hits counter

أعتقد أنه قد حان الوقت للحديث عن الeurocentrism في الأعمال الفنية وتجاهلنا لتاريخنا الغني في هذه الأعمال

YAHiA

Nightmaren
حسناً ربما قد يوحي عنوان الموضوع بأني أحد هؤلاء الذين يعانون من النقص بسبب اعتقادي بتفوق العرق الأبيض أو هذا الهراء الذي نراه في الحركات التظلمية في الغرب مثل الAfrocentric وغيره من نفسيات التويتر، في الواقع ما يجعلني أشعر بنوعٍ من القهر هو رؤية التضخيم الذي يحصل للتاريخ الاوروبي في الأعمال الفنية خصوصاً فترة العصور الوسطى التي حرفياً كانت أوروبا فيها عبارة عن دويلات صغيرة متحاربة يعتريها التخلف والاعتقادات الطفولية وليست إلا مجرد بعض القرى المتناثرة مع بعض المزارعين الذين ربما سيتم نهب قراهم بواسطة بعض القبائل الهمجية مثل الفايكنج (الذين هم بدورهم حصلوا على كمية كافية من التطبيل بالرغم من كونهم صفر من ناحية الإنجازات الحضارية) أو الشعوب الجرمانية، لكنك ترى التضخيم في الأفلام والمسلسلات والكثير من الأساطير التي تحاك بناءً على تلك الفترة، في حين أن العالم الإسلامي والشرق عموماً كان يتمتع بعصور ازدهار ومعارك تاريخية وضخمة... أعني أكبر معركة في العصور الوسطى في أوروبا (معركة جرونوالد) كانت أعداد الجيوش فيها أقل من ٤٠ ألفاً للطرفين، بينما نحن كانت معاركنا ضخمة من ناحية العدد والتأثير مثل معركة أنقرة ومعركة نهر تيريك، ومعركة البروان ومعارك علاء الدين خلجي وغيرها الكثير... أعني أوروبا كانت shithole في نظرنا لدرجة أن الخرائط من تلك الفترة كانت تضع أوروبا في أسفل الخريطة أي كأن الشمال هو الجنوب كنوعٍ من التحقير، بل حتى أغلب القادة العسكريين كانوا يتوسعون في ناحية الشرق مثل الأسكندر والمغول وتيمورلنك وغيرهم... ولا أحد أراد الاقتراب من أوروبا "الفقيرة" وسكانها ذوي الروائح النتنة، أعني فقط انظر لوصف ابن فضلان لهم.

حتى في العصور الحديثة، أوروبا تحولت من قارة عديمة الأهمية في الساحة العالمية، إلى قارة تسببت بأسوأ أنواع المجازر، مثل حرب الثلاثين عام، وحرب السنين السبع، والحروب النابليونية، وبالطبع... الحربين العالميتين، وأيضاً استعمارهم لأغلب مناطق العالم وقتها.

لماذا هم بتاريخهم المخزي يفتخرون به في أعمالهم الفنية، بينما نحن لا نفعل ذلك... أعني حتى تتخيل مدى خطورة الأمر فقط حاول تصور العصور الوسطى... ما هي أول صورة ستخطر على بالك؟ بالطبع صورة قرية أوروبية في الريف مع بعض المزارعين، أو ربما فارس يرتدي درعاً أوروبياً Knight! ولا شيء آخر!

أعني حتى أعمالهم التي تتناول تاريخنا، فهي فقط تتناول الجانب الطفولي مثل قصص الأطفال في الArabian Nights، أو علاء الدين(الذي لا يمثل شيء من ثقافتنا وأراه poorly researched في رأيي) ، أو يتناولون تاريخنا حسب نظرتهم هم كما في فلم لورنس العرب، بحيث يبرز العرب فيه بشكل همجي وغير حضاري، أو قد يلجؤون للcherry picking وينتقون من تاريخنا المعارك التي انتصروا فيها مثل فيلم معركة فيينا ١٦٨٣ (ذلك الفلم سيء، لا تشاهده) أو تلك الموقعة التافهة التي خسر فيها بربروسا في الساحل الفرنسي ومن شدة تفاهتها لم يذكرها في سيرته الذاتية بالرغم من ذكره لهزائم أكبر منها، أو معركة ليبانتو البحرية التي حرفياً لم يتأثر المسلمين فيها كثيراً جراء هزيمتهم بل عاد الأسطول الإسلامي لقوته بعد فترة قصيرة وأجبر البندقية على دفع الtributes ... يا له من "انتصار" مثير للشفقة، ومعركة بلاط الشهداء وغيرها من المعارك، وهذا الأمر لا يقتصر على على العالم الإسلامي بل الشرق كله... أعني انظر إلى جميع الأفلام التي تتناول الحرب العالمية الثانية، بالكاد ستجد أي منها ما يذكر الجبهة السوفيتية التي وقع فيها عشرات الملايين من القتلى، وبالطبع لا يمكنني تناسي فرقة سباتون ذات أغاني الروك التي تتناول التاريخ من منظور أوروبي متحيز بحت (ربما قد تعرف هذه الفرقة من بعض الميمز)، وربما يوجد بعض الأفلام التي يحاولون تبرئة أنفسهم فيها ويظهرون أنفسهم أنهم كانوا مضطرين لارتكاب جرائمهم مثل أفلام حرب العراق وفلم ميونيخ وغيرها... المساواة بين المحتل القوي والضعيف الذي يدافع عن أرضه.

يوجد الكثير من الشخصيات والقصص العظيمة في تاريخنا، فمثلاً شخصية مثل الظاهر بيبرس الذي نشأ في وسط آسيا ورأى المغول وهم يرتكبون المجازر في قومه، ليعود بعد سنوات لينتقم منهم كسلطان لأحد أقوى الدول في أكثر من معركة في قصة صعود ملهمة من مملوك لملك، ليقوم بعدها بتزوير خبر وفاته ليتسنى له التخفي والعودة لموطنه الأصلي (وإن كانت هذه الرواية مشكوك فيها)... هذه قصة من الممكن أن تتحول لعمل فني مميز لو وُضعت في الايدي الصحيحة، أو دعنا نرى الشخصيات الأقل شهرة في تاريخنا والذي يجب أن نتحمل المسؤولية لعدم اطلاعنا على تاريخههم، مثل جلال الدين منكبرتي ومغامراته بعد رؤيته لدمار دولته على يد المغول وهروب أبيه حاكم الدولة، ليقوم بعدها بتكوين دولة جديدة وجيش جديد من الصفر وتنقله من مكان لآخر للإفلات من قبضة جنكيز خان، أو ماذا عن أورنكزيب عالمكير حاكم أغنى دولة في العالم وقتها في شبه القارة الهندية و قائد أكبر جيش في العالم والذي كان يعاني من صراع نفسي وتأنيب ضمير نظراً لعزله لأبيه الذي كان قد بات حزيناً جداً على وفاة زوجته وحزنه هذا أعماه عن حكم البلاد، بل أيضاً أضطر أورنكزيب لقتال أخوه داراشيكوه الذي كان يميل لاستكمال حكم أجداده مثل جلال الدين أكبر في عدم استكمال الislamization للهند والميل للعلمانية، تلك الصراعات العائلية التي انتصر فيها أورنكزيب جعلت منه يعاني من تأنيب الضمير من حيث هل كان ما فعله هو الصحيح أما لا، مما اضطره لمخالفة نهج أجداده من خلال فرض الجزية وإقامة حكم إسلامي صحيح وقضائه أغلب فترات حكمه خارج قصره يقود جيوش ضخمة للتكفير عن ذنوبه في معارك أنهكت الدولة لفتح جنوب الهند مما جعل شعوره بالحيرة حولة صحة ما يفعله يتفاقم اكثر، لدرجة أنه لم يعلم أولاده كيفية الحكم والسياسة حتى لا ينقلبوا عليه ويعزلوه مثلما هو فهل مع والده... مما قد يكون سبباً في تضرر الدولة مستقبلاً نظراً لجهل ورثة العرش بأساسيات الحكم، لكن بالرغم من ذلك صارت دولة مغول الهند في عهده الأغنى في العالم، وصاحبة الجيش الأكبر عالمياً، وسكانها يمثلون ربع سكان العالم، لتصل الدولة لأقصى اتساعها في عهده، لينتهي به الأمر حين اقتراب مماته قائلاً:
..I have committed numerous crimes, and know not with what punishments I may be seized...

كما أن حيرته وشعوره بالذنب كانت واضحة في أحد رسائله لاحد أبناءه:

I brought nothing into this world, and, except the infirmities of man, carry nothing out. I have a dread for my salvation, and with what torments I may be punished. Though I have strong reliance on the mercies and bounty of God, yet, regarding my actions, fear will not quit me; but, when I am gone, reflection will not remain. Come then what may, I have launched my vessel to the waves.

لدرجة أنه تمنى بعد موته أن لا يخلد التاريخ ذكراه... وهذا للأسف بالنسبة له... لم يحصل...

شخصية كهذه تستحق عمل درامي ضخم... ولكن الهندوس الذين يعانون من عقدة النقص في الهند قاموا بعمل فيلم له كله بروباغندا وأظهروه كأنه حاكم ظالم ومتغطرس وعنصري ضد غير المسلمين دون التطرق لجميع جوانب حياته، وأظهروا فيه بطلهم القومي شيفاجي بشكل ميلودرامي كرنجي ومقزز ك"مقاوم" ضد أورنكزيب، بالرغم من أنه في الواقع لم يكن شيفاجي ذلك البطل المقاوم، بل مجرد war lord كان يحارب من أجل مصالحه فقط، و لم يكن ذو تهديد ضخم لأورنكزيب، في الواقع لم يكن ذو أي تأثير يذكر أصلاً في عهد أورنكزيب.

بعيداً عن الهند، ربما قد أبدو غريباً حينما أقول أن الشخصيات المجرمة في تاريخنا مثل تيمورلنك تستحق عملاً ضخماً أيضاً، ليس لتبريئه بل لاكتشاف الduality التي كان يعاني منها، أعني كان يكره ذكر المعاصي أمامه من قبل جنوده، ولكنه كان يترك جنوده يرتكبون جميع أنواع المعاصي في المدن التي يحتلونها، كان يصلي قبل كل معركة ويدعي للنصر بحيث كان يسمي نفسه سيف الإسلام، بينما في الواقع كانت أغلب حروبه ضد المسلمين، كان يحب العلم والعلماء ونقلهم لإعمار مدينته المفضلة سمرقند، ولكنه دمر جميع آمال عودة بغداد لعصرها الذهبي، وللتأكيد مرة أخرى أنا لست معجباً بهذه الشخصية، بل أراه مجرماً ويستحق أن تروى فظائعه للأجيال القادمة حتى لا ننخدع بكونه احد أعظم القادة العسكريين في تاريخنا الإسلامي ، ولكن لا ادري... لطالما أردت سلسلة تقتبس من قصته وتركز على الduality التي كان يعيشها وماضيه الذي كان يخجل منه كسارق الذي أثر في نفسه وجعله يشعر بعقدة النقص لدرجة انه لفق قصة كونه من نسل جنكيزخان يحث انه أراد أن يُرى كخليفة لجنكيزخان ومستكملاً "لفتوحاته"، لطالما تخيلته كشخصية أشلاد في فينلاند ساجا.

ويوجد الكثير والكثير من الشخصيات المثيرة للاهتمام في تاريخنا... الصالح منهم والطالح... التي قد يطول المقال بذكرهم جميعاً.

في النهاية، لا نريد أن يتم تجاهل تاريخنا العظيم هكذا بينما الغرب يمجد تاريخه المخزي في أعمالهم الفنية، وما حك أنفك إلا ظفرك، بحيث لا نريدهم أن يقدموا روايتهم هم عن تاريخنا في أعمالهم، بل يجب نحن أن نريهم القصة الحقيقية في محاولات جادة هذه المرة، تاريخنا وثقافتنا تستحق أن تتحول لقصص عالمية وتستحق أن تحاك حولها الاساطير لتكون جزءاً من الفلكلور العالمي، ربما هذا قد يكون الوقت المناسب لمناقشة هذا الموضوع بعد إعلان فلم نابليون.
 
التعديل الأخير:

Eye

السوسة
الكل يطبل لنفسه ولثقافته ، ولان الغرب الان يسود فهو يطلع حتى ابشع مجرميه بابهى صورة مثل دراكولا

المهمة تقع على عاتقنا باظهار حضارتنا بالشكل الذي نريدها تظهر فيه
 

Qué mirás bobo

True Gamer
التاريخ يكتبه المنتصرون، للأسف حضارتهم تسيطر على العلوم والتكنولوجيا والاعلام.
لا ألوم الأوروبيين بل ألوم المنتجين العرب.
التاريخ العربي والاسلامي مليء بالبطولات ما يكفي لصناعة آلاف الأفلام والمسلسلات.
 

Z E R O

True Gamer
اليابانيين لهم دور بهذا، يحبون الارض اللي يمشي عليها الأوروبي ويطبلون له اكثر من نفسه. الايسكاي جنرا كاملة عن شلون حلمهم يكونون اوروبين بالقرون الوسطى.
 

YAHiA

Nightmaren
ربما أحد التريندات حالياً هي الأعمال الفنية لإبراز الشخصيات التاريخية الأفريقية، وللأسف هذا قد أخذ منحىً غريباً، مثل سرقة تاريخ الغير وتزويره عنوة، وهذا الأمر backfired على مؤيدي حركة الafrocentric وجعلت من الصورة النمطية للسود أنهم يعانون من inferiority complex أكثر وضوحاً وسوءاً، في الواقع يوجد ملوك أفارقة عظام في تاريخنا الإسلامي تغنيهم عن سرقة تاريخ غيرهم، مثل:

- كافور الإخشيدي: من عبد أسود سُلبت رجولته منه ويعاني من تشوه في قدميه وعرضة للسخرية، إلى حاكم ما قد تكون أقوى دولة إسلامية وقتها، الدولة الإخشيدية، كان عبداً، وعند سيده تعلم القراءة والكتابة، ومن ثم تم بيعه للسلطان ليتم تعيينه كمشرف على الأمراء، ومن ثم وصي على الأمير الذي تسلم الحكم من بعد أبيه... وهكذا صار حاكماً وقاد العديد من الحملات العسكرية، أعني يوجد material جيد هنا، مع بعض الdramatization من الممكن أن نحصل على عمل ممتاز.

- منسا موسى: أعني هل أحتاج أن أقول شيئاً هنا... هذا أغنى رجل في التاريخ! حاكم إمبراطورية مالي التي وصلت في أقصى اتساعها في عهده... اكتشاف الأمريكتين... وغيره من الإنجازات، أعني كيف لهؤلاء السود أن يتناسوا أن أغنى رجل في التاريخ هو منهم ولكن بالرغم من ذلك يسرقون تاريخ غيرهم!

- مالك عنبر: عبد حبشي تم بيعه لينتهي به الأمر إلى الهند، كون جيشاً صغيراً من 1500 رجل، وعرفوا بشجاعتهم ولجوئهم لأسلوب حروب العصابات، وهذا أدى إلى تسابق ممالك الهند إلى أن تقوم بتعيينه هو وجيشه كمرتزقة ليحارب معهم.
 

Mr.Assassin19

True Gamer
مثلما قال المثل "التاريخ يكتبه المنتصر"
يعني شوف مثلًا طريقة عرضهم لهتلر والنازيين والشيوعيين والروس في غالبية أعمالهم
ماذا لو كنا في عالم موازي وانتصروا هؤلاء عليهم أو انتهى بهم الأمر متعادلين معهم وكانوا أنداد لهم؟
ما أظن الجرأة "والقوة في إظهار الحقائق التاريخية" على حد قولهم ستكون بهذا الشكل الذي نراه كل فترة

غير نزعتهم العنصرية لبني جنسهم وكونهم يرون نفسهم أعلى وأرقى من أغلب حضارات وشعوب العالم
هم أصحاب التقدم العلمي والتقني وهذا أعطاهم أفضلية كبيرة في هذه الأمور

الواجب يقع على المنتجين العرب إلي أغلب وقتهم مشغولين يقلدوا البرامج والأفكار الإنجليزية اللهم يغيروا حرف من العنوان فقط
والأمر مش مقتصر فقط على البرامج بل حتى المسلسلات والأفلام العربية كثير منها مستلهم من أفكار وأجندات أوروبية أمريكية
والمصيبة أغلب الوقت لما يقتبسوا الأعمال التاريخية تشوف كمية هبد أو يتم تحويلها لسلاح إعلامي يلمع فئة أو يضرب أخرى
 

retha

from a parallel universe
هاه؟ مب هذا الي يقولونه حقين إيرا؟
 

YAHiA

Nightmaren
حسناً، أعتقد أنه يجب أن أفند بعض الحجج القادمة من بعض الأفلام "التاريخية"، لأنه للأسف نحن نعيش في فترة يتم اعتبار الأفلام فيها كمرجع تاريخي، وهذا الأمر خطير، فمثلاً رأيت الكثير ممن يتخذون من فلم "الرسالة" كمرجع لسيرة النبي ﷺ، وهنا في هذا التعليق أريد تفنيد جميع الحجج التي ساهمت في تشويه تاريخنا الإسلامي بسبب هذه الأفلام، وسأركز الآن على الهند، نظراً للحملة القوية ضد التاريخ الإسلامي منذ أن وصل حزب الـBJP للحكم، على أن أتناول مناطق أخرى من العالم الإسلامي في ردود أخرى هنا في هذا الموضوع إن شاء الله.

حسناً، يبدو أن الحملة التي نشأت مؤخراً ضد تاريخ الحكم الإسلامي في الهند نجحت جزئياً في جعل المسلمين في الهند يخجلون من تاريخهم، وجعل الهنادكة أكثر فخراً بتاريخهم وبتاريخ "مقاومتهم" ضد الاحتلال الإسلامي، ولعل أكثر فترة يهاجمها الهنادكة هي فترة "مغول الهند" أو "المغل" (Mughals)، الفترة التي تلت سلطنة دلهي، وربما السبب في ذلك هو كون فترة مغول الهند تمثل العصر الذهبي للمسلمين للهند، بل للهند ككل، سأحاول تناول الحجج التي حاولوا إلصاقها بسلاطين مغول الهند واحدة واحدة، حسب ترتيب السلاطين.

- ظهير الدين محمد بابر كان شاذ جنسياً، ومحاولة محو معركة خانوه من التاريخ:

طبعاً بابر هو مؤسس دولة مغول الهند بعد أن هزم سلطنة دلهي التي كانت تحت حكم الأفغان في معركة باني بت، وأذل الهنادكة الراجبوت في معركة خانوه الكبرى بعد أن حاولوا خيانته، يوجد مسلسل هندي عن بابر بإنتاج ضخم، وهذا المسلسل تجاهل بشكل شبه كامل لمعركة خانوه، والسبب هنا لماذا حدث ذلك؟ أعتقد أن السبب واضح، هم لا يريدون عرض الحقيقة كاملة، بل يريدون عرض الجزء من الحقيقة الذي لا يغيظهم، وطبعاً عندما توجد معركة هم ينتصرون فيها على مغول الهند سترى كمية تضخيم لتلك المعركة بشكل لا يصدق، يا رجل رأيت معارك كلا الطرفان لا يتجاوز فيها بضعة آلاف من الجنود، لكن بالرغم من ذلك، استهبال بوليوود سيستغل تلك المعارك أبشع استغلال، ليس مهماً تأثير المعركة على أرض الواقع أو على مجرى التاريخ، المهم أنهم انتصروا فيها، بينما معركة كبرى مثل خانوه يتم تجاهلها، معركة لعبت دوراً أساسياً في تأسيس دولة مغول الهند وبداية فترة جديدة في تاريخ الهند... نااااه دعك منها، تلك المعركة ستسبب لهم الإحراج، بحيث أن بابر تمكن من التفوق على جيش يزيد عن مائة ألف من الهنادكة (والأفغان الذين تحالفوا معهم لاسترداد ملكهم المسلوب) بحيش صغير لا يقارن مع جيش الهنادكة من حيث العدد.

أن تجعل انحيازك لدين أو طائفة معينة أثناء تطويرك لعمل تاريخي هو أمر كارثي، وذلك لأن عملك التاريخي هذا قد يتخذه الناس كمصدر وقد يزور الحقيقة، وكما رأيت، بابر حارب الأفغان المسلمين، ومن ثم الهنادكة الكفار، وهذا يعني أن الصراعات في تلك الوقت كان صراعات لبسط النفوذ، والدين لم يلعب دوراً كبيراً في كثيرٍ من تلك المعارك.

الآن نأتي لنوع آخر من التزوير... وهو التزوير الذي يطعن في الشخص نفسه، فمثلاً تم اتهم بابر بأنه شاذ جنسياً، وكان على علاقة مع شاب آخر اسمه "بابري" منذ أن كان عمره 16 عاماً، ويتحججون أن بابر نفسه صرح بذلك في كتاب سيرته الذاتية "بابرنامه"، والفصل الذي يتناول هذه العلاقة هو كالآتي:

GS6PKxJ.png

47wU6Lx.png

طبعاً هذه الترجمة العربية للكتاب، وقد تمت ترجمة هذا الكتاب من اللغة الفارسية، والتي بدورها تمت الترجمة إليها من اللغة الجغطائية المنقرضة حالياً، إذن كل ترجمات البابرنامه أخذت من الترجمة الفارسية، أي النسخة الغير أصلية، وقد يبدو لك من بعد قراءة الصفحتين أعلاه من الترجمة العربية للبابرنامه أن أن بابر كان فعلاً معجباً ببابري، ولكن في اللغة العربية استخدام مصطلحات مثل "حب" و "عشق" بين رجلين لا يعني أنهما في علاقة شاذة، بل مجرد علاقة صداقة عادية فقط، ويبدو أن الشيء نفسه موجود في اللغة الفارسية، أما بالنسبة للغة الجغطائية، اللغة الأصلية للكتاب، فلا أدري، إذ أن هذه اللغة قد انقرضت، فلا يمكن الجزم بنوع العلاقة بين بابر وبابري، وبالتالي لا يمكننا القول أنهما كانوا في علاقة شاذة إلا بوجود دليل قاطع، أعني... بابر تزوج 9 نساء طوال فترات حياته، وأنجب العديد من الأبناء، فكيف لشخص كهذا أن يكون شاذاً؟! ولماذا الترجمة الإنجليزية أضافت كلمة "desire" أي الرغبة عند وصف بابر شعوره تجاه بابري؟!

وبناءً على ما توصلت إليه من بحثي عن بابر وبابري (والذي للأسف لم أجد أي مصادر عربية كافية عن حياة بابر)، فكون بابر شاذ جنسياً أو ازدواجي الرغبة الجنسية هو احتمال ضعيف جداً بل قد يصل لدرجة التلفيق، إذ أن بابر لم يذكر أن لديه أي غلمان، خصوصاً أنا بابر كان صريحاً جداً في البابرنامه، مما زاد من مصداقية الكتاب لدى المؤرخين، ويعتبر البابرنامه من أفضل الأعمال التاريخية والأدبية وإنه لأمر مخزي أن لا توجد ترجمة عربية كاملة للكتاب بينما توجد ترجمات أخرى كاملة مثل الإنجليزية.

قد تتسائل لماذا يصر الهنادكة على جعل بابر شاذاً، الجواب ببساطة هو: مسجد بابري، وهو مسجد أسسه بابر عام 1528، ويعتقد الهنادكة أن المسجد تم بناءه على أنقاض معبد هنددوسي قديم، وللأسف تم هدم هذا المسجد التاريخي بدون أي ردة فعل مشرفة من الدول الإسلامية، فقط حتى تتخيل مدى فظاعة الأمر، تصور لو تم هدم المسجد الأموي أو المسجد العمري؟ ستكون كارثة كبيرة بالنسبة لنا، وتحجج الهنادكة أن مسجد بابري ليس إلا مسجد تم بناءه من أجل حب بابر لبابري في علاقتهم "الشاذة" حسب رأيهم المضروب.


شخصية عظيمة مثل بابر يجب أن يقرأ عنها الجميع، ولا تجعل شح المصادر العربية المخجل عائقاً لك، بابر من الشخصيات التاريخية المفضلة لدي، لأني أراه relatable بشكلٍ كبير على عكس الكثير من الشخصيات التاريخية الإسلامية، على الأقل بالنسبة لي، عليك أن تطلع على سيرته لتفهم ما أقصده.


"بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله

وصيَّة سريَّة من ظهير الدين مُحمَّد بابُر پادشاه غازي إلى الأمير ناصر الدين مُحمَّد همايون، أطال الله بقاءه.

من أجل استقرار المملكة كتبتُ إليك هذه الوصيَّة: أيَ بُني: إنَّ دولة الهند ملئية بِالعقائد المُتباينة، والحمدُ لِله الحق العليّ المُجيد أن وهبك مُلكها، وإنَّهُ لِمن الصواب أن تُقدم بِقلبٍ خالٍ من كُلِّ تعصُّبٍ دينيٍّ على نشر العدل تبعًا لِعقائد كُل جماعة من الناس، وبِوجهٍ خاصٍ أن تمتنع عن ذبح البقر، فإنَّ هذا هو السبيل لامتلاك قُلُوب الشعب في هندُستان، ورعايا مملكتك سيُخلصون لك الإخلاص كُلَّه إن أحسُّوا منك حدبًا وعطفًا. والهياكل وأماكن العبادة لِكُلِّ فرقةٍ دينيَّةٍ تحت حُكمك يجب أن لا تُخرِّبها، وانشر العدل بين النَّاس حتَّى يعيشُ الحاكمُ سعيدًا مع رعاياه، وحتَّى يعيش الرعايا سُعداء مع حاكمهم. وإنَّ انتشار الإسلام ليتحقق بِسلاح العطف والمحبَّة خيرًا مما يتحقق بِسلاح الضغط والاضطهاد. تجاهل النزاع والتخاصم بين الشيعة والسُنَّة، ففي هذا منبتُ الضعف في الإسلام، وضُمَّ الرعايا من مُختلف العقائد حول الأُسس الأربعة بحيثُ يُصبح كيان الدولة مُحصنًا ضدَّ عوامل الضعف المُختلفة. وتذكَّر أعمال حضرة تيمور صاحب القران والوفاق حتَّى تبلغ الرُشد في أُمُور الحُكم، وليس علينا إلَّا النُصح."

- رسالة بابر لابنه همايون الذي سيتسلم الحكم من بعده... أهذا هو الحكم الإسلامي "المتطرف والعنصري" للهند كما هو موضح في الرسالة؟

- شاه جهان كان في علاقة جنسية مع ابنته:

شاه جهان هو السلطان الذي شهد عهده استقراراً وازدهاراً انعكس تأثيرهما على الآثار المعمارية الضخمة التي تركها مثل تاج محل (أحد عجائب الدنيا السبع)، والحصن الأحمر وغيرها من المباني المذهلة، وهو خامس سلاطين مغول الهند، في آخر حياته تم عزله من قِبَل ابنه أورنكزيب، وقضى آخر سنين حياته مريضاً تحت رعاية ابنته "جهانارا" التي كانت تحب أباها وتهتم به كثيراً، أباها الذي بات حزيناً على وفاة زوجته "ممتاز محل" التي كان يحبها لدرجة أنه بنى تاج محل لتُدفن زوجته فيه، وقضى شاه جهان سنين مرضه قبل مماته في معزله يرى تاج محل من بعيد ولكنه غير قادر على زيارته حتى توفى ليدفن بالقرب من زوجته في تاج محل، وطبعاً قصة إنسانية وحزينة كهذه لا أريد الدخول في تفاصيلها، ولكن الهنادكة كعادتهم أرادوا تشويه هذه القصة من خلال روايتهم المقززة الآتية:

يقولون أن شاه جهان رأى زوجته في ابنته جهانارا، إذ أن جهانارا كانت تشبه أمها كثيراً، ولهذا أحب ابنته لدرجة أنه مارس الجنس معها أثناء بقائها معه لرعايته أثناء مرضه.

طبعاً كمية الاستهبال الموجودة في روايتهم هذه من السهل الرد عليها، أولاً كان مكان إقامة شاه جهان في آخر حياته بعد عزله شديد الحراسة وتحت المراقبة، مما سيجعل قيام علاقة كهذه مستحيلاً، غير أن شاه جهان كان طاعناً في السن ومريضاً لدرجة أنه كان بالكاد كان قادراً على المشي، وأورنكزيب كان متديناً جداً ولن يسمح بحصول شيء مقزز كهذا، وطبعاً لا يوجد أي دليل تاريخي قوي يدل على تواجد علاقة كهذه.

وللأسف ستجد العديد من علاقات زنا المحارم التي يتم اتهام سلاطين مغول الهند بها... وكلها باطلة.


- أورنكزيب كان عنصرياً ضد غير المسلمين، ومتطرفاً:

آخ... أورنكزيب عالمكير... الحاكم الأكثر جدلاً في تاريخ الهند! ولكن لماذا هو بالذات؟ حسناً، فترة حكم أورنكزيب شهدت وصول دولة مغول الهند لأقصى اتساعها، تربعت الهند على عرش أغنى دولة في العالم وباتت الهند تسيطر على 25% من التجارة العالمية متفوقة على الصين، وبجيش تعداده 900,000 مقاتل، أي الجيش الأضخم في العالم، وأورانكزيب كان معروفاً بتدينه الشديد على عكس أسلافه لدرجة أنه صار بُعرف بسادس الخلفاء الراشدين، اتُّهم بهدمه للمعابد، ولكن على أرض الواقع لم يهدم إلا معابد القبائل المتمردة عليه، وهدم المعابد كان معروف بين الهندوس قبل الإسلام لإلغاء سلطة القبيلة المنافسة، وأورانكزيب عمِلَ بهذا العرف، في الواقع تم بناء الكثير من المعابد الهندوسية في عهد أورنكزيب، أكثر بكثير من المعابد التي هُدمت في عهده، واتُّهم أيضاً بقتله لجورو السيخ وقتها، في الواقع اضطر أورانكزيب فعل ذلك لإنهاء تمرد ذلك الغورو، وكانت الديانة السيخية وقتها حديثة العهد، ودعوتها بدأت تصل لمناطق خارج شبه القارة الهندية، أعني دعوتهم وصلت للعراق! مما كان نذيراً لما قد تشكله هذه الديانة الجديدة من مخاطر على الإسلام، واتُّهم أورنكزيب باضطهاده لهندوس الماراثا، في الواقع الماراثا كانت دويلة هندوسية صغيرة بدأت تتأسس في عهد أورنكزيب، وبدأت تشكل خطراً على الدويلات المسلمة في منطقة الدكن في الهند، وللأسف يتم تصوير الماراثا على أنهم مقاومين للاحتلال الإسلامي تحت قيادة شيفاجي في الأفلام الهندية، بالرغم من أن الصراع بين أورنكزيب والماراثا كان لبسط النفوذ لا أكثر وبعيداً عن الصراعات الدينية، أعني كان الهندوس والمسلمين يحاربون في صف أورنكزيب، ونفس الشيء لدى الماراثا، وبعد وفاة أورانكزيب، بدأت دولة مغول الهند تدخل في مرحلة الضعف والصراعات الداخلية مما جعل دولة الماراثا تتوسع بشكل أكبر حتى صارت أكبر وأقوى دولة في شبه القارة الهندية، ولكنها لم تصل للمجد الذي كان لمغول الهند أيام عزهم، وفشلت الماراثا في ملء فراغ القوة الذي نشأ من بعد دولة مغول الهند، مما جعل من شبه القارة الهندية فريسة سهلة لدى الاحتلال البريطاني، ومن المضحك أن نرى الماراثا الذين تسببوا في ضياع الهند يتم تصويرهم كأبطال مقاومين بينما أورنكزيب الذي تمكن من هزيمة شركة الهند الشرقية (بمعنى آخر بريطانيا) في حرب Child يتم تصويره على أنه الantagonist في الأفلام الهندية.

72055405.jpg

في أحد الأفلام الهندية التي صدرت مؤخراً، من لعب دور أورنكزيب هو ممثل من أصول إيرلندية، مهزلة.

4yjutgz.jpg

رسمة للإنجليز وهم يطلبون من أورنكزيب أن يسامحهم ويعفو عنهم بعد هزيمتهم
في النهاية أورنكزيب كان يعمل بمقتضيات عصره، والصراع بينه وبين الماراثا هو صراع سياسي بحت وليس بديني، كما أنه استمر في جعل الهندوس مقربين لديه وأعطاهم أعلى المناصب ولم يكن عنصرياً كما يتم تصويره الآن، وهذا يحعلنا نعود لنفس السؤال، لما أورنكزيب بالذات؟ لماذا يتم انتقاده هو بدون التطرق لغيره من حكام الهند المسلمين؟ الجواب ببساطة هو تدينه، مما جعله وسيلة سهلة للتفريق بين المسلمين والهندوس، في الواقع، إن كان يوجد شيء يجب أن يتم انتقاد أورنكزيب عليه، فهو إنهاك الدولة في حروبه مع الماراثا وابتعاده عن العاصمة مما جعل أولاده عديمين للخبرة في الحكم، ما جعل سلاطين مغول الهند من بعده غير قادرين على الحكم بمثل الكفاءة التي كان يتمتع بها أورنكزيب، ولقد وضحت هذا في المقال أعلاه، أورنكزيب كان يرى أن الجهاد المستمر سيضمن بقاؤه قوياً وعدم ضعفه مثل والده الذي عَزَلَه، إذ أن عزله لوالده كان سبباً في شعوره بالذنب الذي طارده طيلة حياته، وأيضاً رأى أورنكزيب أنه بحاجة للمزيد من الأراضي حتى يتمكن من منح الأراضي للولاة والأمراء... ربما قد كان أورنكزيب غير موفق في قراره هذا وغير مدرك لما قد سيحصل بعد مماته، ولكنه سيظل أحد أعظم الحكام في تاريخنا الإسلامي، فَرَحِم الله أبو المظفر محي الدين محمد أورنكزيب عالمكير الذي جعل من دولة مغول الهند أضخم دولة حكمت شبه القارة الهندية.

main-qimg-7d6464b07624cb923c5b9d190441fb87-lq

خريطة تقريبية لحدود دولة مغول الهند في أقصى اتساعها، وركز على كلمة تقريبية هنا، ويُعتقد حسب رأي عددٍ من المتخصصين في التاريخ أنها الأكبر في تاريخ شبه القارة،
حتى أكبر من الدولة الماورية التي كان يُعتقد أنها الأكبر في تاريخ شبه القارة.



الختام

دولة مغول الهند من أعظم الدول الإسلامية في التاريخ، كل سلطان لهذه الدولة وبالأخص الستة الأوائل منهم لديه قصة إنسانية ومثيرة للاهتمام وrelatable بشكل كبير في حياتنا الواقعية (هذا الكلام ينطبق بدرجة أقل على جلال الدين أكبر)، إذ أن كل سلطان منهم كان يعاني من شيءٍ ما، وما يعانون منه هو أمر طبيعي نمر به نحن كناس عاديين، مثل الضعف أمام ملذات الدنيا، الشعور بالذنب، الإدمان وغيرها، وهذا ما جعل قصصهم واقعية وrelatable بالنسبة لي، ولطالما كنت مهتماً بتاريخهم بسبب شح المصادر العربية عنهم مما أثار من فضولي في تاريخهم أكثر، بل تاريخ حقبة إمبراطوريات البارود ككل (Islamic Gunpowder Empires)، والمقصود بها الحقبة التي تواجدت بها الدولة العثمانية، والدولة الصفوية، ودولة مغول الهند (أو الدولة التيمورية كما كانوا يسمون أنفسهم)، وكون مغول الهند من نسل تيمورلنك المجرم، يذكرني بكيف كان بركة خان من نسل جنكيز خان المجرم أيضاً، أعرف الكثير عن تاريخ حقبة البارود هذه، وما هو موجود في هذا الرد ما هو إلا غيض من فيض من تاريخ هذه الدولة، بل كنت أخطط لكتابة مقال ضخم للسلاطين الستة الأوائل هنا في القسم العام، ولكن ألغيت الفكرة... ربما لوقتٍ آخر، ومن المضحك المبكي أنه ربما الرد العربي الوحيد على الشبهات التي أثيرت حول هذه الدولة أتى على شكل تعليق في منتدى ألعاب.
 

YAHiA

Nightmaren
هاه؟ مب هذا الي يقولونه حقين إيرا؟
تاعين إيرا هم عبارة عن حبة مدلعين ومترفين وبتحسسوا من اي اشي، أنا قادر أخترع جنس جديد وأنظم حملة للمطالبة بحقوقهم وراح ألاقي كثير مؤيدين هناك، لكن هنا إحنا بنحكي عن مواضيع أكبر زي تزوير حقائق تاريخية والبروباغندا والBJP وحاجات ثانية مختلفة تماماً
 

YAHiA

Nightmaren
الآن سأنتقل في الحديث من شرق العالم الإسلامي لغربه، وبالتحديد الدولة العثمانية، وسأركز على أهم معركة يتفاخر بها الغرب، ألا وهي معركة فيينا التي وقعت في عام 1683، وكانت هذه المعركة هي نهاية التوسع الإسلامي في أوروبا... للأبد، ولكن نريد أن ننظر لهذه المعركة من جديد ونرى لماذا هذه المعركة قد وقعت من الأساس، وهل هي تستحق كل ذلك التطبيل ؟ ولماذا دائماً يتم تقديم هذه المعركة بشكل ميلودرامي بحت كصراع بين الخير المتمثل في "المقاومة" الأوروبية وبين الشر المتمثل في "الاحتلال" الإسلامي؟ ولماذا هذه المعركة حصلت على عدد من الأعمال الفنية (فيلم وأغنية من سباتون وغيرها)؟

خلفية تاريخية:

في عهد محمد الفاتح، كان هدف العثمانيين واضح، وهو فتح روما وصقلية وغيرها من الأراضي الإيطالية من بعد ما فُتحت القسطنطينية، إذ أن محمد الفاتح رأى نفسه أنه "قيصر الروم" الجديد بعد فتح القسطنطينية (right of the conquest)، وبالتالي فإن فتح روما وغيرها من الأراضي الإيطالية ما هو إلا "استرداد" لأراضي الدولة البيزنطية "المسلوبة"، كما أن محمد الفاتح رأى أن صقلية وجنوب إيطالية كانت تحت حكم المسلمين من قبل (دولة الأغالبة) وبالتالي يجب أن تعود للمسلمين، وبالفعل محمد الفاتح تمكن من فتح "أورطنط" في جنوب إيطاليا (أورطنط موجودة في أقصى جنوب كعب الحذاء) بعد أن تمكن من هزيمة البندقية وفتح ألبانيا بالكامل الذي تم بسقوط "شقودرة" شمال ألبانيا، لكن فتوحات العثمانيين في إيطاليا لم تكتمل، إذ أن محمد الفاتح قد توفي لسببٍ ما أثناء قيادته لجيشٍ ضخم، وبالتالي خلفه ابنه بيازيد الثاني المعروف باسم "بيازيد الولي" لتدينه، وصعد بيازيد للحكم بعد انتصاره في حربٍ أهلية ضد أخيه "جيم" والذي يعرف أيضاً بـ "زيزم"، وانشغال العثمانيين في تلك الحرب الأهلية أعطى فرصة للأوروبيين لاسترداد أورطنط، وبعد أن تم الحكم لبيازيد الثاني، لم يقم بكثيرٍ من الفتوحات في عهده، وربما أحد أسباب ذلك هو كون الدولة العثمانية قد أُنهكت في الحروب في عهد محمد الفاتح، كما أن الإنكشارية فضلوا بيازيد الثاني على جيم، إذ أن جيم كان مثل أباه محمد الفاتح، مغرم بالفتوحات، والانكشارية يبدو أنهم سئموا من الحروب المستمرة فأرادوا التوقف والتقاط أنفاسهم.

في عهد بيازيد الثاني حدث تغيرات تاريخية، أهمها: سقوط الأندلس، وإيجاد الأوروبيون لطرق بديلة للتجارة مع الهند والصين و اكتشاف الأمريكتين كذلك، بحيث أن الدافع لاكتشاف لطرق التجارة هذه و الأمريكتين هو سيطرة العثمانيين والمماليك على أهم طرق التجارة المؤدية للصين والهند، وبالتالي أراد الأوروبيون إيجاد طرق بديلة، ولكن بالصدفة تم اكتشاف الأمريكتين، هذا كان بمثابة ناقوس خطر للعثمانيين، إذ أن أهم مصدر للدخل لهم أصبح مهدداً، لكن هذا الخطر لم يكن متجلياً في عهد بيازيد الثاني، وفي عهد هذا السلطان بيازيد، تم إنقاذ عدد من المسلمين واليهود من محاكم التفتيش في الأندلس، وبداية المحاولات الجادة لإنشاء الأسطول العثماني، وبداية دخول الطابعة بشكل خجول للدولة العثمانية (ولم تصدر فتوى رسمية لتحريمها بالمناسبة)، وكذلك بداية الصراع العسكري بين العثمانيين والصفويين و أيضاً الصراع بين العثمانيين والمماليك المؤسف الذي انتهى بانتصار العثمانيين في عهد سليم الأول بن بيازيد الثاني المعروف بالمتجهم.

بدأ خطر سيطرة الأوروبيين على الأمريكتين والطرق البديلة للتجارة يتجلى أكثر فأكثر في عهد سليمان القانوني بن سليم الأول، وأدرك العثمانيين أنه يجب حل لهذه المعضلة إذ أن المستقبل أصبح مشرقاً للأوروبيين ويبدو أن العثمانيين إن لم يتصرفوا لحل هذه المعضلة، فإن كونهم كقوة عظمى لن يدوم، وخصوصاً مع ظهور الدولة الصفوية التي هددت طرق التجارة المؤدية للهند.

محاولات العثمانيون للتصدي للتوسع الأوروبي التجاري والقوة المتنامية لأوروبا:

الموقع الجغرافي للدولة العثمانية كان نعمة ونقمة أيضاً بالنسبة لهم، فالبرغم من موقعهم الجغرافي المميز الذي يحوي طرق تجارية مهمة، إلا أنهم مطوقين بالدول والإمبراطوريات المعادية لهم من كل النواحي، فمن الغرب يوجد أسبانيا والبرتغال، من الشرق يوجد الدولة الصفوية، ومن الجنوب يوجد الخطر البرتغالي، ومن الشمال يوجد كلاً من روسيا وبولندا والنمسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة والبندقية، كل هؤلاء كانوا في حالة حرب وعداء مع الدولة العثمانية، وتميزت دول أوروبا الغربية بإطلالها على المحيط الأطلسي الذي مكنهم من الوصول لطريق رأس الرجاء الصالح واكتشاف العالم الجديد، وهذا ما هدد اقتصاد الدولة العثمانية، ولهذا يجب على العثمانيين إيجاد وسيلة للوصول للمحيط الأطلسي، ولعل أبرز وسيلة لتحقيق ذلك هي... احم (أتمنى أن لا يتحول الأمر إلى حرب في التعليقات...) هي... احتلال المغرب (يأخذ نفساً عميقاً)، ولكن جهود العثمانيين بالسيطرة على المغرب فشلت، ولا أريد أن أدخل بالتفاصيل الصراع بين العثمانيين والمغرب حتى لا يُغلق الموضوع، في النهاية العثمانيين لم يروا أن إعادة السيطرة على المغرب هو أمر يستحق العناء، كما أن سيطرتهم على المغرب ستشكل نقطة ضعف جديدة لهم أمام أسبانيا والبرتغال التي ستستغلان المغرب كمكان لبداية عملياتهم ضد العثمانيين نظراً لقرب المغرب من شبه الجزيرة الإيبيرية، قد تقول لماذا لم تلجأ كلاً من المغرب والدولة العثمانية إلى حل الأمر دبلوماسياً؟ في الواقع كانت العلاقة بينهما متردية جداً، والمغرب لن تسمح بوجود أي موانىء أو تأثير عثماني على أرضها، ومحاولة سيطرة العثمانيين على المغرب زادت الأمر سوءاً ولنفرض أن المغرب سمحت بتواجد العثمانيين على أرضها، فلا يستطيع أحد أن يضمن نجاح العثمانيين في الوصول للعالم الجديد أو التصدي لأسبانيا والبرتغال، وذلك بسبب بعد خطوط الإمداد وغيرها من المشاكل.

وبالتالي العثمانيين عليهم إيجاد خل آخر بعد فشل خطة المغرب، في عهد سليم الثاني (ابن سليمان القانوني)، تم طرح فكرة حفر قناة السويس، لنقل السفن العثمانية من إسطنبول للهند والتصدي للخطر البرتغالي في الجنوب وتأمين طريق التجارة مع الهند، ولكن لم تتوفر إمكانيات حفر قناة مثل هذه في ذلك العصر وبالتالي تم هجر المشروع، وقد تتسائل مرة أخرى، لماذا لم يقم العثمانيين ببناء موانئ في شبه الجزيرة العربية؟ ألن يسهل ذلك عليهم الوصول للهند والتصدي للبرتغال؟ في الواقع بناء الموانئ في الصحراء لهو أمر شبه مستحيل، وذلك بسبب عدم توافر الغابات التي توفر مصدراً للأخشاب لبناء السفن.

والآن يبدو أن العثمانيين لم يوفقوا في إيجاد حل من خلال البحار والمحيطات، ولكن ماذا عن الحلول البرية؟! أعني، الجيش العثماني كان من أقوى إن لم يكن أقوى جيش بري وقتها، وهنا لجأ العثمانيون لإنهاء الدولة الصفوية وتأمين طريق تجارتهم مع الهند، وقد تحارب العثمانيون والصفويون من قبل في عهدي سليم الأول وسليمان القانوني، ففي عهد سليم الأول تحارب الطرفان في معركة جالديران، وانتهت بانتصار العثمانيين ولكن العثمانيين لم يتمكنوا من التوغل في عمق الدولة الصفوية وحسم الصراع للأبد، نظراً لتضاريس المنطقة وبُعد خطوط الإمداد، وفي عهد سليمان القانوني، تحارب الطرفان مجدداً وانتهى الأمر بانتصار العثمانيين وضم الدولة العثمانية للعراق، ولكن لم يتم حسم الصراع بشكل نهائي مرة أخرى، وفي عهد مراد الثالث (حفيد سليمان القانوني)، حصلت حرب أخرى مع الصفويين، وتمكن العثمانيون من السيطرة أراضي شاسعة من الدولة الصفوية، ووصل العثمانيين لأعمق نقطة ممكنة داخل الدولة الصفوية.

640px-Ottoman-Empire-peak-1590-map.jpg

الدولة العثمانية في أقصى اتساعها في عهد مراد الثالث (حدود تقريبية)، عام 1590، لاحظ توغل العثمانيون في عمق الدولة الصفوية

وبالرغم من الهزيمة الساحقة التي حلت بالصفويين، إلا أن العثمانيون لم يتمكنوا من فرض سيطرتهم على كامل الدولة الصفوية، والحرب كانت مكلفة بالنسبة للعثمانيين، مما جعل العثمانيين يلجأون لبعض الإجراءات التقشفية لتعويض خسائر الحرب، كما أن الأراضي التي حصل عليها العثمانيين من الدولة الصفوية لم تكن كافية لتعويض خسائر الدولة العثمانية، وفي النهاية خسر العثمانيين جميع تلك الأراضي التي حصلوا عليها من الدولة الصفوية، بسبب الاضطرابات الداخلية واشتعال الحروب مرة أخرى في أوروبا، والتي تُعرف بالحرب التركية الطويلة (Long Turkish War) التي كانت ضد الإمبراطورية الرومانية المقدسة وحلفائها من أجل السيطرة على أراضي رومانيا: الأفلاق، ترانسلفينيا، مولدوفا (تلك الحرب انتهت بدون أن يحقق أي من الطرفان أي انتصار حقيقي)، ووصول الشاه عباس الصفوي للحكم في الدولة الصفوية، والذي في عهده وصلت الدولة الصفوية لأوج قوتها، ولم يقم الشاه عباس باستعادة أراضي الدولة الصفوية وحسب، بل توغل داخل الدولة العثمانية واحتل بغداد!، والعثمانيون وقتها انشغلوا في اضطراباتهم الداخلية، وسيطرة السلطانة كوسم على الدولة لم تساعد أبداً (سلطنة الحريم)، وإعدام الإنكشارية للسلطان عثمان الثاني كان بمثابة صدمة لكل من في الدولة العثمانية وقتها، كيف يتم إعدام سلطان عثماني بهذه السهولة من قِبَل جنوده؟! وبعد وصول السلطان مراد الرابع للحكم، عزل السلطانة كوسم، وقمع تمرد الإنكشارية، وتوجه لاستعادة بغداد من الصفويين، ليتمكن العثمانيون من فتح بغداد مجدداً، ليتم ترسيم الحدود من جديد بين العثمانيين والصفويين، وبالرغم من انتصار العثمانيين، إلا أنه قد بدا للجميع أن إنهاء الدولة الصفوية هو أمر مستحيل، وبهذا خطة إنهاء الدولة الصفوية لتأمين طريق تجارة مع الهند قد فشلت، كما أن الحرب مع الصفويين والاضطرابات الداخلية منعت العثمانيين من استغلال حرب الثلاثين عام في أوروبا بالشكل المطلوب (أحتاج للتأكد من هذه المعلومة).

وبهذا جميع خطط الدولة العثمانية للتصدي لتصاعد القوة الأوروبية فشلت، أعني لقد فشلت جهود العثمانيون في السيطرة على جميع الطرق التجارية براً وبحراً، بينما القوى الأوروبية باتت لديها اليد العليا، وعندما ترى جميع خططك لمجاراة منافسك قد بائت بالفشل، وتصاعد قوة منافسك باتت بمثابة خطر وجودي بالنسبة لك، فبالتالي ما الذي ستفعله؟ صحيح! ستغزو منافسك وتحاول أن تنهيه قبل أن يتقوى أكثر! ولعل هذا هو السبب لماذا تجددت الفتوحات العثمانية في أوروبا في عهد محمد الرابع، بعد توقف دام سنين طويلة، فبعد أن أمن العثمانيون حدودهم مع الصفويين غي عهد مراد الرابع، وهدوء الأوضاع الداخلية، نعمت الدولة العثمانية بفترة من الاستقرار في عهد السلطان محمد الرابع، مما هيّأ عودة الفتوحات في أوروبا، فتم فتح أجزاء كبيرة من أوكرانيا حتى وصل العثمانيون لحدود كييف، وتم فتح جزيرة كريت، وغيرها من المناطق في شرق أوروبا.

TaLbgGf.png

أقصى توسع للعثمانيين في أوروبا، عام 1683، في عهد السلطان محمد الرابع

في أواخر سنين حكم السلطان محمد الرابع، تولى منصب الصدر الأعظم (ثاني أعلى منصب في الدولة بعد السلطان، وأحياناً أعلى منصب) قره مصطفى باشا (Kara Mustafa Pasha)، والذي كان في عام 1683 يطمح لفتح فيينا، إذ أن فيينا تمتعت بموقع جغرافي مميز، والسيطرة عليها قد يكون ضربة قوية لأوروبا لتثبيت صورة الدولة العثمانية كدولة لا تقهر في أوروبا كما هو شائع آن ذاك في القارة العجوز، أو ما يعرف بالـ (Turkish Menace).

محاولات العثمانيين لفتح فيينا قبل 1683:

أول محاولة كانت في عام 1529، يعني في عهد سليمان القانوني، لكن تلك المحاولة فشلت بسبب الأحوال المناخية (تساقط الثلج)، كما أن حصار فيينا عام 1529 أتى بعد حملة العثمانيين على المجر، إذ أن الجيش كان منهكاً، وبعدها حاول سليمان القانوني التحضير لحملة أخرى على فيينا، ولكن الانشغال في حرب مع الدولة الصفوية منع إتمام تلك الحملة.

حصار فيينا عام 1683:

والآن وبعد وفاة سليمان القانوني بـ117 عاماً، تتجدد الآمال مرة أخرى لفتح فيينا بعد استقرار الأوضاع في الدولة العثمانية، إذ أن الصدر الأعظم قره مصطفى باشا أراد تحقيق ما لم يتمكن سليمان القانون (أعظم سلطان عثماني) من تحقيقه، الأمر بدا جداً مغري لقره مصطفى، وخصوصاً أن الدولة العثمانية أمنت جميع حدودها مع خصومها الأوروبيين والصفويين، ولا يوجد أي اضطرابات داخلية، وخطوط الإمداد مؤمنة، والتحضير لهذه الحملة كان على أشده، ليقوم العثمانيون بتكوين أضخم حيش في تاريخهم، جيش تعداده 170,000 مقاتل، والحماس كان واضحاً في صفوف العثمانيين، الكل يريد نيل شرف الفتح، وكون الحملة على فيينا في شهر رمضان زاد من الحماس، فتح جوهرة أوروبا وأحد أهم مدنها، وعاصمة النمسا التابعة لعدوهم اللدود... عائلة هابسبورغ ذات النفوذ الضخم، والتي تسيطر على إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، فتح فيينا سيكون ضربة قوية لهذه العائلة، فكيف لهم بأن يتصدوا لأقوى جيش بري؟! وخصوصاً أن تعداد هذا الجيش هو الأكبر هذه المرة! ليتم بعد ذلك فرض الحصار على مدينة فيينا في 14 تموز 1683، وجميع الدول الأوروبية سلمت بالأمر الواقع، إذ أن سقوط فيينا بيد العثمانيين هو أمر محسوم وسيحدث لا محالة...

قد يبدو لك الآن أن انتصار العثمانين حتمي... لـــكــن، وهذه لكن كبيرة، المشاكل اللوجيستية في الجيش العثماني وسوء التخطيط والخيانات سيغير النتيجة التي من المفترض أن تكون محسومة للعثمانيين، فالحملة على فيينا من البداية لم يتفق عليها جميع الوزراء العثمانيين، ولكن قره مصطفى أصر على هذه الحملة، وهذا ما أزعج بعض الورزاء بسبب تجاهل قره مصطفى لهم، وبالأخص أوزون إبراهيم ومراد غيراي (حاكم تتار القرم)، ليقوم كلاهما بالانسحاب من المعركة أثناء التحام الجيشان المسلم والمسيحي، في واحدة من أكبر الخيانات في التاريخ الإسلامي، إذ أن مراد غيراي سمح بمرور الجيش البولندي (الهوسار المجنحين "Winged Hussars") من جسر الدونة بالرغم من كون مراد غيراي مؤتمناً عليه، ليتفاجىء الجيش العثماني بهجوم البولنديين، فلم يتوقع العثمانيون مشاركة بولندا في المعركة، وكما أن قره مصطفى لم يستغل الأماكن المرتفعة قبل وصول جيش الإغاثة لإنقاذ فيينا وسيطرته على تلك الأماكن التي أعطتهم ميزة استراتيجية، والأسوأ من ذلك أن قره مصطفى لم يهاجم فيينا بكامل قوة جيشه، إذ أنه لم يرد من جنوده دخول المدينة ونهبها لثلاثة أيام (وهذه كانت عادة منتشرة في ذلك الوقت)، لأنه لا يريد ضياع ثروات فيينا، كما أن الجيش العثماني كان بطيء الاستجابة للتصدي لجيش الإغاثة، كل هذه الأخطاء الاستراتيجية تسببت في خسارة العثمانيين للمعركة، وبهذا ضاع حلم فتح فيينا للأبد، واستغل الأوروبيون فرصة خسارة العثمانيين، لتقوم كلاً من روسيا والبندقية والنمسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة وبولندا بالتحالف فيما يعرف بالحلف المقدس (Holy League) وشن الهجوم على الدولة العثمانية فيما يُعرف بالحرب التركية العظمى (Great Turkish War)، في تحالف ضخم نرى فيه روسيا لأول مرة تتحالف مع دول أوروبا الغربية، ليتسبب هذا التحالف في خسارة العثمانيين الكثير من أراضيهم في أوروبا، فخسر العثمانيون المجر، وترانسلفينيا، وبلغراد والجبل الأسود، لتخسر بذلك الدولة العثمانية قدرتها على التوسع في أوروبا وتتحول من وضعية الهجوم للدفاع، ومع نهاية الحرب التركية العظمى وقع العثمانيون على معاهدة مذلة جعلتهم مجرد قوة أوروبية عادية، لتنتهي أسطورة الدولة التي لا تُقهر.

بالنسبة لي، من المفترض أن حملة كهذه من الأفضل أن تُلغى من الأساس، وذلك لأن انتصار أو هزيمة العثمانيين ستؤدي لنتيجة واحدة، ألا وهي تكون حلف أوروبي قوي للتصدي لهم، فالحل الأفضل في رأيي المتواضع هو محاولة سعي العثمانيين في تكوين حلف قوي مع دولة مغول الهند والأوزبك، إذ أن كلاً منهم أراد مواجهة الصفويين بدايات القرن السابع عشر،وأن تترك الدولة العثمانية الPride problem التي يعانون منها والتي حالت بينهم وبين تكوين حلف مع مغول الهند، لأن حلفاً كهذا سينهي الدولة الصفوية وسيؤمن طريقاً للتجارة مع الهند، وأن تلجأ الدولة العثمانية للدبلوماسية في أوروبا، ومحاولة تكوين حلف مع بولندا للتصدي للخطر الروسي.

الخلاصة:

كما رأيت، فقد خسر العثمانيون في فيينا نظراً لسوء التخطيط والخيانات والمشاكل اللوجيستية، وليس لشجاعة أو دهاء الأوروبيين كما يتم التصوير الآن لنا، ولم تحدث أي معجزات أو غيرها من الخرافات التي ابتدعها الأوربيون في أفلامهم عن هذه المعركة، ولكن لماذا يركزون على هذه المعركة الذي انتصروا فيها بسبب الحظ؟ أعني توجد الكثير من المعارك التي أُذل فيها الأوربيون مثل معركة نيقوبوليس التي خسر فيها تحالف صليبي ضخم ومعركة فارنا التي أنهت الحملات الصليبية، ومعركتي كوسوفو الأولى والثانية، فالأولى مهدت الطريق للعثمانيين لفتح البلقان، الثانية أنهت أحلام الأوروبيين في إنقاذ القسطنطينية، وأيضاً معركة بروزة البحرية، التي خسر فيها أكبر قوة بحرية أوروبية، وماذا عن حملة شارلكان الخامس (أحد أعظم ملوك عائلة هابسبورغ) الفاشلة على الجزائر التي دمرت شعبيته وتسببت في مماته من الحزن كما يشاع؟ كما أن الهابسبورغ ارتكبوا الكثير من المجازر في العالم الجديد، فلا أدري لماذا يتم تصويرهم كأبطال.

لكن هذا هو طبع الغرب... الـCherry Picking، فَهُم يختارون المعارك التي انتصروا فيها ويضخمونها بشكل كبير، ويبدو أنهم نجحوا في جعل العثمانيين أضحوكة في الإنترنت بالرغم من انتصاراتهم المشرفة كما ذكرت قبل قليل، أعني أيها الأوربيون أنتم لم تتمكنوا من هزيمة العثمانيين إلا بعد استغلالكم لسوء تخطيطهم وبالرغم من ذلك احتجتم لتكوين حلف ضخم مثل الحلف المقدس الذي ضم أغلب الدول الأوروبية لإيقاف توسع العثمانيين، وإن كان هذا يدل على شيء، فهو يدل على قوة العثمانيين وقتها، ونحن كعرب يجب أن ننظر للعثمانيين نظرة حيادية، لا تعظيم فيها ولا تبخيس، فلهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لا نطبل لهم من أجل أي أجندة ولا نجحف بحقهم أيضاً، فمثلما ننصف الدولة الأموية والعباسية، فيمكننا فعل نفس الشيء مع العثمانيين، فهذه كانت فترة الحكم العاض، وبالطبع ستشوبها الكثير من الأمور المثيرة للجدل.
 

YAHiA

Nightmaren

يا شيخ نفسي ألاقي قناة alt history زي الخلق... الراجل بيتكلم عن غزو السعودية والأماكن المقدسة وبيقول "I like this time line"، لا والمشكلة بيقول انه حتكون ردة فعل مضادة في العالم الإسلامي... بس مجرد ردة فعل؟! هذا كأنه مش سامع بحاجة اسمها "إعلان الجهاد"؟ يا راجل كل شخص بيقول لا إله إلا الله حتى لو كان مسلم بالاسم راح يلعن شرف أمريكا لو هذا الغزو صار... لغيت اشتراكي من قناته
 

YAHiA

Nightmaren
حسناً، أعتقد أنه يجب أن أفند بعض الحجج القادمة من بعض الأفلام "التاريخية"، لأنه للأسف نحن نعيش في فترة يتم اعتبار الأفلام فيها كمرجع تاريخي، وهذا الأمر خطير، فمثلاً رأيت الكثير ممن يتخذون من فلم "الرسالة" كمرجع لسيرة النبي ﷺ، وهنا في هذا التعليق أريد تفنيد جميع الحجج التي ساهمت في تشويه تاريخنا الإسلامي بسبب هذه الأفلام، وسأركز الآن على الهند، نظراً للحملة القوية ضد التاريخ الإسلامي منذ أن وصل حزب الـBJP للحكم، على أن أتناول مناطق أخرى من العالم الإسلامي في ردود أخرى هنا في هذا الموضوع إن شاء الله.

حسناً، يبدو أن الحملة التي نشأت مؤخراً ضد تاريخ الحكم الإسلامي في الهند نجحت جزئياً في جعل المسلمين في الهند يخجلون من تاريخهم، وجعل الهنادكة أكثر فخراً بتاريخهم وبتاريخ "مقاومتهم" ضد الاحتلال الإسلامي، ولعل أكثر فترة يهاجمها الهنادكة هي فترة "مغول الهند" أو "المغل" (Mughals)، الفترة التي تلت سلطنة دلهي، وربما السبب في ذلك هو كون فترة مغول الهند تمثل العصر الذهبي للمسلمين للهند، بل للهند ككل، سأحاول تناول الحجج التي حاولوا إلصاقها بسلاطين مغول الهند واحدة واحدة، حسب ترتيب السلاطين.

- ظهير الدين محمد بابر كان شاذ جنسياً، ومحاولة محو معركة خانوه من التاريخ:

طبعاً بابر هو مؤسس دولة مغول الهند بعد أن هزم سلطنة دلهي التي كانت تحت حكم الأفغان في معركة باني بت، وأذل الهنادكة الراجبوت في معركة خانوه الكبرى بعد أن حاولوا خيانته، يوجد مسلسل هندي عن بابر بإنتاج ضخم، وهذا المسلسل تجاهل بشكل شبه كامل لمعركة خانوه، والسبب هنا لماذا حدث ذلك؟ أعتقد أن السبب واضح، هم لا يريدون عرض الحقيقة كاملة، بل يريدون عرض الجزء من الحقيقة الذي لا يغيظهم، وطبعاً عندما توجد معركة هم ينتصرون فيها على مغول الهند سترى كمية تضخيم لتلك المعركة بشكل لا يصدق، يا رجل رأيت معارك كلا الطرفان لا يتجاوز فيها بضعة آلاف من الجنود، لكن بالرغم من ذلك، استهبال بوليوود سيستغل تلك المعارك أبشع استغلال، ليس مهماً تأثير المعركة على أرض الواقع أو على مجرى التاريخ، المهم أنهم انتصروا فيها، بينما معركة كبرى مثل خانوه يتم تجاهلها، معركة لعبت دوراً أساسياً في تأسيس دولة مغول الهند وبداية فترة جديدة في تاريخ الهند... نااااه دعك منها، تلك المعركة ستسبب لهم الإحراج، بحيث أن بابر تمكن من التفوق على جيش يزيد عن مائة ألف من الهنادكة (والأفغان الذين تحالفوا معهم لاسترداد ملكهم المسلوب) بحيش صغير لا يقارن مع جيش الهنادكة من حيث العدد.

أن تجعل انحيازك لدين أو طائفة معينة أثناء تطويرك لعمل تاريخي هو أمر كارثي، وذلك لأن عملك التاريخي هذا قد يتخذه الناس كمصدر وقد يزور الحقيقة، وكما رأيت، بابر حارب الأفغان المسلمين، ومن ثم الهنادكة الكفار، وهذا يعني أن الصراعات في تلك الوقت كان صراعات لبسط النفوذ، والدين لم يلعب دوراً كبيراً في كثيرٍ من تلك المعارك.

الآن نأتي لنوع آخر من التزوير... وهو التزوير الذي يطعن في الشخص نفسه، فمثلاً تم اتهم بابر بأنه شاذ جنسياً، وكان على علاقة مع شاب آخر اسمه "بابري" منذ أن كان عمره 16 عاماً، ويتحججون أن بابر نفسه صرح بذلك في كتاب سيرته الذاتية "بابرنامه"، والفصل الذي يتناول هذه العلاقة هو كالآتي:

GS6PKxJ.png

47wU6Lx.png

طبعاً هذه الترجمة العربية للكتاب، وقد تمت ترجمة هذا الكتاب من اللغة الفارسية، والتي بدورها تمت الترجمة إليها من اللغة الجغطائية المنقرضة حالياً، إذن كل ترجمات البابرنامه أخذت من الترجمة الفارسية، أي النسخة الغير أصلية، وقد يبدو لك من بعد قراءة الصفحتين أعلاه من الترجمة العربية للبابرنامه أن أن بابر كان فعلاً معجباً ببابري، ولكن في اللغة العربية استخدام مصطلحات مثل "حب" و "عشق" بين رجلين لا يعني أنهما في علاقة شاذة، بل مجرد علاقة صداقة عادية فقط، ويبدو أن الشيء نفسه موجود في اللغة الفارسية، أما بالنسبة للغة الجغطائية، اللغة الأصلية للكتاب، فلا أدري، إذ أن هذه اللغة قد انقرضت، فلا يمكن الجزم بنوع العلاقة بين بابر وبابري، وبالتالي لا يمكننا القول أنهما كانوا في علاقة شاذة إلا بوجود دليل قاطع، أعني... بابر تزوج 9 نساء طوال فترات حياته، وأنجب العديد من الأبناء، فكيف لشخص كهذا أن يكون شاذاً؟! ولماذا الترجمة الإنجليزية أضافت كلمة "desire" أي الرغبة عند وصف بابر شعوره تجاه بابري؟!

وبناءً على ما توصلت إليه من بحثي عن بابر وبابري (والذي للأسف لم أجد أي مصادر عربية كافية عن حياة بابر)، فكون بابر شاذ جنسياً أو ازدواجي الرغبة الجنسية هو احتمال ضعيف جداً بل قد يصل لدرجة التلفيق، إذ أن بابر لم يذكر أن لديه أي غلمان، خصوصاً أنا بابر كان صريحاً جداً في البابرنامه، مما زاد من مصداقية الكتاب لدى المؤرخين، ويعتبر البابرنامه من أفضل الأعمال التاريخية والأدبية وإنه لأمر مخزي أن لا توجد ترجمة عربية كاملة للكتاب بينما توجد ترجمات أخرى كاملة مثل الإنجليزية.

قد تتسائل لماذا يصر الهنادكة على جعل بابر شاذاً، الجواب ببساطة هو: مسجد بابري، وهو مسجد أسسه بابر عام 1528، ويعتقد الهنادكة أن المسجد تم بناءه على أنقاض معبد هنددوسي قديم، وللأسف تم هدم هذا المسجد التاريخي بدون أي ردة فعل مشرفة من الدول الإسلامية، فقط حتى تتخيل مدى فظاعة الأمر، تصور لو تم هدم المسجد الأموي أو المسجد العمري؟ ستكون كارثة كبيرة بالنسبة لنا، وتحجج الهنادكة أن مسجد بابري ليس إلا مسجد تم بناءه من أجل حب بابر لبابري في علاقتهم "الشاذة" حسب رأيهم المضروب.


شخصية عظيمة مثل بابر يجب أن يقرأ عنها الجميع، ولا تجعل شح المصادر العربية المخجل عائقاً لك، بابر من الشخصيات التاريخية المفضلة لدي، لأني أراه relatable بشكلٍ كبير على عكس الكثير من الشخصيات التاريخية الإسلامية، على الأقل بالنسبة لي، عليك أن تطلع على سيرته لتفهم ما أقصده.


"بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله

وصيَّة سريَّة من ظهير الدين مُحمَّد بابُر پادشاه غازي إلى الأمير ناصر الدين مُحمَّد همايون، أطال الله بقاءه.

من أجل استقرار المملكة كتبتُ إليك هذه الوصيَّة: أيَ بُني: إنَّ دولة الهند ملئية بِالعقائد المُتباينة، والحمدُ لِله الحق العليّ المُجيد أن وهبك مُلكها، وإنَّهُ لِمن الصواب أن تُقدم بِقلبٍ خالٍ من كُلِّ تعصُّبٍ دينيٍّ على نشر العدل تبعًا لِعقائد كُل جماعة من الناس، وبِوجهٍ خاصٍ أن تمتنع عن ذبح البقر، فإنَّ هذا هو السبيل لامتلاك قُلُوب الشعب في هندُستان، ورعايا مملكتك سيُخلصون لك الإخلاص كُلَّه إن أحسُّوا منك حدبًا وعطفًا. والهياكل وأماكن العبادة لِكُلِّ فرقةٍ دينيَّةٍ تحت حُكمك يجب أن لا تُخرِّبها، وانشر العدل بين النَّاس حتَّى يعيشُ الحاكمُ سعيدًا مع رعاياه، وحتَّى يعيش الرعايا سُعداء مع حاكمهم. وإنَّ انتشار الإسلام ليتحقق بِسلاح العطف والمحبَّة خيرًا مما يتحقق بِسلاح الضغط والاضطهاد. تجاهل النزاع والتخاصم بين الشيعة والسُنَّة، ففي هذا منبتُ الضعف في الإسلام، وضُمَّ الرعايا من مُختلف العقائد حول الأُسس الأربعة بحيثُ يُصبح كيان الدولة مُحصنًا ضدَّ عوامل الضعف المُختلفة. وتذكَّر أعمال حضرة تيمور صاحب القران والوفاق حتَّى تبلغ الرُشد في أُمُور الحُكم، وليس علينا إلَّا النُصح."

- رسالة بابر لابنه همايون الذي سيتسلم الحكم من بعده... أهذا هو الحكم الإسلامي "المتطرف والعنصري" للهند كما هو موضح في الرسالة؟

- شاه جهان كان في علاقة جنسية مع ابنته:

شاه جهان هو السلطان الذي شهد عهده استقراراً وازدهاراً انعكس تأثيرهما على الآثار المعمارية الضخمة التي تركها مثل تاج محل (أحد عجائب الدنيا السبع)، والحصن الأحمر وغيرها من المباني المذهلة، وهو خامس سلاطين مغول الهند، في آخر حياته تم عزله من قِبَل ابنه أورنكزيب، وقضى آخر سنين حياته مريضاً تحت رعاية ابنته "جهانارا" التي كانت تحب أباها وتهتم به كثيراً، أباها الذي بات حزيناً على وفاة زوجته "ممتاز محل" التي كان يحبها لدرجة أنه بنى تاج محل لتُدفن زوجته فيه، وقضى شاه جهان سنين مرضه قبل مماته في معزله يرى تاج محل من بعيد ولكنه غير قادر على زيارته حتى توفى ليدفن بالقرب من زوجته في تاج محل، وطبعاً قصة إنسانية وحزينة كهذه لا أريد الدخول في تفاصيلها، ولكن الهنادكة كعادتهم أرادوا تشويه هذه القصة من خلال روايتهم المقززة الآتية:

يقولون أن شاه جهان رأى زوجته في ابنته جهانارا، إذ أن جهانارا كانت تشبه أمها كثيراً، ولهذا أحب ابنته لدرجة أنه مارس الجنس معها أثناء بقائها معه لرعايته أثناء مرضه.

طبعاً كمية الاستهبال الموجودة في روايتهم هذه من السهل الرد عليها، أولاً كان مكان إقامة شاه جهان في آخر حياته بعد عزله شديد الحراسة وتحت المراقبة، مما سيجعل قيام علاقة كهذه مستحيلاً، غير أن شاه جهان كان طاعناً في السن ومريضاً لدرجة أنه كان بالكاد كان قادراً على المشي، وأورنكزيب كان متديناً جداً ولن يسمح بحصول شيء مقزز كهذا، وطبعاً لا يوجد أي دليل تاريخي قوي يدل على تواجد علاقة كهذه.

وللأسف ستجد العديد من علاقات زنا المحارم التي يتم اتهام سلاطين مغول الهند بها... وكلها باطلة.


- أورنكزيب كان عنصرياً ضد غير المسلمين، ومتطرفاً:

آخ... أورنكزيب عالمكير... الحاكم الأكثر جدلاً في تاريخ الهند! ولكن لماذا هو بالذات؟ حسناً، فترة حكم أورنكزيب شهدت وصول دولة مغول الهند لأقصى اتساعها، تربعت الهند على عرش أغنى دولة في العالم وباتت الهند تسيطر على 25% من التجارة العالمية متفوقة على الصين، وبجيش تعداده 900,000 مقاتل، أي الجيش الأضخم في العالم، وأورانكزيب كان معروفاً بتدينه الشديد على عكس أسلافه لدرجة أنه صار بُعرف بسادس الخلفاء الراشدين، اتُّهم بهدمه للمعابد، ولكن على أرض الواقع لم يهدم إلا معابد القبائل المتمردة عليه، وهدم المعابد كان معروف بين الهندوس قبل الإسلام لإلغاء سلطة القبيلة المنافسة، وأورانكزيب عمِلَ بهذا العرف، في الواقع تم بناء الكثير من المعابد الهندوسية في عهد أورنكزيب، أكثر بكثير من المعابد التي هُدمت في عهده، واتُّهم أيضاً بقتله لجورو السيخ وقتها، في الواقع اضطر أورانكزيب فعل ذلك لإنهاء تمرد ذلك الغورو، وكانت الديانة السيخية وقتها حديثة العهد، ودعوتها بدأت تصل لمناطق خارج شبه القارة الهندية، أعني دعوتهم وصلت للعراق! مما كان نذيراً لما قد تشكله هذه الديانة الجديدة من مخاطر على الإسلام، واتُّهم أورنكزيب باضطهاده لهندوس الماراثا، في الواقع الماراثا كانت دويلة هندوسية صغيرة بدأت تتأسس في عهد أورنكزيب، وبدأت تشكل خطراً على الدويلات المسلمة في منطقة الدكن في الهند، وللأسف يتم تصوير الماراثا على أنهم مقاومين للاحتلال الإسلامي تحت قيادة شيفاجي في الأفلام الهندية، بالرغم من أن الصراع بين أورنكزيب والماراثا كان لبسط النفوذ لا أكثر وبعيداً عن الصراعات الدينية، أعني كان الهندوس والمسلمين يحاربون في صف أورنكزيب، ونفس الشيء لدى الماراثا، وبعد وفاة أورانكزيب، بدأت دولة مغول الهند تدخل في مرحلة الضعف والصراعات الداخلية مما جعل دولة الماراثا تتوسع بشكل أكبر حتى صارت أكبر وأقوى دولة في شبه القارة الهندية، ولكنها لم تصل للمجد الذي كان لمغول الهند أيام عزهم، وفشلت الماراثا في ملء فراغ القوة الذي نشأ من بعد دولة مغول الهند، مما جعل من شبه القارة الهندية فريسة سهلة لدى الاحتلال البريطاني، ومن المضحك أن نرى الماراثا الذين تسببوا في ضياع الهند يتم تصويرهم كأبطال مقاومين بينما أورنكزيب الذي تمكن من هزيمة شركة الهند الشرقية (بمعنى آخر بريطانيا) في حرب Child يتم تصويره على أنه الantagonist في الأفلام الهندية.

72055405.jpg

في أحد الأفلام الهندية التي صدرت مؤخراً، من لعب دور أورنكزيب هو ممثل من أصول إيرلندية، مهزلة.

4yjutgz.jpg

رسمة للإنجليز وهم يطلبون من أورنكزيب أن يسامحهم ويعفو عنهم بعد هزيمتهم
في النهاية أورنكزيب كان يعمل بمقتضيات عصره، والصراع بينه وبين الماراثا هو صراع سياسي بحت وليس بديني، كما أنه استمر في جعل الهندوس مقربين لديه وأعطاهم أعلى المناصب ولم يكن عنصرياً كما يتم تصويره الآن، وهذا يحعلنا نعود لنفس السؤال، لما أورنكزيب بالذات؟ لماذا يتم انتقاده هو بدون التطرق لغيره من حكام الهند المسلمين؟ الجواب ببساطة هو تدينه، مما جعله وسيلة سهلة للتفريق بين المسلمين والهندوس، في الواقع، إن كان يوجد شيء يجب أن يتم انتقاد أورنكزيب عليه، فهو إنهاك الدولة في حروبه مع الماراثا وابتعاده عن العاصمة مما جعل أولاده عديمين للخبرة في الحكم، ما جعل سلاطين مغول الهند من بعده غير قادرين على الحكم بمثل الكفاءة التي كان يتمتع بها أورنكزيب، ولقد وضحت هذا في المقال أعلاه، أورنكزيب كان يرى أن الجهاد المستمر سيضمن بقاؤه قوياً وعدم ضعفه مثل والده الذي عَزَلَه، إذ أن عزله لوالده كان سبباً في شعوره بالذنب الذي طارده طيلة حياته، وأيضاً رأى أورنكزيب أنه بحاجة للمزيد من الأراضي حتى يتمكن من منح الأراضي للولاة والأمراء... ربما قد كان أورنكزيب غير موفق في قراره هذا وغير مدرك لما قد سيحصل بعد مماته، ولكنه سيظل أحد أعظم الحكام في تاريخنا الإسلامي، فَرَحِم الله أبو المظفر محي الدين محمد أورنكزيب عالمكير الذي جعل من دولة مغول الهند أضخم دولة حكمت شبه القارة الهندية.

main-qimg-7d6464b07624cb923c5b9d190441fb87-lq

خريطة تقريبية لحدود دولة مغول الهند في أقصى اتساعها، وركز على كلمة تقريبية هنا، ويُعتقد حسب رأي عددٍ من المتخصصين في التاريخ أنها الأكبر في تاريخ شبه القارة،
حتى أكبر من الدولة الماورية التي كان يُعتقد أنها الأكبر في تاريخ شبه القارة.



الختام

دولة مغول الهند من أعظم الدول الإسلامية في التاريخ، كل سلطان لهذه الدولة وبالأخص الستة الأوائل منهم لديه قصة إنسانية ومثيرة للاهتمام وrelatable بشكل كبير في حياتنا الواقعية (هذا الكلام ينطبق بدرجة أقل على جلال الدين أكبر)، إذ أن كل سلطان منهم كان يعاني من شيءٍ ما، وما يعانون منه هو أمر طبيعي نمر به نحن كناس عاديين، مثل الضعف أمام ملذات الدنيا، الشعور بالذنب، الإدمان وغيرها، وهذا ما جعل قصصهم واقعية وrelatable بالنسبة لي، ولطالما كنت مهتماً بتاريخهم بسبب شح المصادر العربية عنهم مما أثار من فضولي في تاريخهم أكثر، بل تاريخ حقبة إمبراطوريات البارود ككل (Islamic Gunpowder Empires)، والمقصود بها الحقبة التي تواجدت بها الدولة العثمانية، والدولة الصفوية، ودولة مغول الهند (أو الدولة التيمورية كما كانوا يسمون أنفسهم)، وكون مغول الهند من نسل تيمورلنك المجرم، يذكرني بكيف كان بركة خان من نسل جنكيز خان المجرم أيضاً، أعرف الكثير عن تاريخ حقبة البارود هذه، وما هو موجود في هذا الرد ما هو إلا غيض من فيض من تاريخ هذه الدولة، بل كنت أخطط لكتابة مقال ضخم للسلاطين الستة الأوائل هنا في القسم العام، ولكن ألغيت الفكرة... ربما لوقتٍ آخر، ومن المضحك المبكي أنه ربما الرد العربي الوحيد على الشبهات التي أثيرت حول هذه الدولة أتى على شكل تعليق في منتدى ألعاب.

حسناً هذا الرد سيكون من باب الاستطراد لا أكثر، بالنسبة للأساطير الهندية التي لا تنتهي حول التاريخ (هذا لأنهم مازالوا عالقين في الماضي بسبب حاضرهم التعيس ومستقبلهم المجهول)، فأحد أشهر الأساطير الشائعة عندهم هي أسطورة Vikramaditya، وهو عبارة عن حاكم هندي بدأ حكمه عام 57 قبل الميلاد، وتمكن من فتح كل هذه المناطق:

empireofvikramaditya1.jpg

طبعاً، هذه مجرد أسطورة، ولكن يوجد الكثير من الهندوس من يؤمنون بأنها قصة حقيقية، طبعاً من الناحية التاريخية لا يوجد أي آثار لهذه الإمبراطورية المزعومة، والدليل على ذلك هو تواجد الكثير من الإمبراطوريات في تلك الفترة، مثل الصين وفارس والروم وغيرهم، فلو كانت إمبراطوريتهم المزعومة هذه موجودة، فلما وُجدت تلك الإمبراطوريات في نفس الفترة أيضاً، ولكن قد يتزعم شخص ما ويقول الحكام المنهزمون لا يسجلون تاريخ من هزمهم، حسناً، مع احترامي لكن هذه من أغبى الحجج التي سمعتها، وماذا عن المغول؟ لماذا تاريخهم موثق بشكلٍ ممتاز، أو الإسكندر الأكبر؟ وغيرهم، وقد يتحجج شخص آخر ويقول إذاً مملكة سليمان (عليه السلام) تعتبر أكذوبة كذلك بسبب عدم وجود آثار لها... هذا رد ذكي وخبيث، حسناً، أنا معك في هذه، ربما لا يوجد آثار لمملكة بني إسرائيل المزعوم أنها كانت إمبراطورية لم يكن مثلها لا قبلها ولا بعدها، ولكن أريد أن تقرأ عن ماذا حدث في العالم بعد موت سليمان (عليه السلام)، ما حدث هو الكثير من الاضطرابات والحروب الأهلية في الممالك في كل العالم، وهذا مسجل وموثق، وإن كان هذا يدل على شيء فهو يدل على حالة الanrachy والفوضى التي حصلت بعد وفاة إمبراطور العالم، وصاحب الملك الأقوى سليمان (عليه السلام).

الآن يدعي الهندوس أن دولة مغول الهند ليست أكبر إمبراطورية حكمت الهند، ويرون أن الدولة الماورية التي حكمت الهند قبل الإسلام هي الأكبر:

main-qimg-1a49f54fabb483faba640d29d5700982-lq
خريطة الدولة الماورية في أقصى اتساعها

لكن بعض المؤرخين الحديثين يرون أن الدولة الماورية أصغر مما هو معلوم لدينا، إذ أنه لا يوجد آثار لها في جميع أنحاء شبه القارة، فبالتالي الخريطة الحقيقية هي هذه:

main-qimg-4c45040d017dbc3bf914bde38a0a00c4-pjlq

هذا والله أعلم، قد تتسائل لماذا أنا لجأت للمقارنة بين الأحجام هذه، هذا بسبب طريقة الهندوس الطفولية والغير أكاديمية في الرد على معارضيهم، ولو كانوا حياديين وأكاديميين في ردودهم لسلكنا مسلكاً مختلفاً في الحوار معهم، بحيث أن تاريخ المسلمين فيه الصالح والطالح في الهند، ولكن لا، هم لا يرون التاريخ إلا بلونين، إما أبيض أو أسود، لقد قرأت لهم الكثير من الردود التي تعبر عن انعدام انسانيتهم وانعدام المنطق فيما يخص المسلمين، بما في ذلك تشجيعهم لممارسات ذلك الكيان ذو العلم الأرزق والأبيض في "دفاعه عن نفسه" و"قتله" للـ"إرهابيين"، ولهذا سأرد عليهم بنفس الطريقة، فلا يفل الحديد إلا الحديد، الهندوس طوال تاريخهم كانوا لمم ومفرقين، ولم تظهر كلمة "هندوسي" إلا من المسلمين الذين حكموا الهند، للإشارة لهذه الجماعات الغير المسلمة في الهند، أي نحن المسلمين من أعطيناهم هويتهم التي يتفاخرون بها، نحن من دافعنا عن الهند ضد الغزو المغولي، نحن من صنعنا لهم العصر الذهبي في عهد مغول الهند، نحن من دافعنا بشكلٍ حقيقي ضد الغزو البريطاني على عكس غاندي الشاذ والعنصري، نحن من اخترعنا جميع الأشياء التي مشهورة بها الهند الآن، من أطعمة وملابس وموسيقى، كل ما تعرفه عن ثقافة الهند ف99% أصله إسلامي، حتى في ساحة الأفلام، فعائلة خان المسلمة هي المسيطرة على الساحة، ولذلك الهندوس يشعرون بعقدة النقص، إذ أن كل شيء معروف عنهم تقريباً يرجع في الأصل للمسلمين، وبالتالي لا أحد يعرف شيء عن الحصارة الهندوسية، وفي الواقع، لا نريد أن نعرف شيء عن تلك الحضارة المقززة التي تسمح بزواج المرأة من أكثر من رجل، أو تسمح بهرطقة وخرافة العلاج بالطاقة والشكرات.
 
التعديل الأخير:
أعلى