عملية التحريك

بما أن الستوري بورد وضع المخططات و الملامح الكاملة إلى الحلقة، يتبقى لدينا عملية تشكيل الرسوم، و هي عملية تتم على عدة مراحل، المرحلة الأولى في تشكيل الرسوم هي مرحلة الـKey Animation، لكل عمل فني مفاتيح خاصة يُبنى عليها و الأنميشن لا يشذ عن القاعدة، حيث يقوم الـKey Animator برسم الرسومات الرئيسية التي سيُبنى عليها المشهد بناء على عدد الـCuts، حيث يقوم برسم الإطارات الأساسية لكل Cut على حدة، و بالطبع يعمل عدة أشخاص بوظيفة الـKey Animator على الحلقة الواحدة، و كل منهم يتناول Cut مختلف في آن واحد، فيرسم مثلا إطاراً يجسد وضعية الشخصية في بداية اللقطة و إطارا آخر يمثل تحريك وجه الشخصية و إطارا ثالثا يمثل وضعية الشخصية في نهاية الـCut.. و بالطبع، فإن عدد الإطارات أو الرسومات الأساسية محدودة في ظل الميزانية.

وبعد ذلك تأتي عملية الـ In-between Animation، و في هذه العملية يقوم الرسامون بـ”ملىء الفراغ” بين الإطارات الرئيسية Key Frames، صانعين بذلك كافة اللقطات الباقية التي تحتاجها الحلقة، و طبقاً لمعلوماتي الخاصة فإن أجرة الرسام على الإطار الواحد تتراوح بين 3 إلى 5 دولارات.

وبالطبع يفخر الأنمي الياباني بأنه لا زال يُرسم يدوياً ! إن أرقى الفنون في تاريخ البشر هي الفنون التي تعتمد على اللمسة البشرية للإنسان، الذي يضيف رؤيته الخاصة للعمل الفني بطريقة لا يمكن أن تؤديها أجهزة الكمبيوتر و خلافه، ربما تلعب برامج الكمبيوتر دوراً كبيراً في إنتاج الأنمي إجمالاً لكن اللمسة اليدوية تبقى هي الأساس لهذا الفن الجميل.

ويأتي دور مخرج الرسوم Animation Director ليراجع كافة الإطارات التي رسمها الرسامون، حيث يتأكد من مطابقتها للكونسبت و التصاميم الأصلية، و يقوم بإجراء التعديلات عندما يلزم ذلك و حتى إعادة رسم بعض الإطارات بالكامل أحياناً ..

أما المخرج فهو يعمل مع المحركين والرسامين حتى تتطابق رسوماتهم للتصور الأصلي الذي أعده الستوري بورد بناء على تعليمات المخرج الرئيس و منسق النصوص. والنتيجة النهائية كالتالي :

اللقطة الأولى : Key Frames
اللقطة الثانية : الإطارات الأساسية مع الـ In-between Animation
اللقطة الثالثة : المظهر النهائي في الأنمي بعد إضافة الخلفية و تلوين المشهد عن طريق برامج الكمبيوتر ( في الماضي كان يتم تلوين الأنمي يدوياً )

إن عدد الإطارات المرسومة يدويا و المستخدمة في حلقة الأنمي كبيرة حقا، و تصل في معدلها إلى 3000 رسمة يدوية
يتم تقليل عدد الإطارات أحيانا عن طريق الصور و الخلفيات الثابتة التي لا تتطلب الكثير من الرسومات لتحريكها، و يبرع المخرج أحيانا في استعمال مهاراته الخاصة لتقليل عدد الإطارات و اللاعتماد على التصوير الفني في العمل لإظهار جمالية الرسوم، على سبيل المثال : الحلقة الأولى في إيفانجليون استعملت 700 إطار، بينما استعملت حلقة آنجل بيتس الأولى 11 ألف إطار.

بعد القيام بعملية التلوين، تتم إضافة المؤثرات الخاصة SFX ، و بعد ذلك يأتي دور التحرير، وعملية التحرير تتم تحت إشراف المخرج بالطبع، حيث يتم تجهيز الرسوم المتحركة لإضافة المؤثرات الصوتية والتمثيل الصوتي، يتم تسجيل أداء الممثلين و إضافتها للأنمي، و من ثم تتم إضافة المؤثرات الصوتية، و أخيراً .. الموسيقى.

الموسيقى يتم تلحينها بشكل منفصل بالطبع، إلا أن ذلك لا يمنع وجود بعض الحالات التي يقوم فيها الملحن بتلحين مشهد معين بناء عليه وليس بشكل منفصل، وبالطبع فإن المخرج مسؤول أيضا عن تنسيق الموسيقى و اختيارها لتتلائم مع مشاهد الحلقة .. و بعد ذلك تصبح حلقة الأنمي جاهزة.

الدخل المادي

يعتمد الدخل المادي للأنمي الياباني على مبيعات الأقراص الليزرية DVD’s، وهذه الأقراص عادة تكون مرتفعة الثمن، إذ يكفي بيع القليل منها أحياناً لتغطية نفقات الأنمي و تحقيق الأرباح .. و تحقق 70% من أعمال الأنمي أرباحاً، إلا أن تحقيق الأرباح لا يأتي في يوم و ليلة .. ويستغرق أحيانا سنوات و سنوات من بيع الأقراص وإعادة عرض الأنمي و بيع المجسمات و ما إلى ذلك.

ما هو سر الأسعار المرتفعة للأقراص ؟

هذا السؤال يدور ببال الكثير من مشاهدي الأنمي .. لماذا تكون أقراص الأنمي مرتفعة الثمن ؟ القرص الواحد يحتوي على 2-4 حلقة و يكلف أكثر من 90 دولاراً، مما يجعل تكلفة امتلاك المسلسل كاملاً تصل إلى مئات الدولارات !

في الحقيقة، السبب الحقيقي في ذلك يعود إلى محلات الفيديو المتخصصة، حيث كان صانعو الأنمي يقومون بتوزيع أشرطة الفيديو بهذه الأسعار على محلات الفيديو التي تقوم بتأجيرها للمستهلك، إذ تتكفل مبيعاتهم إلى محلات الفيديو بتغطية تكاليف العمل و تحقيق بعض الأرباح .. فهذا السعر بالأساس وضع ليتم بيع الأقراص أو الأشرطة بعدد محدود إلى المحلات و ليس للأفراد، إلى أن بدأ مجتمع الأوتاكو بشراء هذه الأقراص الليزرية في عصرنا الحالي بسعرها المرتفع بغرض التجميع .. وبذلك استمر المنتجون بالبيع بهذه الأسعار المرتفعة. و في الحقيقة فإن منتجي الأنمي الياباني قد حاولوا من قبل أن يقللوا الأسعار إلا أن هذه الخطوة لم يثمر عنها أي زيادة ملحوظة في المبيعات

ومن هنا .. أتى “الانقلاب” في صناعة الأنمي الياباني..

حيث توقفت محلات الفيديو و بيع الأقراص عن شراء جميع مسلسلات الأنمي بهدف التأجير وأصبحت تشتري أعمالاً معدودة و محدودة، وعليه ضعفت ظاهرة الإيجار في اليابان بشكل كبير .. و أصبحت المحلات متخصصة في البيع للمستهلك، و المستهلك الياباني عادة لا يكترث ببناء مكتبة في منزله، و ذلك لصغر حجم منازل اليابانيين.
المعجبون الأوفياء فقط هم من يقومون بشراء العمل، و هم في الغالب فئة الأوتاكو.. مما جعل فئة الأعمال الموجهة للأوتاكو في ازدياد كبير و ملحوظ، على حساب تراجع الأعمال الأخرى التي لم تعد ربحية، و لم يعد منتجوها قادرون على سداد تكاليف إنتاجها إلا بصعوبة بالغة.

من الجدير بالذكر بأن بعض أعمال الأنمي لا تعتمد على الأقراص لتحقيق الأرباح، فأعمال الأطفال مثلاً تحقق الأرباح من بيع الألعاب Toys و المواد الدعائية مثل القمصان. وهناك أعمال يتم صناعتها بغرض التسويق للعبة أو لمانجا ( و تتحمل ميزانية إنتاجها الشركة المالكة للعمل الأصلي بالكامل ضمن كلفة تسويق المنتج ) و تساهم في رفع مبيعاته لتغطي تكاليف الإنتاج.

على أية حال، يبقى الـDVD الوسيلة الرئيسية للدخل لمعظم أعمال الأنمي .. وسعر الديفيدي يتم تقسيم أمواله بين جميع الأطراف
المحل والشركة المنتجة للأقراص و شركة النشر، يحصل المخرج و منسق النصوص و المؤلف الأصلي للعمل على 1.7% من قيمة الدخل
ويحصل مؤدو الافتتاحية و النهاية على نفس النسبة من الأموال 1.7% مع كل قرص مباع. في البداية تتم تغطية تكاليف التصنيع و التسويق، ومن ثم يحصل مجلس الإنتاج على الأموال التي دفعها على العمل.

مبيعات الأقراص في غاية الأهمية، إذ يكفي بيع 8000 آلاف قرص من فوليوم واحد لأنمي ميزانيته 2 مليون دولار، لتغطية تكاليف العمل بأكمله قبل إصدار بقية الفوليومز التي تتحول إلى أرباح في المرحلة التالية ! و لذلك يسعى المنتجون و تسعى الشركات للتحكم الكامل و المطلق في الأسعار، و يحرصون كل الحرص على عدم وصول الأقراص الغربية الرخيصة “جدا” للسوق الياباني ( و هذا يفسر ظاهرة الـRegion Lock لأجهزة الألعاب على سبيل المثال ).

بالطبع هناك الكثير من التفاصيل الأخرى التي تشمل عملية الترخيص في الغرب مما قد يدرّ الكثير من الأموال الإضافية على مشروع ما، و عملية تحصيل الأرباح من خدمات الستريمنج الحديثة .. إلا أنها ليست بتلك الأهمية مقارنة مع ما ورد في الأعلى
فالأنمي الياباني موجه في صميمه للسوق المحلي ( على عكس الوضعية الحالية لصناعة الألعاب في اليابان ) مصدر الدخل الرئيسي لهذه الصناعة .. لذلك تتم صناعة الأنمي مع مراعاة السوق المحلي أولاً و أخيرا مع بعض الاستثناءات.

تم بحمد الله.

شارك هذا المقال