خدمة جديدة قدمها كيج للألعاب دون أن يعلم، أزرار وحدات التحكم محدودة، إذا كان زر القفز هو X فالشخصية ستقفز دائما بالضغط على الزر X، أمر تغير بدخول الألعاب التفاعلية، زر X  قد يعني أي شيء حسب الظرف الذي أنت فيه، شرب كأس ماء أو فتح الباب أو التشبث بشيء… الاحتمالات أصبحت لا نهائية، أسلوب اللعب قد تحرر بشكل كامل، كل هذه الأشياء كانت على وقتها غير موجودة بسبب تواجد نظام تحكم عالمي، ألعاب الـPoint & Click مثلا لم تكن مختلفة، ضغط الأماكن والأشياء وحل الألغاز والحوارات، يكفي نسخ نفس الأسلوب في لعبة جديدة وانتهينا، في حين كان على Quantic Dream التجربة أولا وتحسين النتائج للوصول للنهاية وابتكار أسلوب لعب غير مبني على أزرار يد التحكم، وإنمَا على الأوامر في اللعبة، زر X لم يعد يعني زرا للقفز، وإنما يوازي ما يظهر على الشاشة، ومن هذه الفكرة تم بناء أسلوب اللعب القائم على التفاعل مع البيئة حسب الاتجاهات (القائمة في الصورة في الأسفل).

Fahrenheit

كيج كان مخرج الاستوديو، والمكلف أيضا بالتوجيه، والمشرف على الوضع المالي للشركة وكان مطالبا بمراجعة حساباتها، بالإضافة أنه كان يكتب النص ويتولى مهاما أخرى، ووصل به الحد إلى أن كان المكلف بالتقاط الحركة كممثل وتقني في نفس الوقت، أمور يعترف أنها قادت للكثير من المشاكل، منها أن الكثير من اللاعبين كانو ضد فكرة أنه هو الشخص الذي يستقبلك أثناء مرحلة تعلم الأساسيات (الصورة في الأسفل) نية طيبة اعتقد اللاعبون أنه يُحاول من خلالها الظهور وإظهار نفسه كالقطعة الأكثر أهمية في اللعبة، او ربما أنه أهم عنصر في فريق التطوير.

وإن كان اختصار الكلام يعني شيئا، فإن اللعبة كانت للاستوديو من المُؤسِّسَات وفي نفس الوقت المسودة التي جرب فيها على باقي ألعابه، كيج يرى اللعبة كالمشروع الذي سمح له بأن يجرب كل شيء، ويصفها بأنها كانت مسودة للعبته التي جاءت بعدها، Heavy Rain، الكثير من الأفكار فيها كانت أفكارا قادمة من اللعبة التي سبقتها.

Fahrenheit (2)

إصدار اللعبة لم يسلم من انتقادات كثيرة من اللاعبين: “هذه ليست لعبة” “ولماذا تكون لعبة وليس فيها سيارات؟ ولا أسلحة؟” “وأين الأشياء التي علي اطلاق النار عليها؟” وحتى على مستوى القصة، لم تكن هذه نقطة قوة يُمكن أن يفخر بها كيج، كتابة السيناريو بالنسبة له لم تكن بالأمر الاعتيادي، والغوص فيها كان تماما كما فعل مع تطوير الألعاب، أمر لا يفر منه، بل يعترف به ويعلم أن أجزاء كثيرة من القصة التي استغرق ساعات لكتابتها، لم تتواجد سوى لأنه أراد، وليس لأنها تعني شيئا في القصة.

أنا لست كاتب سيناريو، لا أعلم ما أكتبه، ولا من أجل ماذا، ولا من أنا ولا لماذا أقوم بهذا، أنا أعيش اللحظة فقط.

أمر تغير مع مشروعه الثالث. Fahrenheit وضعتهم على الرادار، واللعبة كانت قذيفة الفريق المشعة نحو السماء، جاعلة العيون تتجه إليه، هاتف الفريق لم يتوقف عن الرنين، مُكالمات من أنحاء العالم من ناشرين يُهنئون الفريق ويُبدون إعجابهم بنوعية الألعاب الجديدة هذه، والكثيرون ممَن رفضوا عروض الفريق بدايةً كانو مستعدين للتعاون معه ومع كاتب السيناريو المبتدئ الذي يقوده، هذا النجاح كان مفاجئا جدا، خاصة لديفيد الذي ما كاد يُصدق بعد اصدار اللعبة أن ما يحصل حقيقي.

عندما أنهيت العمل على اللعبة كنت بائسا […] كنت أقول لنفسي حسنا لقد أفسدنا كل شيء، هذه بلا شك هي آخر لعبة نُطور، لقد أصدرنا لعبة بدون اطلاق نار، بدون منصات وبدون مركبات، هذا لن يهم (يُعجب) أحدا.

تفكيره هذا كان على وشك أن يُجبره للعودة لما أسماه تطوير الألعاب الكلاسيكي، التوجه الذي يخدم توجه السوق، إن أراد اللاعبون إطلاق نار، وسيارات لقيادتها، فهذا ما على لعبتك القادمة أن تحتويه. The Nomad Soul 2 أصبحت تظهر كالخيار الأفضل،  لحسن الحظ الأمور سرت بشكل مُخالف، الكثير من الناشرين عبر العالم اتصلوا بالفريق مهنئين بنجاح اللعبة مشيدين بروعتها، بما فيهم كل من سخر بفكرة اللعبة الشاذة عمّا اعتاده الناس، وواحدة من هذه الشركات لم تكن سوى Sony، شركة يحترمها المطور شخصيا وكان في كل حضور له لمعرض E3 يتمنى أن يكون يوما ما ضمن منصتها هناك.

لعبة رائعة، لقد لعبتها مع زوجتي، نريد أن نلتقي لنأخذ فكرة عمّا تعملون عليه

كان هذا رد أحد مسؤولي Sony، وكان دليلا كبيرا على أن توجه كيج قد نجح، اللعبة كانت أسهل من الألعاب الموجودة في السوق، كما كانت مثيرة للاهتمام للأشخاص المهتمين بمتابعة قصة فقط، سواء أكانو مُهتمين بالألعاب أم لا، كيج كان يجد دائما صعوبة في شرح فكرة لعبته، لكنه حاول جاهدا وبأكثر من طريق بأن يُثبت أن مستقبل الألعاب يكمن في أمرين، الأحاسيس والسرد، العالم لم يكن مستعدا لنوعية الألعاب هذه، لكنه استطاع أن يفعل ذلك، الألعاب السينيمائية أصبحت اليوم من أشهر الأنواع، كما تغيرت الكثير من الألعاب من اعتماد الطرق التقليدية في اللعب لاعتماد أسلوب مُقارب لما وضع هذا الملحن السابق الأساس له.

على وقتها، الفريق كان يعمل على ديمو The Casting (الفيديو في الأعلى) ديمو تقني للغرض الداخلي حاول من خلاله ديفيد معرفة إلى أي حد يمكن أن تدفع التقنية والتقاط الحركة بالأحاسيس، Sony زارت الأستوديو وقتها لمعرفة كيف يُمكن أن تستفيد منه، أخذت مذكرتها وأخذت تُسجل: “مشروع مُخطط له تحت اسم Heavy  Rain، وديمو تقني تحت اسم The Casting، مثير للاهتمام!” بعد أسبوع فقط مُمثّل الشركة عاد مجددا مُخبرا الفريق أنهم يرغبون بأن يكون الديمو التقني على الـPS3 وجاهزا للعرض مع كشف الجهاز في معرض E3 2005.

الفريق كان صغيرا، فلم يكن يملك عدة تطوير للـPS3، وبالتالي المحرك الذي يشتغل عليه الديمو غير موجود عليه، Sony كانت مصرة، وأرسلت في زمن قياسي 10 أجهزة تطوير، كانت هذه فرصة العمر، العمل على لعبة جديدة بنفس التوجه السابق، بخبرة أكبر وبفريق أكثر مهارة، كل ذلك مع الشركة التي حلم كيج بأن يكون جزءا من قسمها داخل E3، الأمور سارت كما خُطط له، الديمو كان يشتغل بشكل ممتاز على جهاز الشركة الجديد، وسُلّم في الوقت المتفق، أول معرضٍ لـQuantic Dream معها كان ناجحا. أُعجبت عملاقة النشر والتطوير بأداء الأستوديو الباريسي، فدعته مباشرة بعد المعرض للاجتماع لتمديد هذه العلاقة، كيج تحدث عن المشروع الجديد المُخطط له بشغف، ليُغادر يومها وقد قُوبل طلبه بأن تُمول لعبته لتصدر حصريا على الـPS3 بالقبول، مُعلنة عن علاقة مستمرة للآن.

شارك هذا المقال