hussien-11
Senior Content Specialist
أنا أحب رياضة الملاكمة كثيرًا، رياضة أثارت الجدل على مرور السنوات و وُصفت كثيرًا بأنها رياضة همجية أو بربرية، لكنها ليست كذلك في رأيي بل هي رياضة قتالية يظهر فيها معدن الأبطال الأقوياء و الشُجعان، في عالم المُلاكمة كل من يخطو إلى داخل الحلبة هو شخصٌ شجاع لأنه يُخاطر بحياته، يُخاطر بصحته و بسلامته العقلية و العصبية، حتى لو كان يُقاتل من أجل المال، فهو شخصٌ شجاع و بطلٌ عظيم، فاز أم خسر! ليس سهلًا أن تكون مُلاكمًا من الوزن الثقيل، حاول أن تتخيل مدى الألم الذي يتحمله المُلاكم، حاول أن تتخيل اصطدام رأسك أو جسدك بجدار، ليس لدقيقة واحدة، ليس لعشر دقائق، بل لمُدة تقل بقليل عن الساعة! المُلاكمة تتطلب قدرة احتمال غير بشرية. اللكمة الواحدة من مُلاكم الوزن الثقيل، كافية لقتل الإنسان العادي.
رغم ذلك، المُلاكمة ليست رياضة يفوزُ فيها الرياضي الأقوى أو صاحب القبضة الأقوى دائمًا، و ليست رياضة يجب أن ينتهي فيها النزال بضربةٍ قاضية أيضًا، بل يلعب التكتيك و البراعة دورًا كبيرًا فيها مثل أي رياضةٍ أُخرى، و في السابق كان يتم تحديد الفائز عن طريق تحديد المُنتصر في كل جولة و الفائز من هو من انتصر في أكبر عددٍ من الجولات. أما في الوقت الحالي، فإن التحكيم يتم عن طريق احتساب مجموع النقاط بصورةٍ عامة طوال اللقاء. الدليلُ على ذلك أن المُلاكم الأعظم في تاريخ الوزن الثقيل في رأي الغالبية هو مُحمد علي (اسمه الأصلي كاسيوس كلاي)، و محمد علي لم يكن أقوى مُلاكم في عصره، بل و لم يكن حتى من أقوى 5 مُلاكمين في عصره من ناحية قوة الضربات، نعم لا تدع هذا يُفاجئك عزيزي القارىء، إن كان مُلاكمٌ مثل Joe Frazier صاحب القبضة اليسرى الحديدية هو مثل رافاييل نادال في اللياقة و الضربات القوية، فإن محمد علي هو مثل روجيه فيدرر، المُلاكم الأكثر براعة و الأكثر تأقلمًا مع أساليب اللعب المختلفة للمُلاكمين الآخرين عبر التاريخ.
لماذا كانت السبعينات هي العصر الذهبي للمُلاكمة
عليك أن تُدرك أن المُلاكمة في الستينات و السبعينات لم تكن مُجرّد رياضة، بل كانت بمثابة الأمل في الحصول على حياةٍ كريمة للسود في الولايات المُتحدة الأمريكية، السود كانوا يُعاملون بعنصرية شديدة، مُعاملة العبيد، و لم تكن الوظائف مفتوحةً لهم في المُجتمع، كانوا فقراء جدًا، و الكثيرون منهم إما كان يتجه للمسلك الإجرامي، أو يتجه إلى الرياضة مثل رياضة المُلاكمة أملًا في الحصول على المال و تحقيق الحياة الكريمة ليس لنفسه فحسب و إنما لعائلته أيضًا.
المُلاكمون القدماء بعضهم حتى كان ينحدر من خلفية إجراميّة مثل Sonny Liston (من الخمسينات و الستينات) المُلاكم الذي وُصِفَ بالإجماع على أنه الأكثر إثارة للرعب في قلوب الخصوم في التاريخ، المُنافس كان يشعر أن ليستون له هدفٌ واحد: تدمير المُنافس. سوني ليستون شخصٌ غامض، كان له علاقة بالمافيا، لم يكن أحدٌ يعرفُ عنه شيئًا، حتى تاريخ ميلاده لم يكن معروفًا، و بجانب مسيرته التاريخية في المُلاكمة "رغم" كبر سنه كما كان ظاهرًا عليه، فقد قُتِلَ بظروفٍ غامضة عام 1970.
في ذلك الوقت كان المُلاكمون شرسون جدًا، كانوا يملكون كبرياءً و شجاعة لا حصر لهما، جزء من هذا تولّد من استخفاف المجتمع الهائل بهم كأشخاص قبل أن يُصبحوا رياضيين و الاستحقار الذي كانوا يتلقونه، كلٌ منهم كان يُريد أن يثبت أنه إنسانٌ عظيم، كان يُريد أن يكسب احترام الآخرين، حتى طبيعة الحياة الصعبة كان لها دورٌ في توليد الأبطال، لم تكن هناك وسائل رفاهية و راحة مثل اليوم، و بعضُ المُلاكمين نشؤوا على العمل الزراعي في الحقول و قطع الأخشاب، فامتلكوا بُنية جسدية قوية للغاية و طبيعية.
كذلك قواعدُ الرياضة نفسها لم تكن رحيمة، فقد كانت المباريات تتكون من 15 جولة بالتمام و الكمال، كثيرٌ جدًا جدًا... كم شخص يستطيع أن يبقى واقفًا على قدميه، يُقاتل، يلكُمُ و يُلكَم لـ15 جولة؟ في 1982 تم تغيير القواعد بعد أن وقعت وفاةٌ جديدة لأحد المُلاكمين، و أصبحت النزالات من 10 جولات، باستثناء نزال البطولة فهو يتكوّن من 12 جولة. بلا شك، هناك فرقٌ كبيرٌ جدًا، بين 10 جولات و 15 جولة في عالم المُلاكمة! بالإضافة إلى ذلك حتى التحكيم و إيقاف المباريات كان أصعب و كان يُعرض المُلاكمين للخطر، فلم يكن إيقاف النزالات ضروريًا إلا بعد سقوط أحد الخصوم بالضربة القاضية 3 مرات في جولة واحدة، بينما لاحقًا أصبح الحُكام يوقفون المباريات فور أن يظهر الأذى على أحد المتنافسين و عدم قدرته على الرد، حفاظًا على صحته و حياته و لضمان عدم تلقيه أذىً غيرَ ضروري.
بعد أن ظهر عددٌ من المُلاكمين العظماء للوزن الثقيل في أمريكا عبرَ السنوات مثل جو لويس و روكي مارشيانو، وصلنا إلى حقبة الستينات التي تنافس فيها عددٌ ضخمٌ من الأبطال الأقوياء للغاية و كانت فترة تنافسية بشدة و قوية جدًا مع أسماء مثل Sonny Liston و محمد علي و Joe Frazier و Cleveland Williams و Floyd Patterson و Oscar Bonavena و George Chuvalo. جميعهم ملاكمون عظماء و أقوياء لكنني أُريد التركيز على حقبة السبعينات، الحقبة التي تفوقت على الستينات و وصلت فيها هذه الرياضة إلى ذروتها.
السبعينات، أفضل حقبة لملاكمة الوزن الثقيل عبر التاريخ، الحقبة التي تنافس فيها أكبر عدد من أساطير الوزن الثقيل ضمن نفس الفترة الزمنية في التاريخ، الفترة التي شهدت بعضًا من أفضل مباريات الملاكمة الإعجازية على الإطلاق، و هي أيضًا حقبة خاصة لرياضي أسطوري هو محمد علي، أنا أحب محمد علي كثيرًا و هو المُلاكم المفضل لدي، ليس حتى بسبب الكاريزما التي يمتلكها، و لا بسبب إسلامه، و لا مواقفه السياسية و الإنسانية، بل كرياضي مُذهل حقق مسيرة مذهلة
محمد علي لم يكن أقوى مُلاكم في عصره من ناحية قوة اللكم، و لم يكن مُتخصصًا في الضربة القاضية (مثل مايك تايسون على سبيل المثال)، هو أيضًا لا يملك أفضل سجل في عالم الملاكمة من ناحية عدد مرات الفوز مقابل عدد الهزائم
و لكن حتى تفهم عظمة محمد علي، عليك أن تفهم عظمة المُلاكمين الآخرين... أولًا، و التاريخ الذي صنعوه! سأتحدث عنهم واحدًا واحدًا، و سأترك علي للنهاية.
----------------------------------------------------------------------------------------
Joe Frazier
اللقب: Smokin' Joe
السجل: 32 انتصار و 4 هزائم
حتى تفهم عظمة جو فريزر، عليك أن تُدرك أنه كان أكثر من مُجرّد مُلاكمٍ قوي. جو فريزر لم يكن شخصًا يكره الهزيمة فحسب، بل كان يملك كبرياءً رجوليًا ليس له مثيل، و حتى أن الأمر يتجاوز الكبرياء و الكرامة بالنسبة له
جو فريزر يدخل كل نزال و هو مُستعدٌ للموت على أن يخسر
مُستعدٌ للموت على أن يبقى أرضًا إن سقط (و لم يسقط إلا مرات قليلة في تاريخه نهض فيها جميعًا فور أن لامس أرض الحلبة)
عليك أن تفهم أن النهوض ضد ملاكمين أقوياء و المواصلة حتى النهاية و أنتَ واقفٌ على أقدامك، هو أمرٌ يتطلب شجاعة غير عادية
جو فريزر كان شُجاعًا ! لم يكن يمثل الشجاعة أمام الكاميرات، عندما تشاهد مبارياته ستفهم لماذا كان شجاعًا
طوال تاريخه جو فريز لم يخطو إلى الخلف إطلاقًا، مهما كان الخصم ضخمًا أو قويًا، جو فريزر كان دائمًا يخطو إلى الأمام فقط! كان معروفًا بأن أسلوبه القتالي (aggressive) بشدّة، لا يكف عن توجيه اللكمات من الجولة الأولى حتى يسقط الخصم، أو حتى الجولة 15!
جو فريزر كان قصير القامة بالنظر إلى ما هو مُعتاد من أبطال الوزن الثقيل، و هذا لم يمنعه من تحطيم ملاكمين يفوقونه حجمًا و جسدًا بمراحل. جو كان (slow starter) كما يُقال، لم يكن يكسب الجولتين الأولى و الثانية كثيرًا، بل اشتهر أن أداءه يرتفع كثيرًا مع مضي الوقت في النزال. ميزات جو القتالية: لياقة بدنية هائلة جدًا (من أفضل 5 ملاكمين للوزن الثقيل في التاريخ من ناحية اللياقة)، كان صلبًا جدًا مع قدرة هائلة لا تُصدق على احتمال اللكمات، و كان يملك قبضة يسرى سريعة و ساحقة هي من الأقوى في عالم المُلاكمة، إصرار و عزيمة من ذهب على الفوز و مهما كان الثمن.
كل هذا ليس فقط سبب شهرة جو فريزر و شعبيته الكاسحة، بل أيضًا بسبب الـمنافسة (أو الـRivalry) التاريخيه بينه و بين Muhammed Ali، و هي أقوى علاقة عداء و منافسة في تاريخ المُلاكمة في الوزن الثقيل
جو فريزر لعب ضد محمد علي 3 مرات، اللعبة الأولى بينهما كانت في العام 1971 و أُطلِق عليها Fight of the Century أو نزال القرن، لأنه عندما تواجها في ذلك العام، كلاهما لم يكن قد خسر مباراة واحدة في حياته!
رغم أنهما كانا أصدقاء في بداية الأمر، لكن جو فريزر كره محمد علي بشدة، بسبب طريقة محمد علي في استفزاز و إهانة الخصوم بالكلام قبل المباريات. في الحقيقة، محمد علي لم يكن مغرورًا أو متكبرًا، و لم يكن يُحاول الإساءة إلى المُلاكمين الآخرين، بل كان يسعى إلى ترويج نفسه و ترويج النزال القادم عن طريق (خلق الهايب)، كل المُلاكمين الآخرين كانوا يعرفون هذا و لذلك كانوا يحبون علي بشدة، علي معشوق الملاكمين و عدد هائل من أصحاب البشرة السمراء دخل عالم الملاكمة بفضل محمد علي، محمد علي لم يكن يتردد بالإشادة بخصومه الأقوياء بعد المباريات، و كان يكن لهم كل الاحترام، بل و كان يعترف عندما يشعر أنه لم يكن يستحق الفوز أو أن خصمه تغلب عليه، و لم يتردد في هذا أبدًا
لكن جو فريزر، لم يتقبل شخصية علي أبدًا، لهذا جو فريزر في كل منافساته مع محمد علي لم يكن يعطي كل ما لديه فحسب، بل كان يدخل راغبًا في قتالٍ حتى الموت بكل معنى الكلمة. في قتالهما الثالث، أراد أن يقتل محمد علي في المباراة بكل ما أُعطي من قوّة. اللقاء الثالث بينهما، هو أحد أعنف مباريات الملاكمة و أفضلها عبر التاريخ. علي كان يقول عن جو قبل إحدى النزالات بينهما أنه قبيح و غبي! جو صديقه السابق، و الذي أقرضه المال عندما كان بحاجةٍ إليه!
هذا كان أسلوب علي أمام الكاميرات و وسائل الإعلام، يُمكنك القول أنه كان بارعًا في تسويق نفسه، بارعًا في استفزاز خصومه، أغلبهم مع الوقت فهم شخصيته الحقيقية و احترمه كثيرًا، إلا جو فريزر:
And Frazier? He felt manipulated, humiliated and betrayed. “He had me stunned,” Frazier says. “This guy was a buddy. I remember looking at him and thinkin’, What's wrong with this guy? Has he gone crazy? He called me an Uncle Tom. For a guy who did as much for him as I did, that was cruel. I grew up like the black man—he didn't. I cooked the liquor. I cut the wood. I worked the farm. I lived in the ghetto. Yes, I tommed; when he asked me to help him get a license, I tommed for him. For him! He betrayed my friendship. He called me stupid. He said I was so ugly that my mother ran and hid when she gave birth to me. I was shocked. I sat down and said to myself, I’m gonna kill him. O.K.? Simple as that. I’m gonna kill him!”
النزال الأوّل بين جو فريزر و محمد علي كان عام 1971
جو فريزر ألحق بمحمد علي أول هزيمة في تاريخه، و ظلّ هو بلا هزيمة في ذلك الحين.
النزال الثاني كان عام 1974
محمد علي تغلب على جو ببراعة خارقة، ذاك النزال كان أفضل أداء لمحمد علي في السبعينات بأكملها، بقي يتحرك و يدور حول فريزر لمدة 12 جولة تمامًا كما كان يفعل عندما كان في العشرينات و في أوج العطاء البدني
... كلاهما استمرّ حتى الجولة الأخيرة و فاز علي بالتحكيم.
النزال الثالث و الأخير عام 1975، اللقاء الذي أُطلق عليه Thrilla in Manilla
اللقاء الأعنف و الأكثر قسوة في تاريخ الملاكمة في رأيي الشخصي
اللقاء الذي فرغ فيه جو كل حقده و كرهه لعلي، و الذي بذل فيه علي، كعادته، كل ما يملك للتغلب على جو
انتهى النزال في الجولة قبل الأخيرة، مُدرّب جو فريزر طلب إيقاف اللقاء حفاظًا على سلامة جو، جو قال: أُريده، زعيم!
رد عليه فتش، المُدرب الأشهر في تاريخ المُلاكمة:
“It’s all over. No one will forget what you did here today.”
نعم، و أنا أعدك عزيزي القارىء، لو شاهدتَ اللقاء، الذي سأضع وصلته لاحقًا، لن تنسى أبدًا ما فعله جو فريزر ما حييت
لن تنسى صموده البطولي رغم سيل اللكمات التي تلقاها في الجولات الأخيرة، لن تنسى اللكمات الهائلة التي وجهها إلى علي و التي جعلت علي يقول أنه شعر نفسه أقرب ما يكون إلى الموت في تلك الليلة
جو فريزر لم يسقط أرضًا و لا مرة ضد محمد علي، و لا مرة واحدة.
فريزر قال عن علي بعد ذلك اللقاء:
I don't like him but I gotta say, in the ring, he was a man. In Manila, I hit him punches, those punches, they'd have knocked a building down. And he took 'em. He took 'em and he came back, and I got to respect that part of the man. But I sent him home worse than he came. He was the one who spoke about being nearly dead in Manila, not me."
(أنا لا أحبه لكنه في الحلبة، كان رجلًا. في مانيلا ضربته بلكمات، تلك اللكمات كانت قادرة على أن تُطيح ببناية. لقد تلقى تلك اللكمات، تلقى تلك اللكمات و عاد إلي من جديد، و أنا أحترم هذا الجزء منه.)
علي قال جملته الشهيرة:
"We went to Manila as champions, Joe and me, and we came back as old men."
(ذهبنا إلى مانيلا أبطالًا، جو و أنا، عدنا هرمين).
نعم، فريزر اعتزل بعدها بفترة، علي... بدأت تظهر عليه مشاكل الـParkinson أكثر و أكثر، أداؤه بعد ذلك اللقاء، لم يعد أبدًا كما كان قبله على الإطلاق. الضرر الذي لحق بجسد البطلين كان أبديًا.
علي كعادته في مدح خصومه و تقديرهم حق قدرهم، أدلى بشهادته حول جبروت جو فريزر التاريخي:
I always bring out the best in the men I fight, but Joe Frazier, I'll tell the world right now, brings out the best in me. I'm gonna tell ya, that's one helluva man, and God bless him."
(أنا أُخرج أفضل ما بخصومي، لكنني سأخبر العالم الآن، جو فريزر يُخرج أفضل ما لدي).
علي اعتذر أيضًا عن ما قاله عن جو لاحقًا، و لو أن جو لم يقبل اعتذاره أبدًا:
Ali: "I said a lot of things in the heat of the moment that I shouldn't have said. Called him names I shouldn't have called him. I apologies for that. I'm sorry. It was all meant to promote the fight."
جو فريزر لم يخسر في تاريخه إلا ضد مُلاكمين فقط! محمد علي و جورج فورمان.
----------------------------------------------------------------------------------------
George Foreman
لقبه: Big George
السجل: 76 انتصار و 5 هزائم
جورج فورمان في رأيي الشخصي، هو أقوى مُلاكم وزن ثقيل عبر التاريخ.
لم أرى في حياتي مُلاكمًا بقوة جورج فورمان، فهو فارع الطول قوي البنية للغاية، للغاية، هو بلدوزر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، و هو أقوى مُلاكم في السبعينات الذهبية بل و ربما في جميع الأوقات، و حضوره كان أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت من السبعينات حُقبة تاريخية لا تُنسى في عالم المُلاكمة بجانب محمد علي و جو فريزر و البقية.
جورج فورمان ليس صاحب أقوى لكمة في التاريخ، هذا في رأي جميع من واجهه هو Earnie Shavers مختص اللكمة القاضية الساحقة، و صاحب أقوى قبضة في تاريخ الملاكمة، لكن جورج فورمان قريب منه للغاية في قوة اللكمة الواحدة، و أقوى منه كمُلاكِم لأنه قادر على توجيه لكمات عديدة ساحقة و متتالية تجعلك تظن أن المُنافس هو كيس مُلاكمة و ليس مُلاكمًا من الوزن الثقيل!
إن كان محمد علي هو مُلاكم الوزن الثقيل المفضل عندي، فإن جورج فورمان حتمًا رقم 2، أما رقم 3 فهو مُلاكم عظيم ينتمي إلى حقبة أخرى (إيفاندر هوليفيلد)
جورج فورمان كان مهووسًا بالقوة، مهووسًا بالرجولة، لم يكن يحمي وجهه مثل بقية الملاكمين، محمد علي لم يكن يحمي وجهه لكنه كان يعتمد على سرعته الخارقة و ردود فعله و رشاقته في الابتعاد عن الخصوم
جورج فورمان لم يكن يبتعد عن أحد، كان يتقدم فقط و فقط إلى الأمام، مثل الجرافة يبتلع كل ما في طريقه
طوال مسيرته، تمامًا مثل جو فريزر، جورج فورمان لم يتحرّك خطوة واحدة إلى الوراء (غير مُجبر) ضد أي خصم!
فورمان له حكاية عجيبة غريبة، و إنجازات لم يُكررها أي ملاكمٍ آخر من بعده
جورج فورمان في حقبته الأولى، لم يكن مُلاكمًا بارعًا في رأي الكثيرين، لكنه في رأيي المتواضع كان يستخدم أسلوبًا يناسبه تمامًا، و لم أرى مثله بعد ذلك
كان يستخدم ذراعيه الطويلتين لمنع الخصوم من الاقتراب، و يستخدمهما لمنع المُنافس من اللكم، أسلوبه الدفاعي الجنوني هذا كان قد انقرض من رياضة الملاكمة آنذاك، كان الكل يحمي وجهه و يحني رأسه إلى الأسفل
الكل، إلا محمد علي و جورج فورمان
جورج فورمان لعب ضد جو فريزر عام 1973 في جامايكا على لقب بطل العالم في الوزن الثقيل، جو فريزر احتفظ بهذا اللقب منذ عام 1968 و لم يُهزم أبدًا حتى ذلك الحين
جورج فورمان وقتها أيضًا كان قد فاز 37 مباراة و لم يخسر أي خسارة، بل و معظم انتصاراته كانت بالضربة القاضية، و لم يصمد أمامه أغلب الملاكمين أكثر من جولة أو جولتين!
... فماذا حصل؟ بطل العالم جو فريزر، أم الثور الهائج جورج فورمان؟
يا له من لقاء
يا له من لقاء
يا له من لقاء تاريخي لجورج فورمان ما زال عالقًا في الأذهان حتى يومنا هذا ! نعم، عشاق الملاكمة لن ينسوا أبدا هذا اللقاء
هل سبق و أن أُهين بطل عالم بهذه الصورة و هو في أوج عطائه؟
جو فريزر كان ما زال قويًا جدًا، لكن جورج فورمان سحقه و حطمه تحطيمًا !
جو فريزر الذي كان أول من هزم محمد علي، أعظم ملاكم عبر التاريخ ربما، جو فريزر الذي هزم معظم الملاكمين العمالقة في الستينات و لم يخسر أبدا من قبل
فورمان انهال على فريزر باللكمات الصاروخية يمينا و يسارا و من كل الاتجاهات، جو فريزر سقط على الأرض بعد دقيقة واحدة من بدء النزال
بطل العالم، يسقط في دقيقة أمام جورج فورمان!! ما حصل ببساطة كان أن أسلوب فورمان القتالي و طوله، جعلاه خصما صعبا جدا على فريزر القصير، يُمكنك القول أن فورمان كان bad match-up لفريزر كأسلوب قتالي
جورج فورمان طرح فريزر أرضًا 3 مرات في الجولة الأولى، و طرحه أرضًا 3 مرات في الجولة الثانية، ثم قام الحكم بإيقاف اللقاء و إعلان فوز فورمان (لو كان اللقاء في يومنا هذا، لأوقفه الحكم منذ الجولة الأولى).
لا أحد ينسى المعلّق و هو يصيح عندما سقط فريزر للمرة الأولى: down goes Frazier! down goes Frazier!
أو عندما سقط في المرة الثانية و نهض و هو يبحث عن الزاوية: he doesn't know where he is!
هذا اللقاء رفع جورج فورمان إلى السماء، في يومٍ و ليلة أصبح جورج فورمان حديث عالم المُلاكمة بأكمله! و أصبح بطل العالم
و لو أننا لا ننسى أن نذكر شجاعة جو فريزر التي لن تتكرر في عالم المُلاكمة!
جو فريزر سقط أرضًا 6 مرات
و نهض فورًا 6 مرات
نهض ليس لأنه كان قادرًا على الوقوف، حياته كانت في خطر، وعيه كان ينسحب منه، الرؤية أمامه كانت ضبابية، جسده كان يرتعش
المزيد من لكمات فورمان الساحقة على رأسه كانت ستقتله أو تسبب له الشلل
لكنه كبرياء... المُحارب! جو فريزر مُستعد أن يموت و هو واقف، على أن يبقى على الأرض أمام أي خصم! كم كان مُلاكمًا عظيمًا
فورمان انطلق بعدها ليُحقق فوزًا تاريخيًا آخر على واحد من أعظم مُلاكمي السبعينات هو كيني نورتون
كيني نورتون هو ثاني مُلاكم هزم محمد علي بعد جو فريزر، لا بل كيني نورتون كان خصمًا أصعب على محمد علي من جو فريزر، و حتى أنه كسر فكّه في اللقاء
كيني نورتون يواجه المُدمر جورج فورمان بعد ذلك عام 1974:
جورج فورمان يصنع مُعجزة جديدة في عالم المُلاكمة و يسحق نورتون سحقًا تامًا في أقل من جولتين و يحافظ على لقب بطل العالم
نورتون، ثاني مُلاكم هزم محمد علي
تم تحطيمه أمام جورج فورمان في جولتين!!
جورج فورمان جعل من نورتون كيس ملاكمة! و نورتون كان طويلًا و قويًا و لم يكن قصيرًا مثل فريزر
مشكلة نورتون الوحيدة أنه لم يكن من النوع الذي يتحرك أمام الخصم و يبتعد عنه، و في عالم المُلاكمة، من المعروف أنه إن كان الخصم أقوى منك في اللكم، فعليك أن تتحرك باستمرار
في السبعينات يُمكن القول أن جورج فورمان لم يكن مُلاكمًا ماهرًا جدًا، نورتون كان أكثر منه براعة كمُلاكم، إلا أن فورمان تغلب على خصومه بالقوة (overpowered them) واحدًا تلو الآخر
محمد علي هزم جو فريزر في لقاءٍ ثانٍ عظيمٍ جمع بينهما، و بذلك أصبح المُرشح الأول لمواجهة جورج فورمان و تحديه على اللقب
في ذلك الحين، و ربما لأول مرة في تاريخه، كان محمد علي هو الunderdog في ذلك اللقاء
أجمع الإعلام، و الخبراء و المحللون أن محمد علي سيخسر حتمًا، هو أولًا في الثلاثينات، أي أنه ليس في أفضل حالاته الذهنية و الجسدية (ليس في مرحلة الprime)، على عكس فورمان الذي وصل إلى ذروة العشرينات و ذروة الأداء
ثانيًا، كيف سيتمكن محمد علي من إيقاف البلدوزر جورج فورمان؟ هو خسر أمام جو فريزر، و خسر أمام كيني نورتون
كلاهما لم يصمد أمام فورمان سوى دقائق!
حتى فورمان تغلبت عليه الثقة الزائدة، كان يتساءل: هل عليه أن يكون رحيمًا بعلي أم لا ؟ (احترامًا لتاريخه كرياضي أولًا، و مكانته بين السود من أصل إفريقي، المضهطدون عنصريًا في أمريكا آنذاك و دفاعه عنهم ثانيًا)
فورمان يقول عن ذلك اللقاء:
FOREMAN: Well, it was a strange event because I had beaten Joe Frazier who of course had beaten Muhammad Ali. I'd knocked out Ken Norton who had beaten him. So this, for me, I thought, could be the easiest money I'd ever get in boxing.
اعتقدتُ أنه سيكون أسهلَ مالٍ أحصل عليه في حياتي كمُلاكِم.
المباراة حملت الاسم Rumble in the Jungle، و وقعت في زائير (الكونغو حاليًا) عام 1975:
... هذه المباراة هي في رأيي الشخصي، واحدة من أعظم 5 مباريات للوزن الثقيل في تاريخ رياضة المُلاكمة
المواجهة التاريخية بين بطل الماضي محمد علي، الرياضي الأشهر في التاريخ، و الرجل الحديدي جورج فورمان الذي، حتى ذلك اللقاء، لم يخسر مرة واحدة في حياته، لا بل يتمكن أحد من الصمود أمامه أكثر من جولة أو جولتين سوى خصوم يُمكن عدهم على أصابع اليد الواحدة
هذا اللقاء أثبت فيه علي أن الفوز للأكثر براعة و الأكثر ذكاءً، هذا اللقاء كتب فيه محمد علي التاريخ، هل بدأت تُدرك عزيزي القارىء لماذا كان محمد علي ملاكمًا عظيمًا؟
شاهد اللقاء كاملًا و صدقني لن تندم. في هذا اللقاء علي تخلى عن "الرقص" المعتاد بدورانه حول الخصوم في الحلبة، و استخدم استراتيجية جديدة يستخدمها للمرة الأولى ضد خصم في مسيرته المهنية، حتى مدربه لم يُدرك تمامًا ما الذي كان علي يفعله
علي كان ندًا قويًا لفورمان عكس ما ظن الجميع، و لأول مرة في تاريخه الاحترافي، جورج فورمان تلقى لكمات كثيرة طوال اللقاء
و عندما بدأ فورمان بتوجيه مطرقته إلى جسد و وجه علي، قام محمد علي بالارتكاز على الحبال و تركها تمتص جزءًا من قوة لكمات فورمان الهائلة، و مع قدرة محمد علي الخارقة و غير البشرية على تحمل الألم، بقي صامدًا و لم يسقط أبدا رغم كل لكمات فورمان، علي أراد إنهاك فورمان و ادخر قواه، و عندما بدأ فورمان يتعب من كثرة اللكمات الطائشة التي وجهها نحو علي، و من كونه ببساطة غير معتاد على لعب عدد كبير من الجولات! عندما شعر علي أن خصمه بدأ يفقد قوته... أطلق قوته الحقيقية، كان هذا في الجولة الثامنة، انهال علي باللكمات على فورمان و طرحه أرضًا و هزمه
علي استعاد لقب البطولة من جورج فورمان، و ألحق به أول هزيمة في تاريخه، و استخدم في ذلك كل براعته، و خبرته كملاكم عبر كل هذه السنين. لهذا علي كان عظيمًا، كان يعرف كيف يقاتل كل خصم من خصومه، علي كان عبقريًا في اللعب الاستراتيجي.
و صدق أو لا تصدق عزيزي القارىء، هذه هي المرة الوحيدة التي خسر فيها جورج فورمان بالضربة القاضية في تاريخه، رغم أن فورمان قاتل من هم أقوى من علي في قوّة اللكم
يقولُ فورمان عن تلك الليلة:
I got into the ring, and I hit him with everything I had. He survived, and after about six rounds, he started whispering, that all you got, George? Show me something, George. And I knew this was a frightful moment. And I kept thinking I've gotten myself into more than I realized.
(لكمته بكل ما أملك، لكنه تمكن من النجاة، و بعد نحو 6 جولات بدأ يهمس لي: هل هذا كل ما تملك، جورج؟ أرني شيئًا جورج! هذه كانت لحظة مخيفة).
عندما سُئِل فورمان عن محمد علي و ماذا تعلّم منه قال:
What I learned from Muhammad Ali is that he was one of the most conditioned athletes in the world. But to put him down as a boxer would be really not good because he was bigger than boxing, bigger than sports as a matter of fact. He went into the ring, and he didn't lose because he was fighting for a lot more than just a championship belt and a few dollars in his pocket. He had a cause. He really had a cause.
(تعلمت أنه كان من الرياضيين الأكثر حفاظًا على جهوزيتهم في العالم، و لكن تصنيفه كملاكم فحسب ليس جيدًا حقًا لأن علي كان أكبر من الملاكمة، و أكبر من الرياضة ككل في واقع الأمر. كان يصعد إلى الحلبة، و لم يكن يخسر لأنه كان يقاتل من أجل أشياء أكبر بكثير من حزام البطولة أو بضعة دولارات في الجيب، لقد كان رجلًا صاحب قضية، كان حقًا صاحب قضية).
فورمان تكلم أيضًا عن شعبية علي الطاغية بعد وفاته:
I've traveled the world and people have whispered in my ear from every corner of the earth Ali, Ali. I said, oh my goodness, over here, too?
He was the greatest. He was the greatest, and most of them never saw a boxing match.
They knew who he was. When you say the word Ali, it would do something to your heart
(جُبت جميع أنحاء العالم و الناس كانوا يهمسون في أذني من جميع زوايا الأرض: علي، علي. قلت: يا الهي، ليس هنا أيضًا! إنه الأعظم إنه الأعظم (يقولون)، و معظمهم لم يُشاهد مباراة مُلاكمة في حياته، لكنهم كانوا يعرفون من هو علي. عندما كنت تقول الكلمة "علي"، كانت تُحرك شيئًا ما في قلبك).
على العموم
لنواصل الحديث عن الأعجوبة فورمان
فورمان بعد هزيمته أمام علي شعر باستفزاز شديد و غضب عارم لأنه سمح لمُنافسه بإرهاقه و جعله كالغرّ الساذج
و حتى يُثبت لعلي قدرته على اللعب طويلًا و لياقته العالية، و قدرته الجسدية الهائلة، فعل ما لم يفعله ملاكم آخر عبر التاريخ:
هزم 5 مُلاكمين محترفين على التوالي!!!!
هذا إنجاز قياسي و تاريخي في عالم المُلاكمة، لم يفعله أحدٌ قبل فورمان، و لا من بعده
فورمان خسر نزالًا آخر بعد ذلك أمام مُلاكمٍ آخر هو جيمي يونغ عام 1977، جيمي يونغ قاتل فورمان ببراعة شديدة و نجح في إنهاكه بشكلٍ مشابهٍ لما قام به علي و هزمه بالتحكيم
كبرياء و كرامة فورمان لم تتحمل هذه الهزيمة، و اعتزل الملاكمة برصيد 45 انتصارًا و 2 هزيمة و هو بسن 28 عامًا، ربما لو واصل فورمان لامتلك أفضل مسيرة لمُلاكم وزن ثقيل في التاريخ
فورمان عاد بعد 10 سنوات ليصنع مُعجزة أخرى في عالم المُلاكمة، أولًا هل يُمكنك أن تتخيل شخصًا يعود إلى المُلاكمة بعد انقطاع 10 سنوات؟ البعض فعلها للمال لكن فورمان كان يُريد استعادة حزام بطل العالم الذي خسره أمام علي
فورمان عاد إلى المُلاكمة و هو في نهاية الثلاثينات، عاد بوزنٍ ثقيل أكبر من السابق، لم يكن بنفس السرعة إلا أن جسده كان ما زال صلبًا مثل الحديد
فورمان هزم عدة أبطال و هو في الأربعينات
فورمان تحدى Evander Holyfield، أحد أقوى و أفضل الملاكمين في سن 42 على حزام العالم، الكل كان يظن أن فورمان سيسقط بسهولة في هذا السن الكهل، و قيل قبل اللقاء أن هوليفيلد في الطريق لمواجهة "دادي"
لكن فورمان صدم العالم بصموده 12 جولة كاملة أمام بطل العالم، بل و كان على وشك طرح هوليفيلد أرضًا، و تحمل لكمات ساحقة من هولفيلد و لم يسقط حتى عندما تلقى 15 لكمة متتالية
فورمان في ذلك اللقاء، و في سن 42 سنة، لم يجلس في الاستراحة بين الجولات و لا مرة!
هوليفيلد قال أن فورمان هو صاحب أقوى لكمات تلقاها في حياته (و هوليفيلد لعب ضد مايك تايسون و هزمه)
Michael Moorer هزم هولفيلد و حصل على حزام العالم
عام 1994 تواجه جورج فورمان مع Michael Moorer بطل العالم الذي لم يُهزم و لا مرة من قبل، في هذا اللقاء كان عمر جورج فورمان 45 عامًا
جورج فورمان هزم مايكل مورر بالضربة القاضية و ألحق به أول هزيمة في تاريخه في الجولة العاشرة
جورج فورمان استعاد حزام بطل العالم أخيرًا بعد 20 عامًا مُحققًا معجزة أخرى خالدة في عالم الملاكمة
جورج فورمان أكبر بطل في تاريخ الملاكمة سنًا، و إنجازه لم يتكرر أبدا حتى يومنا هذا
و لا أحد في تاريخ المُلاكمة، هزم مُلاكمًا أصغر منه بـ19 عامًا للحصول على اللقب
جورج فورمان في الأربعينات لم يسقط أرضًا و لا مرة حتى ضد أبطال العالم في الوزن الثقيل
جورج فورمان ليس أعظم boxer، لكنه أعظم punsher في تاريخ المُلاكمة.
----------------------------------------------------------------------------------------
Ken Norton
اللقب: The Jaw Breaker
السجل: 42 انتصار و 7 هزائم
مُلاكم قوي جدًا من حقبة السبعينات و بطل عالم سابق، كين نورتون كما هو الحال مع العديد من أبطال تلك الحقبة امتلك طريقة لعب غير مألوفة فقد كان يستخدم ذراعه اليمنى للصد و يُحرك ذراعه اليسرى لتوجيه اللكمات إذ تبدأ حركة الذراع من الأسفل و ليس من الأعلى. رغم المنافسة بين محمد علي و جو فريزر و التي كسبها محمد علي مرتين، و المشاعر القوية السلبية بين البطلين، إلا أننا نستطيعُ القول بأن محمد علي تفوق على جو فريزر في نزالات الاثنين بصورةٍ عامة، و لكن هذا لا ينطبق على نزالات كين نورتون!
كين نورتون هو ثاني مُلاكم هَزَم محمد علي في تاريخه، نعم كما هو الحال مع جميع أبطال تلك الحقبة لا بد من مصيرهم و إنجازاتهم أن ترتبط بمحمد علي بشكلٍ أو بآخر. كين نورتون هزَم محمد علي في اللقاء الأول بينهما عام 1973. محمد علي كان يظن أنه في الطريق لتحقيقِ فوزٍ سهل يدفعه في المضي قدمًا لاستعادة لقب البطولة الذي خسره أمام جو فريزر في 1971 لكن كين نورتون فاجأ محمد علي و أحال المباراة إلى جحيم على الأخير، و حتى أنه كسر فك محمد علي من خلال إحدى اللكمات في اللقاء و من هنا أتى لقبه The Jaw Breaker.
كين نورتون كان يتشارك نفس المُدرب مع جو فريزر و هو المدرب الأسطوري في عالم الملاكمة Eddie Futch، الذي كان يفهم علي جيدًا و يُجيد توجيه مُلاكميه لجعل المباريات في غاية الصعوبة على الأخير. بالإضافة إلى هذا، كان أسلوب كين نورتون صعبًا جدًا على علي، هذا ما يقوله الملاكمون الكبار دائمًا، أن الملاكمة هي رياضة يلعب فيها الأسلوب القتالي دورًا كبيرًا: إن فاز A على B، و فاز B على C، هذا لا يعني إطلاقًا أن A قادر على هزيمة C. كين نورتون تواجه مع محمد علي 3 مرات، فاز في الأولى بقرار التحكيم، و خسر في الثانية بقرار التحكيم، و خسر في الثالثة بقرار التحكيم، لكن هذه القرارات مُختلفٌ عليها بشكلٍ عام بين عشاق الرياضة بل و حتى بين مُلاكمي تلك الحقبة بأنفسهم.
هناك من يرى أن نورتون استحق الفوز في المباراة الثانية و هناك من يرى أن علي استحق الفوز فيها، و بجميع الأحوال فقد كان الأداء متقاربًا جدًا، أما في اللقاء الثالث فالأغلبية ترى أن نورتون كان يستحق الفوز في اللقاء و ليس علي، و لكن محمد علي كان بطل العالم في ذلك الوقت و في عالم الملاكمة لا يخسر البطل اللقب إلا لو أسقطه المنافس بالضربة القاضية أو تفوق عليه بصورة بارزة جدًا طوال الوقت، و أداء نورتون ربما لم يكن كافيًا في نظر التحكيم ليكون (domination) في تلك الليلة.
المُلاكم القدير جورج فورمان عندما تم سؤاله عن منافسة علي-نورتون، قال أنه يرى بأن نورتون في رأيه تفوق في جميع النزالات بين الاثنين:
“All I remember is that the result in that third fight angered the public,” said former two-time heavyweight champion George Foreman. “In my opinion, Ali didn’t beat Kenny Norton in either of the first two fights and he didn’t beat him in the third fight either.
(كل ما أذكره أن نتيجة القتال الثالث أغضبت العامة. في رأيي الشخصي، علي لم يهزم نورتون في أي من اللقائين، و لم يهزمه في اللقاء الثالث كذلك).
“It was Norton’s style of keeping his right hand in front of his own face. He would catch Muhammad’s (left) jab and was tall enough, with a long enough reach to jab back. (Joe) Frazier did well against Ali in close, but he didn’t have the reach on the outside the way Norton did. Muhammad had a rough time with Norton and, what’s more, he didn’t have the punch to knock him out.”
(الأمر يتعلق بأسلوب قتال نورتون بحفاظه على يده اليمنى أمام وجهه و التي كان يستعملها لصد لكمة علي اليسرى، و قد كان طويلًا بما يكفي مع مدى وصول يسمح له بالرد بلكمة jab من عنده. فريزر أبلى حسنًا ضد علي من المدى القريب لكنه لم يكن يملك مدى الوصول الذي امتلكه نورتون من الخارج. محمد علي واجه صعوبات كبيرة ضد نورتون، و فوق هذا، لم تكن لديه القوة الكافية ليهزمه بالضربة القاضية).
لكن Larry Holmes، و هو ملاكم أسطوري آخر و بطل عالم سابق للوزن الثقيل تعلم فنون اللعبة من محمد علي شخصيًا و كان شريكه في التدريب، يختلف في الرأي مع جورج فورمان و يرى أن محمد علي كسب اللقاء الثاني بين الاثنين:
“I don’t agree with that,” snapped Holmes, when informed of his fellow Hall of Famer’s opinions. “I thought (the rubber match) was a great fight and a very close fight. A lot of people felt Muhammad won and a lot of people felt Kenny won. Personally, I favored Muhammad because I preferred his style of fighting.
(أنا لا أتفق مع ذلك. أعتقد أن النزال كان عظيمًا و أن الأداء كان متقاربًا جدًا بين الاثنين. الكثير من الناس شعروا أن علي استحق الفوز و الكثير من الناس شعروا أن كيني استحق الفوز. شخصيًا، فضلتُ محمد علي لأنني كنت أفضل أسلوبه في القتال).
كين نورتون كان ملاكمًا بارعًا جدًا و قويًا، كان يتألق ضد الملاكمين التكتيكيين مثل محمد علي و لاري هولمز، و كانت خسارته الثالثة أمام علي ظُلمًا في رأيه و كذلك خسارته ضد لاري هولمز في أواخر السبعينات بالتحكيم، إلا أنه كان يواجه مشاكل حقيقية ضد الملاكمين الذين يمتازون بالقوة الشديدة في اللكم! جورج فورمان سحق كين نورتون في لقاء جمعهما و أسقطه على أرض الحلبة سريعًا، أما إيرني شيفرز، المُلاكم الذي وصف بأنه صاحب أقوى لكمة في تاريخ الوزن الثقيل، فقد نجح في سحق نورتون في جولة واحدة!
كل من محمد علي و لاري هولمز كان النقيض تمامًا لكين نورتون، كلاهما برع كثيرًا في مواجهة الملاكمين الأقوياء جدًا مثل فورمان و شيفرز، و كلاهما واجه الكثير من المشاكل مع كين نورتون.
----------------------------------------------------------------------------------------
Earnie Shavers
اللقب: Puncher of the Century
السجل: 74 انتصار و 14 هزيمة
تصور عزيزي القارىء أن مُلاكمًا مثل إيرني شيفرز، و الذي يملك في رصيده 74 انتصارًا في مسيرة طويلة، لم يفز بلقب بطولة العالم أبدًا؟ لا يوجد شك في ذهني أن شيفرز كان قادرًا على أن يكون بطلًا في أي حقبة أخرى، لكنه ظهر في أقوى و أصعب فترة للملاكمة عبر التاريخ.
يرى بعض الإعلاميين أو عشاق الرياضة أن سوني ليستون هو صاحب اللكمات الأقوى، و يرى البعض الآخر أنه جورج فورمان، أو حتى مايك تايسون الذي كان يُلقب Iron Mike، و لكن بالنسبة لكل من لعب ضد هؤلاء من الملاكمين أنفسهم، و هم أصدق من يُمكن له أن يُعطي هذا الرأي: إيرني شيفرز هو المُلاكم صاحب اللكمات الأقوى عبر التاريخ. إيرني شيفرز لم يكن يملك لياقة عالية جدًا، و لم يكن مُلاكمًا بارعًا جدًا، إلا أن لكماته كانت ساحقة و قادرة على إسقاط أي شخص، شيفرز من بين 74 انتصارًا في مسيرته، فاز بالضربة القاضية 68 مرة! و من بينها أكثر من 20 مرة من الجولة الأولى!
شيفرز لعب لقاء البطولة مرتين، المرة الأولى ضد محمد علي و خسر بقرار التحكيم، رغم أن لكماته آذت محمد علي كثيرًا لدرجة أن سرعة محمد علي في الكلام تراجعت بصورة ملحوظة بعد لقائه مع شيفرز، و اللقاء الثاني كان لقاءه الثاني ضد لاري هولمز بطل العالم آنذاك و تلميذ محمد علي النجيب في المُلاكمة، و فاز هولمز بالضربة القاضية في الجولة 11 رغم أن شيفرز طرحه أرضًا بلكمة ساحقة في الجولة السابعة، شخصيًا لم أرى في حياتي ملاكمًا ينهض بعد تلقيه للكمة بتلك القوة و الوحشية، و حتى يومنا هذا لا أفهم كيف نهض هولمز و أكمل اللقاء. كما قلت، كانت السبعينات العظيمة، كان الملاكم مستعدًا للموت في حلبة القتال. هولمز كان عظيمًا، أي ملاكمٍ آخر لم يكن حتى ليجرؤ على النهوض بعد تلقيه لتلك اللكمة.
جورج فورمان و جو فريزر، عظماء الملاكمة، رفضا اللعب ضد إيرني شيفرز بسبب قوة لكماته!
“Joe Frazier wouldn’t fight me. George Foreman and Frazier both told me so, they said, ‘Hey, you hit too damn hard.’ George turned me down. Joe Frazier told me point blank, ‘No way, Earnie.’”
(جو فريزر لم يرغب في قتالي، جورج فورمان و فريزر أخبراني أنني أضرب بقوة شديدة جدًا، فورمان رفض نزالي، و جو فريزر أخبرني شخصيًا: لا، إيرني!).
بالمناسبة، أنا أحب شخصية إيرني شيفرز كثيرًا، رغم قوته الشديدة الساحقة، إلا أنه كان شخصًا في غاية اللطافة و التواضع!
شيفرز نجح في الفوز ضد بعض من أعظم ملاكمي تلك الحقبة و أبطال عالم سابقين مثل كين نورتون. كما قلتُ سابقًا، كين نورتون لم يكن يؤدي جيدًا ضد الملاكمين الذين يمتازون بقوة جسدية هائلة، و شيفرز كان يعلم ذلك، و أخبر نورتون قبل اللقاء بفترة - كنوع من الحرب النفسية - أنه قادم لتدميره:
Ken didn’t like punches. I heard that Ken was petrified of me. I told Ken, ‘I’m going to destroy you,’ six weeks prior to the fight. I knew from day one, because he could not look me in the eye. See, I knew he didn’t like punchers. When a fighter can’t look you in the eye, it’s bad, and he couldn’t look me in the eye. Holmes and Ali looked back, they looked straight back. With Ali and Holmes, it was going to be a long time. But Norton, he looked at the floor.”
(عندما لا يكون مقاتلٌ قادرًا على النظر في عينيك، الأمر سيء (بالنسبة له)، و هو - أي نورتون - لم يستطع أن يرفع عيناه أمامي. هولمز و علي تمكنا من ذلك و حدقا بي مباشرة، عرفتُ أنه مع علي و هولمز سيكون الأمرُ طويلًا، أما نورتون، فقد نظر إلى الأرض).
دقيقة و نصف فقط، كل ما استغرقه إيرني شيفرز لطرح كين نورتون، بطل عالم سابق و أحد أفضل الملاكمين الدفاعيين في اللعبة، على أرض الحلبة!
بمُشاهدة اللقاء، يُمكنك أن تُلاحظ جيدًا كيف كانت أقدام كين نورتون ترتعش عندما كان يتلقى لكمات شيفرز الساحقة على جسده!
اللقاء الثاني الذي جمع هولمز بطل العالم و شيفرز، في الفيديو يُمكنك أن تُشاهد هولمز و هو يتحرك بنفس أسلوب محمد علي الراقص، و كما قلت، هو كان تلميذه و شريكه في التدريب. في الدقيقة 2:18 يُمكنك أن تشاهد واحدة من أقوى اللكمات في تاريخ الملاكمة، من قبضة شيفرز إلى جمجمة هولمز الذي سقط أرضًا على الفور. هولمز يقول بأنه فقد الوعي عندما تلقى هذه اللكمة، لكن ارتطامه بالأرض أعاد وعيهُ إليه.
مع ذلك لا يُمكنك سوى أن تتساءل، من أين اكتسب هولمز الجرأة لينهض بعد أن تلقى لكمة كهذه و يواصل اللقاء، مع علمه بشدة و قوة لكمات شيفرز؟ إنه كان رجلًا حقيقيًا، و بطلًا عظيمًا، لم يعد هناك ملاكمون بهذه الرجولة حقًا! هولمز كسب اللقاء، و من بينهما الاثنين، لا شك أنه كان المُلاكم الأكثر براعة و الأعلى لياقة.
هولمز يقول عن شيفرز:
“I only let Earnie catch me once in two fights and I was like, ‘No way is this guy hitting me again,’” laughed Holmes. “I saw white lights and everything. I went to throw a right uppercut and he came over with a damn right hand. He knocked me out with that punch and I woke up when I hit the floor. If he didn’t hit me so damn hard, I’d have stayed down.
(تركتُ إيرني يُمسك بي مرة واحدة في اللقائين و قلتُ لنفسي: لا يُمكن أن أسمح له بأن يلكمني مرة أخرى! رأيتُ أضواءً بيضاء. حاولت أن ألكمه بيُمناي و فاجأني بلكمة يُمنى لعينة، لقد طرحني أرضًا بتلك اللكمة إلا أنني استيقظتُ عندما ارتطمتُ بالأرض. لو لم تكن اللكمة بهذه القوّة لربما ما تمكنتُ من النهوض).
و عندما سُئِلَ هولمز بين من صاحب اللكمة الأقوى شيفرز أو تايسون (باعتباره واجه الاثنين) رد قائلًا:
"Earnie Shavers, no doubt about it. He could knock the hell out of you!"
(إيرني شيفرز و لا مجال للشك في هذا).
لقاء علي و إيرني شيفرز، أحد أفضل النزالات في تاريخ الملاكمة
محمد علي كان في سن 35، كان بعيدًا جدًا عن أفضل حالاته البدنية و العصبية، الأسوأ من هذا أن أعراض الباركينسون كانت واضحة عليه قبل هذا اللقاء (تلف تدريجي في خلايا المخ)، حركته كانت أبطأ، قدرته على الكلام كانت تتراجع، إجمالًا محمد علي بعد قتال فريزر الثالث في 1975 لم يكن أبدًا نفس الشخص الذي كان عليه قبل ذلك.
شيفرز أيضًا تنبه لاستراتيجية علي بإنهاك خصومه الأقوياء كما فعل مع فورمان، و قرر أن لا يُرهق نفسه مبكرًا في محاولة للقضاء على محمد علي بالضربة القاضية، بل قرر أن يكون صبورًا. شيفرز ضرب علي لكمات ساحقة عديدة و كثيرة في هذا اللقاء، الجولة الثانية كانت من أصعب الجولات التي خاضها ملاكم عبر التاريخ: علي يلكم شيفرز بقوة (في حدود الدقيقة التاسعة)، و الوحش شيفرز بعد أن تمكن من صد اللكمات يبتسم و كأنه يقول: أهذا كل شيء؟ علي تلقى أقوى أو من أقوى اللكمات في مسيرته في هذه الجولة!
انظر إلى تلك اللكمة اليمنى الحديدية التي تلقاها على جسده (9:10)، لقد فتح فمه و تظاهر بأنه يسخر منها، لكنه في حقيقة الأمر كان على وشك الصراخ من الألم! يا لها من لكمة متوحشة! لكن هذا لم يكن كل شيء، انظر إلى تلك اللكمة الحديدية الأخرى من شيفرز على رأس علي (10:30) و التي كادت أن تُطرحه أرضًا... هذه الجولة كانت حاسمة، و لكن محمد علي استطاع الصمود فيها حتى قرع الجرس و نهاية الجولة. محمد علي، الذي كان بعيدًا عن أفضل حالاته (out of his prime)، نجح في الصمود طوال اللقاء و لم يسقط أبدًا في 15 جولة أمام الوحش إيرني شيفرز، و تفوق عليه في عدد اللكمات الصحيحة، بل و كان على وشك أن يطرحه أرضًا في الثواني الأخيرة من النزال، عندما بدأ شيفرز يُنهك و يتعب، لتظهر قيمة اللياقة البدنية الخارقة، و قوة التحمل الأسطورية لمحمد علي.
هذا اللقاء هو آخر نزال عظيم لمحمد علي، و صحته تدهورت كثيرًا بعده، كما تراجعت قدرته على الكلام أكثر و أكثر و أصبح من الصعب تمييز ما يقول. لا شك أن لكمات شيفرز الحديدية تركت أثرًا على صحة محمد علي التي تدهورت أكثر و أكثر، لكن الأخير فاز في اللقاء، ضد الملاكم الذي كان يخشى مواجهته حتى أعظم الملاكمين. محمد علي قال أن شيفرز صاحب أقوى لكمات واجهها في تاريخه، و أقوى من جورج فورمان، كما قال أيضًا:
He said: “Earnie hit me so hard, it shook my kinfolk back in Africa.”
(لكمني إيرني بشدّة هزّت أقاربي في إفريقيا)
بالطبع هو يقصد أن قوة اللكمة وصلت إلى إفريقيا - مازحًا - من قوتها.
----------------------------------------------------------------------------------------
Ron Lyle
اللقب: لا يوجد
السجل: 43 فوز و 7 هزائم
رون لايل، بجانب جورج فورمان و إيرني شيفرز، هو أحد أقوى الملاكمين في قوّة اللكم عبر التاريخ. رون لايل بدأ مسيرته الاحترافية متأخرًا جدًا، في بداية السبعينات عندما كان عمره 30 عامًا، و هو السن الذي يبدأ فيه مستوى الرياضي البدني و العصبي في التراجع عادة، و لذلك ربما لم نُشاهد قوّة رون الحقيقية أبدًا.
رون لايل هزم إيرني شيفرز، أحد أقوى الملاكمين عبر التاريخ، بالضربة القاضية، و لم يكن دفاعيًا ضده
لايل تحدى محمد علي على لقب العالم، و خسر في الجولة 11 بعد أن أوقف الحكام اللقاء، رون لايل قبل إيقاف اللقاء كان متقدمًا على محمد علي في النقاط، إلا أن محمد علي استفاد كعادته من لياقته الهائلة، و كال العديد من اللكمات لرون لايل في الجولة 11 مما دفع الحكم لإيقاف اللقاء حفاظًا على سلامة الأخير.
رون لايل، كان طرف أقوى مباراة وحشية في تاريخ المُلاكمة:
علي ضد فريزر الثالث هو اللقاء الأقوى في السبعينات، علي ضد فورمان هو اللقاء الأروع و ربما الأعظم، لكن نزال الحديدي جورج فورمان ضد الهائل رون لايل هو الأكثر وحشية و عنفًا في تاريخ الملاكمة!
شاهد عزيزي شاهد! رون لايل و جورج فورمان، كلاهما يفخر بقوته الهائلة، كلاهما يُصرّ على الهجوم الكاسح، كلاهما ضرب بقواعد الملاكمة و التكتيك عرض الحائط و انهمك في معركة لكمات طاحنة ضد الآخر!
رون لايل هو الملاكم الوحيد عبر التاريخ، الذي طرح جورج فورمان أرضًا مرتين في لقاءٍ واحد! و يقول عنه فورمان أنه أصلبُ خصمٍ واجهه عبرَ التاريخ
لو كنت ترغب في مشاهدة لقاء واحد من بين جميع هذه النزالات، يجب أن تُشاهد هذا النزال حتى النهاية! إنه مجزرة، من الجولة الأولى و حتى الجولة التي انتهى فيها اللقاء بهزيمة لايل بعد سيل من اللكمات الساحقة التي لا تُصد و لا تُرد من جورج فورمان، جورج قال لاحقًا أنه لم يفز في هذا اللقاء إلا بسبب إرهاق لايل الذي كان في أواسط الثلاثينات، و لا يملك ذات الجهوزية البدنية التي يملكها فورمان العشريني.
هذا النزال، لا يُمكن أن تشاهد مثله مرة أخرى، لم يعد هناك ملاكم يجرؤ على أن يلعب بهذه الطريقة! صراع القوة الانتحاري و إثبات الذات، كل هذا اختلف الان. رون لايل و جورج فورمان، هذا اللقاء، حرفيًا هو كما يُقال: Slug Fest !
رون لايل، كما هو الحال مع محمد علي و لاري هولمز، أكّد في هذا اللقاء (4:20) أن إيرني شيفرز هو صاحب اللكمات الأقوى من بين الجميع و ليس جورج فورمان.
رون لايل، أعتقد أنه كان سيُصبح بطلًا للعالم بكل تأكيد، لو أنه ظهر في حُقبةٍ أخرى غير السبعينات الذهبية!
----------------------------------------------------------------------------------------
Larry Holmes
اللقب:
الإنجازات: 69 انتصار و 6 هزائم
لاري هولمز قد يكون المُلاكم الأعظم الذي انطلق من السبعينات بعد محمد علي، على الأقل من ناحية الإنجازات. لاري هولمز كان تلميذ محمد علي و شريكه في التدريب لمدة لا تقل عن 5 سنوات، و قد تعلم منه فنون رياضة المُلاكمة ليكتب مسيرة رائعة بعد ذلك هو بنفسه. لاري هولمز في رأيي الشخصي مظلوم إعلاميًا، فهو لا يحظى بنفس الشهرة و التقدير كما هو الحال مع جو فريزر أو جورج فورمان على سبيل المثال، و لكن هناك أسباب لذلك.
العامة سخطت على لاري هولمز مثلًا عندما قاتل محمد علي عام 1980، في تلك الأثناء علي كان قد اعتزل لمدة عامين ثم عاد من جديد لأنه كان بحاجة إلى المال، علي كان في وضعٍ صحيٍ سيءٍ جدًا، لم يكن قادرًا على ممارسة رياضة عنيفة مثل الملاكمة على الإطلاق، كان من الواضح أن مرض الباركينسون يتقدم و المزيد من خلاياه الدماغية تموت، لاري فاز في ذلك القتال بكل سهولة. في رأيي الشخصي ردة فعل العامة تجاه لاري لم تكن مُصيبة: أولًا لاري هولمز كان حريصًا على ألا يؤذي محمد علي في القتال و لم يُقاتل بمستواه الحقيقي، ثانيًا لاري تأثر كثيرًا بهذا القتال حتى أنه بكى لأنه كان خصمًا لبطل قومي بين الأمريكان الإفريقيين مثل علي.
لاري هولمز يُشبه محمد علي كثيرًا في أسلوب القتال، و كثيرًا ما شوهد و هو "يرقص" في الحلبة مثله، و هذا ليس غريبًا فهو قد تعلّم المُلاكمة من محمد، إلا أنه يملك jab أفضل من محمد علي. هولمز من أنجح مُلاكمي الوزن الثقيل عبر التاريخ، إذ لم يُهزم خلال 12 عامًا من مسيرته، و قد حافظ على لقب بطولة العالم أكثر من 7 سنوات.
مما قاله لاري هولمز عن محمد علي:
"I will walk the water for Muhammad Ali. He gave me a job, bought me boxing gloves, boxing shoes, let me box with him, train with him for five years.
"He came out to talk to kids in school for me. He came to women's prisons with me to talk to inmates. He did so much for me. He gave me a job. He put food on my table. This man was everything. I hurt more than a lot of people when we lost him."
(سأمشي فوق الماء من أجل محمد علي. لقد أعطاني وظيفة، لقد اشترى لي قفازات المُلاكمة، أحذية المُلاكمة، و جعلني أقاتل و أتدرب معه لـخمسة أعوام. لقد أتى إلى مدرستي و تكلم مع الأطفال من أجلي، لقد ذهب معي إلى سجون النساء ليتكلم مع المساجين. لقد أعطاني وظيفة، و وضع الطعام على مائدتي. هذا الرجل كان كل شيء، لقد شعرتُ بالألم أكثر من العديد من الناس عندما فقدناه).
Holmes continued: "I didn't use him. A lot of people used Muhammad Ali because he was Muhammad Ali and he let them. Why? Because he was Muhammad Ali. He was a great guy and he'd let them do that to him. When I told the principle that I was going to bring Muhammad Ali to school do you think they believed me? No. But when they saw him come out there they believed what I was saying."
(أنا لم أقم باستغلاله كما فعل آخرون. الكثير من الناس قاموا باستغلال محمد علي لأنه كان مُحمد علي و هو سمح لهم بذلك. لماذا؟ لأنه كان محمد علي، لأنه كان شخصًا عظيمًا تركهم يستغلونه. عندما أخبرتُ الناظر أنني سأجلبُ معي محمد علي إلى المدرسة هل تظنّ أنهم صدقوني؟ لا، و لكن عندما شاهدوه قادمًا صدقوا ما قلته).
----------------------------------------------------------------------------------------
Muhammed Ali
اللقب: The Greatest
السجل: فاز 56 مرة و خسر 5 مرات
محمد علي هو في رأيي الشخصي أعظم مُلاكم من الوزن الثقيل في التاريخ. محمد علي كان شخصية عظيمة، كان يطالب بحقوق السود من أصل إفريقي في الولايات المتحدة الأمريكية، في مجتمعٍ كان عنصريًا بشكلٍ لا يوصف، كان لديه الجرأة ليطالب بالعدالة الاجتماعية، أخذ على عاتقه رفع صوت السود بأكملهم في أمريكا
كان شخصًا كريمًا جدًا، يُقال أنه لم يقل يومًا "لا" لشخص يطرق بابه طلبًا للمال، و حتى أنه أنفق كل ما جمعه من الرياضة من أجل مساعدة الأطفال و الفقراء
اعتنق الإسلام في الستينات و غير اسمه من كاسيوس كلاي (الذي كان يقول أنه اسمُ عبد)، إلى مُحمد علي، تيمنًا برسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم و سيدنا علي بن أبي طالب
و في منتصف السبعينات اعتنق المذهب السني، و كان مؤمنًا جدًا و ليس مُسلمًا "بالاسم" فقط.
محمد علي جعل رياضة المُلاكمة، من رياضة محبوبة في أمريكا، إلى ظاهرة في كل أنحاء العالم.
كان يستفز خصومه و يُهينهم أمام الكاميرات، إلا أنه كان يفعل ذلك للترويج للمباريات و الرياضة، لخلق التحدي و الإثارة، و ليس للاستنقاص من شأنهم، بل كان يتحدث دائمًا عن عظمتهم و قوتهم بعد نهاية أي مباراة.
أسلوب محمد علي القتالي و مزاياه: هو صاحب الأسلوب الأشهر (ارقص كالفراشة، الدغ كالنحلة)، أسلوبه كان مختلفًا عن كل الملاكمين من قبله و من بعده. محمد علي ليس أقوى ملاكم و لم يكن متخصصًا في إسقاط خصومه بالضربة القاضية، لكنه أسرع ملاكم وزن ثقيل عبر التاريخ، و الأسرع في ردود الفعل الخارقة و في تحريك الرأس، و صاحب أفضل حركة أقدام في تاريخ الوزن الثقيل، و الأكثر براعة على الصعيد الاستراتيجي و التكتيكي مما سمح له بإجادة التعامل مع جميع الأساليب القتالية لكل الملاكمين الذين واجههم، كما أنه من أعلى الملاكمين لياقة عبر التاريخ، و من أكثرهم شجاعة و قدرة على التحمّل. محمد علي كان قادرًا على لعب 15 جولة كاملة ضد أقوى الملاكمين، و تحمّل الكثير من الضربات و لم يكن يسقط أبدًا، لديه قدرة تحمل خارقة.
محمد علي تلقى أكثر من 200 ألف لكمة خلال مسيرته كمُلاكم، لم ينسحب و لم يهرب و لم يتجنب مواجهة أي مُلاكم قوي في عصره، لم يخسر و لا مرة في تاريخه بالضربة القاضية
اكثر ما هو مذهل في مسيرة محمد علي أنه أولًا هزم جميع أساطير الستينات، و من ثم تم تجريده من رخصة الملاكمة و حرمانه منها بسبب رفضه للانضمام إلى حرب فيتنام إذ قال أنه لا يُريد أن يشارك في قتل الفيتناميين
تم حرمانه من الملاكمة 3 سنوات و نصف مما جعله يفقد سرعته الأسطورية و قدرته على الرقص، لا يوجد رياضي يغيب عن ممارسة الرياضة 3 سنوات و نصف و يعود كما كان، أبدًا
و لكن محمد علي ظل ملاكمًا عظيمًا، و entertainer حقيقي، و ذهب ليهزم جميع أبطال السبعينات، أعظم حقبة للوزن الثقيل عبر التاريخ، و لذلك فإن محمد علي هو الأعظم
هو الوحيد الذي هزم أعظم الملاكمين في أعظم حقبة للملاكمة عبر التاريخ، هزم جميع أبطال الستينات العظماء، ثم انطلق ليهزم جميع أبطال السبعينات و هو في الثلاثينات من العمر! هو الوحيد الذي واجه جميع العمالقة و هزم جميع العمالقة، لهذا هو الأفضل حتى و إن لم يكن صاحب أفضل سجل في الرياضة
محمد علي كان أسطورة للأمريكان ذوي البشرة السمراء، كان صوتهم إلى الإعلام و العالم الخارجي، الصوت الذي نادى بتحقيق العدالة و المساواة، محمد علي وهب مسيرته ليكون بطل هؤلاء الناس، هو الملاكم الأكثر تأثيرًا على الرياضة في تاريخها، و هناك نسبة هائلة من الشباب ذوي البشرة السمراء في أمريكا أصبحوا مُلاكمين بسبب محمد علي
لاري هولمز أسطورة الملاكمة دخل هذه الرياضة بفضل محمد علي، لاري هولمز كان فقيرًا مثل معظم ذوي البشرة السمراء الذين ما كانوا يحصلون على وظائف هم أو ذويهم، علي اشترى له أول قفاز ملاكمة امتلكه في حياته
مايك تايسون أحد أساطير الملاكمة، دخل هذه الرياضة اقتداء بمحمد علي، عندما خسر محمد علي ضد لاري هولمز عام 1980 بكى المراهق الصغير آنذاك مايك تايسون، مُدرب مايك تايسون اتصل بمحمد علي و قال له أن هناك بطلًا مستقبليًا يُريد أن يحادثك هاتفيًا، مايك تايسون ابن الـ14 ربيعًا وعد محمد علي على الهاتف أن ينتقم له من لاري هولمز، و فعلًا تايسون لاحقًا في مسيرته سحق هولمز بالضربة القاضية!
Lennox Lewis، واحد من أساطير الوزن الثقيل، قال أنّ محمد علي هو (his idol) في تغريدة حديثة على تويتر
Evander Holyfield، أحد الأبطال التاريخيين لرياضة الملاكمة، قال أنه استلهم الشجاعة ليُصبح بطلًا من محمد علي، و أصبح مُلاكمًا لأنه أراد أن يُصبح مثل علي
Roy Jones، أحد أفضل المُلاكمين من فئة الوزن المتوسط و صاحب المسيرة الأكثر إبهارًا، و أحد أسرع الملاكمين، أصبح مُلاكمًا بسبب قدوته مُحمّد علي.
في الستينات:
هزم Sonny Liston مرتين، سوني ليستون كان بطل العالم و لم يخسر أي مباراة قبل مواجهة محمد علي، محمد علي هزمه و انتزع منه حزام بطل العالم، ثم هزمه مرّة أخرى لاحقًا بأسلوبه الساحر: الرقص مثل الفراشة و اللدغ مثل النحلة! سوني ليستون في رأي الكثيرين من أقوى 5 ملاكمين للوزن الثقيل عبر التاريخ.
هزم Cleveland Williams المُلاكم المشهور بقوة ضرباته
هزم Henry Cooper مرتين، ملاكم آخر من الأقوياء
هزم Oscar Bonavena (ملاكم قوي، أسقط جو فريزر مرتين و خسر بالتحكيم) عام 1970 بعد انقطاع طويل عن الملاكمة بسبب قرار الحكومة الأمريكية
هزم George Chuvalo مرتين و هو مُلاكم صلب
هزم Ernie Terrell مرتين و جعل الدماء تنزف من وجهه لأنه رفض مناداته باسم "محمد علي".
في السبعينات:
فاز على Jimmie Ellis
فاز على Patterson مرتين
واجه Frazier لـ 3 مرات، فاز 2 و خسر واحدة
واجه Ken Norton لـ 3 مرات، فاز 2 و خسر واحدة
هزَم الرجل الحديدي George Foreman في لقاء تاريخي في إفريقيا
هزَم الرجل القوي Ron Lyle
هزَم Jerry Quarry مرتين
هزَم إيرني شيفرز صاحب أقوى لكمات في تاريخ الرياضة في لقاء قوي جدًا و كان آخر لقاء عظيم لمحمد علي.
نهاية مسيرة محمد علي لم تكن مثالية رياضيًا، فقد خسر لقب بطل العالم ضد المغمور ليون سبينكس قبل أن يفوز عليه من جديد ليستعيد البطولة و ليُصبح أحد الملاكمين القلة في التاريخ الذين فازوا ببطولة العالم 3 مرات
ثم اعتزل و عاد لحاجته إلى المال بعد عامين ليخسر لقاءً ضد لاري هولمز بأداء مُثير للشفقة عام 1980، و ليخسر مرة أخرى لقاءه الأخير عام 1981 و يعتزل نهائيًا، محمد علي لم يكن في وضعٍ يؤهله للعب و التنافس كملاكم، و كان عليه حقًا أن يعتزل بعد لقاء إيرني شيفرز أو بعد الفوز على سبينكس بصورةٍ نهائية.
محمد علي في مسيرته هزم 17 ملاكم من أصل 18 مُلاكم من أفضل 100 مُلاكم وزن ثقيل عبر التاريخ، و هزم 5 منهم مرتين.
اللقاء الثاني بين محمد علي و جو فريزر، قد يكون أفضل أداء قدمه محمد علي كرياضي في السبعينات، و قد استمر في ذلك اللقاء "بالرقص" حتى الجولة الأخيرة، كما كان يفعل في ستينات القرن الماضي عندما كان في أوج الشباب.
التعديل الأخير:
_6.jpg)
