ساتوشي كون ( 1963 – 2010 ) هو مخرج سابق لاستوديو Madhouse، سبق له العمل على أربعة أفلام أنمي تخلد للتاريخ خلال مسيرته القصيرة التي انتهت بتراجيديا مؤسفة مع وفاته بمرض سرطان البنكرياس في سن صغيرة للغاية ( 47 عاماً )، إنتاجات ساتوشي كون اقتصرت على أفلام Perfect Blue و Millennium Actress و Tokyo Godfathers و Paprika، بالإضافة إلى المسلسل التلفزيوني Paranoia Agent، شخصيا أرى بأن العقلية الابتكارية لساتوشي كون من الأعظم في تاريخ الأنمي الياباني و أرى بأن رحيله كان خسارة فادحة للصناعة و لا تقدر بثمن، و خسارة فادحة لصناعة السينما إجمالا حول العالم. و هذا لأن أسلوب السرد القصصي المذهل الذي يتفرد به ساتوشي كون لا يوجد له مثيل، طريقته في إذابة الحاجز بين الواقع و الخيال أو الحلم و الحقيقة هي طريقة تُصوّر عبقريته المذهلة و خياله الواسع الذي وصفه أحد النقاد بأنه حمل الكرتون الياباني إلى القمر.

عندما عرف ساتوشي كون بمرضه و تم إعلامه بأنه لا يملك سوى أشهر معدودة في حياته، قام بكتابة رسالة وداعية، الرسالة الوداعية تمت ترجمتها إلى عدة لغات من ضمنها الإنجليزية، تقديراً و امتناناً للفن العظيم الذي جلبه هذا الرجل إلى العالم أردت أن أقوم بترجمتها إلى اللغة العربية بالكامل للمرة الأولى، عليكم أن تقرؤوا و تستمعوا بحرص إلى الكلمات الأخيرة لهذا الفنان الراحل، هذا المخرج الذي كان يسير على طريق أستاذه و قدوته الأكبر “أكيرا كوروساوا” ليصبح “كوروساوا” القرن الحادي و العشرين أو “كوروساوا” الأنمي، إلا أن مشيئة الله عز و جل أبت ذلك. إليكم النص الكامل للرسالة.

وداعا ( سايونارا )

كيف يمكنني أن أنسى الثامن عشر من مايو لهذا العام.
لقد تلقّيت الإعلان التالي من طبيب القلب و الأوعية الدموية في مشفى “ماساشينو”.
“إنها المراحل الأخيرة لسرطان البنكرياس، حيث انتشر في العظم، أمامك على الأكثر نصف عام لتعيش”. استمعنا أنا و زوجتي معاً، إنّه قدر مفاجىء لا يمكن تغييره و لم يكن متوقعاً، كان النبأ صعباً علينا، فكّرت دائما بأنني أستطيع الموت أي يوم، مع ذلك كان الأمر مفاجئاً للغاية.

بالتأكيد، ظهرت بعض العلامات. كنت أعاني قبل شهرين أو ثلاثة من آلام في منطقة الظهر و في مفاصل أقدامي، حتى أن ساقي اليمنى فقدت قواها و أصبح المشي صعبا، تلقّيت بعض العلاج و تم وخزي بالإبر لكن حالتي لم تتحسن، و بعد أن تم فحصي بأجهزة طبية متقدمة، أتى الإعلان المفاجىء للوقت المتبقي لي. بدا لي الأمر و كأن الموت تمركز خلفي قبل أن أدرك ذلك، و في النهاية لم يكن باستطاعتي شيء.

بعد الإعلان، بحثنا أنا و زوجتي عن طرق لإطالة عمري، حرفياً كان وضعي حياة أو موت، أنا و زوجتي تلقينا دعما قويّا من الأصدقاء لتحقيق ذلك. لقد رفضت العلاج المعتاد ضد أمراض السرطان و أردت أن أعيش و أنا أحمل نظرة مختلفة للعالم عن الأشخاص العاديين، حقيقة رفضي للعلاج هي الأمر المتوقع بالنسبة لي، بدا لي الأمر و كأنه تصرف طبيعي بدر مني. لم أشعر أبدا في حياتي أنني أنتمي إلى الغالبية من الناس و كان الأمر مشابهاً في حالة علاجي، لماذا أتوقف عن محاولة العيش وفقاً لمبادئي الخاصة! على أية حال، كما هو الحال مع صنع أحد أعمالي، حيث لا تكفي قوة الإرادة وحدها لإنجاز العمل، استمر المرض بالتفشّي في جسدي يوماً بعد يوم.

على الصعيد الآخر، أنا أتقبل كعضو في المجتمع نصف ما يعتبره العامة صحيحاً، فأنا أدفع الضرائب، قد لا أكون مواطناً مثاليّاً إلا أنني جزء من المجتمع الياباني. من أجل ذلك، و لنضع الأمور التي أردتها لإطالة عمري من وجهة نظري الخاصة جانبا، أنا أيضا أردت القيام بالأشياء الضرورية حتى أموت بطريقة صحيحة، مع أنني أعتقد بأنني لم أتمكن من القيام بذلك تماما، إلا أن أحد الأشياء التي فعلتها – بالتعاون مع اثنين من أصدقائي – تأسيس شركة لرعاية العدد التافه من براءات الاختراع التي أمتلكها. أمر آخر فعلته، كان التأكد من أن زوجتي ستحصل على إرثي المتواضع بسلاسة عن طريق كتابة وصية. لا أظن بأن هناك نزاعاً كان سينشب حول إرثي أو ما شابه، لكنني أردت التأكد من أن زوجتي التي ستبقى خلفي في هذا العالم، لن يكون لديها شيء تخافه في المستقبل، كما أنني أردت أن أُزيل القلق الذي راود شخصي قبل موعد الرحيل.

لم أكن أنا أو زوجتي بارعين بإعداد الأوراق الملازمة لهذه الإجراءات، إذ اعتنى أصدقائي الرائعين بها. في مرحلة لاحقة أصابني الالتهاب الرئوي و أصبحت على وشك الموت، هنا قمت بالتوقيع على وصيتي، فكّرت بأنني إذا متّ في ذلك الحين، فلا يمكن فعل شيء حيال ذلك، قلت لنفسي “آه .. أخيرا أستطيع الموت”. بعد كل شيء، سبق و أن تم نقلي عن طريق سيارة الإسعاف إلى مشفى “مساشينو” قبل يومين، و تم نقلي إلى ذات المشفى مجددا في اليوم التالي، حتى أنا كان علي أن أتعرض للعديد من الفحوصات الطبية و محاولات العلاج، نتيجة هذه الفحوصات : التهاب رئوي، تجمّع مائي في الرئة. و عندما سألت الطبيب بصراحة عن وضعي، أجابني بطريقة عمليّة للغاية: “قد تصمد ليوم أو يومين .. و حتى لو نجوت من هذا فلن تعيش لأكثر من نهاية الشهر.” شعرت كما لو أن الطبيب يخبرني بنشرة الأرصاد الجوية، و على أية حال .. كان الوضع مزرياً. لقد كان ذلك بتاريخ 7 يوليو، تاناباتا كانت وحشية بالتأكيد. عموماً وقتها اتخذت القرار : أريد أن أموت في المنزل.

أعتقد بأنني أزعجت الناس من حولي، لكنني سألتهم كيف يمكنني الهرب و العودة إلى منزلي، و استطعت ذلك في النهاية مع الشكر لجهود زوجتي بالدرجة الأولى، المشفى أيضا عاونني على ذلك مع يأسه من حالتي، بالإضافة إلى مساعدة هائلة من بعض المرافق الطبية، لقد اجتمعت الكثير من المصادفات حتى أن الأمر بدا لي كهدية من السماء، لا أعتقد بأنني رأيت كمية مصادفات تحصل خلال هذه الفترة القصيرة في الحياة الواقعية من قبل حتى أنني لم أصدق ما حصل، إن الأمر لم يكن شبيها بـ”عرّابي طوكيو” في النهاية. بينما كانت زوجتي تسارع بتجهيز الأمور لإعداد هربي، كنت أجادل الأطباء بأنني لو استطعت العودة لمنزلي ولو لنصف يوم فقط، فإن هناك بعض الأشياء التي لا زلت أستطيع القيام بها ! بعد ذلك أخذت بانتظار الموت في غرفة المشفى الكئيبة، كنت أشعر بالوحدة، لكن هذا ما كنت أفكر به: “ربما الموت لن يكون بهذا السوء”. لم يكن لدي سبب لأعتقد ذلك لكنني كنت أشعر بالهدوء و الطمأنينة. على أية حال، كان هناك فكر واحد يتعاظم في مخيلتي: “أنا لا أريد أن أموت هنا”

و بينما كنت أفكر في ذلك، وقع بصري على التقويم المعلّق على الجدار، شيء ما خرج من التقويم و بدأ ينتشر في الغرفة، قلت لنفسي “أوه، هناك سطر خرج من التقويم، هلوساتي ليست أصلية”. و ابتسمت لأن مخيلتي و حواسي لا زالت تعمل حتى في وقت كهذا، و على أية حال كنت قريباً للغاية من أرض الأموات في تلك اللحظة، أكثر من أي وقت آخر في حياتي، لقد شعرت حقّاً بأن الموت اقترب مني كثيرا، لكنني نجحت في الهرب من مشفى “مساشينو” في النهاية بمساعدة الكثيرين و بطريقة أشبه بالمعجزة، و بذلك عدت إلى منزلي ملفوفاً بالأغطية وبأرض الأموات. حسنا، يجب أن أؤكد بأنني لا أكن أي ضغينة أو انتقاد لمشفى “مساشينو”، و ذلك حتى لا يُساء فهمي. أنا فقط أردت العودة إلى منزلي، المنزل الذي أعيش به.

لقد فوجئت قليلا عندما تم نقلي إلى غرفة المعيشة، حيث مررت بتجربة الموت السريري المألوفة لمن مرّ بها “النظر إلى جسدك من مكان مرتفع بينما يتم نقلك إلى غرفة ما ”
لقد كنت أنظر إلى نفسي و إلى المشهد من حولي بعدسة تصوير عريضة و إنارة فلاشية، مكان السرير في وسط الغرفة بدا لي كبيرا جدا و بارزا بوضوح، و جسدي الملفوف بالأغطية تم تخفيضه في المنتصف، لا شيء كان يبدو لطيفا، لكنني لم أكن أشكو، كل ما كان بوسعي فعله انتظار موتي في منزلي الخاص.

على أية حال

يبدو بأنني تغلبت على مرض الالتهاب الرئوي، لقد فكرت بهذه الطريقة “لم أستطع الموت!” و ضحكت.

بعدئذ، عندما لم يكن بمقدوري أن أفكر بشيء سوى الموت، اعتقدت بأنني قد متّ مرة في السابق، و دارت كلمة “البعث” مرارا في عقلي.

بشكل مدهش، شعرت بأن قوة حياتي قد تجددت بعد ذلك! أنا أؤمن من أعماق قلبي بأن هذا كان عائدا لمجهودات الأشخاص الكبيرة من حولي، أولا و قبل كل شيء زوجتي، و أصدقائي المتعاونين، الأطباء و الممرضات، و المسؤولين عن الرعاية. و بما أن قوة حياتي قد تجددت، لم يكن بإمكاني أن أضيع وقتي، لقد أخبرت نفسي بأنني حصلت على وقت إضافي، و علي أن أقضيه بعناية، و بذلك فكّرت بأنني أرغب في محو واحد من تصرفاتي اللامسؤولة على الأقل، و التي تركتها خلفي في هذا العالم.

حتى أكون صادقا، أنا لم أخبر سوى أقرب الناس إلي بمرضي، حتى والداي لم يعلما بذلك، و ذلك يعود سببه إلى الكثير من تعقيدات العمل، لم يكن بمقدوري أن أخبر الناس حتى لو أردت ذلك، لقد كنت أرغب بإعلان مرضي على شبكة الإنترنت و إخبار الناس بالوقت المتبقي في حياتي. و لكن إذا كان موت ساتوشي مقررا في وقت محدد، ربما تحصل بعض الموجات حتى لو كانت صغيرة، لهذه الأسباب تصرفت بشكل غير مسؤول تجاه من أعرفهم، أنا آسف جدا.

لقد كان هناك الكثير من الناس الذين أردت أن أراهم قبل أن أموت، حتى ألقي عليهم تحية واحدة على الأقل، عائلة و أقارب، أصدقاء قدامى و رفاق الدراسة من المرحلة الابتدائية و الإعدادية و الثانوية، رفاق من الجامعة، أشخاص من عالم المانجا تبادلت معهم الكثير من الإلهام، أشخاص من عالم الأنمي جلست بجانب مكاتبهم، خرجت معهم للشرب و تنافست معهم في على نفس الأعمال، الرفاق الذين تشاركت معهم اللحظات الجيدة و السيئة، الأشخاص الذيت تعرفت عليهم بحكم منصبي كمخرج أفلام، و الأشخاص الذين يقولون عن أنفسهم “معجبين” ليس فقط من اليابان و إنما من جميع أنحاء العالم، و الأصدقاء الذين قابلتهم عبر الشبكة. هناك الكثير من الأشخاص أود رؤيتهم ولو لمرة واحدة ( و هناك أشخاص لا أرغب برؤيتهم أيضا )، لكنني أخشى أن يسيطر علي تفكير معين إذا رأيتهم “أنا لن أتمكن من رؤية هذا الشخص مرة اخرى”. و ذلك قد يكون من شأنه أن يجعلني غير قادر على استقبال الموت، و حتى لو لم يحصل ذلك، أنا لا أمتلك سوى القليل من طاقة الحياة، و رؤية الناس قد تتطلب مني مجهوداً كبيراً. كلما أراد رؤيتي عدد أكبر من الناس كلما أصبح الأمر أصعب بالنسبة لي، بالإضافة إلى ذلك، نصف جسدي الأسفل أصبح مصابا بالشلل بعد أن انتشرت الخلايا السرطانية في عظامي، و بذلك أصبحت طريح الفراش، أنا لم أرغب بأن يشاهدني الناس و أنا هزيل، لقد أردت من معظم معارفي بأن يتذكروني قويا و مليئا بالحياة.

أود أن أستخدم هذه المساحة لأعتذر إلى أقاربي، أصدقائي و معارفي لعدم إخباركم بمرضي، لتصرفاتي اللامسؤولة، أرجو أن تتفهموا بأن هذا الأمر كان رغبة أنانية لساتوشي، ساتوشي كون كان “ذلك النوع من الأشخاص”. عندما أتصوّر وجوهكم، لا يسعني سوى استحضار الذكريات الطيبة و أتذكر ابتساماتكم الرائعة. شكرا لكم جميعا على جميع الذكريات العظيمة، لقد أحببت العالم الذي عشت به، و التفكير بهذه الحقيقة كفيل بأن يجعلني سعيداً.

الأشخاص المختلفون الذين قابلتهم في حياتي، سواء كانوا إيجابيين أو سلبيين، ساعدوا في تشكيل الإنسان الذي يعرف بساتوشي كون، و أنا شكور لكل هذه المقابلات، حتى لو كانت النتيجة هي موت مبكر في أواسط الأربعينات، لقد رضيت بهذا الأمر على أنه قدري المميز، لقد حصلت لي العديد من الأمور الإيجابية في النهاية.

ما أفكر به حول الموت الآن، لا أستطيع القول سوى أنه سيء جدا في الحقيقة.

على أية حال، مع أنني أستطيع أن أتناسى تصرفاتي اللامسؤولة، إلا أنني أشعر بالندم حول مسألتين، حول والداي، و حول السيد ماريواما (مؤسس استوديو مادهاوس ).

ربما كان الوقت متأخراً، لكنني لم أكن أملك خيارا سوى الإتيان بالحقيقة، لقد أردت التوسل إليهم لمسامحتي.

فور أن رأيت وجه السيد ماريواما عندما أتى لزيارتي في منزلي، لم أستطع أن أوقف تدفق دموعي أو شعوري بالعار. “أنا متأسف جدا، لأنني أمسيت على هذه الحال” .. السيد ماريواما لم يقل شيئا، فقط هز رأسه و أمسك يداي، لقد شعرت بالعرفان يغمرني، مشاعر الفخر و السرور بأنني كنت محظوظا بما يكفي لأعمل مع هذا الشخص، ملأتني بشكل كبير. ربما يكون قولي هذا أنانيا، لكنني شعرت بأنه قد عُفي عني في تلك اللحظة.

ندمي الأكبر هو فيلم “آلة الأحلام”. لم أكن قلقاً حول الفيلم فحسب، و إنما حول الطاقم الذي كنت على استطاعة للعمل معه، هناك احتمالية كبيرة بأن القصة التي صُنعت بدمائنا، عرقنا و دموعنا، لن يراها أحد. هذا لأن ساتوشي كون وضع يديه حول القصة الأصلية، السيناريو، الشخصيات والملامح، الرسومات اليدوية، الموسيقى .. كل صورة على انفراد. بالتأكيد هناك تفاصيل شاركتها مع مخرج التحريك و مخرج الرسوم و الأعضاء الآخرين، لكن أغلبية العمل لم يكن مفهوماً إلا لساتوشي كون. من السهل القول بأنني أخطأت بترتيب الأمور بهذه الطريقة، لكنني أرى بأنني بذلت كل ما في وسعي لأشارك الآخرين مفاهيمي. على كل حال، لا يسعني في وضعيتي الحالية سوى أن أشعر بالندم العميق على قصوري في هذه النواحي، انا حقا متأسف لجميع الطاقم، على أية حال، أريد منهم أن يفهموا ولو قليلا، بأن ساتوشي كون كان “ذلك النوع من الأشخاص”، و هذا ما جعله يستطيع أن يصنع هذا الأنمي الغريب و المختلف قليلاً عن سواه، أنا أعرف بأن هذا العذر أناني، لكنني أرجوكم أن تفكروا بمرضي و أن تسامحوني.

أنا لم أكن أنتظر الموت بدون أن أفعل شيئاً، حتى هذه اللحظة يفكر عقلي الواهن في طرق تجعل العمل يعيش حتى بعد أن أرحل، لكن الأفكار تبدو ضحلة. عندما أخبرت السيد ماريواما حول قلقي بخصوص الفيلم، اكتفى بالرد “لا تقلق. سوف نجد حلاً، فلا تقلق”.

و هنا انتحبت
انتحبت بشدة و لم أستطع التحكم في دموعي.

حتى في أفلامي السابقة، لم أكن أتصرف بمسؤولية فيما يتعلق بعملية الإنتاج و الميزانية، كنت أعتمد دائما على السيد ماريواما لمساعدتي في النهاية، و هذه المرة لا تختلف عن سابقاتها .. أنا حقاً لم أتغير.

لقد استطعت الحديث بملىء قلبي مع السيد ماريواما، شكرا لذلك، لقد تمكنت من الإحساس، حتى لو قليلاً، بأن مهارة و موهبة ساتوشي كون امتلكت بعض القيمة في صناعتنا.
“أنا أتحسر على فقدان موهبتك. أتمنى لو كان باستطاعتك أن تتركها لنا”.
إذا كان هذا ما قاله السيد ماريواما مؤسس مادهاوس، فأنا أستطيع الذهاب إلى العالم الآخر مع الشعور ببعض الفخر. حتى من دون أن يخبرني الآخرون بذلك، أشعر بالحسرة على أن الرؤى الغريبة التي أراها، و القدرة على الرسم بأدق التفاصيل سيتم فقداتها، لكنني لا أملك شيئاً حيال ذلك. أنا أشعر من أعماق قلبي بالامتنان للسيد ماريواما لأنه أعطاني الفرصة لأُظهر للعالم هذه الأشياء. شكرا لك ، ساتوشي كون كان سعيداً كمخرج أنمي.

لقد كانت عملية الحديث مع والداي محطمة لقلبي.

إذ نويت حقاً أن أذهب إلى سابورو حيث يقطن والداي بينما كان في استطاعتي ذلك، لكن المرض استشرى في جسدي بشكل سريع وغير متوقع حتى انتهى بي المطاف لأخابرهما هاتفياً و أنا في المستشفى و أقول لهما بأنني قريب من الموت.

“أنا في المراحل الأخيرة من مرض السرطان و سأموت قريبا، كنت سعيدا لأنني ولدت كطفل لكما، والدي ووالدتي، شكرا”

لا ريب بأن سماع هذه الكلمات المفاجئة كان أمرا مريعا، لكنني كنت متأكدا من أنني سأموت في ذلك الوقت.

بعد ذلك عدت إلى المنزل و نجوت من الالتهاب الرئوي، ثم صنعت القرار الكبير بأن أرى والداي، لقد أرادا رؤيتي أيضا، لكن ذلك كان صعباً للغاية، و لم أمتلك العزيمة الكافية لذلك، إلا أنني أردت أن أرى وجوههما لمرة واحدة أخيرة، أردت أن أخبرهما كم أشعر بالامتنان لأنهما جلباني إلى هذا العالم.

لقد كنت شخصاً سعيداً، على الرغم من حاجتي للاعتذار إلى زوجتي، والداي و كل الأشخاص الذين أحبهم، لأنني عشت حياتي أسرع من غالبية الناس.

والداي اتبعا رغباتي الأنانية، و أتيا في اليوم التالي من سابورو إلى منزلي. لن أنسى أبدا الكلمات التي نطقت بها أمي عندما رأتني ممدداً.
” أنا أعتذر لك كثيرا، لأنني لم أجلبك إلى هذا العالم بجسد أقوى”
شعرت بأنني عاجز عن التعبير.

لم أستطع أن أقضي مع والداي إلا القليل من الوقت، لكن هذا كافيا. كنت أعتقد بأن مجرد رؤيتهما ستكون كافية بالنسبة إلي، و هذا ما حصل في الواقع.

شكرا لكما، والدي، والدتي. أنا سعيد جدا لأنني ولدت في هذا العالم كطفل لكما الاثنين، قلبي مليء بالذكريات و الامتنان. السعادة بحد ذاتها مهمة، إلا انني سعيد لأنكما علمتماني كيف أقدّر السعادة. أشكركما شكراً جزيلاً.

وفاة الشخص قبل والديه هي قلة احترام لهما، إلا أنني في السنوات العشر الأخيرة استطعت أن أقوم بما أردت القيام به كمخرج أنمي، حققت أهدافي، وحصلت على مراجعات جيدة، أشعر بالندم لأن أفلامي لم تحقق الكثير من الأرباح، لكنني أؤمن بأنها حصلت على ما تستحقه، في هذه السنوات العشر الأخيرة تحديدا، أشعر بأن حياتي كانت مليئة بالنشاطات أكثر من الأشخاص الآخرين، أنا أؤمن بأن والداي يفهمان ما بقلبي.

بسبب زيارة السيد ماريواما ووالداي، أشعر بأن هناك حملا ثقيلا أُزيح عن أكتافي.

أخيرا، زوجتي، التي أشعر عليها بالقلق أكثر من الجميع، و التي دعمتني حتى النهاية.

منذ إعلان الوقت المتبقي في حياتي، غرقنا معاً بالدموع مرات عديدة، كل يوم يمضي كان شاقّا بالنسبة لنا، جسديا و معنويا. ليس هناك كلمات تصف موقفك، أظن بأنني استطعت أن أنجو تلك الأيام الصعبة بفضل الكلمات التي تفوهت بها عندما تلقينا النبأ حول مرضي.

” سأكون في جانبك حتى النهاية”

مخلصة لهذه الكلمات، و كأنك تحولي قلقي إلى رماد، بمهارة استطعت أن تديري المطالب الكثيرة التي ألمت بنا، بمهارة تعلمت كيف تعتني بزوجك، تأثرت كثيرا و أنا أراك تتعاملي مع الأمور بحنكة.

“زوجتي مدهشة”
ليس هناك داع لقول ذلك، تقولين ؟ كلا كلا، إنك مدهشة أكثر مما كنت عليه في السابق، هذا شعوري الحقيقي. حتى بعد أن أموت، أنا أؤمن بأنك سترسلي ساتوشي كون إلى العالم الآخر بتقدير. منذ أن تزوجنا و أنا منهمك في العمل حتى أنني لم أجد وقتاً أقضيه في المنزل إلا بعد المرض، يا له من عار.

لكنك كنت على مقربة مني، لطالما كنت قادرة على تفهم حاجتي للانغماس في العمل، و أن موهبتي تكمن في هذا الأمر، لقد كنت سعيداً حقاً في حياتي، و بينما أنتظر الموت، لا أستطيع أن أعبر عن امتناني إليك بما يكفي، شكرا لك.

هناك أمور لا يمكن إحصاؤها تجعلني أشعر بالقلق، لكن كل شيء يجب أن يصل إلى نهاية. أخيرا، إلى الطبيب H الذي وافق أن يشرف علي حتى النهاية في منزلي، وهو أمر لا يحصل هذه الأيام، و زوجتي و الممرضة K-سان، أود أن أعبر عن خالص امتناني. العناية الطبية في المنزل عملية غير مريحة، لكنكما تعاملتما بصبر مع الآلام و الأوجاع التي يتسبب بها السرطان، وسعيتما لتجعلا وقتي قبل الموت مريحا بقدر الإمكان، لا أستطيع أن أقول كم كانت مساعدتكما لي مفيدة، لم تتعاملا فقط مع هذا المريض المتغطرس و كأنها وظيفتكما، و إنما تواصلتما معي كإنسان، لا أستطيع أن أقول كم كنتما داعمين لي، و كم أنقذتماني، لقد تشجعت بكفائتكما البشرية مرات عدة، أنا ممتن لكما جدا جدا.

حسنا، هذه حقاً المرة الأخيرة الآن، عندما تلقيت النبأ في منتصف مايو و حتى الآن، كنت محظوظا بالحصول على الدعم المعنوي و الشخصي من صديقاي، الأول صديقي T الذي عرفته منذ مرحلة الدراسة الثانوية، و الآخر هو المنتج H، أشكركما من أعماق قلبي، من الصعب مع مصطلحاتي التافهة أن أجد ما أقوله لأعبر عن شديد امتناني لكما، انا و زوجتي تلقينا منكما الكثير.

لو لم تكونا هنا من أجلنا، لكنت أكيداً بأنني سأموت و أنا أنظر لزوجتي بخوف و قلق أكبر. أنا مدين لكما.
و إذا كان باستطاعتي أن أطلب أمراً آخر، هل تستطيعان مساعدة زوجتي بإرسالي إلى العالم الآخر بعد موتي ؟ أعتقد بأنني أستطيع التحليق بذهن صاف إذا فعلتما ذلك من أجلي، أنا أطلب منكما هذا الأمر من قلبي.

إلى كل من تحمّل عناء قراءة هذا الملف الطويل، شكرا لك. بقلب يملؤه العرفان و الامتنان لكل ما هو خير في هذا العالم، أضع قلمي.
الان اسمحوا لي، يجب علي أن أرحل.
ساتوشي كون

شارك هذا المقال