أبدعت شركة Square Enix اليابانية كثيرًا بتطوير لعبة تعاقب الأدوار ذات الطابع الكلاسيكي Octopath Traveler II، و التي عمل عليها ذات الاستوديو الذي صمم اللعبة الأولى Acquire الذي عرفته الجماهير سابقًا بألعاب Way of the Samurai و بإشراف “تومويا أسانو”. اللعبة الأولى كانت العنوان الذي استحدث أسلوب الرسوم HD-2D، والذي يدمج بين مظهر البكسلات الفني و بين الأبعاد الثلاثية بطابع عصري يحمل عبقَ الماضي الجميل، و قد حققت نجاحًا تجاريًا كبيرًا عندما صدرت على السويتش في صيف 2018 و باعت أكثر من 2 مليون نسخة مع مرور الوقت. مع ذلك، كان لدينا جوانب أثارت امتعاضنا في اللعبة الأولى مثل الجمود الكبير الذي عانت منه التجربة و الآلية الزائدة لكل شيء، و على سبيل المثال فقد تكونت قصص اللعبة من أربعة فصول لكل شخصية ينتهي كل منها بمواجهة زعيم بطريقة روبوتية تبعثُ على الضجر.

اوكتوباث

عندما رأينا Octopath Traveler II للوهلة الأولى اعتقدنا أنها لعبة تُقدّم المزيد من نفس الشيء، فهي تحافظ على نفس طابع الرسوم و نفس الفكرة التي يرتكز عليها السرد القصصي – ثماني شخصيات بقصص منفصلة – و حتى نفس النظام القتالي، إلا أن تجربة اللعبة كشفت لي شيئًا فشيئًا، كيف ساهمت التعديلات الصغيرة الكثيرة هنا و هناك، في خلق لعبة أكثر ديناميكية و متعة بمراحل من الجزء الأول. أعترفُ لكم أنني وقعتُ في غرام Octopath Traveler II و أنها لعبة تعاقب الأدوار المفضلة لي من Square Enix منذ التحفة الخالدة Final Fantasy XII التي صدرت في 2006 على البلايستيشن2. دعوني أقدّم لكم خمسة أسباب تُلخص إعجابي الكبير بالتجربة في عالم Solistia، و لماذا أوجه نصيحةً مُخلصة إلى عشّاق هذا النوع من الألعاب بعدم تفويت هذه التجربة:

العنصر الفني فريد من نوعه

الجانب الفني في اللعبة يليق بشعار صانعة الأحلام Square Enix. نتحدث في البداية عن الطابع الفني في الرسوم، و رغم أن اللعبة هنا تحافظ على توجه الجزء الأول، إلا أنها تتفوق في مستوى التفاصيل إن كان في الشخصيات و الsprites الخاصة بها (مع حركة الشعر و الملابس)، أو في البيئة التي تقدم طرزًا معمارية أفضل و أكثر تنوعًا في المباني، و مناطق أعلى جمالية من ضمنها منطقة استوائية جميلة أعجبتني كثيرًا، مع مؤثرات خلابة مثل انعكاس أشعة الشمس على المياه و حركة الظلال الخاصة بالغيوم على الأرضيات الترابية و الطرقات. أسلوب الرسوم HD-2D وصل إلى أفضل مستوياته في هذه اللعبة و هو جميلٌ حقًا و أجمل من الألعاب السابقة للاستوديو، ساهمَ في ذلك أيضًا وجود دورة زمنية لليل و النهار مع أجواء بطابع مختلف لكل منها.

تنوع القدرات بين الشخصيات

منذ البداية كان تنوع قدرات الشخصيات نقطة قوة لهذه السلسلة، و هذه المرة زاد تنوع القدرات عن السابق أكثر و أكثر، إن كمية الخيارات المتاحة أمام كل شخصية مُدهشة بحق. في البداية، هناك وظيفة أساسية لكل شخصية كما كان الحال في السابق، و وظيفة ثانوية، و بمقدور اللاعب أن يختار أي القدرات المرتبطة بالوظيفة يجب أن يتعلمها قبل غيرها، أيضًا حصلت الشخصيات على قدرة جديدة كليًا تحمل الاسم Latent Power و هو مشابهة إلى حدٍ ما لخاصية Limit Break من ألعاب فاينل فانتسي؛ هناك عداد في المعارك لكل شخصية و عند امتلائه بمقدورها أن تنفذ قدرة خاصة بها، الـLatent Power الخاصة بشخصية Throne على سبيل المثال تمنحها دورًا إضافيًا مجانيًا، أما بالنسبة لشخصية Osvald، فهو يستطيع أن يستخدم قدرة سحرية تهاجم جميع الأعداء، على عدو واحد مع ضررٍ أكبر بكثير، و هكذا. هذا ليس كل شيء، حتى القدرات خارج المعارك باتت ترتبط بدورة الليل و النهار في اللعبة، بمقدور اللصة Throne أن تقوم بسرقة الآخرين في النهار، و أن تقوم بمباغتتهم و إفقادهم الوعي في الليل. إن التنوع الذي يتواجد في أوكتوباث ترافلر 2، يجعل قضاء عشرات الساعات فيها، من منظورنا، متعة ما بعدها متعة.

ألبوم موسيقي من عالم آخر

أبهرني الألبوم الموسيقي في الجزء الأول و الذي لحنه البارع Yasunori Nishiki، و الذي عاد من جديد ليقدم ألبومًا موسيقيًا هو حتى هذه اللحظة أفضل ما استمعتُ إليه في لعبة في العام الحالي 2023. الألبوم الموسيقي منوّع جدًا و سيستقبلكم في بداية اللعبة مع المقطوعة الرئيسية التي هي ليست إلا remix رائع من لحن الجزء الأول. ألحان اللعبة منوعة للغاية و تستخدم عددًا كبيرة من الآلات الموسيقية مثل الناي الذي سيفتنكم عند الاستكشاف، أو الكمان بأنغام درامية تدغدغ أوتار القلوب مثل المشاهد القصصية في مسار شخصية Throne، أو البيانو بعذوبته و جماله، أو الجيتار الإسباني، أو البوق، أو غيرها. هناك مقطوعتان لكل منطقة في اللعبة، واحدة في النهار و أُخرى في الليل، و تأتي المقطوعات الليلية في العادة بطابع غنائي مع أصوات الكورال في الخلفية بطابع لم يتواجد في اللعبة الأصلية، زاد هذا الإصدار فتنة و سحرًا. الألحان شاعرية و معبرة و أكثر إنسانية و حلمًا و خيالًا من السابق، و أخص بالذكر لحن The Wildlands في النهار، يا له من لحنٍ آسر.

اوكتو

الإبحار و الاستكشاف

لم أكن من عشّاق الاستكشاف في الجزء الأول لأنه كان رتيبًا بعض الشيء، كان هناك نوع من التشابه في بيئات اللعب و نوع من الجمود في التجربة ككل. لحسن الحظ، هذا تحسن كثيرًا في الجزء الثاني بل و أصبح الاستكشاف في منظوري، متعة خالصة! في البداية، تقدم اللعبة دورة زمنية حقيقية لليل و النهار مع اختلاف في الوحوش، فالوحوش في الليل أقوى من النهار، العنصر الجمالي في البيئة أكبر من السابق و الموسيقى تتنوع باختلاف الليل و النهار، الكنوز باتت مخفية في كل مكان و تحث اللاعبين على الاستكشاف إلا أن حبّة الكرز على الكعكة بالنسبة لي تمثلت في إمكانية ركوب القوارب و التنقل في البحيرات و الأنهار! هذه الوسيلة في التنقل أضافت متعة كبيرة على اللعب و جعلتني أبحث عن الكهوف و الجزر الصغيرة و الكنوز المخفية و عززت من شعور الرحلة في اللعبة.

الابتعاد عن الرتابة في السرد القصصي و بناء الشخصيات

ما زالت اللعبة تقدم 8 شخصيات مختلفة قابلة للعب و ما زالت هذه نقطة قوة لها، بمقدوركم أن تختاروا الشخصية التي ستبدؤون التجربة فيها كما تشاؤون، و ستكون هذه الشخصية إجبارية في المجموعة الخاصة بكم حتى نهاية قصتها الرئيسية ثم سيكون بمقدوركم استبدالها إن شئتم. بإمكان اللاعبين خوض قصص الشخصيات بأي ترتيب يناسبهم و هذه المرة لا تعاني القصص من الرتابة التي عانى منها الجزء الأوّل، الفصول أكثر تنوعًا و من الممكن أن يكون أحدها دون قتال زعيم أو دون استكشاف كهف بالضرورة، بل و يُقدم بعضها مثل مسار Throne تفرعًا قصصيًا يسمح لكم بتتبع الخيط القصصي الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لكم، و في نهاية المطاف، و دون حرق، فإن أطراف الخيوط تجتمع معًا بطريقة تفوق ما قدمه الجزء الأول.

هنا تُراث ألعاب الفيديو

الجزء الثاني إجمالًا أكثر ديناميكية و متعة من الجزء الأول، هناك قصص تراجيدية في اللعبة مثل قصة Osvald المتهم بقتل زوجته و ابنته! و هناك قصص شاعرية تُلامس القلب مثل Throne التي تبحث عن الخلاص من عصابة الأفاعي السوداء و الانفصال عنها، و هناك قصص أكثر إشراقًا و ترويحًا للنفس بطبيعتها. حصلت اللعبة أيضًا على قصص مشتركة تجمع بين أكثر من شخصية في وقتٍ واحد، و هي إضافة كلية جديدًا على سلسلة أوكتوباث ترافلر، و تُساهم ببناء الشخصيات بشكلٍ أفضل مقارنة مع اللعبة الأولى و التي كانت الشخصيات فيها كمجموعة من الغرباء دون أي روابط إطلاقًا، ما زالت القصص الأساسية منفصلة، ولكن على الأقل، هناك نوعٌ من الروابط هذه المرة. و بالطبع، لا يُمكن أن تكتمل لعبة تعاقب أدوار دون محتوى جانبي جيد، و هذه اللعبة تقدم ذلك على شكل مهام و قصص جانبية صغيرة، أو حتى على صعيد طريقة اللعب.

Octopath Traveler II هي لعبة تعيد الماضي الجميل إلى الأذهان بطريقة معاصرة، و هي واحدة من أروع ألعاب تعاقب الأدوار التي طورتها سكوير إينكس في تاريخها، نعم عزيزي القارىء، أنتَ لا تحتاج إلى 100 تيرافلوبس و 240 إطار لتستمتع بلعبة فيديو دائمًا، إن لعبة مثل Octopath Traveler تمثل نوعًا حديثًا من الفنون وُلِدَ في ألعاب الفيديو، و هي تبقي هذا النوع من التراث حيًا في قلوب اللاعبين، كجسرٍ يربط بين الأجيال. ليس القدامى فقط من سيستمتعون بهذه اللعبة، إن كنت من الجيل الصاعد من اللاعبين، فربما ستُدرك مع هذه اللعبة، لماذا أمضينا الليالي الطوال و نحن نلعب، و لماذا أحببنا تعاقب الأدوار، الذي يحمل جمالية خاصة لا يُمكن للأسلوب الحركي أن يُعوضني عنها. فهل تبادلني الشعور، عزيزي القارىء؟

مقال مُروّج

شارك هذا المقال