لو طلبت نصيحة البعض بخصوص الإقلاع عن عادة سيئة ففي الغالب يقدمون لك النصيحة التي تطلب منك استبدال الجيد بالسيء، أو استبدال المهم بالأقل أهمية، ومثال ذلك مثلا حين ينصحك طبيبك باستبدال طعام يضرك بآخر يساعدك. من هنا انطلق مجموعة من الباحثين في دراستهم* لإظهار أن ألعاب الفيديو تساعد في التخلص من الإدمان الشديد على استهلاك السجائر والكحول، وركزوا على كلمة تساعد.

الفكرة بسيطة، مغالبة رغبة الشخص في استهلاك السجارة أو الكحول، حيث أن التدخين أو الكحول ليست عادة سيئة مرتبطة بالصحة وحسب وإنما بالجانب النفسي، وإن كان الشخص يحتاج مثلا سجارتين فإن التفكير في التدخين قد يزيد العدد، لذا قام الباحثون باستخدام الألعاب في التقليل من الرغبة في التدخين، وذلك يتم عبر فرض دخيل على العقل ليغير تركيزه من التدخين للعبة، خاصة أنها تشغل العقل واليد أيضا وألعاب بسيطة يمكن أن تكون لها نتائج كبيرة جدا.

الباحثون وجدوا أن استخدام لعبة بسيطة كـTetris لثلاثة دقائق يمكنها أن تخفض رغبة الشخص في التدخين بنسبة 25%، تذكروا أن الأمر لا يعني أن الألعاب قادرة على منع “الحاجة” للتدخين وإنما “الرغبة” فيه، والدراسة أظهرت أن الألعاب قادرة على منعك من التفكير في التدخين إلى أن تصل للأعراض الطبيعية كألم الرأس والتوتر، وذلك جيد حيث تستطيع معرفة عدد المرات التي عليك فيها التدخين وتفكر جديا في التقليل، التقليل، التقليل ومن تم الإقلاع.

*دراسة من جامعة بيلموت شملت مجموعة من المدخنين ومستهلكي الكحول – إنجلترا

قد يكون تأثير ألعاب الفيديو على الصحة واضحا لأسباب مقبولة جدا، إلا أن ربطها بالعنف دائما يظهرها كمنافس مباشر لحبوب الهلوسة، مؤخرا دراسة¹ أظهرت أنه لا توجد علاقة بين ألعاب الفيديو العنيفة بالعنف، الإعلام عادة يربط هذا بذلك لأسباب قد تبدو للاعبين مضحكة.

ما تحدثنا عنه في الفقرات السابقة يظهر أن ألعاب الفيديو لها تأثير على الدماغ بلا شك، ودراسة² شملت 40 شخصا تظهر التأثير المباشر للألعاب العنيفة على الدماغ والجانب الحسي للأشخاص تكفي لإظهار ذلك، الدراسة طلبت من اللاعبين تجربة ألعاب عنيفة لعشر دقائق وألعاب غير عنيفة لنفس الفترة، بعدها وضع اللاعبون أيديهم في ماء شديد البرودة، الملاحظ أنهم كانوا قادرين على تحمل البرودة بعد تجربة ألعاب عنيفة لفترة تفوق بنسبة 65% ما بعد تجربة الألعاب العادية، ذلك راجع للتغيير الذي تحدثه الألعاب في مشاعر اللاعب وتجعله قادرا على تحمل الألم أو الضغط بشكل أكبر، النتيجة يمكن أن تكون عكسية أيضا، الألعاب بذلك لا تجعلك عنيفا بالقدر الذي تجعلك قادرا على تحمل العنف، وربما تكون هذه الآلية البسيطة ناجحة كمسكن للآلام البسيطة.

لا يمكن تحديد ما إذا كانت الألعاب العنيفة تجعلك عنيفا، ببساطة لأنه لا توجد دلائل ملموسة لذلك ولا يمكن القيام بتجارب تحتوي عنفا.

1 دراسة من جامعة Stetson في الولايات المتحدة من قبل الدكتور Christopher Ferguson.
2 دراسة من جامعة كيلي في إنجلترا من قبل الأستاذ والباحث Richard Stephens.

ألعاب الفيديو قد تكون المتنفس الوحيد للبعض، وذلك ما يجعل الكثيرين يرون اللاعبين أشخاصا منعزلين يعيشون حياة وهمية، في الحقيقة هؤلاء عليهم حجز مكان لهم في أقرب بطولة ألعاب فيديو أو معرض مفتوح للعامة، ليروا نشاط اللاعبين هناك وتفاعلهم، اللاعبون الحقيقيون الذين أحب نعتهم باللاعبين المُنَظَمين قد يمتلكون شخصية إجتماعية أكثر من غيرهم.

دراسة كندية* من ثلاثة جامعات حاولت دراسة الجانب الإجتماعي للاعبين المتمرسين، الصنف الذي يحب البعض أن يطلق عليه إسم “مدمني” ألعاب الفيديو، خلال 20 حدثا مختلفا وجد الباحثون أن اللاعبين غير اجتماعيين وحسب وإنما اجتماعييون بشكل كبير، في الحقيقة يمكن للألعاب أن تكون وسيلة لبناء العلاقات بشكل أقوى من الرحلات وغيرها، خاصة الألعاب الجماعية التي تتطلب منك التفاعل والإنسجام العفوي مع اللاعب أو اللاعبين الآخرين دون مقدمات أو حواجز.

الدراسة أضافت أن الألعاب تؤثر على العلاقات الإجتماعية بشكل إيجابي، إضافة لأنها تعززها وتكملها، لم تستثني في نفس الوقت حقيقة أن بعض اللاعبين يمكن أن يكونوا إنعزاليين، قد يكون ذلك بسبب الألعاب التي تمنعهم من تكوين علاقات حقيقية وقد يكون بسبب أشياء آخرى تجعلهم يعيشون حالة عكسية بالتهرب من تكوين علاقات حقيقية والإبقاء على علاقاتهم في العالم الوهمي.

*دراسة كندية من جامعة ولاية كارولينا الشمالية بمساعدة جامعتَي يورك والجامعة التقنية في أونتاري.

التأثيرات السلبية للألعاب موجودة من دون شك، لكنها توازي نشاطات شبيهة يفضل الأهل ألا ينظروا إليها، التلفاز مثلا، أو الإنترنت وغيرها. دراسة* شملت 1000 شخص في مرحلة دراستهم الثانوية والعادات التي ترافق اللعب أو مشاهدة التلفاز أظهرت أن ألعاب الفيديو والتلفاز يتشاركان الكثير، النتائح السلبية للعادات السيئة أثناء هذين النشاطين متشابهة والنصيحة في النهاية تكمن في ضبط الوقت والقيام بالقليل من الرياضة حتى ولو كانت المشي لبعض الدقائق.

الدراسة تشير أن الجلوس لفترة طويلة أمام التلفاز أو الحاسوب لفترة طويلة عادة سيئة، سواء أكان الأمر متعلقا بألعاب الفيديو أو نشاط شبيه أو حتى نشاط إيجابي.

*دراسة من جامعة ميشغان الأمريكية

خلاصة الأمر للاعبين ولغير اللاعبين، ألعاب الفيديو مجال ترفيهي قد يكون تثقيفيا أيضا، وكما أي نشاط آخر يحمل إيجابيات وسلبيات، ألعاب الفيديو أصبحت تأخذ مساحة أكبر لدى المجتمعات الغربية وحتى العربية بنسبة أقل، واستعمالها الخاطئ من قبل الشخص يعني نتائج سلبية، اللاعبون المنظمون يعلمون متى يتوقفون، ونجاحات الكثير منهم تظهر ذلك، قد يكون لها تأثير على شخصية اللاعب، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك بشكل سلبي.