بعد 13 عام على إصدار الجزء الأول من لعبة Alan Wake الأولى، يعود الكاتب المُضطرب، آلين ليطل علينا بجزء ثاني أكثر ظلامية من، يحمل معه أحلام الكثير من اللاعبين وتمنياتهم بأن يكون هو الجزء الثاني والتتمة المثالية لقصة أحبوها كثيرًا، وإن كانت التوقعات وقتها ليست بعالية نظرًا لحجم الاستوديو آنذاك، فهي الآن حدودها السماء،نظرًا لما وصل له المطور من مستوى و لأنه قام بحملة تسويقية مكثفة خلال الشهور التي سبقت الاصدار لاستعراض اللعبة تقنيًا والتفاخر بما وصل له المشروع من تضمين لتقنيات متقدمة تجعل اللعبة “عنوان جيل جديد بحق” فهل أوفت Alan Wake 2 بالوعود؟

شخصيًا، لعبت الجزء الأول من Alan Wake وقت إصداره ولم أتعامل معه كونه لعبة رعب مهمة، وشعرت وقتها أن القصة حاولت تقديم شيء طموح فاق قدرات فريق التطوير نظرًا لأسلوب اللعب المتكرر بعض الشيء، والذي لو عدت إليه في 2023 قد لا تستطيع إكمال اللعبة أو على الأقل ستلاحظ عيوبه بشكل واضح. أقول لك ذلك في بداية المراجعة لتكون على علم من أي منظور أرى السلسلة، وكيف جعلتني اللعبة أشعر تجاهها بالأشياء التي سأصفها لك في السطور التالية.

قصة اللعبة بدون حرق…مزيج بين مسلسلات التحقيق والرعب المبني على الأجواء

تدور قصة اللعبة حول الروائي Alan Wake المحبوس منذ نهاية الجزء الأول في “المكان المُظلم -The Dark Place” ويجري محاولات مستميتة للخروج منه والعودة لزوجته Alice، وبالتوازي مع خط أحداث آلين هناك خط احداث آخر لشخصية جديدة اسمها Saga Anderson، وهي محققة FBI تحقق في جريمة قتل بشعة تقوم بها في بداية اللعبة أحد الجماعات المُتطرفة، والتي يرتدي أفرادها أقنعة ليخفوا هوياتهم. تصل Saga إلى مسرح الجريمة – Caldaurn Lake- للتحقيق في القضية بصحبة زميلها Alex Casey، والذي يلعب دوره (من حيث شكل الشخصية وتحريكها) المخرج Sam Lake، ليتضح لاحقًا أن الجريمة هي إعادة تمثيل لأحد الجرائم التي وردت في روايات آلين ويك، ومن هنا تبدأ خطوط الأحداث بالتلاقي تدريجيًا حتى تقترن ببعضها ويصبح بشكل رسمي التقدم بين خطي الأحداث مرتبط بشكل وثيق.

في هذه النقطة تتيح لك اللعبة التنقل بين Saga و Alan بحرية ولعب القصة بأي ترتيب تريده حتى النهاية، ويكون التبديل من خلال مناطق محددة تسمى Break Rooms والتي تشبه في فكرتها غرف الحفظ من سلسلة Resident Evil.سرد القصة يتم من خلال مزيج بين المقاطع السينمائية من داخل محرك اللعبة ومقاطع من نوع Live Action وبالنسبة لي كان السرد في Alan Wake 2 من أفضل ما رأيت مؤخرًا في صناعة الألعاب، ونجح في المزج بين أسلوب المسلسلات الذي اتبعه الجزء الأول، وأسلوب ألعاب الرعب المعتمد على الغموض الذي تنكشف تفاصيله بشكل تدريجي، كما أن اختلاف النبرة بين قصتي آلين وساجا ساعد في جعل القصة بالتنوع الكافي الذي يجذبك لها طوال ساعات اللعب، والتي امتدت معي إلى 25 ساعة من اللعب تضمنت بعض النشاطات الجانبية والاستكشاف. قصة ساجا بشكل عام قصة رائعة، وتشبه في أسلوبها مسلسل True Detective وخصوصًا موسمه الأول، وتعتمد اكثر على التحقيق واستنتاج الدلائل وجمعها، وهو ما يختلف بشكل كبير عن الجزء الأول. أتفهم أن هناك البعض ممن لن يعجبهم هذا الاختلاف، لكن بالنسبة لي أنا كان اختلافًا مرحبًا به، وساجا هي من أفضل الأشياء التي تم الدفع بها في الجزء الثاني.

القصة ترتبط بشكل وثيق بالجزء الأول وبلعبة Control بدون وجود أي شرح للتفاصيل التي وردت بهما والتي من الوارد جدًا أن يكون اللاعب قد نسى بعضًا منها، لكن للأسف يبدو أن المطور ريميدي لم يحسب حساب نسيان تفاصيل الألعاب المذكورة.شخصيًا، قمت بإعادة لعب Control منذ فترة وجيزة، ولهذا لم أواجه مشكلة في تجربتي مع Alan Wake 2.

أسلوب اللعب: ريميدي يصل للقمة ويستفيد من أخطاء الماضي

قدم أسلوب اللعب شكلًا مغايرًا عن النظام الذي تم تقديمه بالجزء الأول في 2010، حيث يميل الجزء الجديد إلى أسلوب لعب رعب البقاء، المُعتمد على شح الموارد وإدارتها، والمعارك بين الحين والآخر، ببيئات واسعة يمكنك التجول بها  لاستكشافها و جمع الموارد، وتكون هذه البيئات متصلة ببعضها بتصميم أشبه بـMetroidvania يتاح لك من خلاله الوصول لأماكن أكثر كلما تقدمت في اللعبة وحصلت على أدوات أكثر. تصميم البيئات بهذه الطريقة تم تجربته في لعبة الاستوديو السابقة Control وظهر بمستوى عظيم، وهذه المرة فالبيئات ليست بحجم بيئة لعبة Control، وإنما تنقسم لبيئات أكثر في العدد، وأصغر في الحجم ولكن من حيث التصميم معظم ما تم تقديمه في Alan Wake 2 تمتع بتصميم عبقري لا غبار عليه، يخدم القصة بالأجواء التي يقدمها من رعب ووحدة (بيئة الـDark Place في مراحل آلين) أو حتى كغابات واسعة ومُظلمة أو مدن صغيرة منعزلة عن العالم (بيئات ساجا).

بجانب تصميم البيئات العبقري، يوفر أسلوب اللعب نظام قتال جيد، وأعداء يشكلون تحدي حقيقي حيث لاحظت أن ذكاءهم الاصطناعي يتراوح بين الجيد جدًا والممتاز، إذ أن Alan Wake 2 لا تعتمد في الصعوبة على كثرة الأعداء، وإنما على أسلوب تحركهم المباغت، وتصميم البيئات الذي سيتسبب حتمًا في ضياعك في الكثير من الأوقات، وستجد نفسك تقوم بالذهاب والعودة من نفس الممرات والطرقات الضيقة باحثُا عن وجهتك التالية. هذا الشيء خلق لي حالة من الخوف والترقب الدائمين خصوصًا في حالة مراحل آلين حيث كانت الموارد دائمًا شحيحة لا تتحمل الكثير من المعارك.

أما إذا اضطررت للدخول في معارك، فأسلوب التصويب محكم ومصمم بشكل احترافي، لديك سلاح ناري وكشاف إضاءة لتصويبه على الأعداء، يعمل بالبطاريات والتي ستكون أحد أهم مواردك طوال اللعبة، وهناك زر لكمة يدوية (R2) لإبعاد الخصم عنك، وزر لتفادي الضربات L1، والتي أعجبني الاهتمام بتوقيها بشكل كبير، وعواقب الضغط العشوائي عليها. لعبة Alan Wake 2 ليست متسامحة مع من يخفقون في إهدار مواردهم أو الضغط على الأزرار الخاصة بالقتال عشوائيًا، لذا عليك الحذر دائمًا.

تمتلك كل شخصية حجرة سرية تمثل للاعب “واجهة المستخدم” لتصفح الدلائل والأشياء التي جمعتها، وتستخدمها ساجا في وضع الأدلة مع بعضها بشكل منطقي لإعادة تلخيص الأحداث التي جرت أمامك على الشاشة، واتخاذ القرار للخطوات التالية بناءًا على ذلك. هي ليست لعبة محاكاة تحقيق، لذا لا يمكنك الاختيار بين استنتاجين أحدهما صحيح والآخر خطأ، فلا تتوقع تجربة شبيهة بـLA Noire مثلًا، ولكنها طريقة مبتكرة لوضع تسلسل الأحداث المُعقد نسبيًا صوب عيناك دائمًا.

أما آلين، فيحتاج إلى كتابة القصص وتغيير تفاصيلها على الدوام، وليفعل ذلك فهو دائمًا يبحث عن Narrative Threads أو خيوط أحداث تناسب قصته، وتكون هذه الأشياء على هيئة مقطع سينمائي يشاهده آلين من خلال الوقوف أمام نقطة ضوء والنظر إليها من زاوية محددة، وعند جمعها تتمكن من تفعيل خط الأحداث أو الفكرة الجديدة التي جمعتها ويكون لها أثر يغير البيئة من حولك ويمكن أن يخلق لك بابًا تعبر منه للحجرة التالية أو يغير البيئة بشكل يساعدك على التقدم. يمتلك أيضًا Alan مصباح إضاءة من شأنه تغير البيئات داخل خرائط الـDark Place تستخدم في حل بعض الألغاز البيئة.

على ذكر الألغاز، تعتبر هي العنصر الأخير الذي سنتحدث عنه فيما يتعلق بأسلوب اللعب، حيث تم تقديم مجموعة من الألغاز المُصممة بذكاء شديد، تدعو للتفكير وتفحص كل ما يتواجد حولك، ولكنها ليست بالصعوبة التي كانت عليها ألغاز لعبة Control، أما الألغاز البيئية فقد كانت من أمتع لحظاتي مع اللعبة لما قدمته من تغييرات على تصاميم البيئات، وتحدي أمامي لاجتياز مراحل صعبة بتصميمات معقدة.

أعيب على اللعبة حركة الشخصيات البطيئة، والتي تقابلها حركة الأعداء السريعة للغاية، وهو ما جعلني أجد نفسي في مواقف أكون فيها محبوسًا في ركن من أركان الغرفة بسبب بطئ حركة الشخصية ومواجهة صعوبة في الهرب من الأعداء. بالإضافة لذلك فإن المعارك مع الزعماء تعتمد على نظام التجربة والخطأ (Trial & Error) بشكل زائد و مزعج، لا يوجد أي شيء يخبرك عن قدرات الزعيم أو كيف يمكنك التغلب عليه.هناك أيضًا بعض المشاكل التي واجهتها مع الكاميرا والتي تقترب من جسد الشخصية في كل الأوقات، وهو ما يخلق مشكلة في المناطق الضيقة التي تكتظ أيضًا بالأعداء سريعي الحركة. الأسلحة أيضًا ليست بالتنوع الذي كنت أتمناه، هي تقريبًا نفس ترسانة الأسلحة التي تواجدت بالجزء الأول مع إضافة Crossbow.

مراحل آلين بدأت تشعرني بالتكرار في نهايتها، وكنت أتمنى لو حصل على أدوات أكثر لتغير العالم من حوله والتأثير عليه. في بداية اللعبة ستحصل على مصباح الإضاءة هذا ولن تحصل على أي أداة أخرى من بعده.

أعجبني أن جانب الرعب في Alan Wake 2 لا يعتمد على إفزاع اللاعب بشكل رخيص وإنما على بناء العالم بشكل مقنع وجعل الخوف والقلق ملازمان للاعب طوال الأحداث بسبب تصميم البيئات المريب والأحداث المبهمة واستخدام الاضاءة بأشكال ذكية. لعبة Alan Wake 2 قدمت واحد من أفضل الطرق للرعب، ولا اعتقد أن هناك أي عنوان نجح في بناء اجواء مخيفة به

غياب التعريب بشكل كامل عن Alan Wake 2

أعتقد أن أكبر مشكلة أراها في اللعبة كلاعب عربي، هي غياب الترجمة أو الدبلجة أو دعم اللاعب العربي بأي شكل من الأشكال عن اللعبة، على الرغم من أن الناشر Epic Games ليس جديدًا على المجتمع العربي من اللاعبين، وقام بدعم المنطقة بأوجه عدة من خلال ألعاب أخرى له، كما أن اللعبة تحتاج إلى فهم عميق للقصة وبعض الجمل والتعابير الأمريكية التي ستصعب القصة أكثر على اللاعبين.

الجدير بالذكر أن اللعبة قدمت أداء صوتي بالفرنسية والأسبانية، وترجمة بـ10 لغات منها الأوكرانية والبولندية، وأعتقد أنه شيء مزعج أن تشهد تفضيلًا لهذه اللغات على اللغة العربية بالرغم من حجم وقيمة السوق العربي لصناعة الألعاب، ونموه المستمر يوميًا بعد يوم. لم يؤثر غياب الترجمة على تقييمي النهائي للعبة نظرًا لأنه شيء متعلق بالناشر ولا يعبر عن مستوى اللعبة التصميمي أو الإبداعي.

رسوميًا وتقنيًا: لعبة جيل جديد من نوع فريد

لعبت اللعبة لمدة 25 ساعة على PS5، بطور الأداء ولم أتعرض لأي مشاكل سوى في حالة وحيدة كنت أقوم بفعل ما تطلبه اللعبة مني بدون أن أجد أي استجابه، ولكن أثناء فترة المراجعة صدر تحديث رسمي حل المشكلة ومرت الأمور بسلام. أما تجربتي على طور الدقة لم تكن إيجابية حيث عانت اللعبة من تساقط واضح في الإطارات خصوصًا في لحظات القتال المزدحمة بالمؤثرات البصرية والأعداء.

رسوميًا، أعتبر Alan Wake 2 من أجمل ما تم تقديمه منذ بدأ الجيل الحالي، الإضاءة في اللعبة خصوصًا في مراحل Alan عظيمة والاستعانة بالمؤثرا البصرية يأتي دون الإفراط فيها، في لحظات تخدمها التفاصيل وتجعلها أكثر ثراءًا وجمالًا، فعلى الرغم من أنه عالم موحش ومرعب إلا أني شعرت أنني لا أريد مغادرته أبدًا. تفاصيل الوجوه أيضًا على وجه الخصوص كانت مبهرة، وأعتقد أنني لم أرى ما يصل إلى هذا المستوى من حيث تفاصيل الوجوه في الحوارات وتحريكها الممتاز منذ The last of Us 2.شاشات التحميل أيضًا استغرقت 3 ثواني بحد أقصى، وثانية واحدة بحد أدنى وهو أكثر ما أحبه حول الجيل الحالي.

استغلت Alan Wake 2 خصائص قبضة تحكم Dualsense بامتياز بحيث يتم الاستعانة بـAdaptive Triggers في لحظات إطلاق النار بشكل ممتاز يختلف من سلاح للآخر حسب قوة السلاح. فمثلًا المسدس العادي يكون إطلاقه أسهل من بندقية Shotgun، ويحتاج لضغطة أقل قوة أما خواص اهتزاز Haptic Feedback فكانت ممتازة ومتنوعة حسب الأشياء التي تقوم بها، مثل فتح الأبواب الثقيلة أو تلقي الضربات أو الركض في على الأرض الصلبة أو منطقة بها ماء، وكان استغلال خواص Dualsense في اللعبة  بجانب نظام الصوتيات ثلاثية الأبعاد من الجوانب المؤثرة على اندماجي بشكل إيجابي.

كلمة أخيرة

أعتقد أن Alan Wake 2 هي رسالة حب لكل محبي ألعاب استوديو Remedy السابقة وتتويج للدروس التي تعلمها الاستوديو من خلال مشاريعه السابقة على الصعيد التصميمي، ولكل محبي الجزء الأول أود أن اطمئنكم أنها قدمت تجربة أفضل في كل أركانها من الجزء الأول وأكثر عمقًا في تقديم عالمه وقصته الرائعين، وهي أيضًا أول محاولة للاستوديو في اتجاه تقديم لعبة من نوع رعب البقاء وبالرغم من ذلك ستشعر بأنه استوديو متمرس في تقديم أجواء مخيفة وعالم مريب، كما أنها تمتلك قيمة إعادة كبيرة للحصول على التجربة الكاملة بالأسلحة والأدوات التي جمعتها من خلال طور New Game+ الذي سيأتي في وقت لاحق.

تم مراجعة هذه اللعبة بنسخة جهاز بلايستيشن ٥ تم توفيرها من قبل الناشر قبل صدورها

شارك هذا المقال
Alan Wake 2
أسلوب السرد وجودته-الشخصيات-تصميم بيئات من بين الأفضل في تاريخ ألعاب الرعب
نهاية القصة-غياب تنوع الأعداء والأسلحة -جانب إدارة الموارد بدائي
استطاعت Alan Wake 2 تفادي معظم المشاكل التي وقعت فيها ألعاب Remedy السابقة، وقدمت تجربة رعب سيكولوجي عظيمة بتصميم بيئات ممتاز وقيمة إنتاجية مرتفعة يصعب على ألعاب الرعب الوصول إليها.
تاريخ النشر: 27-10-2023
طورت بواسطة: Remedy Entertainment
الناشر: Epic Games