hussien-11
Senior Content Specialist
Kaiba
تاريخ الإنتاج : 2008
النوع : غموض - رومانس - خيال علمي
الاستوديو : Madhouse
عدد الحلقات : 12
( تحذير : المسلسل يحتوي على مواد للأشخاص البالغين )
هذه التجربة هي الأولى التي أخوضها مع عوالم المخرج "ماساكي يواسا"، أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً كما يقال .. بدأت مشاهدة الحلقة الأولى و أنا لا أملك أدنى فكرة عن الرحلة التي تنتظرني، بعد مضيّ لحظات بسيطة في عالم Kaiba العجائبي أدركت فوراً بأنني أمام عمل استثنائي من مخرج استثنائي. هل تعرف ما هي العبقرية ؟ من وجهة نظري المتواضعة، العبقرية الحقيقية لا تكمن في الإتقان مهما وصل إلى درجات لا متناهية من الدقة و الجودة، إنما تكمن العبقرية في القدرة على الخلق و الابتكار من العدم .. العبقرية أن تصنع شيئاً لا مثيل له، عندما تصل أيها القارىء الكريم إلى مرحلة من التشبع مما تشاهد من مسلسلات و سلاسل، عندما تتملكك رغبة جامحة في البحث عن عمل لا تقليدي، فاعلم وقتها بأن الموعد المناسب لمشاهدة Kaiba قد دنا.
أعرف جيداً بأن أعمال ماساكي يواسا لا تحقق نجاحات تجارية كبيرة و هذا أمر طبيعي جداً، توجهات الرجل السيريالية تستعصي بشدّة على المشاهد البسيط فيتعسر عليه فهمها و إدراكها، ومن الواضح بأن ماساكي يواسا يتبنى الفكر السيريالي في أعماله بالتخلي عن الأشكال الهندسية المعروفة واستخراج مكامن عقله الباطن في تخيل عالمه الخاص، إلا أن هذا المستوى الفني الرفيع يجعل مسلسلاً كـKaiba أكثرَ من مجرّد سلسلة أنمي بسيطة تتابعها بغرض التسلية و الترفيه، بل هي سلسلة فنية و إنسانية من الطراز الأول، تعكس الثقافة البصرية و الفلسفية الهائلة لمخرجها ذي العقلية الفذّة .. أعتقد بأن أعمال ماساكي يواسا ستلقى في يوم من الأيام ما تستحقه من ثناء و تقدير، فالكثير من أعمال العباقرة استعصى فهم جماليتها على أبناء جيلهم من النقّاد والمشاهدين، ليعودوا لها بعد عشرات السنين فيدركوا أي آية في الفن كانت، و أي عبقرية على زمانها صوّرت.
أعتقد بأن ماساكي يواسا يبدأ أعماله دائماً بالأسئلة التي يطرحها على نفسه، ماذا لو ؟ ماذا لو ؟ فهو مخرج كثير التأمل و التفكير، و الأسئلة التي يطرحها هنا تتمحور حول الإنسان و الذكريات .. ما الذي يجعل الإنسان إنساناً ؟ كيف يحتفظ الإنسان بإنسانيته ؟ إذا كانت الذكريات هي مفتاح الشخصية، فما الذي سيحدث لو كان بالإمكان نقل هذه الذكريات من جسدٍ إلى آخر ؟ كيف سيتعامل البشر مع وضعية تسمح لهم بتعديل الذكريات كما يشاؤون، فيمسحون كلّ ما هو قبيح، و يحتفظون بكل ما هو مليح ؟ يستخدم يواسا هذه الأفكار لبصنع لنا هذه الديسوتبيا.
و الديستوبيا مفهوم فلسفي معاكس و مناقض لكلمة يوتوبيا، و تستعمل كدلالة على المجتمع التخيلي المُريع الذي تتلاشى فيه القيم الإنسانية بكافة ألوانها و أشكالها، و يحل مكانها اليأس و الفقر و المرض و الجوع .. و هكذا يستعمل Kaiba مفهومه الاستثنائي في التلاعب بالذاكرة التي تصبح مادة أشبه ببيانات الكمبيوتر، حتى يبني لنا مجتمعاً سوداوياً مشؤوماً تُباع فيه الذاكرة و تُشترى على قارعة الطريق، و يقوم فيه الأغنياء ببسط نفوذهم على الفقراء فيحتكرون الأجساد الجميلة و يشترون الثقافة و المعارف، فيما يعيش الفقراء حياة تراجيدية وسط إطار من الفوضى و الجرائم الفكرية من سرقة الأجساد وشرائح الذاكرة.
القصّة
تتمحور قصة المسلسل حول بطلنا Kaiba الذي يستيقظ ليجد نفسه في مكان مجهول، كايبا لا يمتلك أي ذكريات حول نفسه على الإطلاق، إلا أنه يحمل قلادة تحتوي على صورة ضبابية لفتاة جميلة. تبدأ رحلة كايبا بالهرب عندما يطارده بعض الأشخاص بهدف سرقته .. ثم ننتقل معه من مكان إلى آخر .. لنتعرف برفقته على خبايا هذا العالم الغريب. على أية حال، يرتكز كايبا على المفاهيم والمعاني والقضايا النفسية و الاجتماعية أكثر من ارتكازه على الحبكة و القصص، و يقف المسلسل على الخط الرفيع الفاصل بين الميلودراما الرخيصة و بين الدراما العبقرية التي كانت تميّز أعمال الأنمي فيما مضى، فينتقل من مشهد إلى آخر و من قصة إلى أخرى بنباهة وفطنة و ذكاء، فلا يفرض عواطفه عليك و لا يختلق الأسئلة والأجوبة، و إنما يبني نفسه برصانة و سلاسة تاركاً لقصته مجراها الطبيعي، و كل حلقة ترتكز على مفاهيم معينة تتعلق بالهوية التي تميّز صاحبها عن الآخرين، و المتعة الإدراكية أو الجسدية، والإنسانية و ما الذي يميز الإنسان و يعرّفه حقاً، و قيمة الذكريات و الأجساد، والقضايا النفسية و الاجتماعية المتعددة.
الشخصيات
Kaiba
بطلنا فاقد الذاكرة إياه، جسد كايبا يحتوي على تجويف غريب في صدره، فيما نستطيع رؤية مثلث مقلوب على بطنه، يملك كايبا قلادة عليها صورة فتاة غامضة.
Neiro
فتاة غامضة مجهولة ترتبط بعلاقة غير معروفة مع كايبا، ويبدو أنها مذنبة في حادث تفجير مخزن للذكريات.
Popo
يظهر بوبو في الحلقة الأولى منقذاً كايبا من خطر داهم، لكن حقيقة بوبو ليست كما تبدو، فما هي أهدافه و دوافعه الحقيقية ؟
الأسلوب البصري
إذا كنت من أبناء المدرسة الواقعية عليك ألا تفكّر بمشاهدة كايبا، فالأسلوب البصري الغريب في المسلسل ينتمي إلى مدرسة الرسم السيريالي التي تعتمد على تصوير أحلام الرسام أو المخرج، متخلية بذلك عن الأشكال الهندسية المعروفة في بناء المادة، و يبدو لي جلياً التركيز الكبير على استخدام الخطوط الدائرية و المنحنية في رسم عالم كايبا بالكامل و شخصياته، ما الذي يعنيه ذلك ؟ بحسب رؤيتي المتواضعة فإن الأشكال الدائرية في كايبا تمتلك المعاني التالية :
- التغيير : لا شيء في كايبا يبدو كما هو عليه، و الحقيقة تختلف كثيراً عمّا يتراءى للناظرين، الخطوط المنحنية تعبّر عن القدرة السريعة على "التغيير"، و في عالم كايبا لا شيء أسهل من التغيير .. تغيير الأجساد .. تغيير الذكريات السعيدة أو الحزينة .. الخطوط المنحنية توحي بالتغيير الديناميكي في هذا العالم، و بذلك تعطي رسالة للمشاهد بالزيف و الخداع.
- الاضطراب : الأشكال الدائرية هي أفقر الأشكال الهندسية فنيا في الرسم و التصاميم، و لذلك يبتعد الرسامون عن تكرارها لأنها تعطي الإحساس والشعور بالاضطراب و الاهتزاز .. لكن يواسا يكرر الأشكال الدائرية في كافة إطارات العمل ليجسّد مفهوم الاضطراب قاصداً ذلك بفضل إلمامه الفني الواسع بمعاني الخطوط و الأشكال الهندسية في الفن، و آثارها النفسية على عقلية المشاهد.
- الحياة : الشكل الدائري يشير أيضاً إلى الحياة و ذلك لأنه يعود في الأصل إلى شكل الخلية و يرتبط كذلك بالجنين، ربما يريد المخرج أن يبعث رسالة بوجود الأمل أيضاً أو ربما يستخدم الاستعارة البصرية للدلالة على مفهوم الحياة و أصولها في القصة.
- الألوان : يستخدم كايبا ألواناً باهتة في مزيج من العلاقات اللونية المحكمة ، ونلاحظ بشكل عام طغيان اللون الأخضر الزيتي الباهت مخلوطاً بدرجات من الأصفر و الأزرق الفاتح.
* سيكولوجية اللون الأخضر الزيتي تبعث على القلق و الريبة و التوجّس، و أما الأخضر القوي أو الفاقع يشير إلى الحياة
* الأصفر الفاتح يشير إلى المرض و الفقر و الفناء وهو موضوع سائد في المسلسل في عالمه المظلم
* الدرجة الشاحبة من الألوان أفسرها بالهشاشة، فكل ما في عالم كايبا هشّ للغاية و قابل للانهدام في لحظات
إلى محبّي الفن الأصيل .. لينطلق النقاش !