و الضخامة الزائدة عن الحاجة. كما أن أسلوب اللعب الحر يجعل من الاستحالة الفنية أن توافق جميع النتائج الممكنة للاعب مع أسلوب روائي قوي. فكر المطور الغربي عبر السنوات الماضية لم يتغير كثيرا، ما زالت نفس أساسيات Diablo و Ultima متبعة، و لو قمنا بعمل مقارنة مباشرة لإندهشنا من حجم التوافق. فباستثناء التطور التقني المتوقع و تعديل الحواف المتعرجة لبعض ميكانيكيات اللعب، لم يتغير الكثير.


الانفتاحية الكبيرة في الألعاب الغربية لا زالت تتأرجع بين إيجابية الحرية و سلبية الضياع و فقدان الهدف

كانت دائما ما تعاني الأر بي جيز اليابانية من عملية أقلمة اللعبة لباقي مناطق العالم (localization)، و إن حصل و تخطت هذه المرحلة بنجاح، فالنتيجة الحتمية في ضعف النصوص و عدم القابلية العالمية لأجواء اللعبة كانت دائما واردة. الأر بي جيز بطبيعة عمرها الطويل في اللعب تعتبر أرضا خصبة لتقديم القصة القوية، فمن الصعب أن تبقي اللاعب متحمسا لأكثر من 50 ساعة بدون حافز الغموض و الترقب، لكن حتى الآن ما زلنا نتابع نفس الدوامة القصصية التقليدية؛ فإن لم تكن تبحث عن أحجار النار و الثلج و البرق، فأنت في رحلة لإنقاذ العالم، في رفقة مع الأطفال و المراهقين. الرواية الجيدة دائما جيدة مهما كبر أو صغر نطاقها. تكرار اللجوء إلى فكرة إنقاذ العالم و الكون و الأبعاد ما هو إلا قلة حيلة و طريقة رخيصة في إرغام الملحمية عنوة في قصص هي في الحقيقة ضحلة جدا.

القصة يجب أن تكون تلك الخلفية القوية اللتي تزين ميكانيكيات اللعب و ليس العكس. شركة رائدة مثل Bioware ما زالت تدور حول نفس فلك “الخير و الشر” منذ Star Wars: KotOR. فبالرغم من أنها لا زالت تقدم أقوى النصوص الحوارية كتابة و تمثيلا على الساحة، إلا أن إعادة تشكيل نفس القصة مرة في الفضاء و مرة في الصين القديمة لن يحدث النقلة. أحيانا تأتي ومضة الأمل من حيث لا نحتسب، CDPROJEKT فريق بولندي استطاع صنع أر بي جي حصدت أكثر من 100 جائزة عام 2007 من أشهر النقاد. The Witcher ليست الثورة المنتظرة، فيعترف البولنديون في موقعهم الرسمي بأن أكبر إطراء حصلوا عليه كان تشبيه اللاعبين للعبتهم بأنها إعادة إحياء للزمن الجميل. كما يقر Michal Madej كبير المصممين بأن كون اللعبة مبنية على رواية قصصية مكتوبة كان له مفعول السحر على أجواء اللعبة اللتي نجحت في تقديم قصة ناضجة في المنطقة الرمادية بامتياز. أتمنى تكرار مشاهدة هذه الاستعارة في المستقبل، فالقصص الروائية القوية الجاهزة لا تعد و لا تحصى، و هي وسيلة سهلة للحصول على عالم ثري، و يغنى عن الذكر كونها سنويا تضع أساس أقوى أفلام السينما و أكثرها حصدا للجوائز.


الجزء الثاني عشر من سلسلة فاينل فانتسي الشهيرة لا يزال يذكر بشجاعته في محاولة تغيير طريقة
طرح القصة و بناء علاقة الشخصيات بالأحداث الرئيسية

في الشرق لا زالت فاينل فانتسي كل بضعة سنوات هي الأمل في التجربة الثرية. تشابه أجزاء Tales of المنفر و قلة الإنتاج من جهة أخرى لم يترك خيارات كثيرة. لا أرى ما يمنع المطور الياباني من وضع Final Fantasy 12 كمثال يحتذي به، فرغم شكوى البعض من ضعف القصة و الشخصيات في هذا الجزء، إلا أنه يبقى نقلة نوعية في استعراض ما يمكن تقديمه عندما ينفتح توجه الفكر الياباني نحو التغيير. إعطاء المزيد من الحرية للاعب في التداخل و تحديث أسلوب اللعب لا يعني الاستغناء عن الهوية. دائما ما أتذكر Dead Rising (نسخة الإكس بوكس) كمثال رائع على الحرية المتزنة.

متى سنشاهد أسلوب لعب أر بي جي بقصة ذات أسلوب خاص لا يمكن تقديمها إلا عبر ألعاب الفيديو؟ أتمنى أن لا نستمر في المرور بنفس التجارب و الأفكار و الميكانيكيات المستهلكة في السنوات القادمة اللهم في قوالب مختلفة شكليا. افتقار الأر بي جيز للابتكار ليس خبر الساعة، لكن مع عتاد و إمكانات اليوم الغير محدودة لا يمكنني سوى التفاؤل بالمستقبل. لا يوجد عذر أمام مطوري الأر بي جيز في عدم المخاطرة و العودة لطاولة النقاش بالورقة و القلم لإحداث تطور حقيقي يضع المعايير مجددا كما فعلت باقي أنواع الألعاب في السنوات الأخيرة.

شارك هذا المقال