Punished Noctis
A Silver Bullet
مر أسبوعان، ومازلت غير قادرٍ على التوقف عن التفكير في Devilman Crybaby. هذا غريبٌ في الوهلة الأولى، لأنني لست متأكداً حتى إن كان الإقتباس الأخير لمانجا جو ناجاي الشهيرة مسلسلاً ممتازاً من الأساس. Crybaby يعاني من مشاكل رتم، إحتاج بضع حلقات إضافية ليحكي القصة التي أراد ان يحكيها، نصفه الأول أضعف من الثاني، لم يوفق في بعض قراراته الفنية. رغم وعيي بكل هذا، إلا أنني كلما فكرت أكثر، كلما وجدت أن Crybaby هو أحد أكثر الأعمال الفنية تفضيلاً لدي على الإطلاق، ولهذا أسباب تتخطى شغفي بالعيوب، والجرأة التي تخلقها.
في السطور القادمة سأبدأ الحديث بالتفصيل عن أحداث المسلسل، وأنصح بشدة بمشاهدته قبل متابعة قراءة التدوينة. قد أعذر من أنذر.
لكن قبل أن ابدأ الحديث عن المسلسل، أريد أن اتحدث أولاً عن المانجا. ديفلمان هي واحدة من تلك الأعمال التي تعرفها إسماً لكنك لا تسمع عنها كثيراً، ولا تعي بتأثيرها عما تلاها. كل خصمٍ فاتحٌ لون شعره، ناعمةٌ ملامح وجهه، سبقت خصومته صداقة مع البطل تطورت إلى علاقة معقدة فيها من الحب والكره والهوس مافيها. كل جريفيث وكاوارو ناجيسا، كل سيفيروث وناجيتو كومايدا، كلهم يدينون في وجودهم ولو بالقليل إلى أسوكا ريو. نهاية إيفانجليون، خسوف بيرسيرك، والكثير من فاينل فانتسي 7، جميعهم يدينون لجو ناجاي بطريقة أو بأخرى.
وهذا غريب. فديفلمان هي واحدة من أحلك القصص المصورة وأكثرها عدمية. هي قصة بطل خارق يقاتل الشياطين ويحمي البشرية، فقط ليكتشف مع الوقت أن البشر الذين يحميهم لا يختلفون عن الشياطين في شيء. هي قصة لا تكتفي بقتل شخصياتها الرئيسية بأبشع الطرق، بل تنتهي بإفناء البشر والشياطين على حد سواء، مخبرة إياك ان مجلداتها الخمسة كلها، لم تعني شيئاً في نهاية المطاف. هناك درس ما عن أهمية تقبل الآخر وإيقاف العنف الفارغ، لكنه مدفون تحت أطنان من العدمية واللا مبالاة. هي قصة لا تزال جراح الحرب العالمية الثانية ظاهرة عليها، ولا تحمل الكثير من الأمل في المستقبل. لهذا كان من الغريب أنها الهمت جيلاً كاملاً من الأطفال في اليابان. لحسن حظنا أنها فعلت، رغم تحفظاتي على أخلاقية نشر قصة كهذه بمجلة للأطفال من الأساس. الستينيات كانت غريبة.
Devilman كانت قاسية وغير مبالية. عِبرتها لطالما بدت كشيء لم يؤمن فيه ناجاي من الأساس، ورغم قابلية تأويلها كقصة ضد الحرب، لطالما بدت لي كقصة عن أن الحرب حادثة عاجلاً ام آجلاً، لأن البشرية متعفنة، وتستحق النهاية المأساوية القادمة لا محالة. اعتقد أن هذا كان الفرق المحوري بين القصة الأصلية، وبين نسخة ماساكي يواسا. Crybaby قد لا يقل قسوة عن النسخة الأصلية، لكنه بلا شك أقل لا مبالاة حول حتمية المأساة. هو إحتفالية بالإنسانية، بجمالها وقبحها.
خذ كمثال، النصف الأول. النصف الأضعف، لكنه بلا شك ليس الأقل أهمية. ذاك النصف مليء بالإنسانية في أنقى صورها. الكثير من العنف، والجنس، والحب، والكره، والغيرة، والتقلبات. نصف مليء بالدماء والتعري، لكنه ايضاً مليء بلحظات كغيرة ميكو من ميكي التي سلبت منها إسمها، ثقة ميكي بالآخرين وإيمانها بهم، وكيف تم إستغلالها بسبب ذلك، حب ريو لأكيرا وإهتمامه به رغم كونه مختل نفسياً بوضوح، تلك اللحظة حين تمكن الرابر الذي لم يحمل إسم بلحظتها من كسر فقاعة ميكو والوصول إليها، لأنه فعلاً إهتم، رغم أنه تم تقديمه في البداية كشخص سيء. Crybaby منذ اللحظة الأولى ينبض بالإنسانية بكافة صورها، وهذا الفرق الرئيسي بينه وبين المانجا، وهذا مايجعل النصف الثاني حيث يبدأ اكثر بالتركيز على الجوانب الأبشع، أكثر قوة. بين تلك الجوانب لاحظت تركيزاً كبيراً على فكرة الخيانة ونكران الجميل. تركيزٌ كان في أوضح صوره لحظة خيانة مغنيي الراب الذين انقذتهم ميكي لها وتسببهم في مقتلها، ولحظة خيانة الرياضي كودا لأكيرا وتدميره للحظة انتصاره الوحيدة بالنصف الثاني.
ويالها من لحظة انتصار كانت. وقوف اكيرا أمام القطيع الغاضب، يتلقى ضرباتهم وإهاناتهم، يبكي لهم وليس لنفسه، يسألهم لماذا يكرهونه. لحظة يمكن بسهولة اتهامها بكونها ركيكة، او بكونها تجسيد للمسلسل وهو يضربك بعبرته على رأسك حتى تستوعبها، لكنها وصلت لي. Crybaby تحدث عن الكره غير المبرر للآخر لكونه مختلف والعنف الفارغ الذي يخلقه بشكل أكثر إقناعاً وصدقاً وعفوية من محاولات المانجا غير المؤمنة.
لكن إن كان لي أن اختار جزئيتي المفضلة بهذا الإقتباس، فبلا شك سأختار أسوكا ريو، أو ساتان، كما يكشف عن نفسه لاحقاً. ساتان بالمانجا شخصية أكثر باراجماتية ودوافعه أوضح، يريد الإنتقام من الإله الذي نفاه ودمر فرصه بالسعادة، وبالنهاية يستوعب ان مافعله بالبشر لا يختلف عن مافعله الإله به ويندم. لديه مونولوج طويل حول هذه الفكرة حتى. بالمسلسل الأمر مختلف بعض الشيء. أكثر تعقيداً، وأكثر إنسانية.
الغيرة. واحدة من أكثر المشاعر الإنسانية تعفناً، وواحدة من أكثرها نقاءاً ووضوحاً أيضاً. الغيرة كانت جزء من المسلسل منذ البداية في نظرة ميكو إلى ميكي، لكنه يأخذها لمستوى آخر في شخصية ساتان. ساتان يغار من البشر. معركته ضد الإله معركة يائسة ليس لديه أي فرصة بالنصر فيها، وهو يعرف ذلك. كل تحركاته في المسلسل مصدرها غيرته من حب الإله للبشر، وإستنكار ذلك الحب. رغبة بإثبات بشاعة البشرية، وكونها لا تستحق حب الإله. أكثر المشاعر “بشرية"، كانت مادفع ساتان لإفناء البشر. هناك نوع من العدالة الشعرية هنا.
اما الدقائق الأخيرة فهي حيث تصل الشاعرية أقصاها حين ينقرض البشر! في Crybaby، ساتان لا يلقي خطبة عن إستيعابه لتناقضه وندمه عليه، فـ Crybaby لا يضيع وقته في شرح مايمكن قراءته. في Crybaby، ساتان يقوم بما هو أنبل، ويواجه علاقته مع أكيرا، ويتعلم أن يُحب.
فنت البشرية، لكن بالمقابل، تعلم ساتان أن يُحب. هكذا وجد Crybaby الإنسانية، في إحدى أكثر نهايات القصص عدمية.
التعديل الأخير: