Detroit-Become-Human

هيا بنا لنحط الرحال إلى مدينة Detroit الأمريكية التي تقع في قلب ولاية ميتشغن، هذه المدينة التي شهدت انطلاق الثورة الصناعية الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية عندما أقام فيها هنري فورد مصنع Ford للسيارات، لتُصبح ديترويت مدينة السيارات و التطور الصناعي. في المستقبل القريب و من جديد، تأتي شركة CyberLife لتقوم بالإنجاز الأعظم، لتُحقق حلم البشرية و لتتمكن من إنتاج مخلوقات الأندرويد و لتنطلق الثورة الصناعية الثانية في لعبتنا هذه، Detroit: Become Human.

في بادىء الأمر و قبل أن نخوض في تفاصيل هذه المراجعة، دعونا نتحدث قليلاً عن تاريخ فريق التطوير الفرنسي Quantic Dream الذي قام بتطوير هذه اللعبة، الفريق تم تأسيسه عام 1997 من كلٍ من David Cage الأب الروحي لألعاب الاستوديو، و رجل الأعمال Guillaume de Fondaumière. رغم أن الجمهور عرف الاستوديو من خلال لعبة Fahrenheit إلا أنها لم تكن في حقيقة الأمر اللعبة الأولى للاستوديو، إذ سبقتها The Nomad Soul على الحاسب الشخصي و جهاز سيجا الأثير Dreamcast.

بدأ فريق التطوير بعد ذلك بالعمل على المشروع التالي، المشروع الذي كان مُقدراً له أن يُحقق نجاحاً كبيراً، و الذي رفضت شركة مايكروسوفت نشره لتتبناه شركة Sony بعد ذلك، نعم المشروع لم يكن سوى Heavy Rain، اللعبة الأضخم في مسيرة الاستوديو حتى ذلك التاريخ و التي شهدت قفزةَ كبيرةَ في القيمة الإنتاجية بفضل تدخل سوني التي أرادت تمييز منصتها من خلال المشاريع الحصرية و Heavy Rain كانت واحدة من هذه المشاريع. Heavy Rain تمكنت من بيع أكثر من 5 مليون نسخة حول العالم.

بعد Heavy Rain أنتج الاستوديو لعبته السابقة Beyond: Two Souls و التي صدرت حصرياً كذلك على البلايستيشن الثالث. David Cage كان المخرج و الكاتب الأساسي لهذه الألعاب و قد لاحظنا بعض العناصر المشتركة فيما بينها و التي باتت سمة مميزة في أعماله؛ هناك محور جريمة و غموض لهذه الألعاب و غالباً يتمحور حول جرائم متسلسلة، هناك عناصر ما فوق الطبيعة، و أخيراً هناك تركيز كبير على القيم و المعاني الإنسانية، و بصورة عامة فإن هذه العناصر هي أعمدة الألعاب التي يصممها ديفد كيج.

كارا تقوم بدورها في خدمة العائلة
كارا تقوم بدورها في خدمة العائلة

ديفد كيج و منذ بداية تصميمه للألعاب كان يرفض اتباع تقاليد ألعاب المغامرات و عناصرها الثابتة، و هو يرى أنه يصمم تجارب قصصية و سينمائية مع طريقة لعب بسيطة تجعل أي شخص يتمكن من تجربة هذه الألعاب حتى لو كان لا يُجيد اللعب أو ليس محترفاً. هذه هي فلسفة التصميم الأساسية لألعاب ديفد كيج و هذا لم يتغير في Detroit: Become Human و علينا أن نقول لك منذ الآن إن لم يكن ذلك يروقك فإن هذه اللعبة ليست مناسبة لك و ليس هناك حاجة لأن تُكمل قراءة المراجعة.

حظيت لعبة Beyond: Two Souls بردة فعل سلبية من الإعلاميين و النقاد على حدٍ سواء، و لعل هذا الأمر ألقى بظلاله بصورةٍ بارزة على عملية تطوير Detroit: Become Human، اللعبة الأضخم و الأكثر طموحاً من بين جميع ألعاب Quantic Dream، و يُمكن الاستدلال على ذلك من عملية التطوير الطويلة، و الاستعانة بالكاتب التلفزيوني المحترف Adam Williams الذي عمل على كتابة النصوص بشكل أساسي، يُساعده في ذلك David Cage الذي حافظ على دوره في إخراج اللعبة (مناصفة مع Gregory Diaconu) و رسم الخطوط والملامح العامة لها و لفكرتها الأساسية بالإضافة إلى كتابة النصوص. هذه التغييرات ساهمت في جعل Detroit القصة الأكثر صلابة و تماسكاً و الأفضل إخراجاً من بين جميع ألعاب الاستوديو.

بجانب الكتابة فقد شهدت هذه اللعبة مجهوداً موسيقياً لافتاً ضمّ ثلاثة مُلحنين دفعة واحدة، Philip Sheppard قام بتلحين مسار شخصية كارا و بطابع أكثر إنسانية و رقّة من بقية المسارات، Nima Fakhrara قام بتلحين مسار شخصية كونر و اكتسحت ألحان هذا المسار بطابع الغموض المناسب لتوجهه البوليسي، و أخيراً John Paesano الذي قام بتلحين مسار شخصية ماركوس، و قد حملت بعض ألحانه الترانيم المُلائمة للتحوّل الذي يطرأ على الشخصية بالإضافة إلى الطابع الملحمي.

من أهم الجوانب التي يجب أن لا نغفلها بالحديث عن اللعبة مع طبيعتها القصصية، التمثيل. الممثلة الأمريكية الشابة Valorie Curry قامت بأداء شخصية Kara، و قد قامت بدور جيد للغاية حيث حمل صوتها طابعاً جامداً كما تتوقع من روبوت في البداية قبل أن تزداد النبرة الإنسانية في صوتها مع تقدم الأحداث. Bryan Dechart قام بأداء شخصية Connor، أما Jesse Williams فقد قام بأداء شخصية Markus، الشخصيات الأساسية الثلاث في هذه اللعبة. جميعُ الممثلين قاموا بأداء رائع إن كان على صعيد الأداء الصوتي أو التقمص الحركي (Motion Capture)، انظر إلى كارا عندما تمشي بنعومة، إنها تبدو واقعية للغاية و بصورة مذهلة.

المحقق الروبوت كونر يتذوق الدماء لتحليلها
المحقق الروبوت كونر يتذوق الدماء لتحليلها

تدور قصة هذه اللعبة في مدينة Detroit الأمريكية، حيث قامت شركة CyberLife عبر مؤسسها Elijah Kamski بابتكار مخلوقات الأندرويد الآلية و ذلك عن طريق التوصل إلى تصنيع الأعضاء الصناعية الحيوية و الدماء الزرقاء و تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فريق الكتابة تواصل مع خبراء و قام بالاطلاع على أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال و أين من المتوقع أن تتطور هذه التكنولوجيا، و ذلك حتى يكون التجسيد للروبوتات في اللعبة واقعياً بقدر الإمكان، و لا يسعنا سوى أن نتساءل عما يُخبئه لنا المستقبل بالنظر إلى ما توصل إليه العِلم بالفعل مثل الروبوت المتطور Sophia القادرة على محاكاة ردود الفعل البشرية بصورة كبيرة، و التي حصلت على المواطنة من المملكة العربية السعودية.

لنكن واضحين من البداية، هذه اللعبة تمتلك سرداً قصصياً من أروع ما يكون، و حتى إن كنت مثلنا ( لسنا أشد المعجبين بأعمال David Cage السابقة)، فإن هذه اللعبة تحمل معها جودة تتعالى بها على الألعاب السابقة لفريق التطوير و لا شك أن قدرات الكاتب الجديد قد ساهمت كثيراً في صقل هذه التجربة و جعلها غنية أكثر من أي وقتٍ مضى. و رغم أن هذه اللعبة ليست أول قصة خيال علمي تتناول فكرة الروبوتات، إلا أن الكُتّاب بذلوا مجهوداً مضنياً لأأن يخلقوا عالماً متكاملاً بقدر الإمكان، و قاموا بكتابة كافة الإشكاليات القابلة للوقوع لو كانت هذه القصة حقيقة؛ نسب البطالة قد ارتفعت كثيراً في المستقبل و الأندرويدز استولوا على الوظائف من البشر العاديين، و حتى أنهم حلوا مكان الشركاء في العلاقات العاطفية فهم لا يشتكون و لا يتعبون. هذه اللعبة تطرح العديد من التفاصيل السياسية، الاجتماعية، الأخلاقية، و حتى الاقتصادية، مما يُكسيها بطبقةٍ من العمق الذي يزيد قابلية التصديق.

رغم قولنا هذا، فإن Detroit في جوهرها هي قصة إنسانية تبرع في تصوير العلاقات البشرية (أو شبه البشرية) المختلفة، و قصة ترتكز على التحرر من العبودية و الطاعة المطلقة للآخرين، Detroit هي قصة توجه النقد للعديد من جوانب الحياة الحديثة في عالمنا المُعاصر، لطالما أكد فريق التطوير كوانتك دريم أنه لا يحب تطويرَ ألعاب مبنيةٍ على العنف (مثل الألعاب التي تقوم على إطلاق النار على الآخرين)، و Detroit تواصل على هذا النهج مثل بقية ألعاب الاستوديو.

لن نقوم بحرق التفاصيل، لكن القصة تلعب على ثلاثةِ أوتارٍ مختلفة عن طريق شخصياتها الثلاث؛ كارا و هي أندرويد من نوع مُربية منزل، كارا تُجيد تنظيف المنزل ببراعة و الاعتناء بالأطفال و تدبر شؤونهم، و هي تعمل لدى أُسرة تود و ابنته الصغيرة أليس، و قد لاحظنا أن فريق التطوير كان حريصاً على تمييز الشخصيات حتى بالتصرفات الخارجية، و يُمكنك ملاحظة أن كارا دائماً ما تعقد ذراعيها خلف ظهرها عند الوقوف، أو أن كونر يمتلك عادة غريبة للتلاعب بقطع النقد. إن مسار كارا هو الأكثر إنسانية و استدراراً للعاطفة من بين جميع الشخصيات، أو دعنا نقل بأنه مسار شخصي في المقام الأول، و هو يمثل الجانب العاطفي الذي يُحبه ديفد كيج في ألعابه كثيراً.

رحبوا معنا بالمحقق هانك الذي لا يُرحب بفكرة العمل بجوار روبوت كثيراً
رحبوا معنا بالمحقق هانك الذي لا يُرحب بفكرة العمل بجوار روبوت كثيراً

لدينا أيضاً مسار شخصية المحقق Connor، و هو أول محقق أندرويد بالكامل و الوِحدَة الأكثر تقدماً و ذكاءً على الإطلاق في عالم اللعبة، كما أنه يمتلك قدرة على التأقلم الاجتماعي مع البشر الآخرين، و العمل إلى جوارهم، و هو مُكلف بصيد الأندرويدز المُنشقين أو المتحولين و الذين حادوا عن طاعة البشر و خرجوا عن سيطرتهم. مما يعرضه إلى الكثير من الأسئلة الحرجة التي سيكون عليه أن يُجيبها مع التقدم في القصة. إن قصة كونر تطرح الجانب الغامض أو البوليسي الذي بات مألوفاً في جميع ألعاب ديفد كيج. أما ماركوس فهو الأندرويد الذي نستطيع وصفه بالثوري و هو يسعى إلى تحرير بقية الأندرويدز من العبودية أو السيطرة المُطلقة للبشر، و في الحقيقة فإن قصة ماركوس قد تكون الأكثر أهمية في Detroit: Become Human كما أن هناك العديد من المقاطع الإخراجية الفاخرة التي تنتظرك فيها و التي ستبقى عالقة في ذهنك بعد إنهاء اللعبة طويلاً.

كما ترى، تطرح هذه اللعبة محاور مختلفة، و هي أحد العادات الدائمة لديفد كيج الذي لا يحب أن يحصر نفسه في نهجٍ واحد، و على أن Beyond تعرضت للاتهام بأنها تفتقد إلى التركيز و الثبات، إلا أن هذه اللعبة لا تعاني ذات المشكلة على الإطلاق، ففكرة الآليات منحت أساساً موحداً و رابطاً موثقاً لجميع الشخصيات الأساسية. رغم ذلك، يُمكننا القول أن أكثر ما أعجبنا في السرد القصصي في هذه اللعبة، المُخيلة الجامحة لفريق التطوير و قدرته على تصوّر المستقبل و كيف قد يكون، إن هذه اللعبة تتقطر فخامة في كافة تفاصيلها، و حتى أنك ستكون شاهداً العديد من مظاهر و ملامح الحياة المستقبلية التي جادت بها قريحةُ أولئك المُبدعين في كوانتك دريم. المشاهد السينمائية الكثيرة كانت رائعة حقاً كذلك و هي الأفضل من بين جميع ألعاب كوانتك دريم، و تراوحت بين الغموض و الإثارة و المطاردات المحمومة تارة، وصولاً إلى المقاطع الهادئة الحالمة التي ستمس شغاف قلبك تارة أخرى. مهما كانت نوعية القصص التي تُحبذها، فإنك ستجد شيئاً يرتبط به وجدانك في Detroit، خاصة و أن المطورين قد استخدموا تأثير الطقس مثل هطول الأمطار و حتى تساقط الثلوج مراراً و تكراراً لتعزيز البُعد الدرامي .

بقولنا ذلك، تجدر بنا الإشارة إلى أن لدينا بعض التحفظات تجاه كتابة القصة و تجاه العديد من الأعمال الغربية ذات الطابع السينمائي بصورة عامة، مثل اللجوء إلى الكثير من السيناريوهات الرتيبة و الشخصيات التقليدية المألوفة التي يتم توارثها من عملٍ إلى آخر، و الضعف في تقديم بعض الشخصيات الجانبية التي لا تعدو سوى كونها أداةً لتطوير الشخصيات الأساسية، إلا أن مأخذنا الأكبر قد يكون تجاه الجانب العلمي في اللعبة، و الذي لم يكن غنياً بدرجة مُشبعة بالنسبة إلينا، نحن نشعر أن المطورين كانت لديهم أفكارٌ رومانسية للغاية تجاه المستقبل، إلا أن الخلفية العلمية في القصة لم تكن كافية لتبريرها و جعلها قابلة للتصديق تماماً بالنسبة إلينا.

لا تدع هذا يُحبطك عزيزي القارىء، و كُن واثقاً بأنك مُقبلٌ على لعبة تدفع الحدود البشرية التي وصل إليها عالم الألعاب في السرد القصصي و الإخراج إلى أقصاها، إن هذه اللعبة بين الألعاب الأخرى المُشابهة هي بمثابة برجٍ عملاقٍ يُلامس قمم السحاب. إن مفهومك للإخراج السينمائي و التقديم القصصي في لعبة فيديو لن يكون كما هو قبل و بعد تجربة Detroit: Become Human، بل و يكفيك أن تعلم بأن هذه اللعبة هي القطعة القصصية الترفيهية المفضلة لدينا من بين جميع الألعاب التي أنتجتها شركة Sony، نعم افرك أعينك الصغيرة جيداً فأنت لم تُخطىء قراءة هذه العبارة، و إن كان هذا خاضعاً للأذواق الشخصية بطبيعة الحال.

ماركوس في شوارع المدينة
ماركوس في شوارع المدينة

حسناً، لنتطرق إلى طريقة اللعب، إن كنتم قد خضتم أياً من التجارب السابقة لكوانتم دريم فأنتم تعرفون جيداً ما أنتم مقبلون عليه، إن هذه اللعبة هي دراما تفاعلية بقالب لعبة فيديو، و هي مُقسمة إلى مشاهد منفصلة يجمعها Flow chart واحدٌ ضخم (مثل ذاك في لعبة Virtue’s Last Reward)، و سيكون بمقدوركم إعادة كل مشهد على حد في حال رغبتكم بتغيير اختياراتكم، إلا أن اللعبة تنصحكم بأن تلتزموا بقراراتكم التي اتخذتموها خلال أول تجربة تخوضونها مع اللعبة حتى النهاية، و لا يسعنا سوى أن نؤيد هذه النصيحة لتشعروا بعاقبة القرار و تفرعات القصة، و سيكون بمقدوركم بعد ذلك العودة إلى المشاهد القصصية و اللعب من جديد متى ما أردتم ذلك.

لم تتغير طريقة اللعب عن ألعاب الاستوديو السابقة، لا زال بمقدوركم تحريك الشخصية في بيئة اللعبة، و الضغط على الأزرار في الوقت المناسب خلال مقاطع القصة من أجل التقدم بها، بالإضافة إلى ذلك هناك بعض الأشياء التي يُمكنكم تفقدها في الخلفية، و في بعض الأحيان فإن عثوركم على بعضها قد يؤدي إلى الحصول على خيارات إضافية ذات منفعة في المحادثات. هناك اختلاف بين الشخصيات، فكونور على سبيل المثال لديه القدرة على إعادة تجسيد بعض المشاهد التي وقعت في الماضي وفقاً للدلائل التي يعثر عليها، و ذلك من أجل كشف المزيد من الحقائق، أما ماركوس فبمقدوره أن يتصوّر و بصورة حسابية دقيقة، الأحداث المستقبلية القريبة، و ذلك ليتمكن من اتخاذ التصرف الأفضل ضمن التوقيت الصحيح. على أية حال، لا تزيد طريقة اللعب عن كونها وسيلة تُساعد على سرد القصة، و زيادة انغماس اللعب في تجربة، مع زرع الإحساس من أنه يتحكم بها، و هي لا تملك أي شيء يُميزها، لكنها لا تقف عائقاً في وجهِ القصة.

دعونا نُحدثكم قليلاً عن رسوم اللعبة، و هي الأمر الذي نشعر بالحماس لرؤية انطباعاتكم عند تجربته و رؤيته على أرض الواقع بأنفسكم. اكتسب الاستوديو سُمعة كبيرة في جودة رسوماته عندما عمل على لعبة Heavy Rain، و الآن فإنه يقدم نقلة جيل جديد بحق و مستوً آخر تماماً. هذه اللعبة تُتقن نماذج الشخصيات بصورة مذهلة، الجلد يبدو بشرياً و طبيعياً للغاية و بؤبؤ العين يبدو واضحاً تماماً و كذلك الأسنان، الملامح معبرة و واقعية و التفاصيل الخاصة بالأندرويدز دقيقةٌ للغاية، خاصة مع تلك الحلقة الصغيرة المضيئة على الصدغ و المُلصقة على رؤوس الأندرويدز. و من بين شخصيات اللعبة قد شعرنا أن المحقق Hank بالذات كان قابلاً للتصديق بصورة مُدهشة.

المحرك الجديد للعبة يواصل تألقه في تصوير البيئة الداخلية و الخارجية لعالم اللعبة على حدٍ سواء، في الأماكن الداخلية يُمكنك أن تُشاهد قطع الأثاث المتنوعة و ورق الحائط على الجدران، كما ستتراقص الإضافة الخافتة من النوافذ على الأرضيات لترسم لوحة زهية أمام أنظار اللاعبين، و لا تقل البيئة الخارجية جودة عن نظيرتها الداخلية، فستشاهد الأبنية الشاهقة التي تمتد على مرمى البصر، و سترى التماعة قطرات المطر على الأرضيات الزلقة، و انعكاس إنارة المصابيح على الشوارع وسط الظلام. هذه اللعبة تواصل إرث سوني و سمعتها القوية في دفع الرسوم إلى أقصاها، نعم عليك أن تُصدق ذلك Detroit أعجوبة في التكنولوجيا و الرسوم و لو شاهدها أحدهم من بعيد سيظنّ أنه يُشاهد فيلماً حقيقياً على شاشة تلفازك العريض. يصعبُ تصديق مقدار التقدم الذي وصلت إليه الألعاب، و ألعاب الأجيال السابقة أصبحت تبدو و كأنها من الماضي السحيق.

يا له من شخصٍ عنيف
يا له من شخصٍ عنيف

لا تقل التجربة الصوتية أهمية عن نظيرتها المرئية لتقديم تجربة قصصية و سينمائية عالية الجودة، و يتضافر المستوى الصوتي الممتاز مع بقية العناصر ليرتقي بمستوى اللعبة. التمثيل الصوتي احترافي كما تتوقع و الأداء لجميع الشخصيات الأساسية كان جيداً بما فيه الكفاية، و إن كنا نرى بأنه ليس استثنائياً كما هو الحال مع أداء نولان نورث للمَرِح Nathan Drake أو الأداء العميق لـDoug Cockle في The Witcher 3 بدور Geralt ريفيا. الملحنون الثلاثة قدموا موسيقى تصويرية تُناسب العرض السينمائي، و أفضلهم في منظورنا كان العمل الذي تم تقديمه في مسار شخصية كارا.

قمنا بخوض هذه التجربة بالتمثيل الصوتي الإنجليزي و الترجمة الإنجليزية، أما التجربة باللغة العربية فهي جيدة نسبياً إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى تطلعاتنا و ليست كافية لتقمص القصة و معانيها الإنسانية أو ردود فعل الشخصيات، كما أن الترجمة لا زالت تعاني من مشكلة الترجمة الحرفية دون فهم المقصود ببعض الجمل التي تستحيل ترجمتها حرفياً من لغة إلى أخرى و إنما تجب ترجمة المعنى. نحن لا زلنا نتأمل أن تكون جهود التعريب من الشركات أكبر مما هي عليه الآن، و أن تصل إلى مستوً احترافي يُضاهي ما هو موجود في أصناف ترفيهية أخرى، و فقط حين يتحقق ذلك ستُصبح خياراً حقيقياً للاعبين الذين يريدون الخروج بالمتعة القصوى.

حتى بعد أن تنتهي رحلتكم مع Detroit سيكون لديكم أشياء لتقومون بها، تمتلك هذه اللعبة قيمة عمرية جيدة و لا يقل طولها عن 12-17 ساعة للتجربة الأولى و يسهُل أن تزيد عن ذلك. هناك خيار إضافات أو Extras يُمكنكم من خلاله إنفاق النقاط المكتسبة أثناء اللعب و شراء بعض الرسومات الفنية الساحرة لعالم اللعبة، أو عروض فيديو، أو بعض المقاطع الموسيقية. حسناً، هذا لطيف.

لطالما كانت ألعابُ ديفد كيج مُثيرة للجدل بين الجماهير و النُقاد على حدٍ سواء، إن ألعابه كتجارب تفاعلية تستند بالكامل على مستواها القصصي، و عندما لا تكون القصة بالجودة الكافية فإن التجربة ككل تسقط و تتهاوى إلى الأعماق، و لكن لعبتنا اليوم بعيدةٌ أيما بُعد عن السقوط. Detroit Become Human هي اللعبة التي تُمثل فلسفة مطوّرها خير تمثيل و تعصر خلاصة خبرته الطويلة في عالم الألعاب، و ليس بوسع المرء سوى أن يتساءل إن كان قبول اللاعبين لهكذا تجربة سيتغير إيجاباً عندما يكون التقديم بهذه الروعة.

Detroit قادمة لتأخذك في رحلة ترى فيها أماكنَ لم تُشاهد مثلها من قبل و لتروي لك قصصاً و حكايا تنسجها من عالم العجائب و الخيال، Detroit هي الدراما الإنسانية كما يجبُ أن تكون.

تم مراجعة هذه اللعبة بنسخة مراجعة للـPS4 تم توفيرها من قبل الناشر قبل صدور اللعبة في الأسواق.

شارك هذا المقال
Detroit: Become Human
الدراما الإنسانية الفاخرة و المخيلة الجامحة في تشييد عالم اللعبة، المستوى الإخراجي و الرسومي المتفوق، القيمة العمرية الجيدة للمُنتج ككل و سهولة إعادة المَشاهِد المتنوعة و تغيير الخيارات القصصية.
كثرة الجدران الخفية التي تُعيق الحركة في عالم اللعبة، عدم الاهتمام ببعض الشخصيات الجانبية.
إن هذه اللعبة تمزج السرد القصصي المتقن، و الأداء التمثيلي الفاخر، مع الموسيقى التصويرية الحالمة لتصهر كل ذلك في بوتقة سينمائية قلّ نظيرُها، دترويت: نحو الإنسانية هي لعبة ستزرع في نفوسكم الفخر تجاه إيمانكم بالقدرات القصصية لألعاب الفيديو.
تاريخ النشر: 25-5-2018
طورت بواسطة: Quantic Dream
الناشر: Sony Interactive Entertainment