أو Shin Sekai Yori

شعرت بالكثير من الحماس عندما عرفت أن “شين سيكاي يوري” مقتبس عن رواية أدبية بدلاً من مانجا أو Visual Novel، فلا خلاف على الفرق في الجودة بين الروايات الأدبية و غيرها من الأصناف الفنية في الأغلب، مما ينعكس على العمل بصورة إيجابية عادة، ثم قفز الحماس إلى مراحل عالية عندما عرفت أن الرواية تحظى بتقدير كبير للغاية، و أنها فائزة بأربعة جوائز تقديرية عالية القيمة في اليابان، لمؤلفها “كيشي يوسكي”.

لا ريب بأن قصة “شين سيكاي يوري” سوداوية للغاية، القصة تُلقي نظرة على المستقبل السوداوي المظلم الذي سيلحق بالبشرية بعد ألف عام من زمننا الحاضر، حيث يوشك العالم على الانهيار. لا شك بأن “شين سيكاي يوري” ليس صاحب السبق في معالجة هذه الفكرة، بل إن التصور السوداوي المظلم حول مصير البشرية المستقبلي يشكل مادة نما جذرها في الأدب و الروايات منذ أمد بعيد، لدينا على سبيل المثال رواية “ستيفن كينج” الرائعة “الرجل الراكض” و التي يصف بها تفشي الأمراض المُهلكة، و رُخص الحياة البشرية التي أصبحت لا تغدو كونها لعبة رخيصة بأيدي أصحاب القوة و النفوذ.

إلا أن التصوّر الذي تطرحه قصة أنمي “شين سيكاي يوري” يفوق ذلك إظلاماً و قتامة، حيث تستعرض لنا الحلقتين الأوليتين من خلال لمحات سابقة، بعض المراحل التي مرّت بها البشرية والتي أودت بها إلى مصير مأساوي، إذ اكتشف البشر طريقة لاستخدام القوى الذهنية، وامتلكوا بذلك قوّة لا يمكن وصفها. نشاهد في مطلع الحلقة الثانية أحد الأباطرة الذي سخروا هذه القوة في أغرب السُبُل الممكنة للبطش بالعامة، مما جعل المجتمع المستقبليّ أشبه بـ “ديستوبيا”، و الديستوبيا وصف يُطلق على مجتمع تخيلي يجسّد كل ما هو تشاؤمي و سوداوي في حياة الإنسان.

و على النقيض من ذلك، تبدأ مجريات القصة مع أبطالنا الخمسة الصغار، واتانابي ساكي، ساتورو، ماريا، مامورو، شون في قرية معزولة بالكامل عن العالم الخارجي، عن طريق نطاق مقدس مجهول، و تبدو القرية كثيفة الأشجار وفيرة المياه، مما يجعلها أشبه باليوتوبيا، أو المدينة الفاضلة كما تخيلها الفيلسوف الإغريقي أفلاطون، حيث يرنو هؤلاء الأطفال إلى ما يشبه المدرسة، أو المعبد ربما، من أجل تعلّم استخدام قواهم الذهنية الخارقة، أو أن الأمر يبدو كذلك من الخارج فحسب، إذ أن الأطفال الخمسة و رفاقهم لا يعرفون شيئا عن العالم الخارجي، وبالطبع نحن أيضا كمشاهدين لا نعرف الوضعية الحالية للعالم، و يبدو أننا سنكتشف الحقائق السوداوية مع المجموعة لاحقاً.

إلا أن الكشوف المُريعة تتوالى في الظهور، حيث نشاهد في الحلقة الأولى، صديقة المجموعة “ريكو” و هي طفلة أضعف من البقية في استخدام القوى الذهنية، بسبب هذا الضعف في استخدام القوى، تختفي ريكو من المكان للأبد بلا أثر يُذكر، و في الحلقة الثانية لا تحصل ريكو على أي ذكر على الإطلاق، حتى مجموعة الأطفال تتصرف و كأن شيئا لم يكن. لكننا عرفنا الغرض الأول من هذا المكان المعزول على أية حال : الأطفال الضعفاء هم أشخاص غير مرغوب بهم في هذا المجتمع، و سيتم التخلص منهم بطريقة مجهولة.

ثم تكشف الحلقة الثانية عن حقيقة أخرى مثيرة عبر لعبة طريفة، حيث ينقسم الأطفال إلى مجموعتين، واحدة للهجوم و أخرى للدفاع، تقوم الفرقة المهاجمة بالتحكم بدمية صغيرة لدحرجة كرة بلّورية كبيرة الحجم، التحكم بالكرة مباشرة ممنوع و يجب التحكم بالدمية لدحرجة الكرة فقط. أما فريق الدفاع، فيحاول مهاجمة الكرة عن طريق مجموعة أخرى من الدمى لعرقلتها عن الوصول إلى مسارها، و هنا يقوم أحد الأطفال بخرق قوانين هذه اللعبة، و يتعرض للكرة و الدمية التي تقوم بتحريكها مباشرة مخالفاً بذلك قوانين اللعبة، لتسفر الأحداث بعد ذلك عن اختفائه هو الآخر، حيث أن خرق القوانين ممنوع، إذ يبدو بأن الأشخاص الذين لا يلتزمون بقواعد استخدام “Cantus” ( أو الطاقة الذهنية إياها ) يتم التعامل معهم على أنهم أشخاص يشكّلون خطراً داهماً على المجتمع، و على ذلك يتم التخلّص منهم، و من يدري ؟ لعل اللعبة الصغيرة هذه بأكملها هي فخ لاصطياد هذا النوع من الأطفال، فكرة مروّعة أليس كذلك ؟ و مرة أخرى، لا يلاحظ أحد اختفاء الطفل الجديد.

حين نصل إلى ختام الحلقة الثانية، نحصل على وصف من الراوية ( التي نفترض بأنها ساكي في المستقبل تروي قصتها لأحد ما ) يفيد بأن “عدداً لا يحصى من الأرواح كان سيتم إنقاذه لو لم تولد ماري في هذا العالم”. عبارة تثير المزيد من الأسئلة و تمهّد الطريق للأحداث القادمة.

لا يتألق “شين سيكاي يوري” على الصعيد القصصي فحسب، حيث أبدع المخرج الخبير في عملية الرسوم والتحريك “ماساشي إشيهاما” كثيراً في تجسيد الحلقتين بطابع سينمائي فريد مع الكثير من أوضاع الإضاءة المختلفة عبر الاستخدام الذكي و المتقن للألوان و الفلاتر الرسومية، التي تتضمن إضاءة “السيلويت” ذات الظلال السوداء، بالإضافة إلى مؤثرات Film Grain سينمائية الطابع، مما منح العمل طابعاً ملحمياً رائعاً للغاية، حيث تتناسق مجهودات و فنيات فريق العمل المبدع مع القصة القوية المحبوكة بعناية تامة، لتخلق لنا حالة نادرة من التألّق الفني، و حتى الموسيقى التصويرية المرافقة للحلقتين تأتي بطابع سينمائي مختلف قليلاً عمّا اعتدنا عليه في الأنمي الياباني، حيث لدينا ذلك اللحن المخيف الذي يشبه موسيقى الطقوس الدينية المقدسة على سبيل المثال، و الذي يضفي الكثير من الرهبة على الأجواء الغامضة الروحانية التي يجسدها العمل.

ما شاهدته من حلقتين من “شين سيكاي يوري” يوازي مسلسلات أخرى بأكملها، أنا أشعر بأنني أمام ملحمة عظيمة تُحكى أمامي و تُحاكُ خيوطُها بعناية تامة و براعة فائقة، لو استمر العمل على هذا المستوى الفني الرفيع، فأنا أضمن للمُشاهد عملاً قادراً على كتابة اسمه بحروف من ذهب في صناعة الأنمي، وهو يمتلك – من وجهة نظري المتواضعة – البداية الأفضل من بين أعمال موسم الخريف قاطبة.

شارك هذا المقال