Tohi
تـأَمُّل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
..لا يخفى عليكم الأوضاع الحالية الحاصلة في السودان، وقنوات الأخبار تعيد فيها ليل نهار من أسبوع واحد تقريبًا من بداية الأحداث.
طبعًا، الأوضاع ما كانت مستقرة عندنا أساسًا، من المظاهرات الأولى عام 2018. ولكن، هذه الأحداث الحاصلة حاليًا هي الأسوأ، وشيء لم تشهده العاصمة من قبل.
أكثر شيء مخيف في الموضوع هو إنها حصلت فجأة، الحياة في العاصمة كانت طبيعية تمامًا قبل يوم السبت الماضي، بل حتى بدايات يوم السبت لم يتخيل اي أحد ما قد يحدث، وذهب الكثيرون إلى المدارس والمستشفيات والجامعات وإلى أماكن عملهم، ليتفاجؤوا بعد ساعات بانقلاب الوضع رأس على عقب!
وأنا شخصيًا كنت سأخرج إلى الجامعة في وسط العاصمة في ذلك اليوم، ولكن ربنا حفظ وقدر ولطف والحمد لله تأخرت في الخروج.
-ماذا كنا نعيش منذ بداية الأحداث؟
بالتأكيد، الأسوأ هم أولئك الذين قد خرجوا من منازلهم خصوصًا إلى الأماكن في وسط العاصمة. هناك أناس حُبسوا في المدارس والمستشفيات 3 إلى 4 أيام. وهناك قصة عن طلبة في أكبر جامعة في العاصمة، جامعة الخرطوم، حول خمس وثمانين طالبًا تقريبًا، من دون وجود أي طعام أو شراب في الجامعة. يذكر أن بداية الأحداث هذه كانت في رمضان. وللأسف أحد هؤلاء الطلاب توفي برصاصة والطلاب لم يملكوا أي حيلة سوا دفنه في أرض الجامعة. تخيلوا!
هذا دون ذكر أولئك الذين كانوا في المطار وعلى استعداد للسفر، وحتى أن بعضهم ركب الطيارة، ليفاجئوا بهجوم مباغت تسبب بعدد من القتلى والكثير من المصابين إصابات بليغة.
الكثير والكثير من البيوت فقدت الماء والكهرباء بسبب الصدام وضرب أعمدة الكهرباء. وبقيت كذلك لعدة أيام، مع عدم إمكانية فتح الشبابيك والأبواب خوفًا من الرصاص الطائش، وفقد الإتصال مع العالم الخارجي بسبب انطفاء التلفونات.
حتى عندما حلت مشكلة الكهرباء وعادت لكثير من البيوت، دخلنا في مشكلة جديدة وهي عدم القدرة على شراء الكهرباء لخروج كثير من البنوك عن العمل وإغلاق كل الدكاكين والأسواق.
هذا كله في كفة، والكفة الأخيرة هي الخوف والرهبة وعدم الأمان. الله لا يوريكم ولا يعيشكم هذا الشعور. إنك تكون جالس في بيتك، وشعور الرهبة متواجد دائمًا لا يفارقك إن بيتك ممكن يقصف أو يتفجر في أي لحظة، إن المعارك تكون قريبة منك ويدخل رصاص طائش من الشباك فجأة في حين غرة.
وأنت أصلا تستمع إلى أصوات الرصاص والمدافع بصورة مستمرة وتدعوا الله إنهم يبعدون عنك وعن أحبائك.
والوضع الصحي هو الكارثة الكبرى. توقف ثلاثة أرباع المستشفيات عن العمل، بسبب قصفها، أو انقطاع الكهرباء، أو اضرار كبيرة أصابتها، أو عدم توفر المستلزمات الطبية حتى الأساسية مثل جهاز الأكسجين بسبب إقفال معظم الصيدليات، أو عدم توفر طاقم طبي أصلا.
عدد المرضى الذين توفوا بسبب توقف المستشفيات أو عدم الوصول لها أو عدم توفر طرق العلاج، ربما يفوق بكثير عدد الذي قتلوا بالرصاص أو بالإنفجارات. وأعلم هذا يقينًا كوني أعمل في المجال الصحي، كيف أن النظام الصحي عندنا أصلًا منتهي من زمان و يحتاج مساعدة.
توقف مراكز غسيل الكلى وغرف العناية المركزة ومراكز العلاج الخاصة كان شيء مصيري بالنسبة لكثيرين. وعدم توفر أدوية مهمة مثل الأنسولين لآخرين، واحتياج بعضهم لجراحة.
ولكن أسوأ شيء من هذا كله، هو لما إحتاجوا لإختصاصي طب شرعي عندنا. كان الطلب كالتالي:
"محتاجين دكتور طب عدلي/شرعي
Forensics
بعض الاسر محتاجة استشارة لموضوع الجثث المتحللة و كيفية التعامل معها. في أسرة بمنطقة "...." أصيب طفل من أطفال الشوارع أمام بيتهم و لم يعلموا به الا ان بدأ بالتحلل "
لا حول ولا قوة إلا بالله.
والله يا جماعة مهما حاولت أوصف لكم الوضع، فأنا مش عارفة ايش اقول.
ولكنه صعب جدًا.
واحنا نعيش في قلب العاصمة وواحدة من المناطق المهددة بالهجوم قريبَا. لا نعرف أنتوكل على الله ونبقى في المنزل، أم نتوكل على الله و نقرر السفر إلى أحد الولايات التي تبعد ٨ ساعات مع خطورة وعدم ضمانة الطريق.
احنا الكبار نحاول قدر الإمكان نتماسك لندعم الصغار.
اليوم الصباح، وصلوا أقربائنا عندنا، بعد قصف الطابق الخامس من عمارتهم اللي كانت من ١٠ طوابق، وهم في الطابق التاسع ومافي أحد غيرهم في العمارة. ما كان عندهم ماء ولا كهرباء أسبوع كامل.
والكثير غيرهم وضعهم أسوأ حتى وليس عندهم أي أماكن يذهبون إليها.
ولكن الله هو الناصر والمعين، وهو على كل شيء قدير.
وسبحان الله، نتذكر هنا سورة قريش ، حيث ألف قريش النعمة العظيمة وهي رحلة الشتاء والصيف، رحلة اليمن والشام، كيف ألفوها حتى أصبحت شيء مسلّم بالنسبة لهم لا يشكرون الله عليها ولا يحسون بقيمتها.
كيف أن الأمن نعمة كبيرة كبيرة لا تقدر بثمن. أن تكون آمنًا مع أهلك وأحبتك في مكان واحد.
أن تخرج وتشتري كل ما احتجت في أي وقت أردت.
نعمة الكهرباء والمياه..
نعمة صلاة العيد وكعك العيد..
والحمد لله على لطفه علينا في كثير من أمور حياتنا. أسأل الله أن يغفر لنا تقصيرنا، وذنوبنا، وإسرافنا في
أمرنا.
أعتذر على الإطالة يا أخوان، شيء في قلبي أردت أن أحكيه.
وكل ما أبغيه منكم هو الدعاء.نحتاج الدعاء من كل إخوتنا في الأمة الإسلامية إننا نعدي هذه الأزمة وبإذن الله الودود الرحيم تعدي.
اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت. الحمد لله رب العالمين.
..لا يخفى عليكم الأوضاع الحالية الحاصلة في السودان، وقنوات الأخبار تعيد فيها ليل نهار من أسبوع واحد تقريبًا من بداية الأحداث.
طبعًا، الأوضاع ما كانت مستقرة عندنا أساسًا، من المظاهرات الأولى عام 2018. ولكن، هذه الأحداث الحاصلة حاليًا هي الأسوأ، وشيء لم تشهده العاصمة من قبل.
أكثر شيء مخيف في الموضوع هو إنها حصلت فجأة، الحياة في العاصمة كانت طبيعية تمامًا قبل يوم السبت الماضي، بل حتى بدايات يوم السبت لم يتخيل اي أحد ما قد يحدث، وذهب الكثيرون إلى المدارس والمستشفيات والجامعات وإلى أماكن عملهم، ليتفاجؤوا بعد ساعات بانقلاب الوضع رأس على عقب!
وأنا شخصيًا كنت سأخرج إلى الجامعة في وسط العاصمة في ذلك اليوم، ولكن ربنا حفظ وقدر ولطف والحمد لله تأخرت في الخروج.
-ماذا كنا نعيش منذ بداية الأحداث؟
بالتأكيد، الأسوأ هم أولئك الذين قد خرجوا من منازلهم خصوصًا إلى الأماكن في وسط العاصمة. هناك أناس حُبسوا في المدارس والمستشفيات 3 إلى 4 أيام. وهناك قصة عن طلبة في أكبر جامعة في العاصمة، جامعة الخرطوم، حول خمس وثمانين طالبًا تقريبًا، من دون وجود أي طعام أو شراب في الجامعة. يذكر أن بداية الأحداث هذه كانت في رمضان. وللأسف أحد هؤلاء الطلاب توفي برصاصة والطلاب لم يملكوا أي حيلة سوا دفنه في أرض الجامعة. تخيلوا!
هذا دون ذكر أولئك الذين كانوا في المطار وعلى استعداد للسفر، وحتى أن بعضهم ركب الطيارة، ليفاجئوا بهجوم مباغت تسبب بعدد من القتلى والكثير من المصابين إصابات بليغة.
الكثير والكثير من البيوت فقدت الماء والكهرباء بسبب الصدام وضرب أعمدة الكهرباء. وبقيت كذلك لعدة أيام، مع عدم إمكانية فتح الشبابيك والأبواب خوفًا من الرصاص الطائش، وفقد الإتصال مع العالم الخارجي بسبب انطفاء التلفونات.
حتى عندما حلت مشكلة الكهرباء وعادت لكثير من البيوت، دخلنا في مشكلة جديدة وهي عدم القدرة على شراء الكهرباء لخروج كثير من البنوك عن العمل وإغلاق كل الدكاكين والأسواق.
هذا كله في كفة، والكفة الأخيرة هي الخوف والرهبة وعدم الأمان. الله لا يوريكم ولا يعيشكم هذا الشعور. إنك تكون جالس في بيتك، وشعور الرهبة متواجد دائمًا لا يفارقك إن بيتك ممكن يقصف أو يتفجر في أي لحظة، إن المعارك تكون قريبة منك ويدخل رصاص طائش من الشباك فجأة في حين غرة.
وأنت أصلا تستمع إلى أصوات الرصاص والمدافع بصورة مستمرة وتدعوا الله إنهم يبعدون عنك وعن أحبائك.
والوضع الصحي هو الكارثة الكبرى. توقف ثلاثة أرباع المستشفيات عن العمل، بسبب قصفها، أو انقطاع الكهرباء، أو اضرار كبيرة أصابتها، أو عدم توفر المستلزمات الطبية حتى الأساسية مثل جهاز الأكسجين بسبب إقفال معظم الصيدليات، أو عدم توفر طاقم طبي أصلا.
عدد المرضى الذين توفوا بسبب توقف المستشفيات أو عدم الوصول لها أو عدم توفر طرق العلاج، ربما يفوق بكثير عدد الذي قتلوا بالرصاص أو بالإنفجارات. وأعلم هذا يقينًا كوني أعمل في المجال الصحي، كيف أن النظام الصحي عندنا أصلًا منتهي من زمان و يحتاج مساعدة.
توقف مراكز غسيل الكلى وغرف العناية المركزة ومراكز العلاج الخاصة كان شيء مصيري بالنسبة لكثيرين. وعدم توفر أدوية مهمة مثل الأنسولين لآخرين، واحتياج بعضهم لجراحة.
ولكن أسوأ شيء من هذا كله، هو لما إحتاجوا لإختصاصي طب شرعي عندنا. كان الطلب كالتالي:
"محتاجين دكتور طب عدلي/شرعي
Forensics
بعض الاسر محتاجة استشارة لموضوع الجثث المتحللة و كيفية التعامل معها. في أسرة بمنطقة "...." أصيب طفل من أطفال الشوارع أمام بيتهم و لم يعلموا به الا ان بدأ بالتحلل "
لا حول ولا قوة إلا بالله.
والله يا جماعة مهما حاولت أوصف لكم الوضع، فأنا مش عارفة ايش اقول.
ولكنه صعب جدًا.
واحنا نعيش في قلب العاصمة وواحدة من المناطق المهددة بالهجوم قريبَا. لا نعرف أنتوكل على الله ونبقى في المنزل، أم نتوكل على الله و نقرر السفر إلى أحد الولايات التي تبعد ٨ ساعات مع خطورة وعدم ضمانة الطريق.
احنا الكبار نحاول قدر الإمكان نتماسك لندعم الصغار.
اليوم الصباح، وصلوا أقربائنا عندنا، بعد قصف الطابق الخامس من عمارتهم اللي كانت من ١٠ طوابق، وهم في الطابق التاسع ومافي أحد غيرهم في العمارة. ما كان عندهم ماء ولا كهرباء أسبوع كامل.
والكثير غيرهم وضعهم أسوأ حتى وليس عندهم أي أماكن يذهبون إليها.
ولكن الله هو الناصر والمعين، وهو على كل شيء قدير.
وسبحان الله، نتذكر هنا سورة قريش ، حيث ألف قريش النعمة العظيمة وهي رحلة الشتاء والصيف، رحلة اليمن والشام، كيف ألفوها حتى أصبحت شيء مسلّم بالنسبة لهم لا يشكرون الله عليها ولا يحسون بقيمتها.
كيف أن الأمن نعمة كبيرة كبيرة لا تقدر بثمن. أن تكون آمنًا مع أهلك وأحبتك في مكان واحد.
أن تخرج وتشتري كل ما احتجت في أي وقت أردت.
نعمة الكهرباء والمياه..
نعمة صلاة العيد وكعك العيد..
والحمد لله على لطفه علينا في كثير من أمور حياتنا. أسأل الله أن يغفر لنا تقصيرنا، وذنوبنا، وإسرافنا في
أمرنا.
أعتذر على الإطالة يا أخوان، شيء في قلبي أردت أن أحكيه.
وكل ما أبغيه منكم هو الدعاء.نحتاج الدعاء من كل إخوتنا في الأمة الإسلامية إننا نعدي هذه الأزمة وبإذن الله الودود الرحيم تعدي.
اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت. الحمد لله رب العالمين.
التعديل الأخير: