Street Fighter V (8)

لو كان القارىء الكريم ليسألني حول لعبتي القتالية المفضلة من ألعاب الجيل الماضي، لأجبتُ بكونها ستريت فايتر الرابعة بلا تردد. ليس ذلك فحسب، بل أستطيع أن أقول بثقة بأن الجزء الرابع من هذه السلسلة العريقة كان أحد أفضل وأروع ألعاب الجيل الماضي ككل.

ستريت فايتر4 هي أحد الألعاب التي يدينُ لها الجيل الماضي بالفضل الكثير على صعيد الألعاب القتالية، فقد كان لها أبرز الأثر في إعادة إحياء الاهتمام بهذا الصنف من الألعاب، وإشعال عشقها في قلوب اللاعبين مرة أخرى. بالنسبة لشركة مثل كابكوم فإن اللعبة كانت مُخاطرة مأمونة العواقب. تكلفة تطوير اللعبة لم تكن ضخمة، فهي لا تحتوي على مئات النصوص الممثلة صوتياً ولا مقاطع الفيديو باهظة التكلفة، ويكفي فريق متوسط لإنتاجها، كما أن اسم ستريت فايتر لم يكن قد فقد كل شعبيته بعد، فهو أحد أقدم الأسماء في صناعة الألعاب.

هذه المخاطرة “المحسوبة” كانت منفذة بطريقة جريئة وذكية للغاية. اللعبة تم تسويقها بطريقة عبقرية عن طريق الكشف عن عودة الشخصيات الكلاسيكية من السلسلة تباعاً، بدلاً من الكشف عن جميع الطاقم في آنٍ واحد كما كانت تفعل الألعاب الأخرى أحياناً. بالإضافة إلى ذلك استخدمت اللعبة طرازاً رسومياً جميلاً ثلاثي الأبعاد، فجمعت بين مزايا الألعاب ثلاثية الألعاب من ناحية المظهر، وبين طريقة اللعب ثنائية الأبعاد التي حافظت على جوهر و روح السلسلة.

يوشينوري أونو مُنتج السلسلة اعترف أن كابكوم أساءت تقدير شعبية أطوار اللعب الكلاسيكية
كابكوم اعترفت أنها أساءت تقدير شعبية أطوار اللعب الكلاسيكية، ما الذي لم تُسىء كابكوم تقديره في هذا المشروع الكارثي أصلاً؟

لذلك يؤسفني حقاً أن كابكوم أساءت معاملة العنوان إلى درجة قد تكون ضربت مستقبل السلسلة وأثرت كثيراً على أدائها التجاري في الأسواق. الطريقة التي أدارت بها كابكوم لعبة ستريت فايتر الخامسة هي نموذج حقيقي على السوء الإداري، الطمع، وقصر النظر. إليكم أبرز النقاط التي أخفقت كابكوم في التعامل معها فيما يخص الجزء الخامس من سلسلة مقاتلي الشوارع ستريت فايتر:

  • متى ستفهم الشركات اليابانية أن لا مكان للحصريات في سوق الألعاب الحالي؟ أولاً تومب رايدر من سكوير إينكس، والآن ستريت فايتر من كابكوم. ستريت فايتر الرابعة بحسب بعض المصادر قد دنت مبيعاتها من 3 مليون نسخة على جهاز الإكس بوكس 360، فكيف قبلت كابكوم أن تُضحي بهذه النسبة من المستهلكين من أجل بضعة دولارات لحصرية اللعبة من طرف سوني؟ بالطبع كابكوم تعذرت بأنها لا تمتلك القدرة المالية على إنتاج اللعبة لوحدها، لكننا ننظر إلى النتائج المالية لكابكوم لنرى واقعاً مغايراً لهذه التصاريح، فكابكوم تحقق أرباح معقولة كل عام، وبالتأكيد لديها القدرة على تمويل مشروع ستريت فايتر الخامسة لوحدها. كابكوم باختصار وافقت على صفقة سوني، وبذلك دقت أول مسمار في نعش شعبية السلسلة على نطاق واسع بحصرها على جهاز واحد “طوال الجيل”.
  • من أجل اللحاق بحدث Evo السنوي، قررت كابكوم أن تُعجل إصدار اللعبة وتُطلقها في الأسواق وهي في حالة غير منتهية وغير جاهزة للإصدار على الإطلاق. فقر المحتويات في اللعبة وقت الإصدار لا يصدق. هل يُخبر أحدكم كابكوم بأن Evo ليس كأس العالم ؟ في الأساس من هو جمهور Evo؟ هو فئة تتكون من بضعة آلاف من المحترفين والمخلصين لصنف ألعاب القتال ولسلسلة ستريت فايتر، لكن هذا الجمهور الضئيل لا يعكس واقع السوق وجمهور اللعبة الذي وصل إلى 6-7 مليون شخص للجزء الرابع من السلسلة. تكسير الأرقام القياسية في عدد التسجيل والإقبال للعبة في مهرجان Evo لم يُفدها بشيء على النطاق التجاري بأي شكل من الأشكال.
كابكوم استغرقت وقتاً طويلاً أيضاً لتحل مشكلة عقاب المنسحبين من اللعب الجماعي عبر الشبكة، مما أثار غضب بعض اللاعبين
كابكوم استغرقت وقتاً طويلاً أيضاً لتحل مشكلة عقاب المنسحبين من اللعب الجماعي عبر الشبكة، مما أثار غضب بعض اللاعبين
  • بالحديث أكثر عن نقص المحتويات في اللعبة، كيف سمحت كابكوم للعبتها أن تصدر وهي منقوصة الشكل بهذه الصورة ؟ طور القصة المتواجد في اللعبة هو أقصر ما شاهدتُ منذ سنوات، إذ يرتكز على تواجد خمسة قتالات فقط لكل مقاتل، وتقديم القصة بأسلوب الخلفيات الثابتة وبعض السطور أسفله بأسلوب أكل عليه الدهر وشرب، وانقرض منذ أواخر التسعينات مع العروض السينمائية التي تواجدت في سلسلة تيكن. كابكوم كانت معذورة بالميزانية المتوسطة للجزء الرابع من السلسلة حيث عادت السلسلة بعد غياب سنوات طويلة وكان لا بد من جس نبض السوق قبل المغامرة، ولكن كيف تقوم كابكوم بإصدار الجزء الخامس بحالة مزرية على صعيد المحتوى بعد النجاح الكبير الذي حققه الجزء الرابع وتطلعات الناس الكبيرة للعبة؟ ألا تُدرك شركة خبيرة مثل كابكوم خطورة خذلان جمهور اللاعبين وفقدانهم؟ من الصعب جداً أن تكسب ثقة اللاعبين، لكن من السهل أن تُدمرها. ستريت فايتر 5 صدرت بطور قصة سطحي و شحيح جداً، ولم تحمل معها حتى طور الآركيد الكلاسيكي وقت الإصدار! حريٌّ بها أن تتعلم من نجاحات المنافسين ومحتواهم العملاق مثل مورتال كومبات و سوبر سماش.
  • طور الأونلاين هو كل ما وفرته كابكوم لستريت فايتر الخامسة – تقريباً – وقت الإصدار، ولكن ألا يُشكل ذلك حاجزاً ضخماً للاعبين الجدد أو غير المحترفين؟ والذين يفضلون بالتأكيد أن يقضوا وقتاً طويلاً على محتويات اللعب الفردي أو الجماعي محلياً من أجل رفع مهاراتهم قبل الدخول إلى عالم الأونلاين المليء بالمحترفين. بالإضافة إلى ذلك، حتى الأونلاين كان مكسوراً مع معاناة خوادم اللعبة (السيرفرات) وانهيارها بشكل غريب جداً وغير مقبول على الإطلاق خاصة وأن اللعبة لم تحقق مبيعات عملاقة! كابكوم أصلحت هذه المشاكل لكنها خسرت “الانطباع الأولي” وعكست صورة سيئة للغاية عن العنوان.
مشاكل الخوادم أضرت باللعبة كثيراً عند إصدارها حيث لم تكن كابكوم جاهزة لإطلاق العنوان بتاتاً
مشاكل الخوادم أضرت باللعبة كثيراً عند إصدارها حيث لم تكن كابكوم جاهزة لإطلاق العنوان بتاتاً
  • بالحديث عن المبيعات، كابكوم توقعت 2 مليون نسخة مباعة من اللعبة مع نهاية عامهم المالي، إلا أنها حتى الآن بالكاد تصل إلى حاجز النصف مليون، أي أن اللعبة لم تحقق سوى ربع تطلعات كابكوم لها!
  • كيف ترضى كابكوم بإصدار لعبة قتالية بسعر 60 دولاراً مع 16 شخصية مقاتلة فحسب؟ هذا الأمر كان مبرراً عندما صدرت ستريت فايتر الرابعة للأسباب التي شرحناها سابقاً، لكن من غير المقبول أن تصدر ستريت فايتر الخامسة بنفس هذا العدد الضئيل من المقاتلين بعد النجاح التجاري الساحق للجزء الماضي. المحتويات الإضافية التي ستحصل عليها اللعبة من هنا حتى نهاية العام، كان يجب أن تتوفر في اللعبة منذ اليوم الأول، ومن ثم تحصل على المزيد من التحديثات والإضافات.
  • عدم إصدار اللعبة على أجهزة الآركيد في اليابان شكل ضربة حقيقية للعنوان وشعبيته وأغضب محترفي القتال هناك كثيراً، خاصة مع التاريخ العريق للعنوان على أجهزة الآركيد! افتتاحية ستريت فايتر 5 في الأسواق اليابانية وصلت إلى 42 ألف نسخة وهو رقم لا يشكل أكثر من “ربع” افتتاحية الجزء الرابع الذي حصد أكثر من 160 ألف نسخة في أسبوع الإطلاق توزعت بالتساوي تقريباً بين الإكس بوكس360 والبلايستيشن3.
أليكس وجايل أولى الشخصيات العائدة إلى العنوان
أليكس وجايل أولى الشخصيات العائدة إلى العنوان، ونحن نستغرب غياب جايل عن إطلاق اللعبة بكونه أحد أشهر شخصيات السلسلة

في النهاية تؤسفنا الطريقة السيئة التي أدارت بها كابكوم مشروع ستريت فايتر 5 ونعتقد أن التعافي من هذه الضربة على الصعيد التجاري لن يكون سهلاً على الإطلاق و قد يكون مستحيلاً. هل ستكفي التحديثات القادمة لإنقاذ ستريت فايتر 5 في الأسواق ؟ الأيام وحدها ستُجيب على هذا السؤال.

شارك هذا المقال