هيروشي ياماوتشي ( رئيس شركة ننتندو من عام 1949 إلى 2002 )

ما أسرع الأيام، هذا ما خطر ببالي و أنا أقرأ خبر وفاة رئيس شركة ننتندو السابق (هيروشي ياماوتشي) على صفحات TG، و الذي نقله زميلي العزيز عمر العمودي. لقد كنت حاضراً عندما كان (هيروشي ياماوتشي) رئيساً لشركة ننتندو، و أعرف شخصيته و طبيعته المثيرة للجدل جيداً، و لا زلت أذكر تسليمه رئاسة الشركة للشاب و مدير التخطيط في الشركة آنذاك (ساتورو أيواتا).

أعتقد بأن شخصاً مثله يستحق أن يعرفه جميع اللاعبين، و أتمنى من لم يعاصر أيامه أن يقرأ هذا المقال و يتعرف على أحد أساطير هذه الصناعة بحق، لأنه لم يعد هناك الكثير من الأشخاص مثل هيروشي ياماوتشي هذه الأيام، الأشخاص أصحاب النظرة الثاقبة و الشخصية الحديدية، و وجهات النظر العجيبة التي لا زالت تثير الكثير من الجدل و الأقاويل حتى يومنا هذا، ما بين مؤيد لها و معارضٍ. (هيروشي ياماوتشي) هو من بنى شركة ننتندو كشركة ألعاب، و قد يكون الأكثر تأثيراً في تاريخ هذه الصناعة، لا ينافسه في ذلك إلا (كين كوتراجي) الأب الروحي للبلاي ستيشن.

الطريقة التي تعين بها العجوز (ياماوتشي) رئيساً لشركة ننتندو عجيبة حقاً، فقد أصيب جده بنوبة قلبية، و قام بإبلاغه بضرورة الإشراف على مصالح العائلة و إدارة الشركة، و لذلك اضطر الرجل إلى ترك دراسته الجامعية، و بعدما توفي جده بفترة قصيرة، أصبح هو رئيساً لشركة ننتندو بالكامل. لقد كان وقتها شاباً قليل الخبرة، و لذلك تعرض للكثير من المصاعب، و لم يستجب له الموظفون تماماً. إلا أن طبيعة (ياماوتشي) القيادية لم ترضخ لهذا، و قام بطرد كل الموظفين الذين عصوا أوامره، حتى القدامى منهم! لقد كان حكمه لشركة ننتندو دكتاتورياً، بكل ما تحمله الكلمة من معان.

(هيروشي ياماوتشي) هو ثالث رئيس في تاريخ شركة ننتندو العريقة، التي يقع مقرها الأساسي في مدينة (كيوتو) اليابانية، و كثيراً ما أشعر بأن أهل (كيوتو) هم الأكثر اعتداداً و فخراً بجذورهم اليابانية، من بين جميع المدن الأخرى. و شخصية هذا الرئيس البارزة تعزز من هذا التصوّر حتماً، لقد كان دائماً شغوفاً بكل ما هو جديد و مثير، و نجح في تحويل ننتندو من شركة تصنع بطاقات الكاروتا ( بطاقات خاصة بلعبة شعرية في اليابان )، إلى شركة متعددة النشاطات، من ضمنها صناعة الألعاب الغريبة، التي لاقت نجاحاً جيداً في اليابان.

و هذا قبل أن يتحول اهتمام (ياماوتشي) إلى صناعة ألعاب الفيديو، و من يدري ؟ فلولا هذا الرجل، لربما كانت ننتندو تصنع البطاقات و الدمى حتى اليوم. حيث بدأ بتجميع الكثير من الرسامين و المبرمجين القادرين على إنتاج ألعاب لمنصات الآركيد الشعبية، و كان أحد أبرز المنضمين إلى ننتندو في تلك الفترة، الرسام الشاب (شيجيرو مياموتو) الذي كان يبحث عن وظيفة، و كان والده صديقاً شخصياً لـ(ياماوتشي). لم يخيب الرجل طلب صديقه و قام بتسليم (مياموتو) مسؤولية تصميم ألعاب ناجحة بطابع عالمي، و كان له ما أراد عندما قام هذا الشاب الصغير بتصميم لعبة (دونكي كونج) على أجهزة الأركيد، لتشكل أول نجاح حقيقي لننتندو في هذا المجال.

إلا أن الخطوة الأبرز و الأكبر في تاريخ الشركة، أتت عندما راقب العجوز المحنك (ياماوتشي) جيداً انهيار سوق الألعاب في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن قامت شركة (أتاري) بترخيص المئات و المئات من الألعاب التافهة، والتي امتلك بعضها أسماء تجارية شهيرة، بالإضافة إلى امتلاء السوق بعدد كبير من أجهزة الألعاب الفاشلة، مما جعل الجمهور يتوقف عن شراء الألعاب و أجهزة الألعاب، و دخل السوق في أزمة طاحنة.

و هنا قام (ياماوتشي) بالخطوة الأبرز في تاريخ ننتندو، و ربما في تاريخ ألعاب الفيديو حتى اليوم، عندما قام بإطلاق جهاز الفاميكوم في اليابان، أو Nintendo Entertainment System في الغرب، جهاز العائلة الشهير، هذا الجهاز الذي أحيا سوق الألعاب مجدداً بمفرده، و الذي يقال بأنه دخل كل بيت في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد عمل (ياماوتشي) على تطوير نموذج مختلف كثيراً عن نموذج شركة أتاري السابق، و عمل على ضمان جودة ألعاب شركات الطرف الثالث للمستهلك، و قدم نموذج شعار الجودة ( Nintendo Quality Seal ) الذي كانت تطبعه ننتندو على الألعاب المتميزة فقط من شركات الطرف الثالث، هذا بالإضافة إلى التصميم الذكي و الثوري لذراع التحكم بوجود الأسهم الكلاسيكية بدلاً من عصا الأنالوج التي كانت تستعمل في أجهزة الأركيد و أجهزة الألعاب السابقة من أتاري.

ليس هذا فحسب، بل نستطيع أن نقول بأن دورة حياة أجهزة الألعاب، و الفترة الزمنية المعتادة بين الأجهزة، و أسعار الألعاب و نموذج العمل في سوق الألعاب إجمالاً، هو نموذج وضع بصمته هذا الرجل! و ما زال هو النموذج المتبع من قبل جميع مصنعي أجهزة الألعاب حتى يومنا هذا، ننتندو و سوني و مايكروسوفت.

من أحداث ننتندو البارزة في عهد (ياماوتشي):

* اقتحام سوق ألعاب الفيديو المنزلي، و تأسيس النموذج المتبع و المتعارف عليه في هذه الأجهزة حتى اليوم.

* إطلاق أول جهاز ألعاب محمول قابل لتغيير الأشرطة في التاريخ (الجيم بوي). الجهاز صممه الراحل الآخر (جنبي يوكوي) الذي كان قريباً من (ياماوتشي) كما هو الحال مع (مياموتو).

* بعد أن قامت سكوير سوفت بنقل سلسلة فاينل فانتسي إلى أجهزة البلاي ستيشن، غضب ياماوتشي و أقسم على منع سكوير من إصدار أي ألعاب لها على أجهزة ننتندو المحمولة لطالما بقي رئيساً لننتندو، و بالفعل هذا ما حدث مما تسبب بخسائر لسكوير التي كانت تعاني مالياً آنذاك و تريد جزءاً من النقود التي يصنعها الجيم بوي الملون، إلى أن قام (ساتورو أيواتا) بإصلاح العلاقات بين ننتندو و سكوير.

* بعد زيادة الاهتمام بتكنولوجيا الألعاب و تقدم الأجهزة، رأى (ياماوتشي) أن المستهلك بحاجة إلى منصة أكثر ابتكاراً حيث كان يقول بأن الشركات اليابانية يجب أن تقوم على الابتكار و التجديد، لا على التكرار، و لهذا قام بتقديم فكرة الشاشتين إلى (ساتورو أيواتا) التي تحولت إلى جهاز ننتندو DS، ليكون أنجح جهاز ألعاب صنعته ننتندو عبر تاريخها.

*(ياماوتشي) عيّن (شيجيرو مياموتو) كرئيس تطوير للعبة التي أرادها أن تنقذ صناعة ننتندو في ألعاب الفيديو، لم يفهم أحد ذلك القرار وقتها لأن مياموتو كان شاباً قليل الخبرة، و ليست لديه أي تجربة مع صنع الألعاب من قبل، لكن (ياماوتشي) آمن بأفكار (مياموتو) حول الطريقة التي يجب أن تصنع بها الألعاب.

لقد كان (هيروشي ياماوتشي) ثرياً للغاية، إنه الثاني عشر على قائمة أغنياء اليابان مع ثروة تفوق الـ5 مليار دولار، و لقد كان ثاني أكبر المساهمين في شركة ننتندو. و أذكر عليه فخره الكبير كمواطن ياباني، و وفاؤه منقطع النظير تجاه بلاده! لقد كان يؤمن بالجودة العالية التي تقدمها الشركات اليابانية، و كان يؤمن بأن الجودة و الابتكار هما طريق النجاح في الحياة.

و إليكم أبرز أقواله المثيرة للجدل، و في الحقيقة لا أعتقد أننا سنرى عقلية مثيرة للجدل مثله مرة أخرى :

أبرز أقوال (هيروشي ياماواتشي )المثيرة للجدل:

* “ألعاب الآربيجي يلعبها الأشخاص المكتئبون، الذين يحبون أن يلعبوا وحيدين في غرفهم المظلمة المغلقة، ألعاباً بطيئة.”

*”الـDS هو أهم منتج تملكه ننتندو في السنتين القادمتين، إما يرفعنا إلى السماء، أو يغرقنا في الجحيم”.

*”هناك أشخاص في هذه الصناعة لا يعرفون شيئاً عن الألعاب، و منهم شركة أمريكية تُغرق شركات الألعاب بالنقود ( يقصد مايكروسوفت ). لكن هذا لن يجري جيداً و سيخسرون النقود”.

*”إذا نجح الـDS عالمياً، فإن هذا سيُخرج اليابان من حالة الإحباط، هذه هي مهمة شركة ننتندو”.

*” لقد علمتني خبرتي في الحياة، أن نجاح الشركات يقوم على أشخاص يمتلكون موهبة خاصة، و لهذا اخترت ساتورو أيواتا لرئاسة الشركة من بعدي، لا أعرف إذا كان أيواتا قادراً على تحقيق النجاحات المستقبلية لننتندو، لكنه أفضل شخص يتولى هذه المهمة، ساتورو أيواتا سيجلب ننتندو إلى القرن الحادي و العشرين”.

و هكذا رحل الرئيس الفخور و الأب الروحي لشركة ننتندو التي نعرفها اليوم. أعتقد بأنه كان يوماً حزيناً للغاية للشركة الحمراء بشكل خاص، ولصناعة ألعاب الفيديو بشكل عام، فقد خسرت رجلاً صاحب نظرة ثورية و ثاقبة، رجل قام بتأسيس ألعاب الفيديو كهواية عالمية ضخمة، و حمل شركته إلى القمة، إنه الشخص الذي جعل من ننتندو أعظم شركة ألعاب عرفها التاريخ.

شارك هذا المقال