لم يسبق لي و أن ذهبت إلى النرويج مسبقاً و لم تجل الفكرة في خاطري من قبل كذلك، إلاّ أنّنا دوماً ما نبحر بزورق الحاضر مصوبين أعيننا نحو الماضي مديرين ظهورنا للمستقبل غير مدركين لما قد يخفيه لنا في وسط محيط الحياة، هكذا وجدت نفسي مُرسّياً زورقي البسيط على شاطئ جزيرة صغيرة من هذه الأرض التي لم أسمع إلا عن طقسها البارد بحكم قربها من القطب المتجمّد الشمالي، Draugen التجربة القصصية و التي تتبع الأسلوب المعروف بـwalking simulator كانت هي من أخذ بيدي كي أخوض غمار هذه الرحلة وعلي القول أنّ الاستقبال لم يكن حاراًّ جداًّ فما إن وطئت قدماي المكان المنشود حتى راودني السؤال الذي لا بدّ لنا من طرحه داخل معظم ألعاب هذا النّوع:

أين اختفى الجميع؟

الواقع أنه من الصعب الحديث عن اللعبة بإسهاب فهي لا تقدم الكثير من العناصر كلعبة فيديو فالتجربة القصصية هي الركيزة الأساسية هنا لذا لنبدأ الحديث عنها، سنخوض رحلتنا في العام 1920 بصحبة كل من Edward المسافر الأمريكي ورفيقته الشابة Lissie في رحلة إلى قرية تقع على جزيرة صغيرة في النرويج للبحث عن شقيقة الأول المفقودة Betty و لا يكادان يصلان إلى وجهتهما حتّى يدركا أنّ هناك شيئاً غير طبيعي قد جرى في هذا المكان و أن عليهما اكتشاف ما حصل فيه، قد لا تكون قصة Draugen بالشيء الجديد فقد سبق لنا رؤية عدة أعمال مختلفة تتّبع نهجها في الخلفية العامة إلاّ أنها استطاعت أن تجذبي إليها وتمكنت من إثارة فضولي لمعرفة ما تخفيه أحداثها التالية و علي القول أنني لم أشعر بخيبة الأمل في نهاية المطاف مطلقا!

الحديث الآن ينتقل إلى الشخصيتين الرئيسيّتين الذين إن كنت سأجد الوصف المناسب لكليهما فهما أشبه بالليل والنهار، الشمس و القمر أو النعناع و الشوكولاة، ففي حين أنّ Edward يتّسم بالرزانة و التّحفظ الشديدين فإنّ Lissie تتحلى بفائضٍ من الحيوية و تهوى المزاح كثيراً و قد كنت أستمتع حقاًّ حين كانت تقوم بإغاظة Edward الذي يأخذ الأمور دائماً على محمل الجد بالرغم من مصادفتي لتداخل مزعج بين حوارات الشّخصيتين في بعض الأوقات لم أتمكن بسببه من سماع بعضها كما يجب، الاختلاف بين بطلينا لا ينحصر في شخصيتهما فحسب! فآراؤهما، طريقة قيامهما بالأمور، بل حتى معتقداتهما تختلف كثيراً عن بعضها البعض حتّى وصل بي الأمر للتّساؤل عن السبب الذي جمع هذين الكيانين المتناقضين سوية!

و أنت مدركةٌ أنّك إن لم تكفي عن إزعاجي فسيكون هنالك قبرٌ أكثر حداثة، صحيح؟

بحكم أنها تتبع نمط ألعاب محاكاة المشي كما أسلفنا الذكر سابقا فما ستقوم به هنا محدود ويمكن تلخيصه بالمشي وقراءة الملفات وتفحص بعض الأدوات هنا وهناك لمعرفة مجريات وخبايا القصة، لا وجود للكثير مما يمكن القيام به فعليا إلاّ أن اللعبة تقدم أحد العناصر الهامة جداّ لنوعها بشكل رائع و ما أتحدث عنه هنا هو المقطوعات الموسيقية فما يمكن قوله على صعيد الألحان هنا أنها تقدّم مستوى رفيعا جداً فلطالما كنت أقف متسمّراً في مكاني لفترة من الزمن كي أصغي فقط لصوتها العذب وهي تطرب مسامعي.

إن أردت الحديث عن اللعبة تقنياً فالأمر قد يكون مربكا بالنسبة لي بعض الشيء فالرسومات جميلة والتوجه الفني للعبة يبدو جذابا بتصوير جميل للنرويج  إلا أنني شعرت أن البيئات تصبح ضبابية أحيانا بالإضافة أن الإضائة تصبح ضعيفة في عدة مواضع وكنت أرى ما أمامي بصعوبة نوعاً ما، وعلى صعيدٍ آخر فإنّ حركة وجوه الشخصيات وتعابيرهم تبدو مربكة وغير متناسقة مع أصواتهم، بشكل مجمل المستوى التقني للعبة متفاوت بعض الشيء وقد صادفت قليلا من الأخطاء فقد كانت Lissie تسد الطريق عليّ في بعض الأحيان كما أنها كانت تدفعني حين تسير بطريقة غريبة، لم يكن الأمر بالشيء الجلل حقا إلاّ أنه وجب التنويه عليه.

أين أنت يا Betty؟

لم تكن رحلتي هنا بالطويلة إطلاقا إذ بالكاد تجاوزت ثلاث ساعات تقريباً إلاّ أنّ علي الاعتراف أنني فُتنت بها رغم قصر عمرها و قد استطاعات أن تترك أثراً محبّبا في نفسي، إلاّ أنّ عليك أن تتذكر عزيزي القارئ أنّك ما لم تكن متقبّلاً لنوع التجارب الذي تقدمه فإنك لن  تستطيع التماس جوهرها كما يجب، ففي النهاية Draugen هي تجربة لن يتقبّلها الكثيرون ككثير من ألعاب هذا النوع إلاّ أنها تنجح بما تريد إيصال رسالتها بشكل ممتاز وهو ما أراه سببا جيّدا لمنحها فرصة للتجربة.  

تمّت مراجعة اللعبة بنسخة الحاسب الشخصي والتي تم توفيرها من قبل الناشر.

شارك هذا المقال
Draugen
قصة مثيرة وألحان جميلة، شخصيتان رئيسيّتان رائعتان والعديد من الحوارات المسلية بينهما و تصوير جميل للنرويج.
حركة وجوه الشخصيات تبدو سيئة، وجود تداخل بين الحوارات أحياناً وبعض الأخطاء التقنية والرسومية.
بالرغم من أنها ليست الأفضل من نوعها إلاّ أنّ Draugen تمتلك سحرها الخاص وجمالها المتفرد الذي سيجذب عشاق هذا النوع من التجارب حتماً.
تاريخ النشر: May 29, 2019
طورت بواسطة: Red Thread Games
الناشر: Red Thread Games