Avicenna
φιλόσοφος
تاريخ النظام المالي وثورة القرن
----------------------
----------------------
نبدأ باسم الله العليم الحكيم والصلاة والسلام على نبيه ورسوله العربي محمد،
"السعر هو ما تدفعه والقيمة هي ما تحصل عليه"
طرق البيع والشراء تعد من أساسيات الحياة، فلا يخفى المال عن عين صاحبه. ولكن من هم الذين تسائلوا عن معنى هذا الوسيط؟ كم هم الذين بحثوا في أصله وكيفية عمله؟ وهل على مستخدم الوسيط أن يبحث في هذا الوسيط من الأساس؟
لاصدقك القول، قليل هو ما يدرس عن كيفية عمل المال، وان لم تبحث عن الأمر فلا نتيجة تذكر ولا قيمةً لاي مما قد يأتيك به كتاب في هذه الحال. المال أكثر تعقيداً مما قد يضن البعض، وفي تاريخه الكثير من التشويق مفارق الأبعاد وهذا لأن قيمة هذا الوسيط تحني الى التغيير المستمر. هدف الموضوع الأساسي هو التعرف على أصل هذا الوسيط، وإيصال طرف وجيز للبحث في معناه وطرق توارده. الهدف الثاني هو الكلام عما قد يمثل الثورة القادمة في النظام المالي، وهنا نحاول أن نضع تقرير وإفادة محورين بعيداً عن بسيط الراي والتعبير.
ولعل أفضل طريقة لابتداء الموضوع هي بطرح السؤال الأهم: ما هو المال؟
المال هو كل/أي قيمة وضعت كوسيط للتبادل. فلا يتم حصر المال بما نسميه النقود أو العملة، بل من الممكن للذهب أن يسمى مالاً وهكذا غيره. المال هو أساس لتطور التبادل الاقتصادي عبر الأجيال، فمن الصعب جداً أن تستقر البشرية على نمط ثابت من التبادل أو وسيط عام ومشترك لأسباب نبحر فيها لاحقاً. أما الآن فدعنا نفتح الباب للتاريخ حتى يدلي بمحدثاته…
من أول ما تم استنتاجه هو أن قيمة التبادل ووسيط هذه القيمة هما كيان واحد، فتاريخ المال ابتدأ بشكل جوهري حيث للتبادل قيمة خالصة تعود بالمنفعة للطرفين. فلو أخذنا مثالاً بسيطاً:
- قرر ابن سينا أن يشتري حصاناً عربياً من جريج، وصادف أن جريج كان في حاجة ماسة لركوب اليم حتى يعود على نفسه بحلم التجارة. هنا تفتح أبواب التبادل وقد يتم مبادلة سفينة ابن سينا بحصان جريج العربي.
وهنا قد يأتيك البعض بطرق أفضل لإعادة البائع لسوق التجارة، وهذا يكون بوضع قيمة أكثر عمومية يتم الموافقة عليها من قبل كل أو اغلب الأفراد والأطراف ودعنا نحاول الإتيان بشيء ذو قيمة ثابتة نسبياً (على الأقل عند مقارنة الوسيط بما يتم شراؤه). هنا اكتشفت الحضارة الإنسانية أن أفضل وسيط للتبادل التجاري هو الذهب (وغيره من المعادن والأحجار الثمينة) حيث إن الذهب محفوظة قيمته، سهل تعميمه لكل من البائع والمشتري، ذو كمية محدودة وطلب متزايد. وهكذا أصبح للذهب قيمة عامة للتجارة محاولاً بذلك كسر صعوبة تعميم العملة. المشكلة التي لاحظها المفكرون في مجال الاقتصاد (خصوصاً في بدايات ما سبق من الألفيتين) هو أن الذهب صعب تناقله، وسهل تزويره. هنا تأتي محاولة البشرية لتبني نمط ثانٍ للعملة كان منافسا للذهب (أو مسايراً له في بعض المناطق): وهنا تأتي العملة الرمزية. اشتبه التاريخ عن مصدر فكرة العمل الرمزية، ولكن المرجح أنها نشأت في مشارق آسيا وتحيداً في الصين. في ذلك الوقت، كانت بلاد ما بين النهرين تستخدم مزيجاً بين القيمة الرمزية والجوهرية حيث كانوا يتعاملون بعملة من الذهب وغيره; وبما أن القيمة الجوهرية تأكل الرمزية، رجح المؤرخون أن القيمة الرمزية لم تولد في العرق السامي حتى تبنت العرب النظام الرمزي.
وهنا نغلق باب التاريخ ونأتي لما تعلمناه من دروس:
- النتيجة الاقتصادية لما نسميه بالمال هي العملة ويمكن تعريفها على أنها القيمة الرسمية للتبادل في سوق الاقتصاد حيث يجتمع البائع والمشتري
- العملة في حاجة لخواص حتى يتم الإقرار بها. هذه الخواص يمكن تلخيصها في سهولة التبادل، ثبات القيمة، صعوبة التزوير، عمومية الطلب، ومحدودية العرض
- قيمة المال نوعان: رمزية أو جوهرية
- نرمز للقيمة الجوهرية بالذهب وهذا لتمكنه من سوق العامة وإتيانه ببعض خواص العملة
- نرمز للقيمة الرمزية بالعملة وهذا لتخطياها اغلب خواص الأخيرة كوسيط في سوق الاقتصاد
ويجدر التنويه الى أن نظرية التبادل الاقتصادي فيها القليل من الجانب النظري وهذا لن يتم ذكره في هذا الموضوع حتى لا نهدم فكرة الطرح. لكن أن كنت مهتماً بدراسة النظرية الكلاسيكية أو الحديثة للمال فعليك بهذا الكتاب ولكن لا تتوقع نتيجة أكاديمية إلا بدراسة كتب أكاديمية وما يليه من تلخيصات لبعض الأفكار والنظريات المالية الحديثة.
دعنا الآن نسافر الى القرن الماضي ونرى الى أين وصلت البشرية:
ببساطة، الأغلبية صار يتعامل بالقيمة الرمزية وهذا تم إقراره رسمياً سنة 1971 حيث قام رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون بفصل الدولار عن قيمة الذهب. هنا أصبحت العملة الرمزية تحلق بأجنحة نظام الرأسمالية وتحولت قيمة النقد الى قيمة يتم الإقرار بها حكومياً.
هنا نأتي الى لب هذا الموضوع، ما هي المشكلة؟
المشكلة ببساطة هو أن هذا النظام ضعيف أساسه، قليلة فيه حيلة الفقير، وكبيرة نسبة الغني في مغايرته. بفصل الدولار عن الذهب، اصبح بإمكان الحكومة الفدرالية أن تقوم بطبع ملايين، بل مليارات الدولارات حتى تسد العجز وتمنع التهشم الاقتصادية المشابه لما حصل في ثلاثينات القرن الماضي فيما يسمى بال Great Depression أي الانهيار أو الكساد الكبير.
أي شخص درس أساسيات الاقتصاد يرى نتيجة الزيادة المهولة في كمية الأموال هذه، فكلما زاد العرض بثبات الطلب نسبياً قلت القيمة وازدادت احتمالية الانهيار في العملة. هذه الخاصية في العملة (Centralization) محصورة وفق قانون إصدار العملة، أي أن على الدولة أن تكون منتجة لعملتها الخاصة (كالولايات المتحدة).
كيف يقوم الاحتياطي الفدرالي بطباعة الدولار، وهل الحكومات في غفلة؟
ببساطة، يقدم الاحتياطي على تصحيح كمية الدولار بممارسة عمليات السوق المفتوح (Open Market Operations) وهكذا يتم شراء أو بيع السندات البنكية (في هذه الحالة يقوم الاحتياطي بشراء السندات) وهنا تزداد كمية الاحتياطي في البنوك. بما أن الولايات المتحدة دولة ذات طابع امتلاكي لعملتها (الدولار) فمن الممكن نظرياً أن يقوم الاحتياطي بطباعة أكبر قدر ممكن من المال لزيادة المخزون في البنوك وتسديد العجز والديون الدولية. المشكلة أن الضخ الهمجي للدولار ينتهي بما يسمى بال Hyperinflation وهي كارثة انتهاء قيمة العملة (مثل هذا التضخم حدث في المانيا بعد الحرب العالمية الأولى). هذه ليست حتى نصف الحقيقة، فالبنوك لا تقوم بتخزين هذه الأموال بل إقراضها وهنا نأتي الى مضاعفة في كمية الدولار في الاقتصاد (لهذا على الحكومة أن تضع القروض في الحسبان كذلك عند شراء السندات). الحكومات على علم ودراية بعواقب طباعة العملة، لكن المشكلة هي أن هذه الحركة الاقتصادية سلاح ذو حدين. فكلما ازداد عدد الأثرياء في الدولة وكلما ازدادت طلبات الشراء، كانت طباعة العملة ذات نفع وفائدة على الاقتصاد الدولي.
مثال: لو أراد ابن سينا أن يشتري ثلاث أحصنة بدل الواحد، ولو افترضنا أن عنده علم في النجارة. هنا قد يقدر ابن سينا على أن يصنع سفينتين إضافيتين لمبادلة الأحصنة مع جريج وغيره من التجار. مثل هذه الزيادة البسيطة في القيمة قد لا تسبب ضرراً خطيراً لقيمة السفن، لكن لو قام ابن سينا ببناء 50 سفينة فهنا تأتي المشكلة. الطباعة الهمجية هي أيضا نافعة، لكن لوقت بسيط فقط وللقلة المختارة كابن سينا. أما بقية التجار فقد خسروا قيمة سفنهم لأنها في اضمحلال ما دام ابن سينا مستمراً في بناء السفن، وهنا نأتي لكساد سوقي، حيث تصبح قيمة السفينة أقرب للعدم.
دعنا الآن ننظر الى مشكلة طباعة العملة. من المستحيل على الحكومات أن تحدد القيمة المطلوبة بالضبط وفي اغلب الأحيان تقوم الحكومات (كالولايات المتحدة) بطباعة كمية تؤدي لكساد سوقي بسيط مما يرفع من تضخم الدولار وهذا انعكاس للعملة العالمية بشكل عام. المعنى، هو أن الدولار المخزون في جيبك يخسر قيمته في كل ثانية تمر. قد لا ترى ضرر من خسارة بسيطة نسبيا، ولكن لا تنسى أن المال كالوقت، حيث يمكن استثماره. فعندما يجلس 99 بالمئة من العالم مستمتعين باستلام رواتبهم، تقوم النخبة ممن يمثلون 1 بالمئة من العالم بطباعة العملة بكميات مهولة واستثمار هذه العملة بأمور ذات قيمة محفوظة كالذهب، العقارات، وحتى الاستثمارات الفكرية أو الإنتاجية.
وما هو الحل يا تاجر السفن؟
لدى العامة عدة حلول ولعلي امر على بعضها قبل أن نبدأ بالقسم الثاني من الموضوع:
- الاستثمار (كما يقول المثل: !If you can't beat them, join them). ففي النهاية أسهل طريقة لتجاوز التضخم الاقتصادي والاستفادة من طباعة الأموال هي أن تتاجر بالقيمة وان تحول أكبر قدر ممكن من العملة الى استثمار. فالاستثمار لا يحافظ على قيمة العملة فحسب، بل يقوم بزيادة تلك القيمة
- الذهب قد يكون حلاً مثالياً للكثير، وهو في الحقيقة الحل الثانوي للكثير من المستثمرين أنفسهم (فالأخوة لا يثقون في الاستثمار وحده)
- عملة غير قابلة للتضخم؟! هل هذا ممكن أصلا؟
*يتبع…
______________________________________
التعديل الأخير: