Anaxïmandrøs
True Gamer
عندما تكون هناك فترات ترغب فيها بخوض تجربة شعور داخلي مؤقت من القلق والتوتر والخوف من المجهول.. بمحض إرادتك.. الخوف والإحساس بالرعب الذي هو ردة فعل طبيعية إتجاه عامل أو مجموعة عوامل خارجية تحصل معك ، لكن هنا أتحدث عن فترات تحس أنك محبوس داخل عالم سريالي مرعب وممتع في الآن ذاته.. بإختيارك وبكامل حريتك.. لكن السؤال هو : لماذا تخوض غماره من الأساس مادام أنه يعطيك كل هذا الكم من المشاعر التي من المفترض أنها سلبية ؟! .. الجواب غاية في البساطة.. الدماغ البشري يعمل بنظام "المكافئة" مجموعة من الأحاسيس المختلطة من السعادة و البهجة ممزوجة بالثقة و الحماس.. عمليات كميائية معقدة تحدث بداخلنا ينتج عنها هذا الإحساس الفريد من نوعه والذي لا يتوفر في كل الأوقات الا إذا كنت تتعاطى عقاقير من نوع ما (الله يبعد الشر عنكم)
إذن ما علاقة هذا كله بموضوع يتحدث عن العاب الرعب النفسي ياترى؟
دعني أقول لك أنه هناك أشخاص كثر في العالم يختلف عندهم نظام "المحفز" لإفراز المكافئة لديهم.. هناك من يكافئ أثناء خوضه لتجربة لعبة أكشن منظور أول وهناك من يستمتع بلعبة رويل باتل جماعية ويشعر بالإنتماء والتحدي بنفس الوقت.. (لمجرد ضرب المثل لأنه هناك أنواع متعددة من الألعاب تقدم تحفيزا لنظام المكافئة هي الأخرى طبعا)
العاب الرعب النفسي تقدم بدورها وجبة مختلفة عن التي يقدمها الصنفان المذكوران أعلاه وبنظام مكافئة مختلف أيضا.. حيث أنك تتنتقل من النقيض الى النقيض بمشاعرك.. من الخوف والهلع والتوجس وعدم الثقة في الآخر أو في المجهول.. الى إحساس مغاير تماما من السعادة والبهجة والثقة.. تستمر العجلة بالدوران والأنتقال بين الشعورين بالتناوب طوال فترة خوضك لغمار تجربة لعبة رعب سايكولوجية..
ما الفرق بين الرعب و الرعب السايكولوجي ؟
الرعب السايكولوجي المفترض به أن تكون له حمولات نفسية سوداوية تقدم بشكل فني أدبي موزون من الجانبين .. جانب القصة والأحداث وجانب بناء الشخصيات ودرجة عمقها (خصوصا الشخصيات) و يجب أن تكون هي أولى أولويات أي مطور يريد تقديم هذا الصنف "الصعب" من الألعاب..
أولا الشخصية الرئيسية يجب أن تكون لها دوافع تلمسك أنت كإنسان من الداخل حتى تتواصل معه بالشكل المطلوب .. في الجانب الآخر ، الشخصيات الأخرى يجب أن تمتلك هي الأخرى تبريرا جيدا جدا لما تفعله أو ستفعله أثناء مراحل القصة.. وليس أي شخص قادر على هذا.. المطور يجب أن يكون محترفا جدا في وضع شخصياته ، سواء في الإختبارات الأخلاقية الصعبة أو المبرر الذي يجعلهم مستمرين لتحقيق مساعيهم ، أستوديو تيم سايلنت كان بارعا في هذه الأمور.. خصوصا قولبتها على شكل لعبة فيديو بهذه الدرجة الإستثنائية ! وأعتقد أنه الوحيد الذي قدمه كما يستوجب تقديمه .
المصمم الكبير شينجي ميكامي إدعى في سنة 2013 بأنه سيقدم لعبة رعب سايكولوجية تعيد تعريف رعب البقاء بشكله الذي أصبح (أنذاك) مؤكشنا لدرجة جعلته غاضبا (وله الحق في ذلك) .. لكن السيد ميكامي إدعى إدعاءا باطلا كانت نتيجته The Evil Within والتي لم تمتلك أي مبرر بالنسبة لي لأصنفها على أنها لعبة رعب سايكولوجية.. الأمر كان غالبا يرجع لجهله بالتعريف الحقيقي للرعب السايكولوجي النفسي ! أو أن إطلاعه عليه كان سطحيا للغاية ودون مستوى المجهود الذي وصل إليه الفريق الصامت أثناء تخطيطه للجزء الثاني من سايلنت هيل مثلا (دونه بكثير)..
بهذا الجزء الرائع والإستثنائي تم تقديم شخصيات بأبعاد إنسانية فلسفية عميقة بأتم معنى الكلمة .. في الجهة الأخرى فإن ميكامي إعتمد الخلطأو الدمج بين الرعب الحسي الملموس (الذي يبرع به) وبين ما إعتقد أنه رعب سايكولوجي وهو ليس كذلك بالمرة!
الفكرة الأساسية كان من الممكن أن تعطينا مادة قصصية عميقة باللعبة لو تم تناولها بالشكل الصحيح.. الشكل الذي يجب أن تتناوله به وهو : الدراسة المعمقة للسايكولوجية الإنسانية و التمكن من أدواتك الروائية الأدبية و تبلورها في شكل لعبة رعب ، ميكامي طبعا كان غير مطالبا بهذه الأمور في العابه السابقا لكن هنا ؟ الرجل ألزم نفسه حرفيا ويجب أن ننتقده حين يتطلب الأمر ذلك .
تناول العواقب في لعبة رعب نفسية ليس بالشكل ذاته في العاب الرعب الأخرى.. العواقب تكون "حرفيا" هي فتح أبواب الجحيم.. بدل هجوم ديناصور ضخم يلتهمك أو وحش مسلح يفجرك أو مقنع بمنشار كهربائي يقطعك أو مجموعة زومبي تلتهم أحشائك ! .. العاقبة في لعبة رعب نفسي تكون جزاءا لما إقترفت الشخصية بماضيها من خطيئة و يتم مطاردة الشخصية من خلال هذه الخطيئة.. أو مجموعة عقد نفسية تتضخم مع الوقت لتشكل كابوسا حقيقيا.. وغيرها (هذا سبيل المثال فقط لأن الأفكار عديدة ومتعددة في هذا المجال الخصب)
الرعب النفسي هو مجال معقد و شائك لايقبل الخطأ و يلزمه قدر كبير من التفاني والإطلاع.. يلزمه أيضا بناءا دراميا محكما للشخصيات.. وأيضا دوافع الشخصية الرئيسية يجب أن تكون قابلة للتصديق مهما بلغت درجة لا منطقيتها أو سريالية العالم الذي توجد فيه.. لهذا هو مجال صعب ، لايتطرق له المطورين وبصراحة هذا الصنف لايملك قاعدة جماهيرية تضمن له البقاء ضمن الأصناف الأخرى من الألعاب مع للأسف.. تستطيع القول أنه موجه لفئة نخبوية أكثر.. قلة هم من يستطيعون تذوق الأدب والفنون في الألعاب ولا حرج في قول ذلك لأنه هناك من لايعير إهتماما لكل هذه الأمور ويراها غير مهمة تماما وتأخذها بنظرة ترفيهية بحتة ولهم كل الإحترام طبعا على خيارهم .