hits counter

كتاب الشاي (أوكاكورا كاكوزو) | هل فقد كوب الإنسانية إنسانياته؟

Zhuge Liang

Feo Fuerte y Formal
whxdOL8.jpg
لا أجرؤ على القول ان هذا المقال المختصر هو قراءة في كتاب الشاي، بل هو عبارة عن نبذة مختصرة لقراءتي لهذا الكتاب الرائع والتطرق الي بعض الأفكار والمعلومات التي ذكرت في هذا الكتاب، فلقد فاجأني هذا الكتاب وهو أقرب كتاب قراءته ينطبق عليه قول " لا تحكم على الكتاب من غلافه" فهذا الكتاب لم يكن كتابا عاديا يتضمن معلومات وطريق تحضير الشاي قديما. بل هو ارث ثقافي وتاريخي ورسالة فنية لوصف صراع الثقافات وتصادم الأفكار، اردت مشاركة محصلة قراءتي لهذا الكتاب ممزوجة ببعض ارائي الشخصية.
«ينطوي الشاي على سحر خفيّ يجعله لا يقاوَم، ومنه القدرة على إسباغ الإحساس بالمثالية، فالشاي ينأى بنفسه عن غطرسة النبيذ، وعن غرور القهوة وعن البراءة المتكلّفة في نبتة الكاكاو». أوكاكورا كاكوزو
- هكذا وصف الياباني أوكاكورا كاكوزو هذا الشراب السحري في بداية كتابه عن الشاي

لمحة تاريخية عن الشاي
dp8Vvq4.jpg

نبتة الشاي التي عرف موطنها قديما في جنوب الصين، وكانت تستخدم كعشبة طبية وذكرت بمسميات عديده مثل "التو" و "التشه" و "تشانغ" و "خا" و "مينغ" واللفظ "تشا" كما يسميه الصينيون و "تاي" او "تي كما يعرف لدى الأمم الاخرى. نبتة تريح الاعصاب وتشد العزيمة والهمم وتشحذ البصر، لم تكن تستخدم كعقار يشرب فقط بل مرهم يدهن لمرضى الروماتيزم لتخفيف الألم، وبالطبع لا تخلو القصة الجيدة من الغلو والمبالغة وقد تصل الى التقديس. فوصف البعض عشبة الشاي بأنها أحد المكونات الرئيسية لأكسير الخلود!

أصبح الشاي في بدايته عبارة عن هدية ثمنيه من الأباطرة لوزرائهم وكان طرق تحضير بدائية وتضم مكونات أخرى مثل قشور البرتقال والبهارات والحليب وحتى البصل! تستمر تلك العادات في تحضير الشاي الى يومنا هذا في مناطق التبيت والمناطق المنغولية

وصلت مسامع الغرب الي الشاي وكان الهولنديين اول المبشرين بوصول ملكة الكاميليا " تسمية للشاي من قبل كاكوزو" حيث نقلت الشركة الهولندية لشرق الهند اول شحنات الشاي الي أوروبا، وبات الشاي معروفا في فرنسا عام 1636م وفي روسيا عام 1638 وأيضا في بريطانيا عام 1650

وكعادة البعض في شجب كل ما يجهلوه. وصف بعض المعارضين الشاي بأنه "عادة قذرة" , و ادعى الاخر انه يفقد الرجال لياقتهم و مكانتهم و يفقد النساء جمالهن بسبب الشاي!

رغم السعر المكلف للشاي في بريطانيا آنذاك. فقط انتشر لاحقا ليكون الشراب الشعبي المفضل بعد ان كان شراب يخص الملوك والعوائل النبيلة، وانتشر معها بيوت ومقاهي الشاي لتصبح عادة يومية. لقد انتصر الشاي كاكوزو ولو لفترة من الزمن ليمد الجسور بين الغرب والشرق لتحقيق لمحة من التفاهم الثقافي. فلا يمكنك تحقيق الثقافية او تقديمها للغير بتقليد ثقافتهم بل بجمع كيانك وهويتك الثقافية وتركيزها لتقديم هوية ثقافية يحترمها الغير.

الشاي هو أكثر من شراب بالنسبة الى الكاتب. الشاي هو طريقة حياة تعبر عن القيمة الاسيوية ووسيلة لعيش الحياة بطريقة هادئة بأسلوب يجلب الهدوء والطمأنينة.

كتاب الشاي ليس مجرد كتاب معلومات عامة عن الشاي ونشاءته واصوله وطرق تحضيره وحسب. بل في الأساس هذا هو رسالة اعتراض على الغطرسة الغربية الامبريالية وتهكم واستغراب وغرور " الرجل الأبيض" من العادات والتقاليد الاسيوية، كأنهم ينظرون الى الاخرين من ابراجهم العاجية مرتدين قبعاتهم المزخرفة لرؤية عيوب الاخرين وفي نفس الوقت يتجاهلون عيوب أنفسهم وعدم رؤيتهم لطريقة عيش غير التي رسموها أنفسهم كأنه العالم يمشي في طريق واحد تم رسمه من قبلهم وتناسوا الطريقة الشرقية في النظر الى العالم.

فالغرب يرسم صورة سوداء عن الشعوب الاخرى بدون تحقق من الحقيقية ويفتقرون الى الحس العلمي كونهم يبشرون بما لا يمارسونه قط. ويتهمون الاخرين بالأجرام والإرهاب وهم من ارتكب أكبر الفظائع البشرية.

ان الشاي في نظر أوكاكورا كاكوزو هو ذو دلالة رمزية لحصن القيم والعادات والتقاليد التي سادت اليابان في مواجهة التغيير والغزو الثقافي الغربي وليس مجرد حديث عام فقط عن ماهية عشبة الشاي او تحوله الى شراب شهير.

عالم الطبيعة في مواجهة الجبروت الاقتصادي والتكنولوجي للغرب
cqkLn3L.jpg

ورقة نبتة عادية المظهر كانت تستخدم كشعبة طبية في جنوب الصين قبل ان يصبح شرابا في مواجهة المد الثقافي والفكري والاقتصادي للغرب.

ان رسالة أوكاكورا كاكوزو المليئة بالغضب والألم والانزعاج وصفت المشهد كمواجهة بين الطبيعة والالة الميكانيكية وتلاقي عالم الغرب بالشرق في تلك الحقبة من تاريخ اليابان.

فحتى حجزة الشاي (التي تسمى في اليابان باسم السوكية إشارة نوع ونمط التصميم المعماري هذا) وهي الغرفة الخاصة التي يقدم فيها الشاي لم يبدو له قيمة عند الغربيين ولا تصميم المنازل والمعابد اليابانية التي بنيت باستخدام الخشب والخيزران مقارنة ببنائهم المستخدم في بناءه الحجر والاجر. ولم يتم تقدير هندسة وحرفة بناء تلك المباني الا في سنوات لاحقة.

تعني كملة سوكية "حجرة الوهم" واستبدل معناها لاحقا ليعني "مسكن الفراغ". انها غرفة تتسع لخمس اشخاص وتكون بسيطة وخالية من الزينة لتحضن في طياتها اللحظات الشعرية وكأن الزمن يتوقف داخلها ليعبر الشخص اللحظة الجمالية في هذا الوهم المصطنع.

أيضا كونها حجرة شاي لا يعني انها قليلة التكلفة بل أحيانا تتجاوز قيمتها قيمة البيت الياباني نفسه في ذاك العصر ولها تصميم وهندسة معمارية مختلفة عن البناء الياباني التقليدي نتيجة تأثرها بالمعتقدات البوذية

فالشاي في الصين واليابان وما يسمى طريقة الشاي والطقوس الخاصة باحتساء هذا الشراب ونشوء حجرة الشاي تأثرت كثير بالمعتقدات البوذية التي تدعو للسلام الداخلي والتنوير الذاتي وخلق بيئة تحوي السكينة والهدوء في بيئتك. هذه المعتقدات صاحبت معلمي الشاي الذين وصفوا تلك الحالة بقصيدة قديمة قالت:

"انظر ابعد فلا ارى الازهار ولا وريقات الأشجار الملونة، بل كوخا منعزلا على الشاطئ في الضوء الخافت لمسرح خريفي".

ومن هنا دعت الحاجة لوجود حجزة الشاي التي تتناسب مع الوصف لمكان خلوة وهدوء، حتى مقاتل الساموراي يجب ان يترك سيفه خارجا قبل دخولها وهناك اعدادات وبروتكولات لدخول الحجرة والجلوس فيها.

Gda0r76.jpg


لقد جعلت الثورة الصناعية الصفاء امرا أكثر صعوبة وندرة في جميع ارجاء المعمورة. اترنا نحتاج الى حجرة الشاي أكثر من أي وقت مضى؟


لماذا تثير عاصفة في كوب من شاي!
w6xhzun.jpg

سؤال مشروع لقارئ الكتاب والتي تمت الإجابة عليه بأهمية الشاي في اليابان، فقد لعب الشاي دورا ثقافيا بارزا في الصين واليابان، ففي اليابان تأسست طائفة معلمي الشاي وكان للشاي حضور بارز في الفن والادب والزخارف التي زينت القطع القماشية التي نقش عليها أسماء أبرز معلمي الشاي، الحرض على كون الاوعية وأدوات صنع الشاي الخزفية ان يتم صناعتها بأعلى جودة ممكنة

هل تقديم بعض الاعتزاز والفخر لهذا الشراب مبالغ به؟ الم يقم البشر عبر تاريخهم بفظائع أكبر بكثير من مجرد مدح لمشروب ما. في عصور الاغريق والرومان قام البشر هناك بتقديم اضاحي بشرية لآلهة الخمر واللذة باخوس او ديونيسيوس وتمجيد الصورة الدموية لآلهة الحرب اريس / مارس.

ان الحياة والثقافية اليابانية امتزجت بحب الشاي من فلاحيها الى اعلى طبقة اجتماعية حتى تداول في وصف الأشخاص عند الحديث جمل وتعابير مثل " خلو من الشاي " أي ان هذا الشخص خالي من التعابير او عبوس او ليس ذو ضحكة او حس كوميدي، مقارنة مع جملة "مفعم بالشاي" لوصف الشخص الذي يتناسى تعب ومأسي الحياة لعيش حياة فرحة

فيبدو ان تقديس ملكة الكاميليا " تسمية للشاي من قبل كاكوزو" هو اقل حدة من فظائع ومأسي البشرية التي صنعت من اجل الاستمتاع بالملذات

فن الحياة في مواجهة فن الموت
vC0XA1I.jpg

ان ملكة الكاميليا هي صورة لسحر الشرق في نظره. بداية لحقبة السلام وجلب الطمأنينة والهدوء في تلك الازمان الدموية باليابان، وتحولها من بلد بربري الى بلد متحضر ينتقد أخير "قانون الساموراي" وهو يوصف كأنه فن الموت الذي يحصد أرواح الشباب الذين ينهون حياتهم طبقا لها القانون

هل فقد كوب الإنسانية انسانيته؟
9Z7qkyr.jpg

انه السؤال الذي طرحته في عنوان المقال. هل خسرنا هوية الشاي الحضارية أيضا؟ لقد اعتمدنا في كثير من الأحيان على طرق تحضير الشاي السريع باستعمال الغاز او جهاز كهربائي مع وضع كيس من الشاي ليتم تحضيره في دقائق معدودة ويضاف اليه السكر ليحتسي الشخص الشاي في مختلف المناسبات كمشاهدة التلفزيون واللقاء مع صديق، استقبال الضيوف، اثناء قراءة الكتب.

لقد تحول الشاي الى منتج استهلاكي اخر كالقهوة او الصودا، ويتم الترويج له في الإعلانات التي تذكر مزايا هذا الشراب التي تساعد في الاسترخاء وزيادة التركيز وغيرها من مميزات. لم تعد هناك طقوس الشاي او طريق الشاي التي تحدث عنها كاكوزو.

وهنا كقارئ اطرح السؤال، هل خسر الشاي المعركة امام الرجل الأبيض يا كاكوزو؟ وفقد اصالته وثقافته ليتشبه بعادات الغرب وثقافتهم ويتم مسخه مثلما تم مسخ الكثير من العادات والتقاليد وحتى اللباس الثقافي لشعوب وحضارات لتتشبه وتتقارب بما يروه انه الغرب المتقدم والمتحضر مقارنة بالشرق الفقير والمتخلف.

ان قصة أوكاكورا كاكوزو والشاي شبيهة بقصتنا في وسط معركة فكرية لتغيير مبدأ وتقاليدنا الإسلامية والعربية، بين معسكرنا المحافظ على العادات والتقاليد الأصيلة وفئة تتشبه بكل ما هو غربي بدون اخذ النظر والاعتبار في تلك السلبيات، وكأنهم تناسوا ان الاصح هو انت تأخذ من الغرب ما يفيدك منهم سواء من علم او ثقافة وتترك سلبيات وقذارات تلك المجتمعات حتى لا تصيبك بكل ما هو سوء

“ليس ثمة ما هو أكثر بؤسا في هذا العالم الجميل من إفساد الشاب المرهف بالتعليم الخاطئ، وانحطاط الفن الجميل عبر الإعجاب السوقي، والهدر التام للشاي الجيد عبر التلاعب غير الكفؤ به”.
- ليتشي لاي، شاعر من سلالة سونغ.
 
أعلى