Anaxïmandrøs
True Gamer
الحديث عن العلاقة بين الألعاب والفن سيجرنا حتما الى أصل هذه الصناعة التي حملت من بداياتها هوية ترفيهية بحتة ولانكاد نرى للفن فيها أي موطئ قدم أنذاك..
ومع ذلك لا أحد ينكر التطور الفني الكبير الذي عرفته صناعة الألعاب والذي تماشى بالموازاة مع التطور التقني خلال الثلاثة عقود الماضية ، بل كانت التقنية هي الأداة الأهم على الإطلاق والعمود الأساسي لتقديم أنواع مهمة من الفنون الراقية لدرجة جعلتني أتسائل مع نفسي : هل كان يتوقع البروفيسور توماس غولد سميث (الأب الروحي للتسلية الإلكترونية) أن تصل صناعة الألعاب الترفيهية لهذا التكامل التقني/الفني الذي نراه الآن؟
فن الرسم والصورة :
تطور التقنية كان لها الفضل الأول والأخير لمرور فن الرسم وكان لزاما على الفنان أن يرسم لوحات غاية في البراعة حتى تتحول بعد ذلك لبيكسلز على الشاشة وبالرغم من القيد الكبير الذي فرضه واقع ضعف العتاد وقتها فقد كان من الضروري للفنان أن تكون رسوماته أقل تفصيلا لكن أكثر رونقا وسحرا وتعبيرا.. وهذا الأمر قد فرض على الفنان/المصمم أن يتأقلم مع ظروف محدودية العتاد على مدى أكثر من جيل لأجهزة الألعاب لكن في نفس الوقت جعلته يكتسب مناعة ضد هذه المحدودية ، والأهم أنها صقلت الجانب الفني للمصمم في ظل الظروف القاهرة بل وجعلته يصل الى درجة عاليا من الضبط للفن مع التقنية وصهرهم في بوتقة واحدة..
الجمال الرسومي الفني في الألعاب :
الجماليات تتعلق بتحديد معايير الجمال وكيف يتم تقييم جمال الرسم من شخص لآخر ؟ هي مسألة نسبية بطبيعة الحال تختلف من شخص لآخر لكن الإجماع يكون على مدى عمق ومدى غنى هذه الصورة أو الرسم وأقرب مثال على كلامي هي لعبة Journey التي لا نكاد نرى فيها تفاصيل وتكستشرز بشكل مكثف كما نراه في العاب ك Call Of Duty مثلا.. لكن مع ذلك تحس بعمق في الرسم وفكرة يريد الفنان إيصالها من خلالها ، Journey حرفيا هي لوحة قادمة من عصر فنانين عضماء كمايكل أنجلو.. تشعر تماما أن المصمم يريد أن يروي قصة عن فلسفة الحياة من خلال عالم Journey ، و أي شخص يملك الإدراك بمعنى الجمال فلسفيا يمكنه أن يرى بوضوح ويفهم ماذا أراد الفنان إيصاله لنا من خلال ريشته بمجرد تأملك للوهلة الأولى للبحار الرملية.. في حينها ينمو بداخلك شعور جميل بالراحة الممزوجة بالنسيان .. نسيان الألام .. ونسيان أنك تعيش في عالم حقيقي قاسي وغير مثالي لكن أمامك فرصة نادرة للقفز داخل عالم Journey الأكثر حرية وسلاما .
الموسيقى كفن تقدمه الألعاب بأبهى تجلياته :
بقليل من الوعي الموسيقي تستطيع فهم أن الموسيقى تحتوي على عنصرين يوازي كل منهما الآخر : الجمالية الفنية والسمو بالأحاسيس ، العنصر الموسيقي أصبح قطعة هامة جدا في الألعاب بل أكثر من ذلك هو يخلف موروث موسيقي للمستقبل وتوثيق للماضي..
سألتقط المثال الذي لازم ذهني وأنا أكتب هذه السطور .. موسيقى سلسلة Super Mario ، موسيقى سوبر ماريو تعبر عن عالم مليئ بالسرور والبهجة والكثير من السعادة ، وتحتوي على قدر كبير من الأصالة الموسيقية تجعلها متفردة عكس العاب أخرى تقدم قالب موسيقي فخم وعالي المستوى لكن بنفس الوقت تشعر أنك سمعت شبيها لتلك المقطوعة بمكان ما! ، ربما ليس بسبب فقر الملحن موسيقيا لأنه في عديد من الأحيان يكون إستجابة لما تفرضه الموضة على السوق .
يتجلى بوضوح أن موسيقى سوبر ماريو قد أسست لثقافة الفيديو جيمز موسيقيا وأي شخص يمر بقربك حتى وإن كنت لاتعرفه وسمعته يدندن تلك الموسيقى الأصلية الخالدة لماريو ستقول في نفسك بسرعة : هذا جيمر
أتسائل مرات عديدة مع نفسي كيف تمكن كوجي كوندو بعبقرية قل نظيرها أن يؤسس لموسيقى أصبحت رمزا و واجهة لصناعة العاب الفيديو ؟ موسيقى ستظلفي نظري على الأقل خالدة الى نهاية الأزمنة ، وكما عرف شوبنهاور العبقرية الموسيقية "بمقدرة الفنان على تخيل ونقل الأبدي" .. كوجي كوندو يتلبس هذه الصفة بالمقاس وبكل جدارة
من الممكن أن يتعارض معي شخص ما قائلا : إنها مجرد موسيقى أخرى عادية بالخارج.. لكن بالنسبة لي أرى أنه من المحال أن لا تستشعر العبقرية هناك! ومن الوارد جدا أن الأشخاص لا يستجيبون للفن بنفس الطريقة .
الأدب في الألعاب (القصة والسيناريو)
من الممكن أن تعود لموضوعي عن البناء القصصي في الألعاب
التمثيل (الحركي والصوتي) :
التمثيل كحقل إبداعي في الألعاب لازال أمامه بعض الوقت حتى يصل للمستوى الذي نراه السينما الحقيقية ، بالتأكيد نراه حاليا على الطريق الصحيحة لمستوى أكبر من المثالية مع تراكم الخبرات لدى المصممين و وعيهم بكل ما يخص جوانب الإبداع في الفن السابع ومع تطور التقنية المتسارع فقد نرى هذا الأمر في المستقبل القريب ونشاهد أخيرا أداءا تمثيليا أوسكاريا في العاب الفيديو .
في الحقيقة قد دأب البعض دائما على فك الإرتباط بين الألعاب وبين الأداء التمثيلي السينمائي في الألعاب بذريعة أنه عنصر دخيل عليها وهذا صحيح نسبيا ومع ذلك أنا لا أراهما كقارتان منفصلتان والدليل هو كيف قدم مصمم God Of War الأخيرة ببراعة سينمائية إستثنائية وفند كل الأطروحات المتمثلة في عدم جدوى دمج العنصرين مع بعض (الألعاب والسيننمائية) ، لأنه فعلا (قياسا على ما رأيت) فلا يمكنني الا أن أثمن تلك التجربة وأشجع كل محاولة لتقديم شيئ مماثل وبتلك العظمة وأي فنان/مصمم على قدر كافي من الموهبة والشجاعة أنا معه في ذلك ، لأنها محاولات تصب في صالح الصناعة وترفع سقف التحدي عاليا في كل مرة ومع كل محاولة جديدة وهذا حتما سيصل بنا لمرحلة عدم تمييز أداء سينمائي حقيقي وبين الألعاب السينمائية كأداء وحتى لا أفهم خطأ فأنا لا أطالب بتحويل الألعاب لأفلام إطلاقا .
في بدايات السينما قديما ساد إعتقاد لدى الكثيرين بأن السينما فن للتسلية والترويح عن النفس وبأنه لايجب أخذها مأخذ جد أو أن لا نعتبرها مصدرا للتفكير والتأمل لكن في الوقت الحالي أصبح ذلك من الماضي ولا يأخذ بذلك الكلام شخص عاقل .. نفس تلك المرحلة تمر بها الآن صناعة الألعاب بالدمج الحاصل بينها وبين السينمائية ويعتقد البعض بعدم جدوى تمرير رسائل إنسانية وسياسية.. بما أنها مجرد العاب للترفيه فقط! وهذا خطأ كبير حسب رأيي من أشخاص كثر والغريب أنهم يمجدون ويهللون لنفس الشيئ في السينما وبعض الأنواع الأخرى من الميديا ويستحقرونها بنفس الوقت لو قدمت داخل لعبة !! إزدواجية غريبة حقا !
كيف تملك قاعدة جماهيرية قد تصل لأرقام مهولة على كل المنصات ولا تستغلها كفرصة جيدة لنشر الوعي الثقافي والفني بين الجمهور! وكيف لأشخاص آخرين رفض كتاب معرفي غني فقط لأنه سيأتيك على شكل لعبة ترفيهية تفاعلية ! ما المانع ؟
على البعض أن يفهموا أن الألعاب التي تقدم أداءا تمثيليا تلمس فيه محاولة جادة لمحاكاة السينما الفعلية لكنها تفشل في عديد من الأحيان .. هذا لا يعيب المصمم والفريق الواق خلفها ، لأن العيب والفشل الحقيقي هو عدم المحاولة من الأساس ، وكل شيئ سيتطور مع توالي المحاولات.. فإذا كانت السينما قد بدأت على الوان الأبيض والأسود وبشكل صامت فاليوم تظهر بتقنية ال8k ونفس الرحلة بدأتها السينمائية في الألعاب قبل عشرين سنة فقط .
الفنون أصبحت جزءا لا يتجزأ من صناعة الألعاب بل أصبحت ثقافة وترفيه قائم بذاته ، ولم يعد من الممكن ولا من المنطقي الفصل بينهم بأي شكل من الأشكال ، كأنك تقدم لوحة من دون رسم أو موسيقى بدون آلة أو كتاب بدون كلمات .
التعديل الأخير: