أوكاوا على يسار المُشاهِد مع رئيس بانداي و الرئيس التنفيذي لشركة سيغا

الحديث عن شركة Sega اليابانية هو حديثٌ ذو شجون، و لا يُمكن أن يتذكّر لاعبٌ فترة التسعينات الجميلة دون أن يتذكر إنجازات شركة Sega العديدة في عالم الألعاب. قبل أن يكون هناك Sony أو Microsoft كانت حرب الأجهزة هي المنافسة الشديدة بين Nintendo و Sega، و اشتعلت المشادات الكلامية طويلاً بين عشاق الشركتين من مناصري سوبر ماريو من جهة و مناصري سونيك من جهة أخرى.

كانت شركة Sega هي أول شركة نجحت في احتكار Nintendo التام على سوق أجهزة الألعاب المنزلية، ننتندو كانت تُشكل 90% من حجم سوق ألعاب الفيديو و كانت الرمز الأول و المُرادف لمصطلح ألعاب الفيديو، شركة Sega حاولت المنافسة طويلاً مع جهازها Master System إلا أنها لم تتمكن من منافسة ننتندو أو حتى PC Engine في اليابان من Hudson، و بالتأكيد لم تتمكن من منافسة الهيمنة التامة لجهاز NES في السوق الأمريكي رغم أنها باعت 160 ألف وحدة من جهازها الأول SG-1000.

رئيس الشركة السابق Hideki Sato كان يعتقد أن الفرق في النجاح بين الشركتين يعود إلى مستوى الألعاب، حيث وجدت Sega صعوبة في منافسة ألعاب Nintendo، بينما – صدقوا أو لا تصدقوا – كانت إدارة Sega ترى الألعاب كأمر ثانوي فالتجارة الأساسية في منظورها كانت تجارة الإلكترونيات أو الأجهزة، مما جعل مشاريع ألعاب Sega لا تحصل على الميزانية الكافية لمنافسة عناوين شركة ننتندو.

كل شيء تغير عندما طرحت الشركة جهازها المنزلي Sega Genesis (أو Mega Drive)، و الذي أعدته الشركة خصيصاً لمنافسة Nintendo. في موسم أعياد العام 1991 تفوقت مبيعات Sega Genesis على المنافسين في الولايات المتحدة الأمريكية بفارقٍ كبير، و للمرة الأولى على الإطلاق في تاريخ الأجهزة المنزلية، وصلت حصة Sega من مبيعات الأجهزة إلى 65% في يناير من العام 1992، بعد أن سيطرت ننتندو على السوق الأمريكي سيطرة تامة منذ العام 1985.

Sega على العكس من ننتندو قدمت ألعاباً أكثر واقعية و لم تتردد في السماح بالألعاب الموجهة إلى جمهور البالغين، و هو الأمر الذي سارت على خطاه شركات أخرى لاحقاً مثل سوني و مايكروسوفت، و لعلّ أحد الأمثلة على ذلك هي لعبة Mortal Kombat على الجنسس و التي احتوت على الدماء الواقعية للمرة الأولى في لعبة فيديو على العكس من نسخة السوبر ننتندو، و كانت سبباً مباشراً في تأسيس وكالة التصنيف العمري الأمريكية ESRB.

على أية حال نحن بصدد الحديث عن البطل الخفي لشركة Sega و الذي قد لا يعرفه الكثير من عشاق الشركة الزرقاء، و هو ليس إلا المستثمر الياباني العجوز Isao Okawa الذي توفي في العام 2001 إثر نوبة قلبية. Isao Okawa أسس في العام 1968 شركة لخدمات الكمبيوتر عُرفت باسم CSK Corporation في اليابان، هذه الشركة كانت المالك الأكبر لأسهم شركة Sega منذ العام 1984 و الذي شهد أيضاً رئاسة أوكاوا لمجلس إدارة الشركة الزرقاء.

على الرغم من النجاحات التي حققها جهاز Sega Genesis إلا أن سيغا لم تُحقق يوماً ذات الأرباح الضخمة التي حققتها شركة ننتندو، سيغا كانت تنفق الكثير من المال في الاستثمار على طرفيات لم تحقق نجاحاً تجارياً يذكر مثل Sega CD، و باستثناء سونيك لم يكن بجعبة الشركة عناوين تنافس النجاح التجاري الذي تحققه عناوين ننتندو. النصف الثاني من التسعينات شهد تراجعاً في مبيعات الشركة، هذا التراجع استمر بالتدريج مع خفوت نجم الميغا درايف و فشل جهاز Saturn في تكرار حكاية النجاح وسط منافسة شديدة من Playstation الذي سيطر على السوق العالمي و كذلك Nintendo 64 الذي حقق النجاح في الأسواق الأمريكية.

من هنا بدأ مسلسل الخسائر المالية لشركة Sega اليابانية و بدأت حكاية المعاناة التي ما زالت آثارها ظاهرة على العملاق الأزرق حتى يومنا هذا، الشركة سجلت في العام 1998 خسارة مالية ضخمة وصلت إلى 327.8 مليون دولار، هذا لم يكن مبلغاً كبيراً فحسب إلا أنه بلا شك مبلغ يفوق طاقة هذه الشركة على الاحتمال. الخسائر استمرت في العام المالي التالي و من جديد نزفت Sega أكثر من 300 مليون دولار من الخسائر في العام 1999، العام الذي شهد إطلاق جهاز الشركة الأخير Dreamcast.

إن كُنت أحد المحظوظين باقتناء هذا الجهاز و لديك ذكريات مع روائعه من أمثال Sonic Adventure و Skies of Arcadia و Resident Evil Code Veronica و Shenmue و غيرها من العناوين، فأنت مدين بالفضل في صنع هذه الذكريات للسيد إيساو أوكاوا، Sega في ذلك الوقت لم تكن تملك المال بعد فشل الساتورن لتحمل عبء و تكاليف إطلاق جهازٍ جديد إلا أن الشركة حصلت على تمويل بقيمة 820 مليون دولار لتحقيق ذلك، أكثر من نصف هذا المبلغ أتى من المال الشخصي للسيد أوكاوا في سخاءٍ غير مسبوق و نادرٍ للغاية في عالم التجارة الذي لا يتحدث سوى لغة المال و المصالح الشخصية، أما النصف الآخر فقد أتى من شركة CSK Holdings نفسها.

حتى تستمر Sega في عالم الألعاب كانت بحاجة أن يكون Dreamcast نجاحاً منقطع النظير و هو الأمر الذي لم يتحقق قط، Dreamcast باع بشكل مقبول نسبياً إلا أن الجماهير فضلت انتظار جهاز سوني المنزلي Playstation 2 الذي كان مُقدراً له كتابة حكاية النجاح الأضخم في تاريخ الأجهزة المنزلية، نزيف الأموال استمر و لم يكن أمام شركة سيغا سوى الاستسلام و الانسحاب من سوق أجهزة الفيديو.

Sega في ذلك الوقت كانت مثقلة بالديون و لم يكن لديها القدرة على المواصلة في السوق، العديد من التقارير آنذاك كانت ترى أن مسألة إفلاس Sega هي مسألة وقت ليس إلا، و لكن السيد أوكاوا قام بصنيعة لن ينساها عشاق Sega مدى الحياة و ظلّ مُخلصاً و وفياً لهذه الشركة حتى النهاية، أوكاوا الذي كان يصارع المرض و يعلم جيداً أن ساعاته باتت محدودة في الحياة الدنيا، و لمُساعدة سيغا على تحمل أعباء الخروج من تصنيع الأجهزة و تمويل ألعابها القادمة دون خطر الإفلاس، قام اوكاوا بالتبرع لشركة Sega بكافة أسهمه على صعيدٍ شخصي، كما أعاد إليها ملكية جميع الأسهم التي كانت تملكها شركته CSK Holdings و بقيمة مالية تُقدر بحدود 692 مليون دولار!

أوكاوا أنقذ سيغا من براثن الديون و جعلها تنهض على أقدامها من جديد قبل وفاته في العام 2001، و تذكر وسائل الإعلام في تلك الفترة أن أوكاوا سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات و التقى مع السيد بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت و مبتكر نظام التشغيل التاريخي Windows. أوكاوا أراد أن يستمر لاعبو Dreamcast بلعب ألعابهم المفضلة لا سيما العناوين الجماعية عبر الشبكة حتى بعد إيقاف إنتاج الدريمكاست، و كان الاقتراح أن يقوم جهاز مايكروسوفت المنزلي Xbox بدعم التوافق المسبق مع ألعاب Dreamcast و تشغيلها إلا أن التعاون لم يتبلور بين الشركتين على هذا الصعيد في نهاية المطاف، و مات السيد أوكاوا في عام 2001 و مات معه هذا الحلم.

في التقرير المالي لشركة Sega عام 1999 عبّر السيد إيساو أوكاوا عن رؤيته المستقبلية لعالم الألعاب، أوكاوا كان يؤمن أن الانترنت في طريقه لتغيير العالم و تغيير سوق التسلية و الترفيه إلى الأبد، و كان يؤمن أن بناء مجتمعات تمارس الدردشة الصوتية و الدردشة عبر الفيديو من شأنها أن تأخذ ألعاب الفيديو إلى أبعادٍ غير مسبوقة، لهذا كان Dreamcast أول جهاز ألعاب منزلي يقدم اللعب عبر الشبكة مع عنوان Phantasy Star Online الشهير. أوكاوا لم يكن فقط بطل شركة Sega و الداعم المالي الأكبر لها عبر تاريخها، و لم يكن فقط من أسهم في صنع أحلام الملايين من اللاعبين، و لم يكن رجلاً مخلصاً و وفياً لزبائنه فحسب، و إنما كان أيضاً رجلاً يمتلك نظرة مستقبلية، فلا يُمكن إنكار التأثير الضخم لشبكة الانترنت و التواصل بين اللاعبين على العالم الرقمي اليوم، الأمر الذي تنبأ به أوكاوا عام 1999.

حكاية Sega استمرّت في سوق الألعاب و تألقت الشركة بتطوير العديد من الألعاب الرائعة مثل Virtua Fighter 4 و Panzer Dragoon Orta و Super Monkey Ball و Yakuza و غيرها، و ذلك حتى الاندماج مع شركة Sammy في العام 2004 و ما زالت الحكاية مستمرة حتى اليوم، هذا حصل بفضل شخصٍ واحد كان سخياً مع Sega إلى درجة أنه منحها كل ما يملك… إيساو أوكاوا.

شارك هذا المقال