حول فهرست الألعاب

منذ نعومة أظفاري و أنا مغرم بألعاب الفيديو الإلكترونية، لا أستطيع أن أنسى تلك الساعات التي كنت أقضيها عندما أعود من المدرسة حيث أضع حقيبتي جانبا و أنهمك في تصفح أخبار الألعاب و مراجعاتها على أرجاء الشبكة العنكبوتية قبل حتى أن أتناول وجبة الغداء، لطالما كنت شغوفا بهذه الهواية التي أوجدت لي آفاقاً من العوالم الساحرة التي لم أعرف إليها سبيلا آخر .. فلا الأفلام الهوليوودية و لا المسلسلات السورية أو المصرية ( قبل عهود الأتراك و المكسيكيين ) خلبت لبّي كما فعلت ألعاب الفيديو .. و انقضت الأعوام و السنون و تحول الطفل الصغير المسحور .. إلى شخص يكرّس وقته للكتابة في هذا المجال عبر موقعه و موقعكم الأثير تروجيمنج.

و من هنا ولدت فكرة تقديم سلسلة من المقالات الخاصة بشكل دوري، مقالات تتناول مواضيع مفرّقة و مبعثرة لا يلمّ شتاتها سوى فهرست الألعاب، ووقع الاختيار على فهرست الألعاب – كاسم لهذا البرنامج – من قبل زميلي العزيز في المنتديات “إيهاب قريبة” .. حيث عقدنا العزم سويّة على اختيار اسم عربيّ فصيح، يناسب هويّة الموقع و اللغة التي ولد بها، هذه سلسلة من المواضيع التي لا نريد أن تذوي بها الذاكرة فتفقدنا و نفقدها، و لأننا نعتنق المبادىء القديمة في التثبيت و لا نتخلى عن القلم و الورق، أو شاشة الحاسب و لوحة المفاتيح .. فتم الاختيار بأن تكون هذه المادة كتابية بحتة، عوضاً عن المواد المسموعة و المرئية .. والله وليّ التوفيق.

مرّة أخرى أترك العنان للأفكار و الخواطر لتنتقل إليكم بسلاسة و يسر كما تجري المياه في الأنهار العذبة، لنعزّز أواصر المودة و المحبة و نتشارك معاً اللحظات و الذكريات النفيسة.

هذه المرّة أودّ أن أسخر فكري و عطائي في اتجاه واحد يمثل حقيقة ما يدور في أروقة ألعاب الفيديو هذه الأيام، و حقيقة ما تتناقله ألسن اللاعبين ليلاً نهاراً، القضية التي أرغب في إثارتها هي قضية القصص في الألعاب اليابانية على وجه التحديد، هل تساقطت الأفكار من مخيّلة الحالمين حقاً كما تتساقط أوراق الخريف ؟؟ هل اضمحلّت عقول صانعيها و لم يعودوا قادرين على الإتيان بكل ما هو ساحر و مثير ؟؟ أنا لا أعتقد ذلك البتّة، ذات يوم وُصفت الأديبة القديرة غادة السمّان بأنها كاتبة متمرّدة، و أنا أريد اليوم أن أكون كاتباً متمرداً، متمرداً على الأعراف الموضوعة و على التقاليد الموروثة بين اللاعبين، إن الموادّ الإعلامية يتم تعاطيها بما يمكن تشبيهه مع تعاطي الحبوب المخدّرة كلما تعاطيت منها أكثر كلما أفقدتك القدرة على التفكير السليم.

فلا شيء يصنع الزّخم و الضجيج لبعض الألعاب خالية الفكر و المحتوى الفني القويم، سوى تلك الإعلانات الورقية التي تتهادى من على جدران ناطحات السحاب الشاهقة، يحلو لي دائما تشبيه العلاقة بين الألعاب بسيطة القيمة الإنتاجية التي تتحول إلى ما يعرف في اللغة الإنجليزية بـ Cult Hit، وهو مصطلح يعبّر عن تحقيقها لشعبية فوضوية بين فئة معيّنة و محددة من الناس، و بين الألعاب التي تصرف عليها ملايين الدولارات و يَرِدُ ذِكرُها على جميع الألسنة، مع حالة المقارنة بين الرجل الغني والرجل الفقير، فكلّ ما يقوم به الرجل الغني صحيح و مبارك في نظر العامة، و كل ما يقوم به الرجل الفقير مستقبح و مذموم.

فاليابان انتقلت إلى الأجهزة المحمولة و نحن هنا لسنا في صدد مناقشة الأسباب و الدوافع لذلك .. فهي قصة أخرى يطول شرحها، لكننا سننظر إلى الحقائق فقط، لنجد أن الـDS و الـPSP حققا مجتمعين من المبيعات ما يفوق المئتي مليون جهاز حول العالم ! هذه أجهزة ألعاب يابانية خالصة ، نجحت بألعاب يابانية تحول بعضها إلى ظواهر جديدة تنافس كلاسيكيات التسعينات التي نعشقها جميعا، لا أعرف لماذا يغضّ اللاعبون الطَّرف دائماً عن الأجهزة المحمولة و النجاحات السّاحقة التي حققها المطور الياباني عليها، فاللعبة الجميلة لا تصبح جميلة لأنها تحتوي على ترليون مضلع! و إنما لأنها تحتوي على قيمة فنية عالية، ربما لم نعد نحصل على أفضل القصص و الذكريات في الألعاب اليابانية من إنتاجات الكونسول .. كـ فاينل فانتسي و غيرها من الأسماء الرنّانة، لكن المطور الياباني نثر إبداعه نثراً على متن الأجهزة المحمولة ذات القدرات التقنية البسيطة المحدودة، و هذه الحدود تحدّت المطوّر المبدع بطبعه فتحدّاها هو و استحدثَ عليها من الأساليب الرسومية و الفنيّة العجب العُجاب، فلماذا ترانا نتجاهل هذا الإبداع ؟ لماذا نتجاهل تلك النكهة الساحرة في ألعاب هذا المطوّر في مقالاتنا و مراجعاتنا .. ألعاب هذا المطوّر هي تحف تقتنى ، فهو لا يعتبر صنع هذه الألعاب مهنة لكسب الرزق و حسب بل هي أسلوب حياة و طريقة يعبر بها عن نفسه و شخصيته و خلاصة حياته، و هذا ما يجعلها تجارب للذكرى. لنسرد الآن بعض هذه الألعاب التي توهّجت قصصياً كتوهّج قرص الشّمس في السماء، و صنعت لنفسها قواعد من المعجبين المخلصين .. الذين يتفانون في دعمها من إصدارة إلى أخرى.

في الوقت الذي تتراشق فيه الاتهامات على سكوير إينكس و يَفتحُ عليها الجميعُ النار، يتجاهل الكثيرون صدور هذه اللعبة الرائعة، ربما تكون كرايسس كور لعبة فرعية مشتقة من الجزء السابع، إلا أنني أراها كواحدة من أروع الألعاب التي حملت اسم فاينل فانتسي العريق، كرايسس كور هي قصة تراجيديا لنجمها الأوحد زاك فير، قصة خلبت ألباب الملايين من اللاعبين حول العالم، زاك و إخلاصه لأصدقائه، في ملحمة من الصراعات الداخلية و الأهداف الشخصية لأبطال القصة، يبزغ فيها نجم زاك بطيبة قلبه و إيمانه بالآخرين. هذه اللعبة من تصميم و إخراج ملك الآربيجي الجديد في اليابان ( هاجيمي تاباتا ) و من تلحين المذهل ( تاكهارو إيشيموتو ).

العالم ينتهي معك .. ياله من اسم شاعري غريب للعبة فيديو، و هذا هو الحال مع لعبتنا الغريبة هذه التي شارك في تصميمها العملاق هيرويوكي ايتو ( مخرج فاينل فانتسي9 ) .. لطالما كان ايتو بارعا في صنع أنظمة قتالية عبقرية و هذا ما تقدمه لعبتنا هذه مع استغلال مزايا التحكم باللمس الجديد تماما في ألعاب الفيديو آنذاك مع الننتندو DS، تطرح هذه اللعبة قصة مجموعة من الأشخاص الذين تجمعهم الظروف ليتشاركوا في لعبة مميتة من قبل مجموعة غامضة تعرف بالـReapers ومن يفشل بها يتم “محوه” و لا يعرف مصيره، تأكد أيها القارىء الكريم بأنك ستفغر فاك مدهوشا عندما تبدأ هذه اللعبة بالتكشير عن أنيابها و إظهار مفاجآتها الحقيقية، قصّة هذه اللعبة هي قصّة إنسانية من الطراز الرفيع، هذه اللعبة تستحق أن تُذكر من روائع سكوير الخالدة، و هي ليست بأقل شأناً من روائع التسعينات على الإطلاق.

أخذت هذه اللعبة مجتمعَ اللاعبينَ على حينِ غِرّة عندما صدرت على جهاز ننتندو المحمول DS، اعترى عامل المفاجأة الكثيرين بروعة الترابط القصصي المحكم و مَلَكَةِ الخيالِ الواسعة لدى الكاتب الرائع ذي الذّهن المتّقد ( كوتشيكوشي )، إضافة إلى ثقافته و معلوماته الغزيرة التي نهلَ منها القارؤون ( أو اللاعبون ) شيئاً كثيرا. تتناول اللعبة قصة 9 أشخاص يجدون أنفسهم في سفينة توشك على الغرق، حيث أن شخصا غامضا يعرف بـ صفر أو Zero وضعهم هنا للمشاركة في لعبة مميتة تدعى Nonary Game، و عليهم في هذه اللعبة الخروج من السفينة أحياء يرزقون، ترافق رحلة بطلنا “جنبي” الكثير من الحقائق المدهشة و المفاجآت المثيرة، بالإضافة لمجموعة من أغرب الأحداث و تقلبات القصة التي يمكن لك أن تعايشها بلعبة.

قل وداعاً للمحقق الصغير كونان أو حتى روايات الراحلة أجاثا كريستي، فالمحامي صاحب تصفيفة الشعر العجيبة فينكس رايت قد وصل ! سلسلة Ace Attorney سلسلة عظيمة، لا أخفيكم سراً بأنني أحبّ هذه اللعبة أكثر من أي لعبة أخرى أنتجتها كابكوم في تاريخها، نعم أكثر حتى من الشر المقيم ريزدنت ايفل! ابتدع هذه اللعبة المصمم الرائع ( شو تاكومي ) الذي أخرج في الماضي التحفة ( داينو كرايسس2 ) .. شو تاكومي ترك بصمة لا تنسى مع هذه السلسلة بشخصياتها المحببة إلى القلب و سردها القصصي الرائع، عندما تبدأ بقراءة (أو لعب) فينكس رايت، ستقوم بالتهام النصوص التهاماً و لن تستطيعَ التوقف حتى اللحظة الأخيرة، في كل قضية ستعيشُ الكثير من التقلّبات المثيرة في مجرى الأحداث، ستعيش قضية المحامي المخلص في عمله و الذي يؤمن بموكليه. ستمضي مع مايا و المحقق الظريف جمشو و منافس رايت الأول إدجوورث لحظات لا تنسى. هذه اللعبة تجربة متفردة ليس لها مثيل، و هي من الألعاب التي حصلت على جهد متفان في ترجمة النصّ و صفّ الكلمات و ترتيب الجُمل، إلى الدّرجة التي ستحذو بك للاعتقاد بأن اللعبة كُتِبَت أصلا باللغة الإنجليزية لا اليابانية.

علامة أطلس هي ختم الجودة في عيني فلم يسبق لهذه الشركة أن خيّبت ظني قط، فما بالكم بالحديث عن فريق عمل سلسلة بيرسونا الرائع ؟ كاثرين هي واحدة من أفضل ألعاب الأجهزة المنزلية هذا الجيل، و أكثرها غرابة و ابتكارية و إبداعاً، تروي كاثرين قصة فينسنت الذي يرتبط بعلاقة مع فتاة تدعى Kـاثرين، إلا أن كل شيء يتغير حين تقتحم Cـاثرين حياته ! ليضحي فينسنت بين نارين، نار كاثرين و كاثرين، تخفي اللعبة خلف طيّاتها قصة عميقة ناضجة، فلو كنت مكان فينسنت فماذا أنت فاعل ؟؟ هل ستختار كاثرين المخلصة الطيبة التي تود أن ترتبط و تستقر و تنجب الأطفال لتعيش حياة أسرية سعيدة ؟ أم ستختار كاثرين الأخرى التي هي شقراء فاتنة لعوب، لا تلقي بالا إلى شيء و لا يهمها سوى أن تكون الفتاة الوحيدة في حياة فينسنت ؟ كاثرين هي لعبة ألغاز مع قصة من نوع “رعب رومانسي” من الطراز الأول.

ربما يكون فريق Cing أفلس و أغلق أبوابه، لكننا لن ننسى إرث هذا الفريق على الإطلاق، و هوتل دسك ربما تكون قمّة ما أنتجته Cing من ألعاب يقودهم في ذلك قلم الكاتبة الموهوبة ( ريكا سوزوكي ) .. التي نتحسر كثيرا على خروجها من صناعة ألعاب الفيديو و اتجاهها لنشر الروايات على الشبكة العنكبوتية باللغة اليابانية فحسب، مما يعني بأننا لن نتذوق لغتها الفريدة و أدبها الرفيع مجدداً، ( كايل هايد ) هو المحور الأساسي لقصة هذه اللعبة، و كايل هايد حتما هو أحد الشخصيات لا يمكن نسيانها، فهو شخص وحيد يعيش حياة بسيطة كبائع متجوّل بعد أن كان ضابط شرطة و أطلق النار على أحد زملائه السابقين، هذه الحادثة غيّرت مستقبل هايد إلى الأبد فهو الآن ينازع من أجل هدف وحيد، و هذا الهدف هو معرفة مصير شريكه السابق، كايل يمثل الجانب الهادىء و المتفكر في شخصية كل واحد منّا، ستتعاطف معه كثيرا و ستشعر دائما بأنه شخص خلوق و يستحق مصيراً ووظيفة أفضل، و هايد ليس شخصا مثاليا فلا يكره القارىء أكثر من الشخصيات الكاملة في المعتاد، ليس حتى حاد الذكاء بالشكل الذي يظهر عليه رجال الشرطة عادة في القصص البوليسية، لكنه يمتلك أسلوبه الخاص في انتزاع المعلومات، فهو شخص يمكنك أن تثق به حين تراه، و يمكنك أن تُفضي إليه أسرارك، فهل أنت مستعد للإقامة معه في Hotel Dusk و التعرّف على النزلاء غريبي الأطوار ؟

الخاتمة

سأكتفي بهذا القدر من الأمثلة، ليس بالضرورة أن تمتلك اللعبة نصّاً شكسبيري المستوى و تمثيلاً صوتياً هوليوديّ الهوى حتى نكيلَ لها المديح، هذه ألعاب تمت حياكة قصصها بدراية بالغة و عناية فائقة، هذه الألعاب لا تقل لمعاناّ و توّرداً عن روائع التسعينات الجميلة (على أنها تُثبت لنا الانتقال الكبير من قبل المطور الياباني إلى المنصات المحمولة)، فإذا كنت مشتاقاً إلى سردٍ قصصيٍ يضاهي جمال ألعاب سكوير سوفت الفائتة .. و سلسلة سايلنت هيل الخالدة .. و ما إلى ذلك من الدُّرر، فأعتقد بأن هذه الألعاب وغيرها سترحب بك بأذرُعَ مفتوحة.

شارك هذا المقال