مراجعة كلاسيكية

نعود من جديد بعد طول غياب مع مراجعة أخرى للعبة كلاسيكية، من خلال هذه المراجعات نحن لا نبحث عن أفضل الألعاب الكلاسيكية، و إنما نغوص في أعماق ماضي عالم ألعاب الفيديو و نعود إلى تجربة الألعاب الكلاسيكية لنقوم باختبارها، هل صمدت حقًا في اختبار الزمن؟ كيف هو مستواها عندما ننظر إليها بعينٍ معاصرة مقارنة بما كانت عليه في الماضي؟ اللعبة التي وقع اختيارنا عليها لهذه المراجعة ليست إلا لعبة القتال Garou Mark of the Wolves من شركة SNK و التي صدرت في الأصل على ماكينات الآركيد عام 1999 و حصل عليها جهاز سيغا المنزلي الأخير Dreamcast في العام 2001، كما حصل عليها البلايستيشن2 في العام 2005، قبل أن تحصل عليها أجهزة الألعاب الحالية و Steam.

غارو
Garou Mark of the Wolves
المطور: SNK
المنصة: آركيد (NeoGeo)
سنة الإصدار: 1999

Garou Mark of the Wolves هي الجزء الأخير من سلسلة ألعاب القتال التاريخية Fatal Fury من شركة SNK و قد كانت أشبه بمثابة إعادة إطلاق للسلسلة (reboot) كما كان الحال مع ستريت فاتر 3 لسلسلة ستريت فايتر. في تسعينات القرن الماضي كان الصراع على عرش الألعاب القتالية على أوجه بين العملاقين كابكوم و SNK، و في الحقيقة بينما كانت كابكوم السباقة إلى تطوير هذا الصنف من الألعاب مع ستريت فايتر 2، إلا أن SNK كان لديها فضلٌ كبيرٌ على تطويره بالأفكار و الميكانيكيات و حتى أفكار الشخصيات التي ما زالت دارجة في ألعاب القتال الجانبية حتى يومنا هذا. Garou Mark of the Wolves كانت تحديًا صعبًا جدًا لشركة SNK، جهود الشركة في تطوير منصة و ألعاب ثلاثية الأبعاد قد باءت بالفشل الذريع، المبيعات تتراجع و شعبية ألعاب الآركيد في انحسار أمام انتشار الأجهزة المنزلية، و المنافس كابكوم قد قدم تحفة فنية على صعيد التحريك و ميكانيكيات اللعب و العمق هي ستريت فايتر 3 مع لوحة آركيد متطورة جدًا.

من جهة أخرى، كان على SNK أن تقوم بتطوير اللعبة لتكون متوافقة مع عتاد جهاز Neo Geo القديم الذي صدر عام 1990! و الذي كان الهاردوير الخاص به مستخدمًا في ماكينات الآركيد من الشركة، هذا صنع عائقًا تقنيًا و عائقًا من ناحية المساحة التخزينية بل و حتى من ناحية الأزرار، ألعاب SNK القتالية كانت تستعمل 4 أزرار للكم و الركل و ليس 6 أزرار مثل ألعاب ستريت فايتر و أحد الأسباب لذلك هي طرفية التحكم للنيو جو و التقيد بها. فريق تطوير الألعاب القتالية في SNK جمع كل خبراته و مهاراته في تطوير هذه الألعاب عبر السنوات، SNK التي كانت رائدة ألعاب القتال الحقيقية في التسعينات وضعت كل إمكانياتها و قدراتها بهذه اللعبة، و النتيجة النهائية هي قهر المستحيل، نعم Garou Mark of the Wolves لعبة مبنية على عتاد كان عمره 9 سنوات و مع ذلك فهي تدفع حدود التحريك و الرسم بالبكسلات إلى أقصى المستويات الممكنة و تقدم تجربة تركتنا في حالة ذهول، يا لها من لعبة!

تيري بوغارد ضد روك هاورد
تيري بوغارد ضد روك هاورد

على العكس من ألعاب ستريت فايتر التي امتازت دائمًا بطابع كرتوني و رسومي ملون كما كان في ستريت فايتر الثالثة بإصداراتها المختلفة وصولًا إلى جوهرة كابكوم Third Strike، تأتي ألعاب شركة SNK القتالية في العادة بأسلوب أكثر واقعية و أقل كرتونية، الألوان أكثر واقعية و ليست فاقعة جدًا، هذا الأسلوب الواقعي في ألعاب SNK لطالما كان جذابًا جدًا بالنسبة لنا و في الحقيقة نحن نفضله على أسلوب كابكوم من تلك الفترة. قمنا بتجربة عدة نسخ من اللعبة من ضمنها نسخة البلايستيشن4 مع طرفية التحكم الاحترافية Hori RAP4، لا بل دعوني أوضح أن غارو كانت في حقيقة الأمر السبب الأساسي الذي دفعني إلى شراء هذه الطرفية و البحث عنها في الأسواق طويلًا! هامش الخطأ في تنفيذ المهارات أقل مما هو في ألعاب كابكوم، اللعبة تتطلب دقة كبيرة في التحكم و تعطيك الإحساس بأنها فعلًا قد صُمِمَت لتلعبها مع طرفية تحكم آركيدية كهذه و ليس مع أداة تحكم عادية. نسخة البلايستيشن4 ممتازة و هي الخيار الأفضل بسبب الإضافات مثل اللعب عبر الشبكة، نسخة السويتش هي محاكاة تامة لنسخة الآركيد و هي أيضًا ممتازة.

أُريد أن أؤكد أن قراءة تحركات الشخصيات (الvisual clues) في ألعاب SNK أصعب بصورة عامة من ألعاب كابكوم و تحتاج إلى ممارسة أكثر. هناك توازن مثالي بين اللعب الهجومي و اللعب الدفاعي، و في رأيي المتواضع، هي أكثر توازناً من ستريت فايتر 4 أو 5 في هذا الجانب. الرابع كان دفاعي جداً، الخامس هجومي جداً، لكن Garou توازن بين الاثنين بصورة عبقرية. تضم اللعبة 12 شخصية أساسية فقط، لكن الشخصيات مختلفة تماماً عن بعضها البعض، و لا يوجد نسخ كثيرة مكررة عن بعضها البعض (مثلاً: ريو – كين – دان – ساكورا – اكوما). كل شخصية لها قائمة مهارات محترمة لتتعلمها و تتقنها، و أسلوب قتالي مُميز، و شخصية personality رائعة.

ميكانيكيات اللعب بمستوى الكمال حتى بالمقارنة مع الألعاب الحديثة

رغم أن اللعبة قديمة نسبيًا إلا أن ميكانيكيات اللعب فاجأتنا بعمقها حتى مع اعتمادها على 4 أزرار. الأزرار هي: لكمة منخفضة، لكمة مرتفعة، ركلة منخفضة، و ركلة مرتفعة؛ لا وجود للكمة و ركلة متوسطة كما هو الحال مع ستريت فايتر. القفز أعقد قليلًا من الألعاب الأخرى، في Garou هناك قفزة قصيرة بضغطة خفيفة على الزاوية العلوية، قفزة طويلة بالشحن على الزاوية العلوية، و super jump أيضاً. عداد السوبر في اللعبة يُستخدم لأداء الsuper moves. غارو إجمالًا هي أكثر لعبة تُرحب بالمستجدين أو المبتدئين من بين جميع ألعاب SNK التي قمت بتجربتها، ألعاب الشركة إجمالاً أصعب من الألعاب الأخرى و تحتاج إلى دقة أعلى في التنفيذ و ضبط التوقيت حساس للغاية. لكن هذه اللعبة ممتعة حتى على مستوى المبتدئين، و هي ليست ثقيلة للغاية من ناحية الcombos، إذ إن الcombos المتقدمة تحتاج إلى تقنيات لعب مرتفعة و لا تُؤدى بسهولة.

فيما يتعلق بأنظمة القتال، في البداية لدينا نظام الدفاع just defend الذي ينافس نظام parry من ستريت فايتر 3، و لكنه يعمل عن طريق الصد بالتحرك إلى الخلف في اللحظة الأخيرة، عوضاً عن ضغط الزر الأمامي في اللحظة الأخيرة مثل ستريت فايتر. أيضًا، إذا تم تنفيذ الصد بنجاح، سيقوم اللاعب باستعادة جزء بسيط من عداد الحياة! مما يُعطي دافعًا أكبر لمحاولة إتقان هذا النظام، و بالتأكيد، يُمكن صد الضربات في الهواء أيضًا.

جست ديفند
مثال على نظام الصد الرائع و المهارة الكبيرة في تنفيذه

ذكرنا أن اللعبة ممتعة و متوازنة بصورة عبقرية بين الدفاع و الهجوم، جزء من هذا يعود أيضًا إلى نظام مبتكر لما يُسمى في ألعاب القتال الحديثة بميكانيكية comeback أو الميكانيكية التي تسمح بقلب الطاولة على الخصم، هذه الميكانيكية تواجدت في ألعاب SNK قبل الآخرين و في غارو هي تحمل الاسم T.O.P، بإمكانك اختيار ثلث عداد الطاقة لتفعيل هذا النظام (إما الثلث الأول أو الثاني أو الثالث بحسب ما يناسبك)، عندما يصل عداد طاقة الحياة إلى هذا الثلث ستصبح ضرباتك و هجماتك أقوى، كما سيكون بمقدورك تنفيذ هجمة إضافية لا تستطيع تنفيذها بغير ذلك. جمالية العنصر الاستراتيجي هي أن تختار ما هو الوقت الأنسب لقلب الطاولة على الخصم؟ هل يكون ذلك خلال الثلث الأول من عداد الطاقة أو الأوسط، أو الأخير؟ هذا القرار يعود إليك.

اللعب في غارو سلس و ممتع للغاية و كل شخصية مختلفة عن الأخرى، تيري بوغارد تواجد في اللعبة كشخصية ممتعة جدًا، إلا أن الوافد الجديد روك هاورد سرق الكثير من الأضواء مع تحريكه المميز. هذه اللعبة العتيقة فاجأتني كثيرًا و جعلتني ألعبها باستمرار لساعات طويلة دون كلل أو ملل و نحن واثقون أنها قادرة على مفاجأة الكثيرين من القراء الكرام!

تحريك البكسلات يصل إلى أفضل مستوياته

كما ذكرنا قامت SNK بتصميم هذه اللعبة على عتاد النيو جو الذي أضحى عتيقًا جدًا و لم يكن قادرًا على التألق عام 1999 خاصة مع ثورة الرسوم ثلاثية الأبعاد آنذاك، و لكن ما قام به رسامو و محركو SNK سيبقى عالقًا في الأذهان على مدى إتقان التحريك اليدوي. ليس هناك تقنيات motion capture و لا ما شابه لهذا النوع من الرسوم، كل هذا التحريك كان براعة هائلة من محركي شركة SNK آنذاك.

غارو
انظروا إلى حركة الملابس مع تنفيذ الضربة النارية

لا تصل غارو إلى روعة ستريت فايتر 3 على صعيد الرسوم و التحريك رغم جماليتها فهي مقيدة بعتاد 16-بت، إلا أنها ما زالت أحد أفضل الألعاب التي استخدمت رسوم البكسلات حتى يومنا هذا، كما تندمج الشخصيات و الخلفيات و الموسيقى معًا بطريقة تتفوق في منظورنا الشخصي على ستريت فايتر 3، و مثال على ذلك، المقاتلة هوتارو فوتابا في بداية القتال و كيف تأتي الطيور لتنزع معطفها و هي تهتف لهم “أريغاتو”! و ذلك على أنغام موسيقى الخلفية الرائعة التي تحمل طابع التسعينات الساحر و المليء بإحساس المغامرة و التشويق للمجهول.

يُمكنني أن أقول بثقة أن Garou Mark of the Wolves هي أفضل لعبة قتال ثنائية الأبعاد قمتُ بتجربتها خلال مسيرتي كلاعب (أكثر من 25 عامًا) و هي قمة مستوى SNK عندما كانت SNK حجر الأساس لهذا النوع من الألعاب و الشركة التي تضيء الطريق للآخرين.

التقييم النهائي: 5/5

شارك هذا المقال