نتناول اليوم حكايةً جديدةً من حكايا عالم ألعاب الفيديو التي وَقعت في الماضي و ألقَت بظلالها على هذه الصناعة، و ربما ما زال أثرُها ملموسًا حتى يومنا هذا. هذه الحكاية تتناول علاقةً لا يعرفها الكثيرون بين شركة ننتندو اليابانية و شركة روكستار المسؤولة عن سلسلة Grand Theft Auto الشهيرة، في الماضي لم تكن هذه الشركة تُعرف بالاسم روكستار بل كانت تُعرف بالاسم DMA Design.

تم تأسيس شركة DMA Design في العام 1987 على يد مُصمم الألعاب القدير “دافيد جونز” في أدنبرة من اسكوتلندا، و الذي كان مُقدرًا له أن يقوم بابتكار واحدة من أهم و أضخم السلاسل الترفيهية عبر التاريخ، في بادىء الأمر لم تعمل الشركة على أجهزة ننتندو نظرًا لعدم وجود ننتندو في السوق الأوروبي بشكلٍ حقيقي و إنما على أجهزة الأميغا و الكومودور 64، و وجدت الشركة طريقها للنجاح عندما قامت بإطلاق لعبة المنصات و الألغاز Lemmings في العام 1991.

بداية العلاقة بين الشركتين بدأت عندما قامت ننتندو أمريكا آنذاك تحت قيادة “مينورو آراكاوا” باستقطاب DMA Design للعمل على السوبر ننتندو، و حصل ذلك بالفعل عن طريق لعبة Uniracers التي حملت الاسم Unirally في الأسواق الأوروبية. مينورو أراكاوا كان زوج ابنة “هيروشي ياماوتشي” رئيس شركة ننتندو التاريخي و الذي ارتقى بها لتصبح إحدى أكبر شركات العالم، و في الحقيقة فإن أراكاوا قام بعمل ضخمٍ جدًا في السوق الأمريكي و كان له دور مباشر في تأسيس ننتندو أمريكا، أراكاوا استقطب العديد و العديد من الألعاب لأجهزة ننتندو و حتى أنّ الننتندو 64 نجح في مُضاهاة ما حققه السوبر ننتندو في أمريكا و لم تتراجع حصته السوقية هناك رغم تعملق البلايستيشن و حصته السوقية.

هذه اللعبة لها حكاية طويلة و قد قامت شركة Pixar برفع قضية عليها و اتهمتها بسرقة التصاميم من فيلم Red’s Dream الذي أُنتِج في العام 1987، و قد خسرت DMA Design القضية و تم سحب 300 ألف نسخة من اللعبة من الأسواق. بعد تلك اللعبة بدأت العلاقة تتقارب بين ننتندو و DMA Design، كان من المُقرر أن تُصبح الأخيرة بمثابة طرف ثاني لننتندو كما هو الحال مع نظيرتها البريطانية Rare، و قد بدأت الشركة بالفعل بتطوير لعبة حصرية للننتندو 64 تحمل العنوان Body Harvest كان من المُخطط أن تكون من عناوين الإطلاق للجهاز، هذه اللعبة كانت بداية النهاية بالنسبة لننتندو و روكستار و توتر العلاقات الذي ساد طويلًا، اللعبة كانت عنيفة الطابع و هذا لم يرق لشركة ننتندو، ننتندو طلبت باستمرار إجراء تعديلات على طريقة اللعب و كذلك على الرسوم، و في النهاية قررت ننتندو التخلي عن العنوان و عدم نشره و انتهت العلاقة بين الطرفين.

لا شك أن تخلي ننتندو عن DMA Design لم يكن سهلًا على الأخيرة خاصة في تلك الفترة الزمنية، و قد سبق للمُصمم الشهير دافيد جونز أن تحدث عن تلك العلاقة مع ننتندو قائلًا:

إنها علاقة صعبة جدًا لأن معايير الجودة لديهم مرتفعة للغاية، إن مُماثلة مستوى الجودة الذي يقدمونه صعبٌ للغاية، و هم حقًا يُريدون منك التركيز على أن تصنع مُنتجات ننتندو. من الصعب حقًا أن تصنع ألعابًا ليست لنفسك، و هو الأمر الذي اعتدتُ على القيام به سابقًا… في نهاية المطاف عليك أن تستمع إليهم لأنك لستَ بمستواهم، لا أحد في العالم بمستواهم لذلك لا تستطيع أن تقول لهم “أنتم مُخطئون”، لذلك كان علينا قبول الأمر و الاستماع إلى ما يطلبوه.

في وقتٍ لاحقٍ قامت شركة Midway بنشر اللعبة على الننتندو 64 و لم يُحقق العنوان نجاحًا تجاريًا يُذكر، اللعبة الثانية التي صدرت للننتندو 64 من الاستوديو هي لعبة تحمل العنوان Space Station Silicon Valley و التي صدرت أيضًا للبلايستيشن الأول في وقتٍ لاحق و قد نشرتها Take-Two Interactive.. على أية حال كانت شركة DMA Design تعمل في ذات الوقت على لعبةٍ أخرى تحمل العنوان الابتدائي Race’n’Chase، هذه اللعبة التي لم يتوقع أحد على الإطلاق أنها ستكون علامة فارقة و ستُغير عالم التسلية و الترفيه إلى الأبد، في البداية كان من المُخطط أن تُركز اللعبة على تحطيم السيارات و تطور المشروع سريعًا بإضافة عناصر أخرى مثل الشرطة و اللصوص و التي ذكر “دافيد جونز” أنه استلهمها من لعبة Pac-Man الشهيرة من شركة نامكو في كيفية الهرب و المُلاحقة.

Grand Theft Auto صدرت في العام 1997 و حققت نجاحًا ضخمًا، و قد كان من المُقرر أن تصدر أيضًا لكل من الننتندو 64 و السيغا ساتورن إلا أن هذا لم يحصل قط، و لا نعلم إن كان هناك ضغوطات قد وقعت على الشركة حتى تبقى اللعبة على البلايستيشن أم أن العلاقة التجارية المقطوعة مع شركة ننتندو كانت سببًا في ذلك، و على أية حال فإن نجاح اللعبة الضخم كان كفيلًا ليلفت الاستوديو كافة الأنظار، الشركة البريطانية من شيفلد Gremlin Interactive قامت بالاستحواذ على DMA Design و أطلقت الجزء الثاني الذي حقق بدوره نجاحًا كبيرًا، و بعد ذلك تم بيع السلسلة إلى Infograms الفرنسية، التي قامت بدورها ببيع Grand Theft Auto إلى شركة Take-Two Interactive التي أعادت تسمية DMA Design إلى Rockstar North الاستوديو الشهير الذي يعرفه جميع عشاق الألعاب، و لتُصبح السلسلة بعد ذلك تحت قيادة الثلاثي الذي قدم لها الكثير و الكثير: سام و دان هاوسر بالإضافة إلى ليزلي بينزيس. شعبية GTA انفجرت من الجزء الثالث على البلايستيشن الثاني و منذ ذلك الوقت و اسم روكستار هو بمثابة علامة للجودة في عالم الألعاب.

حسنًا، في عالم التجارة لا مكان للعواطف، و بعد أن أثبتت شركة DMA Design مكانتها في السوق تحت قيادة Take-Two Interactive عادت إليها شركة ننتندو من جديد لإعادة وصل ما قُطِع و جرى التعاون بين الطرفين هذه المرّة على لعبة Grand Theft Auto: Chinatown Wars التي صدرت حصريًا في بادىء الأمر على الننتندو DS قبل أن تعاود الصدور على جهاز سوني المحمول PSP، و قد عمل على تلك اللعبة كافة الأسماء الكبيرة لدى روكستار بما يتضمن دان هاوسر و ليزلي بنزيس، إلا أن المبيعات كانت مُخيبة لتطلعات روكستار التي توقعت من هذا العنوان الكثير. حتى يومنا هذا و حتى لحظات كتابة هذه السطور تبقى العلاقة محدودة بين ننتندو و روكستار و رغم النجاحات الضخمة لأجهزة ننتندو في الأسواق إلا أن LA Noire هي اللعبة الوحيدة من روكستار على السويتش و لا يسعنا سوى أن نتساءل… هل ستعود المياه إلى مجاريها بين الطرفين يومًا؟ حسنًا، الزمن وحده سيكون كفيلًا بالإجابة على هذا السؤال.

شارك هذا المقال