بإحصائية بسيطة للألعاب التي جربتها منذ بداية عهدي بألعاب الفيديو ندرك بأن ما يستحوذ على نصيب الأسد من تلك التجارب هي الألعاب اليابانية ومن فينا لا يحب الألعاب اليابانية يا ترى ؟ وبعيداً عن أي نوع من أنواع التفضيلات الشخصية فهي تقدم الكثير على مستوى الصناعة لدرجة أن البعض قد يعتبرها متكاملة والكمال لله، لكني لازلت أرى بأنها بعيدةٌ عن ذلك واليوم أطرح ميزة أود بأن تطبقها الصناعة اليابانية قد لا يكون من السهل ملاحظتها بقدر ما يسهل نطقها وهي: شعور المغامرة

ملاحظة: قد يرتبط هذا الشعور عند البعض بسبب نوعية ألحان معينة، جانب تقني، توجه فني، صنف لعبة … الخ ولا ننكر جمالية جميع هذه العناصر لكن السؤال هو بكيفية تطبيقها التي تجعل اللاعب وكأنه يعيش أحداث المغامرة بجانب شخصيات اللعبة، وبتأكيد لدي بعض الأمثلة على ذلك

الدعوة واضحة من الغلاف!
الدعوة واضحة من الغلاف!

العقول التي قدمت لنا مغامرة أمير فارس بالماضي قررت دخول الجيل السابع بمغامرة جديدة وبفلسفة مختلفة الغرض منها غمس اللاعب بالعصر الذي تحكيه اللعبة وهذا ما حصل فعلاً بمغامرة “عقيدة الحشاش” الأولى، وأي شخصٍ فينا يستطيع أن يلاحظ من خلال مقدمة اللعبة فقط بأنها تنوي نقل ذهن البطل ليتقمص دور حشاش يدعى الطائر وإرساله لحقبة زمنية تاريخية لمعايشتها تحديداً عصر صلاح الدين الأيوبي والحروب التي دارت بتلك الحقبة.

كان من السهل على فريق التطوير بأن يكتفي بالقفز والقتل وإنجاز المهمات بعلامات مرتفعة لتكون أساس التجربة هنا لكن الأساس الحقيقي هو بكيفية توليد شعور المغامرة لدى اللاعب وغمسه بأجوائها وكأنه بداخل اللعبة نفسها والإعتناء بذلك وصل لدرجة الإستفادة من حقيقة وجود ذهن البطل بآلة الكترونية لتصميم المرحلة التدريبية بطريقة أشبه بما يجري بأحلامنا “تقريبياً” من ثم إرساله للعالم القديم داخل كهفٍ مظلم ليشارك شخصيات اللعبة الهرب من مصيبتهم وكأن لو كان بينكم ماضي مشترك قبل تشغيلكم اللعبة حتى.

بعد الهروب من الورطة بالكهف لن يكون منظر أشعة الشمس هو ما يبهر اللاعب هنا بل العالم النابض بالحياة الذي بذل فيه المطورون جهوداً مضنية لجعله أقرب لما يكون إنتقالاً فعلياً بالذهن لتلك الحقبة الزمنية، الكثير من الناس والكثير من المساكن والأزقة أمامكم والكثير الكثير من الأحاديث التي تستمعون إليها من كل جانب وكأننا نتعايش فعلياً بالحياة مع هذا العالم لدرجة بأني كنت أتشبه بما يفعله العامة بذلك العالم من نشاطات يومية كالجلوس على المقاعد أو المشي معهم كواحدٍ منهم.

لن تكفي سطور المقال لتغطية التجربة كلها لكن هناك لحظة واحدة أود مشاركتها معكم وهي عند إطفاء اللعبة من ثم العودة لها ثانيةً لا أشعر بأني راجعٌ لتشغيل لعبة بل عائدٌ لدخول ذلك العالم الخيالي الذي وصفته لكم.

IMG_7276

لم تسنح لي الفرصة للعب الجزء الثالث من مغامرة ذا ويتشر لكن الحظ كان أوفراً بالجزء الثاني من السلسلة والذي لا يقارن بضخامة ما قدمه الثالث على الأقل بحسب حديث النقاد وبالرغم من إنتقاداتي الشخصية على أسلوب لعب ذلك الإصدار إلا أني أعترف بأنه نجح بجرّي لداخل عالم اللعبة ومعايشة أحداثها بجوار البطل ومن بين تلك الأحداث تنقله بين القرى وإنصاته لأحاديث الناس وكأني أشاركه الإنصات ولعل من أبرز تلك المحادثات كانت من نصيب Iorveth ولقائه بحشاش الملوك Letho بالكهف والذي كان يتخذ مقعده مجاوراً لموقد اللهب والحوار الذي جرى بينهما كان أقرب للإستماع لشخصٍ حقيقي وهو يحكي ما يجوب بخاطره.

حقيقة لم أهتم بطريقة تعدد خيارات الحديث والتي يعتبرها النقاد ميزةً هنا بقدر ما أعجبت بطريقة تطبيق اللعبة بمهامها وتوزيع الأحداث على البيئات الممكنة من قرى وغابات وأنهار ومناطق جبلية والتي صنعت أجواءً لا مثيل لها كانت تعطي شعوراً حرفياً بأني أعيش أحداث مسلسل تراثي وليس مجرد لعبة، مخالطة أهل القرى والإستماع لشكاويهم ثم الخروج من الأبواب الخلفية لقريتهم إلى الغابة الواقعة خلفهم للإطاحة بمسببي المشاكل وما هي العروض والمؤامرات الممكن التعرض لها هناك ليست سوى مثالٍ حي على الإحساس بشعور المغامرة. الكثير من نقاط الإعجاب إنتزعتها مني هذه اللعبة وتمنيت بأن تقتدي بها الألعاب المماثلة بالخيال خصوصاً اليابانية منها.

لؤلؤة لم يحصل عليها الجميع
لؤلؤة لم يحصل عليها الجميع

لم تقدم مغامرة “طفلة الضوء” أي إضافات قيمة لأسلوب اللعب خارج المعتاد عن ألعاب JRPG الكلاسيكية وإكتفت بتجميع خلاصة ما يتمناه أي عاشق لألعاب هذا الصنف الذي باتت هويته مهددة بالزوال بسبب تعبث المطورين وتجاربهم عليه للخروج بنتائج هجينة لا تغني عن التجربة الأصيلة لهذا النوع، المميز ب Child of Light وما لم أجده بالألعاب اليابانية هو دعوتي لأكون بداخل هذا الصنف بعد كل هذه العُشرة الطويلة معه ! حتى مع كونها لعبة بتصوير جانبي إلا أن الدعوة كانت أشد مصداقية لتكسر حاجز البُعد الثاني بتصويرها ومنحي شعور المغامرة، فكيف حدث ذلك ؟

العقول التي عملت على تقديم هذه المغامرة بشركة يوبي سوفت بذلت جهوداً إستثنائية بكل جوانبها خارج أسلوب اللعب لجعل ذلك ممكناً، فمنظر اللعبة بكل شبر من عالمها كان عبارة عن لوحة فنية بالحرف الواحد والبيئات منتقاة بعناية فائقة لتعطي اللاعب شعوراً بالتواجد بعالم يستحيل إيجاده بعالم أي لعبة أخرى وتواجد محرك التطوير المتألق Ubi Art كان موجوداً ليضمن ذلك الفارق والإنفراد بذهن اللاعب والإغلاق عليه قدر الإمكان بعالم اللعبة، ولعل الجناحين اللذان يحلق بهما اللاعب هي الدليل على حصوله الرخصة التامة من المطورين للغوص بالعالم والإقتراب منه كيف يشاء.

الكثير من الجهود بذلت باللعبة في قصتها وأحداثها وأدائها الموسيقي المنقطع النظير رفقة أسلوب اللعب الذي طالت مطالبة عشاق الصنف بعودته قدمتها اللعبة خلال ساعات لعبها القصيرة وكأنها كانت “جرعة الأحلام” لمحبي الصنف، شعور المغامرة الذي منحتني إياه اللعبة لا يزال عالقاً بذهني لهذا اليوم لدرجة أني كنت كثيراً ما أختلق أحداثاً إضافية لم تحدث باللعبة وكأني كنت داخل عالم سحري وخرجت منه لتظل العودة إليه أمنية أود بأن تتحقق.

شارك هذا المقال