Quarrel
Hardcore Gamer
بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيه: هذا ليس مكاناً للردود الغاشمة أو مرتعاً للتعليقات الهازلة أو دعوة للهجوم على أحد! وأي رد ليس فيه إضافة فائدة أو نقاش هادف أو غير متأدب بآداب الحوار فليس مرحباً به.
مخيف هو المحيط الذي نجد أنفسنا فيه، ونرى لأول مرة أفكار تستعصي على فطرتنا، ويقشعر منها إحساسنا البديهي، تُستخدم فيه لغة الهجوم وعُنف الإجبار لإرغامنا بها وحشرها في كل موطن نظر، فما حقيقة هذه الأفكار؟ وما مصدرها؟ ولماذا هي غريبة وعنيفة لهذه الدرجة؟
هذا الموضوع محاولة لتفكيك هذه الأفكار أمام أعينكم، لتسهيل إدراك حقائقها، وإراحة للصدر من أي قلق معرفي تُسببه، وأداءً للمسؤولية، لأني لا أرى من يتناول هذا الموضوع الخطير الذي هو فِتنة عصرنا هذا، وأرجو أن أوفّق فيه إلى التبسيط والاختصار والخروج من هذه الطرق الوعرة بسلام. ولكنني في نفس الوقت سأتعامل مع المعلومات الواردة فيه كبحث علمي مُرجعاً كل معلومة ترِد إلى مصدرها، وبالله التوفيق
الفصل الأول: ايش السالفة؟
متأكد أن الجميع سمع الكلمات التالية أو بعضها: Racist, Sexist, patriarchy, privilege, Identity politics, social justice
والتي يستخدمها المنتمون لهذه الشعارات: Feminism, LGBT, BLM, وغيرهم من حاملي شعارات ألوان الطيف والعابثين بالضمائر
هل هذه الأفكار لطوائف مختلفة أم أنها مذهب واحد؟ في الواقع كل هذه المصطلحات هي أسماء لمذهب واحد اسمه: ما بعد الحداثة- Post modernism، فما هو هذا المذهب؟ ولماذا أطلقوا عليه هذا الاسم الغريب؟
"مابعد الحداثة" هو مذهب فلسفي تولّد من داخل حركة الحداثة في الغرب، وهو -في رأيي- النتيجة الحتمية للمذهب المادي، و"مابعد الحداثة" مذهب قائم على فكرتين: (الجمعية) و (النسبية) أي أنه يرفض رفضاً تاماً وجود حقيقة قطعية أو إيمان يقيني، ويستبدل مفهوم "الحقيقة" بمفهوم " Social Construct" وهذا المصطلح يعني: أن الحقائق والمفاهيم البشرية ليست إلا نسيجاً من صُنع المجتمع -هامش١-
فهِمنا إذن ماذا يعني" مابعد الحداثة" ولكن إذا كان مذهبهم، فعلى أي أساس يتحدثون عن الأخلاق؟ وبأي مبدأ ينظّرون للصواب والخطأ؟ الجواب ببساطة أن هذا المذهب ليس لديه منظومة أخلاقية يستند عليها، ولهذا هو مذهب هدّام، تفكيكي، يسعى لهدم أي حقيقة أولية أو مبدأ معياري، عدا المبدأين اللذين ينبني عليهما: الجمعية، والنسبية. كما جاء على لسان ميشيل فوكو: "All my analyses are against the idea of universal necessities in human existence" و " Such necessities must be swept aside as baggage from the past" و " it is meaningless to speak in the name of or against Reason, Truth, or Knowledge" ولهذا تجد أنهم استبدلوا مفهوم "الحقيقة" بمفهوم "القوة" والأخلاق عندهم هي "صراع بين مجموعات" وحقيقة كل شخص يحددها انتماؤه للمجموعة التي ينتمي إليها.
-هامش٢-
الفصل الثاني: ثقافة الإلغاء
قد كّنا نسمع في زمن مضى عن حرية التعبير، وأن صوت الحقيقة يُظهر نفسه في نهاية الأمر بدون الحاجة للإرغام والإجبار، أما بالنسبة لما بعد الحداثة، فلإن الحقيقة ليست أكثر من نسيج اجتماعي، فبالتالي هي ما يفرضه المجتمع بالقوة على الأفراد، وبما أن الأخلاق ليست إلا ساحة المعركة بين المجموعات فإن الحقيقة هي ما يحقق النصر للمجموعة التي تنتمي إليها، ولذلك فإن النتيجة الطبيعية لهذا المذهب هي استعمال وسيلة الجبر وإلغاء كل صوت مختلف، ولهذا السبب سادت ثقافة الإلغاء،، وأصبح الاسلوب السائد لهم هو اسلوب التهجم والنعت بأقبح الأوصاف وإلصاق الاتهامات، إن ما يميّز الأخلاق الحقيقية هو أنها تملك قوة تجعل ضمائر الأفراد تلتزم بها لما فيها من قيمة عامة وحُجة على ضمير الفرد، أما "أخلاقهم" فلا تملك مثل هذا، ولذا لا يمكن أن يلتزم بها المجتمع إلا باستخدامهم للقوة الجبرية، كما أن الإلغاء لا يطال الأفراد فقط، بل يصل إلى التاريخ بطمسه وتغييره وتشكيله ليناسب أيدلوجيتهم، فإن الحقيقة التاريخية كغيرها من الحقائق ليس لها قيمة في ذاتها. -هامش٣-
الفصل الثالث: لماذا حقوق الشواذ؟ وماذا بشأن الـ Patriarchy ؟
مادمنا نسمعهم يدندنون على وتر العدالة والحقوق، فلماذا الحقوق عندهم منحصرة في مجموعات محُددة؟ لماذا نسمع عن حقوق الشواذ والمرأة والسود ولا نسمع عن حقوق اللاتينيين والأمريكيين الأصليين والغوط والكرد والعرب والأصفر والأسمر وكل الأعراق والطوائف الأخرى؟ بل ماذا عن حقوق "الإنسان" بما هو "إنسان"؟
الجواب: إن هذا الدفاع الشرس عن الشذوذ الجنسي والدعوى إلى تطبيعه، هو في جوهره ليس دعوة للتسامح أو لتفهم وضع الشواذ جنسياً، بل هو هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية باعتبارها مرجعية ومعياراً ثابتاً يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام وتحديد ماهو إنساني وماهو غير إنساني، والشذوذ الجنسي هو محاولة لإلغاء معيارية إنسانية ثابتة هي ثنائية: الذكر والأنثى، التي تستند إليها المعيارية الإنسانية، وهذا هو أيضاً ما تدعو له الحركات النسائية الجديدة، وهي في ظهورها الأخير ليست حركة إنسانية الجوهر، بل هي مرتكزة داخل الإطار المادي، تهدف إلى تفكيك مفهوم المرأة في إطار المرجعية المادية، لينحل مفهوم المرأة في إطار مابعد حداثي تكون المرأة فيه هي عدو الرجل والرجل عدو المرأة، ولا توجد أي مرجعية إنسانية جوهرية مشتركة بينهما، فالأنثى متمركزة حول ذاتها وفي صراع كوني مع الذكر، ومهمة البرنامج الإصلاحي المتمركز حول الأنثى هو تحسين أدائها في عملية الصراع هذه، كما تهدف هذه البرامج إلى تغيير الإنسانية لتعكس هذه الثنائية المتصارعة، بل وتهدف إلى فرض هذه الثنائية على التحليل التاريخي.
ويتم الهجوم على اللغة البشرية وحدودها وتعليبها في إطار هذا الصراع، فتصبح تعابيرها الفطرية مظهراً من مظاهر الـ sexism، وهي في واقع الأمر ليست كذلك إلا في عقول ووجدان هذه الفئة الذين يستخدمون الجنس عنصراً أساسياً لإدراك كل شيء!
ويُنظر للمرأة باعتبارها أقلية، ولكن هل هي أقلية عددية؟ بالطبع لا، لكن "الأقلية" في هذا السياق تعني أنه لا يوجد أغلبية من أي نوع، أو إنسانية مشتركة، ولا يوجد معيار يُحكم به، أي أن الأقلية تعني اختفاء المرجعية الانسانية. -هامش٤-
الفصل الرابع: تفنيد مذهب مابعد الحداثة
قبل أن نشرع في تفنيد مابعد الحداثة نسأل: هل هذا الفكر حديث أم قديم؟ في الحقيقة إن النسبية الابستمولوجية قديمة قِدم التاريخ، وشيخ هذه الطائفة هو بروتاغوراس معاصر سقراط الذي أُثِر عنه مقولة: (الإنسان مقياس كل شيء) والفرق أن نسبيته فردية ونسبة مابعد الحداثيين جمعية، ونسبيته في رأيي أقل سُخفاً من النسبية الجمعية، وقد تناولها العلماء من قديم الزمان بالرد والدحض
وهذا الجويني بعد أن عرض مذهب "السوفسطائيين" في إنكار العلوم قال: (وقد اختلف المحققون في مكالمتهم فذهب الأكثرون إلى الانكفاف عنهم فإن غاية المناظر اضطرار خصمه إلى الضروريات فإذا كان مذهبهم جحدها والتمادي فيها فكيف الإنتفاع بمكالمتهم؟ ومن النظار من كلمهم بالتقريبات وضرب الأمثال وإلزام التناقض فقال للأولين أنكرتم العلوم وادعيتم العلم بانتفائها كلها وهذا تناقض لا ينكره عاقل)
ومعنى كلامه أن هؤلاء النسبيين أنكروا إمكان العلم اليقيني، وهم في إنكارهم هذا يدّعون "العلم اليقيني" بعدم إمكان "العلم اليقيني" وهذا تناقض!
ومهما يكن الكلام عن النسبية الابستمولوجية أو الأخلاقية، فإن مؤداهما لاشك هو العدمية والفوضى
يقول الجويني: (والذي أراه أنه لا يتصور أن يجتمع على مذهبهم فرقة من العقلاء من غير فرض تواطؤ على الكذب) وأنا في الحقيقة أتفق مع نظرته هذه، لأنه يظهر بوضوح أن هذا الفكر ليس مذهباً فلسفياً محترماً من مذاهب العقلاء، بل هو وسيلة تشويش وسلاح هدم فكري، يستخدمه أصحابه لتحقيق مآرب وأهداف سياسية واجتماعية أخرى، وأعتقد بصدق أن مجرد تجريد وكشف هذا الفكر كفيل بدحضه ونفور الناس منه. -هامش٥-
وأي حجة منطقية أو مقالة فلسفية أبلغ في الرد من هذه الحجة الواضحة المعقولة: (ولَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) صدق الله العظيم؟
وختاماً
فأحب أن أشير إلى أن الـ cancel culture ليست بأمر جديد، فقد أخبرنا الله عز وجل عن قوم لوط -سلف هؤلاء- فقال:
(مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) فسبحان الله!
فأحب أن أشير إلى أن الـ cancel culture ليست بأمر جديد، فقد أخبرنا الله عز وجل عن قوم لوط -سلف هؤلاء- فقال:
(مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) فسبحان الله!
الهوامش:
١- A Critical Examination of Postmodernism, by: Nooshin Forghani, and others
Published by Canadian Center of Science and Education
٢- انظر: Foucault, in May 1993, 2.
٣- explaining postmodernism, by: Dr. Stephen Hicks
٤- انظر: الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، د.عبدالوهاب المسيري
٥- انظر: تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند رسل. و البرهان للجويني
التعديل الأخير: